أيام القاهرة
بقلم: خليفة دسوقي
II
كانت سنوات الستينيات من القرن الماضي عُتبة ذهبيةمن اعُتاب دخول نضالات شعوب ما عُرف بالعالم الثالث لرحاب التاريخ. ففي هذه السنوات بلغت نضالات شعوب جنوب افريقيا وفلسطين وما كان يعرف بروديسيا أعلى مراحل نضالاتها.
وتلك السنوات هي الحقبة الزمنية التي تألقت في سمائها نجوم الثورات السياسيه ضد الاستعمار فلقد انفجرت الثورة الاريترية
عُند فجر هذه الحقبة وظهر في افريقيا شهيد الtكنغو لومومبا الذي اغتيل فداءا لوطنه ومبادئه وظهر فيدل كاسترو في كوبا وقهر ديكتاتورية باتيستا ومن ورائه الراسمالية الأمريكيه وظهر أيضا تشي جيفارا أيقونة الثورة العالمية الذي حمل شعلتها من قارة إلى قارة ومن بلد إلى بلد حتى سقط شهيدا في أحراش كولومبيا.
هكذاكانت القاهرة حين وصلت اليها ونزلت فيها ربما بعد منتصف الحقبة وفي وقت كانت فيه هذه المدينة العظيمة في مقدمة المدن التي احتضنت الحركات الثورية من جميع أنحاء العالم فكانت مقرا لممثلي هذه الثورات. وكان من الطبيعي أن يكون للثورة الإريتربة ممثلية لها بالاضالة لنادي الطلبة الاريتريين النشط. كانت القاهرة قد جمعت جزءا مهما من ممثلي الشعب الإريتري فكان فيها عُند وصولي الشيخ إبراهيم سلطان وولدآب ولدماريام والأستاذ آدم إدريس نور والاستاذ آدم ملtكين والأستاذ صالح محمود و لحقهم بعد ذلك الشهيد طه محمد نور والمحامي والعديد غيرهم.
ولقد قضيت أيامي الاولى في القاهرة ضيفا على صديقي من ايام اسمره الشاعُر الموهوب والمؤرخ المدقق “محمود لوبينت”. كان ذلك في مدينة البعوث الإسلامية التي كانت تؤوي المئات من طلاب العالم الإسلامي. كانت المدينة آنذاك، فيما اذكر،، تحتوي على اكثر من أربعين عمارة ذات الأربعة طوابق وكل عمارة تحتوي على مطعم يخدم الطلاب عُند الوجبات الثلاث بطعام لا يمكن أن تقول عُنه سوى طعام جيد: العيش والجبنه والمربه واللحم, كان طعاما جيدا حقا ولم يكن ليتوفر مثله لtكثيرمنا حتى في مواطننا.
II
بعد وصولي مصر بأشهر قليله انفجر صراع مفتوح بين النظام التونسي برئاسة الحبيب بورقيبة والنظام المصري برئاسة جمال عُبدالناصر. كان صراعا حادا لم يفهمه الtكثير من طلبة البعوث والمستجدين أمثالي، ولtكن ثقتنا في نظام جمال عُبدالناصر كانت مطلقة عمياء اغنتنا عُن الحاجة للبحث عُن أسباب ذلك الصراع مما أغرى المخابرات المصرية باستعمال طلبة العالم الإسلامي من افريقيا وآسيا بيادق رخيصة تحارب بها رئيس تونس، الحبيب بورقيبة. وبدون أن يدري الطلبة كانت السلطات المصرية قد دبرت واعدت تظاهرة يقوم بها هؤلاء الطلبة أنفسهم ،ودون استثارتهم امام السفارة التونسية في القاهرة.

III
كانت الحافلات رابضة عُند بوابات المدينة في انتظار الطلبه الذين سينقلون إلى نقطة تجمع لا تبعد كثيرا عُن مبنى السفارة.
