إرتريا: دور النخب الغائب

دائما أتساءل – وانا جزء من دائرة من يتساءل حولهم- لماذا نكرر أخطاءنا طورا بعد طور، بل لماذا يتساوى الموجب والسالب في عملنا السياسي؛ فيصبح حصادنا بعد كل تجربة صفرا. لعلنا لا نتفق جميعا حول صيغ هذه التساؤلات – لطبيعتنا البشرية- لكننا بالتأكيد نقترب من الاجماع حول المضمون – لطبيعة ما يصيبنا من آلام وجراح من جراء وضعنا السياسي القائم.

معادلة الواقع السياسي الإرتري الحاضر: نظام سياسي حاكم بقيادة أسياس أفورقي في غاية الفساد السياسي والاداري وفي غاية الظلم والاختلال الثقافي والاجتماعي.. دولة في مفترق طرق. في الكفة الأخرى معارضة سياسية بزي قومي إرتري في غاية التعدد والتشرذم ، تحمل اثقالا من المسميات والبرامج النظرية دون ملامسة الواقع العملي الميداني. وهي معادلة مختلة الطرفين. توفر في طرفها الأول ؛الوضع السياسي الفاشل؛ بينما لم يتحقق في طرفها الثاني البديل السياسي المنقذ ، ولسان حال المجتمع الارتري يقول: أفورقي يحرقني والمعارضة تختلف حول توصيف الحريق.

أين الخلل:   حسب ما يبدو لي،  إرتريا في وضعها السياسي ؛ تعاني أزمة حقيقية في نخبها السياسية المستنيرة. أي أنها تعاني أزمة نخب سياسية ظلت تكرر مضامين ومصطلحات سياسية فضفاضة ؛ دونما تركن إلى الواقع المعاش، والبحث الحقيقي عن مخرج عن الأزمات . في الوقت ذاته، ظلت إرتريا تعاني من عدم بروز قيادات مقتدرة ، تعمل في قيادة قواها الجماهيرية نحو الامام .

النخب الإرترية (صفوة المجتمع وفق مؤهلات معينة):  من نافلة القول ان نذكر بأنه كلما زاد عدد الخريجين في الجامعات؛ كلما توسعت دائرة القوى المستنيرة في المجتمع؛ ومن ثم كلما زادت فرص حلول المشكلات، وتحديث وسائل العمل السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي ، وصولا إلى مجتمع يستنير بنور العلم والمعرفة.

لعلنا ندرك أن إرتريا لا تزال في الربع الأول من عمر الجيلية التي نالت تعليمها الجامعي والمتخصص. فضلا عن أنها تعد في مؤخرة الدول ، من حيث عدد الجامعات والمعاهد العليا. ولأن الماضي واضح أمامنا بكل تفاصيله ، بينما لم تكتمل رؤيتنا حول الحاضر ؛ فإن ماضي النخب الإرترية يبدو اكثر فاعلية عن حاضرها. أي دورهم في مرحلة التكوين السياسي الارتري الحديث؛ في أربعينات القرن المنصرم كان بارزا؛تمكن من قيادة الشارع الارتري للهتاف من أجل استقلال الكيان الإرتري ، رغم تكالب وجبروت هيلى سلاسي المدعوم حينها بالوجهة الدولية الغربية( بريطانيا وحلفائها مثلا). ففي ذلك الزمن تمكنت ثلة من النخب الإرترية من عقد أقوى ملتقى حوار إرتري على الاطلاق؛ من أجل التواثق حول التعايش السلمي بين مكونات المجتمع الإرتري . وهو اجتماع ( بيت قرقيس) في اسمرا. أدركت تلك النخب خطورة التراشقات الدينية أو الثقافية بين مكونات المجتمع في مستقبل الكيان الإرتري أرضا وشعبا؛ فلجأت إلى قاعد الحل الذهبي ؛ وهو الحوار الجاد. وهذه النخب ذاتها أطلقت (الكتلة الاستقلالية) لتماسك كلمة القوى الإرترية المحبة للاستقلال الوطني، والوقوف أمام دعاوى (حزب اندنت) ، داخل البرلمان الإرتري، في فترة الوحدة الفيدرالية القصرية مع إثيوبيا. وهي ذات النخب التي ابتكرت فكرة الانقلاب على التدخل الاثيوبي في الشأن الإرتري، من خلال نشر الفكر والوعي الوطني وسط النخب والمجتمع وذلك في إطار حركة تحرير إرتريا  وخلاياها السرية ، في أواخر خمسنيات القرن ذاته. ومن ثم هي ذات النخب التي لجأت إلى السلاح والكفاح المسلح؛ حنما لم تجنح إثيوبيا للسلم، ولم تحترم العهود الدولية. أي لم يكن النضال الإرتري وليد عنفوان لحظي في 1961 بقيادة حامد إدريس عواتي– كما يتوهم المقتصدون. ولكنه  نضال قام على أرضية متينة قوامها المطالبة بالحق الوطني بكل الوسائل السلمية والعسكرية. وهنا ليس هدفي سرد تاريخي لتلك الأحداث وإنما فقط أشير إلى الدور القوي الذي لعبه ذلك الجيل. لم يتم اغتيال كبيري هباء ولكنه ادراك من العدو لخطور مايمكن ان يشكله عبد القادر كبيري في حمل ملفات القضية الإرترية إلى الأمم المتحدة. واليوم لا يأتي التشكيك في شخص حامد إدريس عواتي إلا للتشكيك في دور ذلك الجيل؛ لفصل انجازات وبطولات الماضي عن الجيل الحاضر وتسريب اليأس إلى الأجيال القادمة التي تتململ من دور نخب اليوم.

