أحسنتَ ياحريراي ، ولكن …

عامر راكي      

 

    شرع الأستاذ أبو همّد حريراي  في نقد كتاب  السيد ألأمين محمد سعيد  الموسوم بـ ( الثورة الإرترية – الدفع والتردي ) ، ومن المفيد أن نقوم بنقد ما ينشر من أعمال للكتاب الإرتريين  ، فليس هناك كتابٌ أو مؤلَّف يخلو من جوانب القصور ، ويقول العماد الأصفهاني : ( إني رأيتُ أنه لايكتب أحدٌ كتاباً في يومه إلاّ قال في غده : لو غُيِّر هذا لكان أحسن ، ولو زيد هذا لكان ُيستحسن ، ولو قُدِّم هذا لكان أفضل ، ولو تُرِك هذا لكان أجمل ، وهذا من أعظم العِبر ، وهو دليل استيلاء النقص على البشر .) ، وبالرغم من أن الكتاب المذكور حاول فيه الكاتب أن يؤرخ لفترة حاسمة من نضال الشعب الإرتري  ، إلا أنه ليس كتاباً في التاريخ ، لأنه يفتقر إلى منهج البحث التاريخي  ، ولا هو كتاب في علم السياسة لنفس السبب ، ولكنه قد يكون كتابٌ في السياسة ، ويهدف فيما يهدف تسفيه نضال الشعب الإرتري وتلميع نخبة الجبهة الشعبية وجذورها منذ حقبة الأربعينات من القرن الماضي حتى بزوغ  فجر الحرية – حين خرج الكتاب . وكان  التسفيه والتلميع توطئة لتبرير إقصاء التنظيمات والأحزاب الوطنية  ، وانفراد نخبة الجبهة الشعبية بحكم البلاد والعباد كنظام  شمولي ، تلك النخبة التي انفرط عقدها في فترة لاحقة مخلِّفةً نظام حكم الفرد في أبشع صور الأوتوقراطية . وبالرغم من أن هذا النوع من الكتب ذات الأهداف الضيقة والآنية والدوغمائية  لاترقى إلى مستوى النقد ، إلاّ أن الأستاذ حريراي قد انبرى لهذه المهمة ، فربما استفزه – كما استفز الجميع – بعض أو جلّ ما جاء في متن الكتاب .

      وقبل أن أُعلق على ما كتبه حريراي  لابدّ أن أُبدي بعض الملاحظات التي أهمها : إن عناصر (هقدف) ليست مؤهلة لتأريخ أي مرحلة من مراحل التاريخ الإرتري مهما حملوا من مؤهّلات علمية عالية ، وذلك لسبب بسيط هو : أنها عناصر إقصائية ، إنعزالية ، دوغمائية  ، وليس لها أدنى اعتبار لوجود الآخر(الشريك) ولا أدنى استعداد لتقبله . فضلاً عن ذلك أنها عناصر حاقدة وأنانية تفتقر إلى الموضوعية و التحليل المنطقي والعقلاني الذي هو أهم أسس المناهج للعلوم قاطبة . ثم أن السيد الأمين مؤهل ( علمياً على الأقل ) لكتابة التاريخ  أو الكتابة عموما ؟؟ أم أن مجموعة من ( النخبة العليا ) أعدّت الكتاب ولم يعلم به السيد الأمين إلا لحظة توقيع  اسمه عليه !  لأن الرجل من العجرفة والاستهتار بحيث لايعي مايقول  – وهذه من امارات  الجهل والعياذ بالله –  وما أدلّ على ذلك من تلك الألفاظ السوقية التي أتحفنا بها في السعودية  . ولعَمري أنني أشتَمّ رائحة عناوين الكتب السودانية في عبارة ( الدفع والتردي )  ، خاصة أن السيد الأمين قد أجزل الشكر لمجموعة من ( معاونيه ) مستهلاً القائمة بـ ( تاج الدين نور الدايم ) وهو سوداني  وصديق مقرب من نخبة الجبهة الشعبية  ، فماذا كان دور هذا ( المثقف ) السوداني في كتابة التاريخ المعاصر لإرتريا  وجمعه في مؤلَّف كل مصادره الدردشات الثنائية  ، وخواطر المؤلف ( المؤلفين) وإرشيف الجبهة الشعبية  ؟؟

     بالعودة إلى الأستاذ أبوهمد حريراي ، استطيع القول : إن ما نُشر في الحلقات السابقة مجهود مقدّر وفي الاتجاه الصحيح ، بل هو عين الصواب  ، ولكن  كنتُ أُفضّل أن لا تُردُّ إليهم بضاعتهم في نفس آنيتها ؛ فقد أسهب الاستاذ حريراي    في الهجوم حتى غرقت الحقائق في عارم سيله  ،  ولأنه مازال في مقدمة الكتاب  ،، فنأمل منه أن يتقيد بعنوانه الذي يتضمن ( التحليل) ومدخله الذي وعدنا فيه بالتجرد والنقد الموضوعى  ، وأن يبتعد عن التجريح الشخصي  ، أقول للأستاذ حريراي تجنب العاطفة يا أخي ، فالتحليل  والنقد  ، بل وحتى التقريظ  كلها أنشطة عقلية لا مكان للعاطفة فيها .

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=5950

نشرت بواسطة في نوفمبر 24 2004 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010