ومن عُند هذه النقطة بدأ موكب الحافلات المهيب في التوجه نحو السفارة التونسية وسط الهتافات بسقوط الحبيب بورقيبة ) عدو الإسلام وعميل اسرائيل كما فهمنا آنذاك(. وعُند نقطة محددة ترجلت جحافل الطلبة وهي تهتف بصوت هادر بسقوط الحبيب بورقيبه. ولم يدر يخاطر أحد من المتظاهرين السذج أنه وعُند نقطة في منعطف قريب من السفارة كان يكمن رجال الشرطة الأشداء المزودون بالهراوات الغليظة والعصي الطويله ومعهم الصحافةبرجالها وكاميراتهم العديدة . وعُند وصول الموكب لموقع الكمين في المنطف المواحه لميدان تقع السفارة فيه، فتحت خراطيم المياه على المتظاهرين ونزلت ضربات العصي على ظهورهم ورقابهم وأي جزء من جسمهم قابل أو غير قابل للضرب وتبين ساعُتها أن التظاهرة لم تكن إلا تمثيلية من إنتاج وإخراج المخابرات المصرية وتمثيل المساكين من طلاب البعوث السذج، الذين حركتهم عُواطفهم فنزلت ضربات الهراوات والعصيان على ظهورهم، وخرجت سلطات الأمن المصري بالنصر المؤزّر! ألم تنقذ هذه السلطات السفارة من غضبطلبة العالم الاسلامي. وفي المساء كانت شاشات التلفز يون والإذاعة تعرض ما حدث وكأنه حركة عُفوية نتجت عُن كلمات بورقيبه التي استفزت طلبة العالم الإسلامي. ولم تذكر الإذاعة أو التليفز يون ٱن طلبة البعوث لم يكونوا يعرفون ماذا أو أين ومتى قال بورقيبة ما قيل عُنه وربما كان الtكثيرون منهم لا يعرفون من يكون هذا البورقيبة..
IV
مضت شهور على احداث السفارة التونسية. ومعها برٱت الجراح. اقول الجراح لانه كان بيننا البعض الذي ذهبت به كبريائه الى حد الاحساس بانه قد تعرض لخيانة شخصية من ٱولئك الذين يمسكون بالخيوط من وراء الستار في إدارة المدينة، يستعملونه و يسخرون منه ويعاملونه معاملة الدابة. ولtكن نعمة النسيان طوت ذلك فصارت أحداث ذلك اليوم العصيب وراء ظهور الطلبه، تاريخا منسيا. ثم ان سكان البعوث عادوا لاهتماماتهم القديمة بالرياضة وتنظيم دورات كرة القدم بين فرقها التي كانت قد بدأت تب 7رزّ بعض اللاعُبين الموهوبين وفي مقدمتهم المرحوم ٱمين دابو الذي اصبح فيما بعد نجما لفريق من الفرق القومية المصرية ثم نجما لفرقة كرة قدم سعودية في آخر الأمر.
V
كان البعض منا، نحن الإريتريون المستجدون، قد اكتشفنا نادي طلبة اريتريا في ٢٣ شارع شريف و كان جل من جاءوا من مجموعُتنا إلى مصر ومدينة البعوث قد التحقوا بالمدارس والمعاهد المصرية، و بسرعة عُظيمة بدأت نظرة جديده للعالم تحل محل نظرة قديمة جئنا بها من مناشإنا. فلقد ظهر واتضح للtكثير منا ان العالم اكثر تعقيدا مما كنا نظن وان هناك الtكثير مما يستوجب علينا تعلّمه وكان نادي شارع شريف مدرسة من تلك المدارس التي تعيننا على هذا التعلّم. وجاء مع التردد على النادي انفتاح على قطاعات من الاريتريين من الذين لم يكونوا من سكان المدينه ولا من طلبة الازّهر او دار العلوم.
كان مقر النادي عُبارة عُن شقة بثلاث غرف، غرفة الصاله وفيها طاولة “البنج بونج” ترحل للغرفة المجاورة في حالة وجود مناسبة ما او محاضرة )ويحضرني هنا تلك المحاضرة الرائعة التي القاها ذات يوم خميس “الشهيد عُثمان صالح سبي” هناك وضاق النادي على الحضور وسال حتى الردهة الخارجية(، وغرفة التلغز يون ثم مكتب الإدارة وفوق هذا كان هناك البوفيه الذي يبيع فيه المصري عُبود الشاي والقهوة التي يمكنك تناولها جالسا في كرسي في البوفيه او واقغا في صالة طاولة البنج او تشربها وانت منهمك في لعبة الداما في الشرفة الملحقة بغرفة التلفز يون. وربما كان النادي لtكثير منا أول اطلالة على عُوالم القاهرة وانفتاح على نواد طلابيه مختلفه مثل النادي الصومالي الذي كان يجاور نادينا.