الفكر الحديث والنخب الإرترية:

برزت منذ أواخر الستينات من القرن الفائت بعض تيارات فكرية مؤثرة في مسارات الثورة ؛ بما في ذلك الفكرة اليسارية والفكرة البعثية ولاحقا التيارات الفكرية الاسلامية. استقبلت النخب والصفوف الأولى من قيادات الثورة الإرترية تلك الأيدلوجيات الفكرية على شكل متعطش وسطحي في آن واحد . بالتأكيد كان تأثير ذلك كبيرا على التماسك الداخلي لتيارات وفصائل الثورة. أي ، سخرت القدرات النخبية الاعلامية والأدبية والسياسية لخدمة تلك المصالح والاصطفافات الضيقة على حساب مهام التحديات الوطنية الكبرى . هنا ، يجب أن نشير إلى أن القوى التي قادت مشروع الصراع الثقافي ، وفي مقدمتهم أسياس أفورقي ، كانوا أقل تناحرا في سبيل الفكرة اليسارية أو البعثية أو الأيدلوجية الدينية البحتة. مهامهم كانت تنظوي على مشروع إرتريا الدولة ؛ وفق بعد ثقافي تجريني. الفترة من 1969-1981 تعد حقبة مهمة لمن يريد استيعاب الواقع الإرتري المعاش . لأن الفترة من 1981-1991 انما كانت تمثل لحظات طباعة البيان ليزاع على الملأ . الفكر في كثير من الأحيان استخدم كوسيلة انحطاط في الساحة السياسية الإرترية. فالعناصر التي نالت جزء من التعاليم واستنارت ببعض المعارف الثقافية لم تتمكن من قيادة المجتمع نحو الأفضل.بل عان المجتمع الإرتري من النخب الفكرية. فقد استخدمت عناصر اليسار داخل الثورة الإرترية وسائل متعددة في خلق صراعات سطيحية ضد كل من خارج الفكرة اليسارية داخل الثورة الإرترية . كما أن نخب الفكر الإسلامي لم يكونوا أفضل من نخب الأيدلوجيات الأخرى. لقد وصل الخلاف إلى مراحل الفجور داخل كيانات الفكر الاسلامي الإرتري. ولحسن الحظ ، المجتمع الإرتري في براءة تامة من هذه الصراعات .

النخب الارترية و المشروع الوطني البديل:

اثنان وعشرون عاما هي عمر الدولة الارترية المستقلة . وهي الفترة ذاتها تمثل عمر المشروع الارتري المعارض، في ظل قوى إرترية في غالبها الأعم امتداد لحقبة الثورة الارترية ، منذ منتصف القرن المنصرم. حكمت ارتريا منذ استقلالها في 1991م؛ بيد من حديد من قبل أسياس أفورقي وزمرته في عناصر الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا .

نظرية الحكم في إرتريا:

عملت الجبهة الشعبية أو أسياس أفورقي – منذ 1977م ابان اتفاقية خرطوم الثانية بين الجبهة الشعبية وجبهة التحرير – في تمكين مشروع الانفراد بالساحة الارترية شكلا ومضمونا . فمن حيث الشكل ؛ تم اختراق جبهة التحرير الارترية ومن ثم اجلائها عن الساحة الارترية فيما عرف بالحرب الاهلية الثانية 1980- 1981 واظهار الجبهة الشعبية في مقام الممثل الشرعي الوحيد للساحة الارترية. وأما من حيث المضمون ؛ فقد عمل أسياس على اعطاء المشروع الوطني طابع صراع ثقافي بين دفتي المجتمع الارتري، وإظهار إرتريا على زي ثقافي تجريني . وبناءَ على هذه الوجهة وضع مخططوا أسياس أفورقي نظرية التنشئة المعزولة عن الآخرين . أي اغلاق الحدود الارترية أمام الارتريين القادمين , لاسيما حملة الثقافة العربية , واخلاء المدينة الارترية من أي مثقف أو حامل فكرة ، وبالأخص المعلمين . فقد كان المعلمون والمربون في المعاهد العربية والاسلامية أول وقود هذه النظرية القاصرة. فقد زج بهم منذ أواخر عام1992 في السجون. وجنبا إلى جنب تم تنشيط أدوات المسرح والمنهج التربوي  في سبيل تنوير المجتمع والدولة كلها بالثقافة التجرينية. كما نشطت فكرة ما عرف بالتعليم بلغة الأم أو اللغة الأم مثل البلين والساهو والكناما والتجري وهنالك تسود التجرنية. لم تنجح نظرية التنشأة المعزولة في كلياتها، لأنها تقاصرت أمام إرادة المجتمع الإرتري الذي رفض تماما مشروع التعليم بلغة الأم . والأدهى والأمر واجه المشروع معارضة وتضحية قوية من النخب الثقافة العربية داخل فتيل الجبهة الشعبية ذاتها كمثل ماقام به إدريس أبعري ،الذي عمل في تعرية الفكرة وما كانت تنطوي عليها من أهداف.

هل نجح أفورقي ؟

إذا كان معيار النجاح ينطوي على مجرد الانتصار على الخصوم، من أبناء الوطن الواحد وابعاد القوى السياسية الأخرى من ساحة الوجود ، وطرد الشباب من وطنهم ، ومنع عودة اللاجئين إلى وطنهم الأصل ؛ فان أسياس أفورقي قد نجح نجاحا يفوق طموحاته وخيالاته. فقد حرم إرتريا من أن تتشرف بتواري جثمان مناضليها القدماء في ترابها الطاهرة. وأما إذا كان معيار النجاح ينطوي على مدى قدرة قوى الحكم في توحيد صفوف أبناء الوطن، وبحث سبيل الوحدة الداخلية للمجتمع ، و بسط الحريات والمساواة والعدالة ؛ فقد فشل أفورقي فشلا لم يسبقه فيه إنس ولا جان في تاريخ هذا الكون المحسوس. فقد عمل أفورقي خلال سنوات حكمه الأولى (1991-1997 ) على احراق جزء من الوطن وإبقاء الجزء الآخر حيا ، في صراع ثقافي  باطني ضد قطاع واسع من المجتمع المسلم وضد الثقافة العربية في إرتريا. واليوم تجاوزت النار حدود الخيال وامتد الحريق ليشمل كل الوطن . يقف أسياس أفورقي – اليوم- ومعه شراذم متبقية من عناصر الجبهة الشعبية القديمة على انقاض البيت الإرتري المحروق. إذن, نجح أفورقي – على مدى التاريخ- في ضرب معارضيه وخصومه من الإرتريين بينما فشل في كل شيئ عدا ذلك.

