أحقا، اضعنا البوصلة.. ومازلنا نبحث عن المرفأ؟

كتب :حامداود

اجد نفسى، اليوم ،مضطرا للولوج الى عالم كنت اود تاجيل الدخول اليه او السفر عبر محطاته، الى حين اكمال برنامجا استهدافته،فى شان الكتابة بعد طول غياب، ليس فحسب على الانترنت ، بل الكتابة نفسها كتعاطى هادف للذات او لتبادل الافكار.

وكان البرنامج اولا  قراءة هادئة للتحديات ومن ثم فى مرحلة لاحقة مشاركة اهلى فى استنباط الاساليب والافكار نحو صنع الحلول،( وكما وعدت سوف اعود فى نهجى السابق وذلك بقراءة الخطاب السياسى المرفوض او المنبوذ) وبتساؤل معهود، فى اى اتجاه نسير واية المحطات او الموانئ نود الوصول اليها؟ اقول..لدينا البوصلة، من لم يحدد وجهته لن يصل (قول لا اذكر قائله).

وهذه الثقة التى اجدها فى نفسى، ربما قد لاتكون ذات قيمة لغيرى، لكنها على الاقل تعتبر محاولة فى اتجاه ما، بدلا من الانزواء والهروب، كما يفعل الكثيرون دون قصد( واعرف ان القارى يتفق معى على هذا المنحى)، وكذلك ،فان من يكتب يهدف اولا واخير، ايصال فكرته، ثم بعدها يترقب الرجيع او الصدى المتجاوب معها، وخلاف ذلك يعتبر انه لم يكتب فعلا، وعليه لا انكر ايضا ،ان الكتابات الفارغة هى الاخرى تلقى التجاوب، وطبعا يختلف هذا التجاوب فى القيمة والاثر.

فالكتابة او الخطابة السالبة تجد الرد الحاسم والردع المبكر، الا اذا كانت مغلفة او هائمة واهمة ونائمة فى القدم فيتقاضى عنها الناس او يزدرونها ،اما اذا كان الخطاب او الرسالة او الكتابة هى، بغرض الاستنارة او بغية التحاور الايجابى، فى ظل زمننا الحاضر/القادم، فهذا ما سعيت من اجله ولازلت افعل ،رغم ما رايت من تساؤلات او قراءات مغلوطة لبعض ما كتبت من اراء، وهذا شان القارى اذا لم يقرأ بطريقة صحيحة لنفسه اولا، ولانصاف مايقرأ فى المقام الثانى، او اذا كانت لديه نية مسبقة، سيجد نفسه هائما فى التجاوب المفترض سلبا كان او يجابا.حتى انه قد يجد توصيفا جائرا كان يسقط عن الناس الفهم او انتمائهم او يلصق بهم التهم كيفما شاء.

محطة دائرية:

وعليه ظن البعض اننى او معظم الذين اكدوا فى كتاباتهم ضرورة الوعى الجمعى لتشكيلتنا حتى توازى او تعادل فى المقدار والكم، غرماؤنا فى الوطن، الظالمين لنا، ،ظن البعض اننا نطالب بمحوهم عن الوجود، وهذا لم يفعله احد حتى الان(الم اقل اننا متسامحون لابعد الحدود)، حتى الذين طالبوا بضرورة الطلاق الشرعى(اى التقسيم) لم يفتروا على احد، فهذا ما يطرحه الواقع المرير، بل المستقبل القاتم مع هؤلاء جلادينا، وهو ما يستدعى خطابا سياسيا انيا صادقا.

طبعا البعض استغرب تلك القراءة المعهودة، والتى تستهدف التحكم فى مسيرتنا ومصيرنا ،والتى ظهرت خجولة نوعا ما هنا وهناك، حيث ان احدهم استرسل مدعيا انه المرجعية وعليه فسر( الماء بالماء) ليشير الى ان النظام فى اسمرا على خطا والمقاومة نفسها على خطا، وهكذا انح القول الفصل ،بهدف ممارسة سلطةابوية ،وهى ترديد نفس الاسطوانة المشروخة القديمة (الخطاب المرفوض) ،الكذبة التى انطلت علينا فى السابق، ولايمكن ان تخدعنا مرة اخرى. وتكراره اليوم ،مرده، هو، جرنا الى الوراء، ومواصلة السطحية والسذاجة نفسها.

هل يعقل من كان بالامس، يعلن وينبرى بكل حماسة للدفاع عن حقوقنا، ان يخر فى لحظة تجلى جديدة،هل فعلا مؤتمر السلام اوجد عصى سحرية، تمكن البلد من الخروج من مازقه،وان هذا لا يدركه سوى اهل الدراية،ممن يجتذبتهم صكوك الغفران، كما قال الاخ اسماعيل سليمان فى مقاله (ود بعتاى، وصكوك الغفران)،وشر البلية الضحك على الزقون. وهذا ما قصدت منه البوصلة والاتجاه نحو المرفأ،وقد اكدت واكد الكثيرون غيرى، اننا يجب ان نحدد مواقفنا بصلابة وادراك كامل،والا نتمايل مع مواقف هنا وهناك، ونربط قضايانا باشخاص او شرزمة، طالما ان حقوقنا نصنعها بانفسنا، اذا كان الوعى الجمعى لدينا محدد سلفا، فلن تضل سفينتنا المرفأ.