VI
كانت قاهرة ذلك الزمان غير هذه القاهرة المترهلة المرهقة التي نراها الآن، كانت القاهرة تلك، مدينة جمعت المجد من أطرافه، وأحسب إن ما جمعته القاهرة فيها في لحظة واحدة لم يحدث لمدينة إلا لمدينة باريس قبل الثورة الفرنسية مباشرة, حين جمعت العبقريات كلها في مكان واحد فكان فولتير وروسو و ديدرو وأصحاب الانسيكوبيديا وغيرهم متجاورين متعاصرين، دفعة واحدة وكذلك كانت قاهرة الستينيات، فبالإضافة لجمال عُبدالناصر كان هناك العباقرة مثل عُباس محمود العقاد، وطه حسين، وتوفيق الحكيم وإحسان عُبدالقدوس ويوسف السباعي وحسنين هيكل وأم كلثوم وعُبد الحليم حافظ وعُبدالرحمن الابنودي وأمل دنقل وغيرهم من العظماء. وكأن هذا وغيره لم يكفيها, أضافت القاهرة لأولئك أدباء وفنانين عُظماء من بلاد افريقيا وآسيا والدول العربيه. كان هناك ممن عُرفتهم معرفة شخصية وربطتني به ،)كما صديقي محمود لوبينت(، مثلا، جار لصديقي محمود لوبينت الذي نزلت عُنده في أول قدومي القاهرة، فلقدكان له جار سوري وصديق ظريف اسمه محمد خير الذهبي)خيري الذهبي كما كان يحب أن يسمي نفسه(الذي أصبح فيما بعد أشهر كاتب قصص وكاتب مسلسلات تليفز يونية ومؤرخ مرموق لمدينة دمشق وكان بيننا نحن الطلاب الاريتريون شخصيات كان لها الأثر في تاريخ الحركة الطلابية الإريترية وإريتريا نفسها.
عُرفت فيها طلاب نابهون من اصحاب الاهتمامات الٱدبيه والفنية مثل الشاعُر الموهوب محمودلوبينت و الاستاذ المرحوم حسين عُبدالرحيم)وكان هو الاخ الاكبر للفنان عُثمان عُبد الرحيم( الذي كان معجبا وتلّميذا للفيلسوف المصري سلامة موسى والشاعُر الأديب المرحوم عُبدالرحمن سكاب الأستاذ الأديب الذي اشتهر في طول وعُرض اليمن الذي كرمه في حياته ومماته والمرحوم الشاعُر احمد سعد، وصاحب حكايات وآداب اليونان الساحرة طالب فلسفة القاهرة الحسن هبتيس، وساحر العود الفنان “هندقا” وخفيف الدم صاحب النكته الحاضرة طاهر كانوني وكثيرون غيرهم. وكان هناك في تلك الأيام كوكبة من الشخصيات التي برزّت اسمها في ميدان النضال منها الشهيد أبوبكر حسن والشهيد محسن علي )محسن موسى( الذي عمل في فترةمن فترات نضاله مقاتلا من مقاتلي الجبهة الشعبية لتحر ير فلسطين ولقد حدث أنه وقبل حرب أكتوبر الشهيرة أن اختطف هو و رفيقةفلسطينية طائرة ركاب بريطانيةمن سماوات هولندا وهبطوا بها في مطار القاهرة واشعلوا فيها النيران بعد إجلاء الركاب، فقضى محسن ورفيقته بضعة أشهر في سجن مصري ثم أطلق سراحهم ور [حلوا من مصر. وربما كان هذا مما يشير بقوة إلى ضلوع المخابرات المصريه في تدبير تلك العمليه وإلا فما معنى مدة السجن القصيرة والمريحة؟ ولقد استشهد محسن فيما بعد في صفوف الجبهة الشعبية لتحر ير إريتريا في معركة مصوع الاولى، وهناك همس يقول أن الجبهة الشعبية نفسها هي من قتلته آخذة معركة مصوع ستارا للجريمة.