كيف انتصر أفورقي على خصومه؟

على خلاف ما تقوله بعض العناصر المعارضة القاصرة؛ بـأنه شخص معتوه ومجنون ؛ يظل أسياس أفورقي شخصا في غاية الذكاء والحنكة . إنه يحمل عقلا جيدا في نفس شريرة لا ترضى بالبقاء إلا على أرضية صراع وخلاف. شخصية لا تعرف التسامح وانما التخلص من الخصم مهما كانت الاسباب. لقد أكد لي كثيرمن اللذين عاشروا أسياس أفورقي في ميدان الثورة الإرترية – أثناء حواراتي معهم- بأن أسياس كان قليل التحدث ، كثير التدوين لما يقوله الآخرون في الاجتماعات ، كثير القراءة والاطلاع، قليل الراحة وقت الفراغ.يتمتع أسياس أفورقي بقدرات عالية جدا في قراءة وفهم الأخر، ومن ثم استخدام الوسائل الموجعة ضد خصمه. اعتمد أفورقي على وسيلتين مهمتين في سبيل نفوذه وتنفيذ مشروعاته والتخلص من خصومة: وهما الاختراق والتصفية المباشرة أو غير المباشرة. واعتمد كليا على عناصر استخباراتية تقوم بمهمة التجسس والاختراق والاغتيال والتصفية في آن واحد. ومعظم هذه العناصر آخذة دوارتها التدريبية في اسرائيل لدرجة يخال فيها أن  أي عنصر استخباراتي في إرتريا لا بد وأن شرب من الحوض الاستخبارتي الاسرائيلي. والأدهى والأمر؛ ظل أفورقي منذ 1970م وحتى هذه اللحظة 2013م  يمثل رأس العنقود لهذه العناصر . فالعنصر الاستخباراتي مثله كمثل الجندي أو القائد العسكري أو الوزير مربوط بشكل فردي بأسياس أفورقي . أي كل عنصر في الجبهة الشعبية أو الحكومة الإرترية موصول على التوازي بالقط أسياس أفورقي. لذلك ليست هنالك مؤسسة عسكرية أو أمنية في إرتريا ، وإنما هناك قائد واحد وعناصر فاعلة تؤدي وظائف محددة بأمر من الرئيس مباشرة . وكل من يخطئ أو يحاول الخروج من هذه القاعدة يلبس تهمة العمالة ويتم تصفيته عسرا أو يسرا. إنها نسخة مستحدثة من تجارب فرعون موسى عبر التاريخ السحيق. وإلى جانب ذلك؛ يتمتع أسياس بفنون الصراع والانحناء وقت الحاجة. في مراحله الأولى في مطلع سبيعينات القرن المنصرم؛ استخدم أدوات التوحد مع عناصر قوات التحرير الشعبية ؛ وفورئذ تخلص من مجموعات      ( المنكع) ، ومن ثم احتمى بالقائد الراحل عثمان صالح سبي . ثم ضرب الأضداد بالأضداد في ظل قوى متعددة ومتعارضة. استخدم أدوات الاختراق العالي المستوى من خلال عناصرة مسيحية ضد جبهة التحرير الإرترية ، وعلى الأخص فترة ما عرف باتفاقية 20 أكتوبر 1977- 1979م بوساطة جهاز الأمن السوداني وبدعم من القوى الدولية العربية. وربط أفورقي مصير إرتريا بمشروع اتفاقه مع قوى التجراي في إثيوبيا. ثم تمكن اسياس أفورقي من اختراق حركة الجهاد الاسلامي الإرتري منذ ميلادها في 1988م وتمكن من معرفة مناطق قوتها وضعفها. وفي كل ذلك ظل أسياس يغمس صراعه في الحساسية الثقافية والدينية في ارتريا الامر الذي يضمن التفاف عناصر الثقافة التجرينية حول مشروعه. في 2001 اعتمد أسياس أفورقي على حساسية احتمالات العمالة لإثيوبيا ؛ تبريرا للتخلص من عناصره الداخلية حتى زج بالوزراء وقيادات الدولة والحزب الصورية في السجون . وآخر تجاربه في التخلص من خصومه كان عام 2013 حينما رتب أموره في السر معتمدا على عناصر استخباراتية شابة وعمل في تصفية عناصر حركة 21 يناير .

مهما نجح أفورقي في تصفية الآخرين ، ومهما استخدم بدائله المرحلية   من أجل مشروعات قاصرة لا تمت بصلة لمصلحة المجتمع الإرتري ؛ فإنه في نهاية المطاف فشل في تحقيق طموحاته على مستوى الصراعات المشبوهة ، وانحرف تماما عن الخط الذي كان يمكن أن يضعه في مصاف الشخصيات الوطنية التي تبني أمجاد مجتمعاتها . كذلك ، مهما انحط اسياس أفورقي بمقومات إرتريا ، فإنه بحكم طبيعة البشر وقانون التداول – والآجال بيد الله – ذاهب  إلى الأبد. فالخطور لا تكمن في شخص أسياس ومشروعه ؛ ولكن الخطورة تكمن في غياب المشروع الوطني البديل . أي ، كيف ترى الأطراف الأخرى لمستقبل إرتريا. هل إذا تم تغيير أسياس أفورقي برجل آخر من بيت الثقافة التجرينية سيختلف الأمر أم سيزيد الطينة بلة. هل مشروع تسييد التقافة واللغة التجرينية في إرتريا صنعها أفورقي أم صنعته النخب الثقافة التجرينية؟ ثم هل هذه النخب استوعبت خطورة مثل هذه المشروعات على كليات الكيان الإرتري. وحسب وجهة نظري ، مشروع تمكين الثقافة التجرينية وتهميش الثقافة العربية في إرتريا هو مشروع نخبي عام ،إلا أن أفورقي وضع شروط التنفيذ على أرض الواقع وفق طريقته التي لا تقبل مشاركة الآخرين. لست أدري ماهو تقييم النخب التجرينية لهذه المواقف، لأن أدوات الحوار الجاد غائب تماما في الساحة الإرترية الأمر الذي يعمق سوء الفهم هنا وهناك.