لكنى بصراحة لم استغربها ، بل كنت قد اشرت الى سماتها فى مقالى السابق بعنوان( امساك العصى من الوسط وسمة المثقفيين فى دور التفاوض الاجتماعى).

لا علينا، فان الخطاب السياسى القديم ذو المنبع العاطفى / المجاملاتى، ربما كان له الاثر فيما سبق من زمن الكفاح المسلح، لكنى هنا ايضا لا استحسنه سوى فى الماضى او الحاضر. وأرجو كذلك ألا تكون هذه الاقلام ممن يجانبها الادراك بين معنى العداء للخصم (المعتدى) والا نتقاد الذى نوجهه الى انفسنا، والحالة التى اوصلتنا الى الطمس والاستلاب ، حتى اننا لا نشعر بغضاضة حين ننبهر بامثلتهم ومقولاتهم، فاذا كان فيها نفع، لما لا.

محطات متوالية:

* من منا لم يطبل ويتغنى ويعزف وتر الوطنية الرنان، والله لعمرى انه ، احساس جميل، فتان، ساحر، يسلب الانفس ويبهر العيون الدامعة والقلوب الرقيقة،لان محوره (عاطفى رمزى مثالى) – لقد اعطينا كل امانينا الرمانسية- لكن( مع من نقرا يسين) مع لاندنت ام نحن واهدافنا،ام تغراى تغرنيا، ام نحن وبس.

* ما فعلناه فى السابق كان صادقا، كان متزاوجا بين الوعى واللاوعى، فادى الى ما ادى، دون ما كنا نتوقع/نحلم، فهل نكرر نغمات الوتر القديم؟ ما هذه الدعوات الساذجة؟ وما الحكمة فى هذا كله، نكرر نفس الخداع والتضليل ، ام نتحدث ونتحدى باسلوب عصرى، واعنى به المنهج العقلانى السائد عالمنا اليوم، الذى يقر المناصفة والانصاف، والحق فى تنفس الاوكسجين، وهو فكر انسانى معترف به كاسلوب متحضر، وحتمى فى نهاية المطاف ( ابيض او اسود ) ،دون تكميم الافواه، علينا اشهار الحق والحقيقة،علينا اظهار ما نبطن بدلا من ان نكذب على انفسنا وعلى الغير، واذا كنا نفضل الانطواء والسبات والنوم على كابوس الفجائع، هل الصمت اجدى وافضل لنا؟، ولماذا؟

*بالمناسبة مثل هذه الاوصاف الصادقة تغضب البعض، حين يستشعرون منها انهم المقصودين بعينهم، لكن احب ان اطمئن اصحاب هذا الوسواس الخناس، اننى لا اقصدهم ب(فلان وعلان) بل هذه اشارات وسمات دالة على مثقفينا الذين نشكو تسلطهم علينا وتضليلنا، وهى الحقيقة المرة، التى نبتلع منذ امد بعيد مرارات خطاباتهم الوهمية.

*اقول لا تنزع عنى حقى فى نفسى وفى اهلى ، ولا تعطى الاخرين حقى ونصيبهم ( الجمل بما حمل) . دعونا الا نستجيب لمثل هذه التراهات من الدعوات الواهنة والداجنة، واؤكد اننا سوف لن نمتنع ابدا من البحث عن حلول:

* اولا: لكى نشد على الاطار الجمعى والارتقاء به بعيدا عن التشرزم والتفتت والاستسلام والمهادنة. من خلال التاكيد على حقوقنا وتحقيق شراكة حقيقية وليس ان نكون تبع منحطين، (دائما نحاول غش انفسنا بالحرص على قدسية الوطن ووحدته)، حتى هذه الوصف مخادع ،فلا قدسية بلا احترام متبادل اصلا. فالطغاة انفسهم، يرفعون شعار- قلب واحد شعب واحد-  حين يسالون من الاستحقاقات ،ولزرى الرماد على العيون .

* فالاول يحتاج الى نزعة واعية، تستهدف خلق توازن ،يحظى قبل كل شئ بضرورة ادراك المصير الواحد المتحد ، اى وعى خلاق نحو السمؤ بانسانيتنا ومطالبها الوجودية،والى ابعد ما نستطيع تحقيقه من انتاج (وعى جمعى متكامل) قاعدته عقيدتنا السمحاء ( ان اكرمكم عندالله اتقاكم) ، وادراك الظلم الشامل الذى نكتوى بناره سواسية . وهنا نحتاج ايضا الى موسيقى هادئة (للملمت) الاطراف المستنيرة، وتعزيز دورها الرائد، وكذلك استرجاع النفعيين منا والانسلاخيين الى الصف، حتى لا يستمروا فى( تشليعنا ) كما مضى، من تخبطات سابقة، واظن اننا  تعلمنا منها الكثير.