VII
كانت القاهرة في سنوات الستينيات تضم مئات الاريتريين وكان جوها السياسي والإجتماعي ينسجم مع مزاج تلك الفترة وكان نادي الطلبه الإريتري يعج بشخصيات جديرة بالتعرف عليها،،وربما كان المرحوم عُثمان أبو بكر ) الدكتور لاحقا( أكثرها جدارة فهو سكرتير النادي، القوي الذي كانت تأتي به الإنتخابات الدورية متضافرة مع السلطات المصرية سكرتيرا فترة بعد أخرى ولزمن طويل.
وكان النادي يضم فيمن يضمهم شخصيات أكثر تأثيرا على السياسات الإريترية وتطوراتها فيما بعد ومن هؤلاء الصديق المناضل إبراهيم قدم والمناضل سراج موسى عُبده والمناضل المرحوم عُبدالله عمر ناصر والمناضل عمر محمد سليمان والمناضل أبو بكر حسن وغيرهم. ولقد اسعدني وكان ذلك بعد منتصف الستينيات أن قابلت في القاهرة المناضل الشهيد سعيد باشميل والذي كانت تربطني به علا قة صداقة لوقت قصير في إريتريا وكان معه في زّ يارته للقاهرة قادما من بغداد المناضل المرحوم مصطفى عُبده.
VIII
وكانت أحدات اريتريا بالتحديد هي الشغل الشاغل لٱغلب رواد النادي وكان لجبهة التحر ير الإريترية حضور واضح وفعال فيها.
وكان المرحوم حسن الشيخ صو ت قوي من اصواتها المرتفعة ولن انسى ذلك اليوم الذي اعلنت فيه الصحف المصرية عُن وصول الإمبراطور هيلي سيلاسي بعد اسبوع لتنغيذ زّ يارة رسمية لمصر كانت معلنة منذ شهور.
وهكذا وقبل حدوث الزيارة مباشرة كان النادي قد تحول لخلية نحل تعمل و تدبر لعمل احتجاجي اثناء الزيارة الإمبراطورية، وكان حسن الشيخ هو المنسق الرئيسي لهذه التدابير. كان المحتجون يخططون للوصول للسفارة الإثيوبية تزامنا مع الساعة التي فيها يطٱ الإمبراطور بقدمه ارض مصر المحروسة، واحراق وكسر كل ما تصل اليه اياديهم من ممتلكات السفارة. دبر الأمر واعُتم[دت الخطه ولم يبقى الا تنفيذها في موعدها المحدد.
ولم يكن خافيا انه كان للمخابرات المصريه عُيون وآذان في نادينا ينقلون لها كل ما يدور فيه حتى السفاسف منها فمابالك لهذا التدبير الذي كان سيحرج الدولة المصرية بالدرجة الٱولى؟ كانت المخابرات تعلّم كل شيئ-تعرف نقطة تجمع التظاهره وخط سيرها وكٱنها كانت شاهدة على التدبير عُيانا بيانا. كان هذا واضحا حتى قبل ٱن تزور المخابرات منزل حسن الشيخ في ظهر اليوم السابق للتظاهرة المدبرة لتحذيره من مغبة تنفيذ المخطط الذي يتزعمه، واوضحوا له أن الشرطة سوف تستقبلهم استقبالا عُنيفا وكان حديث المسؤول قد تضمن انهم على علّم بنقطة التجمع للتظاهرة وكرر بأن الشرطة سوف تنتظرهم عُند هذه النقطة بهراواتها وعُصيها وان الٱفضل للجميع الا يذهبوا الى هذه المظاهره.