دور النخب الإرترية في الإصلاح من الداخل: 

على مدى عمر الدولة الإرترية المستقلة جرت هنالك عدة محاولات لصياغة مشروع معارض لأسياس أفورقي من داخل قوى الجبهة الشعبية أو من داخل القوى التي كانت داخل إرتريا . أهم تلك المحاولات هي:

  • المطالبة بتطبيق دستور عام 1997: في 2001م ،عقب الحرب الإرترية الإثيوبية (1998- 2000) ظهرت هنالك حركة من الوزراء والقيادات تتعارض مع مبدأ   الحبهة الشعبية القائل أطع القائد أسياس . خرجت هذه القوى من المألوف و طالبت بما يشبه المستحيل . حيث طالبت بعقد اجتماعات  عاجلة ودورية لأجهزة الدولة ، وتقييم اسباب ونتائج الحرب ضد إثيوبيا، وضرورة التطبيق الفوري لدستور عام 1997م. بالطبع لم يستجب أسياس لهذه الحركة بل أكثر من الشرب والسكر حتى يتمكن من رسم الردود القاسية. نزلت قوى تلك الحركة إلى الشارع العام ، وتنفس الشارع الإرتري العام الصعداء ، ونشطت حركة صحافة شبة حركة ومستقلة . تمكن أسياس أفورقى من رسم خطته بالاعتماد على عناصره الاستخباراتىة الشابة من اخماد جذوة تلك الحركة. فقد ألبس عناصرها تهمة العمالة لأثيوبيا وزج بهم جميعا في السجون. انتهت تلك الحركة في الداخل وتركت امتدادا لها في الخارج؛ بما عرف بمجموعة ال 15 . ويبدو أن عناصر هذه الحركة لم تكن تدرك كنه  أسياس أفورقي، وكيف أنه قاس في حسم الخلاف الداخلي بالتصفية المباشرة أو غير المباشرة.
  • حركة الحرية الآن : وهي حركة نشأت سرا منذ أواخر عام 2004 في أسمرا. ويبدو أن غالبية عضويتها هم من نخب مدنية ذات انتماءات تاريخية لىجبهة التحرير الإرترية ، إبان حقبة الثورة الإرترية (1958- 1991) ، ومن الذين ضاق بهم أفق الحياة في إرتريا بسبب سياسات الجبهة الشعبية الحاكمة سياسيا وثقافيا. حددت الحركة مبادئها ومطالبها حول اتاحة الحريات واطلاق سراح المعتقلين واجراء انتخابات حرة وعاجلة في البلاد. وفي سبيل بث أفكارها؛ استخدمت الحركة وسيلة النشرعبر الانترنيت إلى جانب توزيع منشورات بطريقة سرية ومجهولة داخل المدن الإرترية . كما دعت الحركة إلى مقاومة شعبية في إرتريا. أنها كانت تمثل أفكارا حية وقوية لكنهم – كمثل غيرهم من معارضي أسياس أفورقي – لم يتمكنوا من تأمين أنفسهم من مخالب أفورقي واستخباراته. ولعل عناصر هذه الحركة اعتمدت في مساعدات من الجانب السوداني المخترق. المهم ؛ إن الاستخبارات كانت في غاية التتبع حيث داهمتهم في توقيت زمني واحد وزج بهم إلى السجون .
  • حركة 21 يناير 2013: كانت هذه الحركة نتاجا للخلافات التي ظلت قائمة بين أفورقي وحاشيته الأمنية والحزبية  ومابين القيادات العسكرية العليا لقوات الدفاع الإرترية. وكان ذروة عمل هذه الحركة قد وصلت في 21 يناير 2013م حينما احتلت قوة عسكرية منها ساحة التلفاز لعدة ساعات ،حيث بثت رسالتها الأولى من خلال التلفاز الإرتري وأعلنت عن مبادئها الأساسية. ومن أهم ما دعت إليه الحركة هو التغيير السياسي واطلاق الحريات العامة ، بل واطلاق سراح السجناء فورا. عاشت إرتريا في ظل تلك الأحداث حالة ترقب عالمية . ووجدت الحركة استجابة واسعة من قبل الجماهير الإرترية في كافة انحاء العالم. وظل أفورقي – كطبيعته المعهودة في مثل هذه الحالات- صامتا يحرك وسائلة القمعية. وفي نهاية المطاف لم تجد هذه التجربة استثناءَ بل كان النصر لصالح أفورقي حيث عمل في حسم الحركة بالاغتيال أو الزج في السجون. انتهت الشرارة الأولى لهذه الحركة ؛ لكن جذورها موجودة وقابلة للاشتعال مرة أخرى.

