أسمرة طرابلس الرجبان

لم يكن في مقدور أحد أن يكتب عن الشاعر الراحل الجيلاني طريبشان  بمثل هذا الصدق والشفافية مثلما فعل الكاتب الروائي الأريثري أبو بكر  حامد  كهال في كتابه ( الجيلاني طريبشان ، القصيدة والإنسان ) منشورات المؤتمر عن المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر . فهذا الكتاب وثيقة هامة ترصد باللحظة الحزينة  والإشراقة المبهجة  ونبضة القلب الدافق  التي تتحول إلى قصيدة شعر أو صرخة ألم ، لقد أتيح لهذا الروائي الذي يحمل في داخله مماثلة للغربة التي عاشها الجيلاني أتيح له أن يعيش معه في غرفة واحدة في ( فندق السري ) في فترة  من أزهى فترات الشاعر وأخصبها بالدلالات كلاهما كان غريباً  .. الجيلاني غريب في وطنه وأبو بكر حامد غريب خارج وطنه ولا يخفف من عناء هذه الغربة أن كلاهما كان محاطاً  بصداقات حميمة  وسط المجتمع الذي  يعيشان فيه وبين علاقات إنسانية لم تقصر – كما يقول الكتاب – في تقديم  كل ما من شأنه أن يخفف من وطأة هذه الغربة  ولكن المعاناة عندما تكون داخلية عميقة لا يخفف من وطأة مكابدتها أي  عزاء .. صحيح أنهما كانا يتجولان معاً في شوارع طرابلس ويسلتقيان بأصدقاء عديدين ويقضيان أوقاتاً مشبعة بالمناقشات الأدبية والاشتباكات الثقافية الخصبة ويذهبان إلى مقاهٍ ونوادٍ وروابط مما يشبع فراغها غذاء ثقافياً ثميناً ولكنهما  عندما يعودان إلى غرفتهما البائسة في فندق  السري  يكونان في تلك اللحظة أمام  الوحدة والفراغ فيسرع كل منهما يترع نزيف القلب والإحساس الغائر ببؤس العالم وهول أن كل شيء بلا معنى ، فلا القراءة ولا ممارسة الكتابة يمكن أن تخفف فداحة الشعور بالإنفصال المريع  بين الحلم والواقع بين الآمال والخيبات بين الصورة التي يتخيلها الشاعر والروائي للحياة ، وهذه الحياة نفسها التي تنز قبحاً وصديداً وكبوات . لقد أفلح هذا الروائي الأريتري الموهوب  في أن يخترق  كل تلك اللحظات الغنية في حياة الجيلاني طريبشان ، وأفلح بعد رحيل الشاعر في تحويلها إلى كتاب شديد التأثير والدلالة وهو لم يرصد هذه المرحلة من حياة الجيلاني رصداً تسجيلياً  جافاً ، ولكنه فحصها بعين إنسانية وأستطاع أن يستشف  منها بعداً ومعنى فجاء الكتاب وثيقة غنية لمن أراد  أن يدرس هذا الشاعر ، ولأن أبو بكر حامد روائي فهو يعرف معنى اللحظة في أبعادها الإنسانية ، عندما أغلق ( فندق السري ) وفقدا غرفتهما الفقيرة  البائسة  وهي ملجأهما الوحيد في  هذه المدينة الواسعة  الكبيرة جلسا معاً على طاولة في المقهى التجاري القريب من شاطيء البحر يتشكيان في سخرية مريرة من هذا الواقع الذي يمضي  بكل صخبه وضجيجه فلا يلتفت إلى حالة شعر وروائي  وهما في محنتهما الكبيرة ، وعندما أراد  الإنصراف أخرج الجيلاني مفتاح  الغرفة ، ووضعه إلى جانب فنجان القهوة الفارغ ، وعندما سأله أبو بكر لماذا يفعل ذلك قال وهو يضحك حتى يتصور من يجلس بعدنا أننا من أصحاب البيوت الذين ينسون مفاتيح بيوتهم وهم ينصرفون منشغلين بأمور الصفقات في هذا المقهى ( التجاري ) … لقد تتبع أبو بكر حامد  في كتابه الجميل كل اللحظات الإنسانية في حياة الجيلاني ، وسجل له مواقف وكشف عن بعض الجوانب التي قد لا يعرفها كثير من الناس ، وخلص إلى القول بأن الجيلاني هو القصيدة والقصيدة هي الجيلاني في شتى تجلياتها ، وإذا كان هذا الكتاب يعكس طرفاً يسيرا من حياة الجيلاني تبقى حياته الكبيرة وعسى يكون ثمة من يكتبها ويسلط الضوء عليهما . نقلا عن صحيفة الجماهيرية – ليبيا

__________________________________________________

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7232

نشرت بواسطة في ديسمبر 24 2006 في صفحة الصفحة الثقافية. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010