الاستقلال والتحرير نظرة جديدة

فتحي_عثمان
نفس الخطاب

فيما يلي ملخص لندوة “تجديد المقاومة” والتي نظمها شباب البديل الارتري في يوم السبت الموافق 24 مايو الجاري.
هذا عرض لأهم النقاط في الورقة المقدمة تحت عنوان: “الاستقلال والتحرير: نظرة جديدة”
في الندوة قال المناضل السفير حمد كلو بأن الحالة الارترية الراهنة “غريبة وشاذة”، وأنا أضيف إلى قوله إنها ولهذا السبب، دون سائر الأسباب، تحتاج لأدوات جديدة تقلب المسلمات وتعيد النظر في مسيرة الماضي وكبوات الحاضر وحلول المستقبل، خاصة عند تقصي الأهداف القومية والسياسية الموجهة للعمل الوطني من جهة الكينونة والتحقق.
وتعتبر مناسبة ذكرى الاستقلال والذي تحقق بالدماء الطاهرة والتضحيات الجليلة مناسبة للتوقف لمراجعة مفاهيم الاستقلال والتحرير. والتهاني بهذه المناسبة موصولة لكل الشعب الارتري “المالك الحصري والوحيد لهذا اليوم المهيب”.
ويجدر بنا العودة إلى التاريخ قبل معالجة هموم الحاضر.
الكتلة الاستقلالية والاستقلال:
يفهم من اسم الكتلة الاستقلالية أن الاستقلال كان الهدف الأساسي لها، وحلمها الدائم كان هو رؤية “ارتريا المستقلة”، وكافحت هذه الكتلة من أجل هذا الهدف مقابل ثلاث تحديات كبيرة وهي تقسيم البلاد، أو ضمها لإثيوبيا أو ضياعها في غمرة الصراع الدولي والمحلي الدائرين. تجاوزت الكتلة هذه التحديات وبقيت البلاد موحدة، ولكنها لم تسلم من الضم إلى اثيوبيا. قامت مطالب الاستقلال في ظل تشجيع الأجواء الدولية السائدة حينها خاصة تبلور مفهوم “حق تقرير المصير للشعوب” والذي عبر عنه ميثاق الأطلسي الذي وقعه رئيس الوزراء البريطاني تشرشل والرئيس الأمريكي روزفلت في أغسطس 1941 والذي نصت المادة الثالثة منه على “حق جميع الشعوب في تقرير المصير” ثم تلى ذلك حصول الهند (درة التاج البريطاني) على استقلالها وكذلك باكستان. وفي الحالة الارترية كان هناك التشجيع البريطاني للارتريين للوقوف معها ضد إيطاليا حتى يتمكنوا من تقرير مصيرهم والوضع الخاص ليبيا التي نالت استقلالها في عام 1951 باعتبارها وارتريا والصومال من قضايا تصفية الاستعمار الإيطالي.
ورغم تمسك الكتلة الاستقلالية باستقلال ارتريا إلا أنها لم تكن تحمل مشروعاً واضح المعالم حوله أو ماذا يمكن أن تفعل إذا حصلت عليه.
الثورة: من الاستقلال إلى التحرير
كانت تضحيات الكتلة الاستقلالية غالية وجسيمة ولكن اثيوبيا نجحت في الغاء الاتحاد الفيدرالي، لكن العنف والقهر الاثيوبيان اللذان مهدا لإلغاء الاتحاد الفيدرالي في نوفمبر من عام 1962 دفعا الشعب الارتري عبر الفئات الطلابية والعمالية للتظاهر والاحتجاج الأمر الذي أدى إلى تبلور الثورة الارترية مع تأسيس حركة تحرير ارتريا في عام 1958 وتلى ذلك تبني خيار “العنف الثوري المسلح” عبر اندلاع الكفاح المسلح في سبتمبر 1961 وتأسيس جبهة تحرير الارترية وانبثاق قوات التحرير الشعبية والجبهة الشعبية عنها في السنوات اللاحقة. أدى تأسيس هذه التنظيمات إلى ظهور مفهوم “التحرير” على حساب مفهوم الاستقلال السابق له، ويلاحظ أن التنظيمات الكبيرة في الساحة الارترية كلها اتسمت من أسمائها بصفات التحرر والتحرير. وكان الزخم الثوري السائد عالمياً وقتذاك دافعاَ لتبني مفاهيم التحرير والقابه وتمثل ذلك في الإنجازات الباهرة للثورات الصينية والفيتنامية والكوبية وحركات التحرر الافريقي.
عند هذه النقطة يجب علينا التوقف لمقارنة مفهومي الاستقلال والتحرير وما ترتب عليهما في السياق السياسي الارتري.
الاستقلال مفهوم قانوني سياسي يصف حال الدول وترتبط به مفاهيم فرعية كالسيادة ومفهوم الاعتراف الدولي المؤدي إلى اكتساب الدولة عضوية المجتمع الدولي وحقها القانوني في إقامة علاقات دبلوماسية إضافة الى الانضمام إلى المنظمات الإقليمية والدولية، وكذلك حقها في ممارسة الاختصاص القانوني في اقليمها.
وقد تكون الدولة مستقلة، ولكن ذلك لا يعني أنها حرة، فقد تكون تابعة او يكون شعبها واقعاً تحت كبت الطغيان وتنعدم الحرية في ارجائها.
ومفهوم الاستقلال أضيق من مفهوم التحرير.
أما التحرير فهو مفهوم سياسي، ثوري، واجتماعي ذو دلالات ثقافية.
وهو ليس كالاستقلال الذي يصف حال الدول؛ فالتحرير يصف حال الشعوب والأفراد والأمم (فالشعوب توصف بأنها حرة وكذلك الأفراد ولا توصف الأمم والأفراد بأنهم مستقلون إلا من باب المجاز).