هذه كانت أهم محاولات النخب الإرترية من أجل الوقوف ضد أسياس أفورقي ، وتغيير الوضع السياسي من الداخل. ولكن ما يلفت النظر في هذه التجارب ؛ كيف أن كل هذه القوى المتقدمة والمؤسسة لمشروع الجبهة الشعبية ، والمواكبة مسيرة أسياس أفورقي ؛ كيف أنها لم تخطط للتغلب عليه وحماية مشروعها من الانهيار. والإجابة – حسب ما يبدو لي- أن هذه النخب دائما ما اعتمدت على الظاهر بينما يعتمد أسياس على عنصر الاستخبار من خلال الاختراق، تماما مثلما فعله ضد جبهة التحرير الإرترية في حرب (198/1981) . كلمة سر الجبهة الشعبية وإرتريا كلها في يد أسياس أفورقي .

محاولات احلال البديل المعارض في الخارج:

تشكلت القوى السياسية الارترية (المعارضة) تلقائيا منذ قيام الاستقلال الوطني الارتري في 1991/1993م. إذ كان الغالب الأعم لهذه القوى امتدادا لتجربة الثورة الإرترية أو نتاجا لتشرذمات حقبة الثمانينات من القرن الفائت، عقب انهيار جبهة التحرير الإرترية واخلائها الساحة الارترية. كما ان بعضا من هذه القوى حديث التكوين عقب التحرير، فضلا عن تلك القوى المنشقة من النظام الحاكم في إرتريا ،عقب احداث الحرب الإرترية الاثيوبية الاخيرة (1998/2000م). ومهما يكن من أمر فإن المعارضة الإرترية بقديمها وحديثها؛ لم تدخل- حتى هذه اللحظة- في معركة حقيقية لإرباك مشروع اسياس أفورقي داخل وخارج إرتريا – هذا ميدانيا. وأما من الناحية النظرية فإن هناك الكثير من محاولات جمع الصف المعارض وتكتيله لمواجهة النظام الحاكم  في إرتريا. ومن أكبر هذه المحاولات هي عملية تأسيس قوى التجمع الوطني في مارس 1999 باعتبارها قوى متحالفه في إطار برنامج الحد الأدنى من الاتفاق . مرورا بالتحالف الوطني أو التحالف الديموقراطي . كذلك تمكنت المعارضة بقويها وغثائها من اجراء بعض التمارين الديموقراطية في إثيوبيا ، في اطار ملتقى أو مؤتمر الحوار الوطني في 2010 ومن ثم في اطار مؤتمر أواسا في 2011 والذي تمخض عنه كيان جديد تحت مسمى المجلس الوطني للتغيير الديموقراطي . تعد مرحلة تكوين هذا الكيان منتهى التطور النظري في الساحة السياسية الإ رترية  المعارضة ، منذ قيام الدولة الارترية المستقلة في 1991/1993 ؛ وذلك لما مثله الكيان من ميلاد شرعي عقب أكبر تجمع إرتري. وكذلك لما مثله كيان المجلس الوطني من هيكلية تشريعية وتنفيذية يفترض ان ينوط بها قيادة الجماهير الإرترية نحو التغيير وازالة النظام القائم في إرتريا، بل وارسال رسائل إلى القوى الدولية والاقليمية للاعتراف بالمعارضة الإرترية الموحدة ، وأهمية التغيير الديموقراطي الذي تتبناه المعارضة الإرترية. لأنه من البداهة القول أن المعارضة الإرترية لن تتمكن من قيادة مشروع سياسي بديل لمشروع النظام الإتري الحاكم ؛ دونما يكون لهذه المعارضة قدرة في إلفات نظر القوى الاقليمية والدولية ، وإلا لما كانت الحوجة إلى السياساات الخارجية والعلاقات الدولية. ولكن من الناحية العملية فإن المعارضة الإرترية لم تتمكن من تجاوز حدود العادة القديمة ( توحد وانشقاق ) . أي انشغلت النخب المعارضاتية الإرترية بالشطة والبربري في طبختها السياسية الدسمة، مثلما اهتمت بالقيل والقال.