* اما الثانى، فلا حيلة لنا فيه ،فلامر متروك لهم،اى ماذا ستقرر فلولهم المدعية، الاعتراض على نظام اسمرا،(سنيت من طبابحتا ) حتى الان من خبثهم، لم يرتقوا حتى الى درجة الاعتراف بحقوقنا المسلوبة، من  قبل اخوتهم، ناهيك  الركون الى نزاهة وعودهم غير المؤكدة اصلا، ودليل سوء النية ،ماثل امامنا فى هروبهم من (مؤتمر الحوار الوطنى) حتى لا يكونون شاهد عيان على اقل تقدير، ناهيك من ان يصبحو شركاء حلول.

محطات متوازية:

* وبدون مجاملة، يحق لنا بوضوح القول ،ان من يفكر فى وأد مفهوم ( لهم دينهم ولنا دين) لا اظنه الا متخبط ،يبحث عن وجاهة مفقودة، اودراهم معدودة، لاتغنى ولاتسمن من جوع (ياله من بخس الثمن) وهو يعرف تماما، ان الغرماء هم الذين علمونا ان نهتم ونتعرف بعقلانية الى الواقع بكل تجرد، حين اكدوا ،ودون خوف من الحاضر والمستقبل، ان لهم دين غير ديننا ، وان العمل به (اى التفريق) يعتبر قمة الاهداف وسنة الحياة نفسها، ماذا تريدون اكثر من ظلم معلن؟.

* وهنا لدى تساؤل بليد!!،وهو،لما يحرم علينا من هو منا ،ان ناتى بما اتى به غرماؤنا؟؟.يقول الاديب الانجليزى صمويل جونسون ( لقد وجدت أن البشر أكرم مما كنت أظن، وأقل عدلا مما كنت أتوقع).

* واليكم هذا المثال: لدى صديق يدعى سلمون ،يقول انه يمارس السياسة،اسر الى بانه يخشى اذا اعترف جهارا بالمظالم، فان اهله سيلفظونه. (دون تعليق)!؟

* ولهذا امامنا شيئان، بل خياران، الاول ان نصبح خدمهم بكل طاعة وخوف ودونية او ان نختار الثانى، وهو مساواتهم ومجاراتهم، ند لند، ونتقاسم الخير والشر، والاخير هو الذى يصنع لنا الاحترام لديهم ، ويحقق لنا الشراكة الحقيقية التى يحلم بها من يحلم من العاطفيين.طبعا وهذا طبيعى ان من يعانى بحق هو الذى يكتوى بنار الغبن والارهاب فى الداخل، وهو الانسان الحقيقى الذى نتحدث عنه ، وليس الذى لديه موطن بديل.

* ومرة اخرى انا وغيرى ،اكدنا ولازلنا، حقهم فى الوجود، لكن ليس على رقابنا التى اعيها الوهن من ضرباتهم المميتة فى الخاسرة، لما كان ان يكون للثقة والاحترام المتبادل بيننا (عاشق ومعشوق).

* والشئ الذى تعلمته منهم، بلاشك ،وهذه نقطة احسبها نعمة لى ولامثالى من عرفناهم من الداخل والعمق، انهم يحترمون ويقدرون فقط ،القوى/ والمنافح /والمكافح /والممانع، ويزدرون كل بياع خنوع .

* وكما اسلفنا القول ،ليست لدينا مشكلة فى فهم المعاناة، وليست لدينا مشكلة فى الامكانيات والمقدرات، لكن لدينا مشكلة فى الوعى الجمعى البناء ( ثروتنا الهائلة ) التى لو حصلنا عليها، فى زمن مقتطع ، لاستعدنا مكانة الشراكة المعززة المكرمة، بل لدانت لنا بالسلم والاعتراف، الرقاب المتطاولة على حسابنا /ودمائنا/ وحقوقنا.

محطة الوصول:

واخيرا ،فمن يريد ان يقرأ، بصورة مغايرة، لما كتبت، فى سطوة الحروف والسطور ووضوح مقاصدها، قد يجد ضالته فى اضلال الناس وغوايتهم،ونزع بوصلة الاتصال الحقيقى، لا لشئ، غير استجداء الاخرين وجنى مكاسب بخسة، قلنا عنها لا نفعة فيها، ولكننا ندفع ثمن ضررها باسف شديد.

awedgaddi@gmail.com



awda

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=3538

نشرت بواسطة في يونيو 3 2010 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010