وتضم فعاليات التحرير تحرير الإنسان من الأعداء الثلاثة الخالدين: الفاقة والمرض والجهل، وكذلك تطهير الأرض من الأعداء إضافة إلى المفاهيم الحديثة لتحرير العقل والثقافة من التبعية. ويشمل التحرير مفاهيم العدالة والمساواة والسعي لتحققهما.
والدولة الحرة هي دولة مستقلة بالضرورة، ولكن العكس ليس صحيحاً.
من هذه المقارنة يتضح لنا لماذا عندنا في ارتريا بلداً مستقلا وليس حراً، نظراً لقيود الاستبداد التي يرزح تحتها ثقلها شعبنا.
لكن ما علاقة كل هذا بمفاهيم تجديد العمل المقاوم؟
العلاقة هي الحاجة القصوى لتفهم الفرق الجوهري بين الاستقلال والتحرير، وهو أن الاستقلال عبارة عن حدث (إيفنت) ولكن التحرير عملية طويلة وشاقة (لونغ بروسيس). كون الاستقلال حدثاً، إضافة لكونه يصف حال الدول، فهو ذو بداية ونهاية في التاريخ، مثل استقلال ارتريا في الرابع والعشرين من مايو 1991، بينما التحرير عملية طويلة لا تنتهي عند حدث الاستقلال، بل تبدأ قبله وتحتويه ثم تمضي بعده.
وبالنظر إلى حال العمل المقاوم الآن نجد أنه ينظر إلى التغيير كحدث يحدث في لحظة من التاريخ تتمثل في اسقاط حكم اسياس أفورقي، وهذا يعيدنا إلى مربع الاستقلال مرة أخرى. لكن إذا نظرنا إلى التغيير كعملية مستمرة حتى بعد سقوط حكم اسياس فإن سوف نتفادى أخطاء الماضي بلا شك. فالتحرير عملية ثورية تشمل اسقاط الحكم الحالي وتتجاوزه إلى المراحل اللاحقة له.
تاريخياً أوصلت نضالات الكتلة الاستقلالية والثورة الارترية البلاد إلى حالة الاستقلال، ولكنها لم توصلها إلى مرحلة الحرية، لذلك اكتشف الشعب الارتري بأنه حصل على استقلال مجرد من الحرية.
التوقف عند تفكيك هذين المفهومين في بعديهما التاريخي والسياسي في السياق الارتري مبعثه كوننا، أولاً، شعب يرزح تحت الأغلال القيود داخل الدولة “المستقلة”.
وثانياً، المخاوف في اعتبار التغيير حدثاً مرهوناً بإسقاط الحكم والاستيلاء على السلطة والتغاضي عن مفهوم وعملية التحرير التي تعني تغييراً جذرياً يتجاوز الحدث العابر المغير للحكم والمؤدي إلى تحرير الإنسان من كل القيود.
وأمام المسئوليات الجسام يكون للإنسان خيار الأخذ أو الترك.
أخيراً أقدم أجوبة على أسئلة طرحت في الندوة، تاركاً للقراء استشفاف السؤال حتى لا أطيل.
أتمنى أن ننتقل من طور المقاومة حيث المقاومة فرض عين واجب على الكل إلى طور المعارضة حيث العمل المقاوم فرض كفاية يؤديه بالاختيار من يريد المشاركة في العمل السياسي طوعاً.
الجبهة الشعبية تنظيم مسموم نقل عدوى الطغيان إلى البلاد.
لا يجب تقديم السياسي على الاجتماعي في البحث عن الحلول في ارتريا لأن الحل الاجتماعي والثقافي يشمل الحل السياسي والعكس ليس صحيحاً، ولأن تجارب العمل السياسي تضع الدولة والسلطة فوق المجتمع وهو ما أوصلنا إلى الوضع الراهن.
الفيدرالية كصيغة لإدارة الدولة تعتمد على فهم عدالة توزيع الحقوق كلها، فلا فيدرالية دون تبلور فهم كلي للحقوق والواجبات والإيمان بها وإمكانية توزيعها، أما إذا كانت الفيدرالية محاولة للهروب من استحقاقات إدارة “الوحدة ضمن التنوع” فهي في هذه الحالة خيار محكوم عليه بالفشل الذريع.
يمكن الانتقال من طور القبيلة إلى طور الدولة عبر نقل ما تقدمه القبيلة من حماية واعتزاز وفخر وتضامن وولاء إلى مؤسسات اجتماعية مثل الجامعة والحي السكني والوحدة العسكرية وبناء مفهوم التدامج الاجتماعي، فالتمدين عبر عناصره الكلية قادر على ضمانة انتقال سلس من طور القبيلة إلى طور الوطن الواسع الأرجاء.
الأزمة الارترية الراهنة شاذة وغريبة، وتحتاج لأدوات أكثر غرابة لفهمها وحلها.
المعيار الذي يحب أن يحاكم به أي حاكم لارتريا حاضراً ومستقبلاً هو معيار “الحياة الكريمة” الذي دفع الشعب ثمنه دماً ودموعاً.
حروبنا في قسوتها وفظاعاتها وكراهيتها تشبهنا تماماً وتعكس ذواتنا الحقيقية، لذلك علينا التفكير الف مرة والوعي قبل حمل بندقية التغيير في ارتريا.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=47590

نشرت بواسطة في مايو 27 2025 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. يمكنك ترك رد او اقتفاء الردود بواسطة

رد على التعليق

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010