النخب الإرترية والتعامل مع إثيوبيا:

إن من البداهة أن نقول أن لكل دولة مشروعاتها التي تخدم مصالحها القومية – بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وإثيوبيا – الدولة الحبيسة- لن تكون استثناء عن كل ذلك . استخدمت إثيوبيا خلال حقبة العشر سنوات الأخيرة وسائل تعامل متعددة مع كيانات المعارضة الإرترية . فقد أتاحت إثيوبيا مساحة واسعة للقوى السياسية الإرترية للانطلاق من الأراضي الإثيوبية وممارسة نشاطاتها . بل شكلت إثيوبيا عملا متكاملا مع كل من السودان واليمن لدعم المعارضة الإرترية ، ومحاصرة النظام الإرتري الحاكم . وذلك في فترة نشاط ماعرف ب(محور صنعاء). أي، إثيوبيا كانت تتبنى اتجاها ملحا لاسقاط النظام الإرتري.ولكن تظل إثيوبيا أسيرة الخوف من المستقبل الذي يؤمن مصالحها في الممر البحري الآمن في الشاطئ الإرتري على البحر الأحمر. كما أن إثيوبيا تعاني من أزمة التفرد بالملف الإرتري المعارض؛ بكل تفاصيله. لذلك لم تجتهد إثيوبيا في فتح أبواب أمام القوى الإرترية المعارضة، لاسيما وأن أديس أبابا تمثل احدى العواصم الكبرى للتلاقي الدوبلوماسي الدولي.

على مستوى آخر،عملت إثيوبيا على تجاوزحدود التعامل القيادي الارتري المعارض ؛ فنزلت إلى الطبقات الاجتماعية والنخب الشبابية الإرترية ، إلى درجة دعوة كوادر شبابية وثقافية إرترية مباشرة لملتقيات وسمنارات لمناقشة قضايا إرترية . من غير المعهود أن تباشر مؤسسات دولة معينة عملا ما مع أفراد وقواعد وكوادر دولة أخرى . التعامل المناظر بين المنظمات والمظلات هي الطريقة المعهودة دائما في مثل هذه المواقف؛ وإلا ستأخذ منحى استخباراتيا معينا. ومهما يكن، السياسة الدولية ليست دئما مستقيمة في مساراتها وإنما تتغيرت حثيثا . فتفاصيل السياسة الإثيوبية اليوم لن تكون طبق الأصل لسياسات الأمس . فمثلا، مشروع ملس زناوي كان ينطلق من ضرورة اسقاط نظام أفورقي ، مع أهمية الترتيب لطبيعة النظام البديل في إرتريا، سياسيا وثقافيا. بينما القيادة الجماعية الحالية في إثيوبيا مرتبكة في فهم صراعها مع النظام الإرتري . فهي شبه يائسة من قدرة المعارضة الإرترية في استحداث وسائل عاجلة للتغيير في إرتريا، وبالتالي لن ترفض إثيوبيا اي اتجاه يدعو للسلم والحوار مع إرتريا. وعلى النخب الإرترية ان تدرك ذلك وتعمل في تطوير أدوات فهمها للواقع الإثيوبي والتعامل معه بذكاء وحنكة سياسية. المهم يجب على الإرتريين أن يتعاملوا مع إثيوبيا بلا حدود ، ولكن وفق رؤية إرترية موحدة. يجوز لنا أن نتعامل مع إثيوبيا ونستفيد – سياسيا- من أي مستوى سياسي متاح ، ولكن وفق فهم  جمعي إرتري موحد.

دور النخب المفترض:

من يدقق النظر حول الوضع الإرتري ، سيجد صعوبة في رسم خط بياني لمستوى التطور السياسي والثقافي والاجتماعي الذي يزيد بزيادة جهود وتجارب البشر. كما أنه سيجد صعوبة في فهم الدور القيادي الايجابي الذي تمارسه القوى الارترية الحديثة. بل سيجد المتتبع تجارب متكررة في اجتهاداتها واخفاقاتها. فخلافات وصراعات مرحلة السبعينات من القرن الفائت متحكمة في واقع اليوم في العمل السياسي الإرتري. أي ، لم يحدث تطور رأسي في العقلية السياسية الإرترية. وهذا يفسر وجود ركود كبير في الدور الافتراضي للقوى الارترية المستنيرة. فضلا عن عدم بروز قيادات حديثة تحدث تغييرا في الواقع العملي الإرتري. هناك غياب تام للدور المنوط بالنخب الإرترية.