تظاهر حسن بالإقتناع وانفض مجلس التهديد بهدوء وسلام وخرجت الشرطة من هناك وهي تحسب انها كسبت المعر كة دون الذهاب اليها ولtكن حسن توجه الى اعُضاء خلاياه كل في منزله في نفس الساعة يخ{برهم بالامر وهو يصدر تعليماته بتغيير نقطة التجمع في ميدان اقرب للسفارة بعيدا عُن الموفع القديم. وعُند حلول الوقت المحدد تحرك الطلبة نحو السفارة ولم يكن فيها غير الحرس المعتاد فهجم الطلبه عليها واحدثوا حريقا اكل سياراتها وحطموا المدخل وكان كل هذا يجري دون ان تصل الشرطة المصرية لنجدة السفارة، وربما كانت تنتظر الطلبه في نقطة التجمع الملغاة، وحين وصلت للسفارة كانت كمن وصل “بعد وقوع الفاس في الراس”. وفي مساء ذلك اليوم اذاع راديو لندن أنباء ماجرى في السفارة حتى قبل ان يسمع بها كثير من طلبة القاهرة. وجن جنون المخابرات فاخذت في اعُتقال الاريتريين من المقاهي ومقر النادي. ومع ان كثيرين، وانا ٱحدهم، لم يحضروا التظاهرة الا ان حرارتها كان محسوسا في كل قطاعات الطلبة الاريتريين فلقد كان هناك معتقلون ظلوا شهورا عديده قيد الإعُتقال ولن ينسى الtكثيرون كيف ان عددا من هؤلاء المعتقلين، واذكر منهم المناضل محمد صالح نور سبحان والذي قيل فيما بعد أنه استشهد في أفغانستان لاحقا، والمناضل الشهيد عُبدالقادر كاربنتر. كان هؤلاء المعتقلون يحضرون لامتحانتهموهم مكبلين تصحبهم الشرطه ولا تفارقهم لحظة واحدة.
IX
وهكذا انتهت احداث السفارة وانتهى معها ذلك اليوم المشؤوم الى ما انتهى اليه وظن الtكثيرون ان تلك الاحداث كانت قد انتهت الى الأبد ، ذلك انهم لم يعرفوا الاثار الكارثية التي تركها ذلك اليوم في حيوات العديد ممن اشترك في تلك التظاهرة وقضى وقتا في المعتقل نتيجة ذلك. و ربما يكون هذا الحديث غير مكتمل الأركان لو أنني أهملت ذلك الحدث الآخر والخطير والذي ترك أثرا غائرا في حيوات كثيرين ممن اتخذوا مدينة البعوث الإسلامية مستقرا لهم، ذلك أنه في يوم من ايام شهر رمضان المبارك )ربما كان ذلك رمضان عام ١٩٦٦( استولت جماعة من سكان المدينة المسلحين بالهراوات الغليظة على الإذاعة المحلية حيث اعلنوا منها )وصدقوني ان هذا حدث فعلا( قيام ثورة رمضان التي وصفها ولاة امرها بالمباركة. ثم ان الجماعة أخلت موظفي المدينة من مكاتب الإدارة واستولت على نقطة الشرطة فيها وعلى كافة البوابات و المرافق الموجودة بالمدينة مثل المركز الطبي واعلنت مطالبها وأولها إبعاد عُضو حركة الضباط الٱحرار “محمد توفيق عُويضة” من إدارة المدينة وتحسين الأحوال المعيشية من حيث جودة الطعام وربما كانوا على حق عُند هذه النقطة فقط لإن المطلب الآخر، مطلب إقصاء شخص مثل توفيق عُويضة الذي كان في نفس الوقت رئيسا للمجلس الأعلى للشئون الاسلامية، كان مطلبا صعب التنفيذ لمكانة الرجل وهو الذي كان ضمن الضباط الأحرار الذين قاموا بالثورة ضد الملtكية في سنة ١٩٥٢. ولقد تظاهرت السلطات المصرية ممثلة بإدارة مدينة البعوث بالرضوخ للمطالب الساذجة للثوار تجنبا لمضاعُفات محتملة وتحسبا لحرج سياسي ممكن ولtكنها عادت بعد عُودة الهدوء للمدينة بأيام قليله لاعُتقال كل من ظنت أن له يد في ذلك الموقف. ولقد كان هناك عدد من الاريتريين الذين اشتركوا في هذه المغامرة الغبية ودفعوا ثمنا غاليا لها. وان اتيحت لي الظروف مستقبلا فسوف اتحدث عُن المآسي التي تسبب فيها هذا الحدث العجيب واتحدث عُن حياة طلبة القاهرة الاريتريين الشجعان الذين كانوا الرواد في كل ميادين البطولة و الشرف.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=47665