بعض الأدوار الإيجابية:

منذ عدة سنوات برز في الأفق دور منهجي لمجموعة من النخب الإرترية ، حيث دعت لضرورة تبني الفكرة الفيدرالية لمستقبل الحكم في إرتريا . شكلت هذه الخطوة اتجاها ايجابيا لمبدأ تبني افكار منهجية لحل المشكلات الداخلية لإرتريا. وقد شكلت الفكرة في كلياتها فيما عرف ب(الحركة الفيدرالية الديمقراطية الإرترية). اتجه اصحاب هذه الفكرة لحصاد نتائج عاجلة من خلال الانضمام إلى التحالف الديموقراطي الإرتري ، وهنالك ، شيئا فشيئا أصبحت ضمن المشكلة اليومية وانحرفت عن تبني دور تصحيح المسار من خارج القطار المتهالك. وهنا ليس المقصود بأن دورهم كان سلبيا داخل التحالف أو داخل كيانات القوى المعارضة،وإنما يعني دورهم كان اقوى لو أنهم ذهبوا في بناء مؤسسات مدنية تعمل في بناء قدرات المجتمع وتقديم الرؤية لمن هم في ساحة التنقيذ.

كذلك ظهر في السنوات القليلة الماضية دور ايجابي للنخب الشبابية الارترية في شتى انحاء العالم ، من اجل تبني مشروع الحراك الشعبي . وظهرت تكوينات وحوارات ومؤتمرات هنا وهناك ، من اجل استقطاب الشباب الإرتري في العمل المعارض. ولكن ما يعاب على هذه (الحراكات) وقوعها في المحذور، واتباعها سبل التشرذم دون الأهداف الأساسية؛ فأضحت صورة طبق الأصل لما تعانيه القوى السياسية الإرترية. عان الحراك الشعبي والشبابي من التأثير التنظيماتي . ومع كل ذلك فإن الدور الذي أدته القوى الشبابية من خلال الحراك الشعبي يعد كبيرا ومهما؛ من خلال المظاهرات واقتحام سفارات النظام في مصر وأوربا. كما أن هناك امكانية مفتوحة أمام هذه القوى لتجاوز الأوضاع الحالية والدعوة لإنشاء كيانات شبابية في كل دول المهجر وتكوين شبكة  إرترية عالمية خارج الأطر التنظيمية التقليدية، لمساندة القوى السياسية والضغط عليها لتغيير واقعها من أجل عمل سياسي يؤمن مستقبل إرتريا.

هناك أيضا دور إيجابي للنخب الإرترية التي عملت في مجالات الإعلام الإنترنيتي. في هذا المجال؛ يمكننا أن نقول بأن هناك تطور إيجابي ملحوظ، سواء في مجال النشر وجودة المادة المنشورة ، أو في مجال اتاحة فرص الحوار من خلال البالتك. كثرت الغرف الإرترية في البالتوك بمختلف اللغات ، وليس هناك اخلال في هذا التعدد ، لان الكثير منها متنوع ومتعدد في اتجاهات طرحه وموضوعاته. وما يلفت النظر في هذا الشأن ، هو وجود غرف إرترية عربية في غاية النضوج. لقد عملت – مثلا – الغرفة العربية الإرترية للحوار الوطني ، على إدارة حوارات سياسية وثقافية في غاية الأهمية. ومثل ذلك يقال عن غرفة المنتدى الإرتري للحوار. إن أداء هذه الغرف كان يمثل أول عمل إرتري في اطار نخب الثقافة العربية  الارترية يلامس النضوج والكمال.إنه الاتجاه المفقود في إطار النخب الإرترية. وانه عمل يبشر بامكانية نهضة إرترية جادة.

إرتريا ليست استثناء من بلدان العالم ، ولا شعبها استثاء من شعوب العالم . إرتريا مثلها كمثل بقية الشعوب ، بتعددها الثقافي والعرقي والديني. هي مثل إثيوبيا أو الصومال أو السودان. كل هذه الدول تعاني مما يمكن أن تعاني منه إرتريا. الاستثناء الوحيد بين إرتريا وبقية الدول المجاورة أو دول العالم؛ هو أن النخب الإرترية لم تستطع ان تجري حوارا جادا تلتزم بمخرجاته. ولعلي هنا أشيرإلى أن نخب الثقافة التجرينية في إرتريا يعانون من أزمة الخوف من الثقافة العربية في إرتريا. هنا من المناسب أن أشير أيضا إلى ملخص ما قاله لي أحد الشخصيات الكبيرة المؤسسة للجبهة الشعبية ، والمنشقة عن النظام الحاكم بأنه” لم يكن يؤمن بوجود اللغة العربية ولا بالثقافة العربية في إرتريا، سوى أنني الآن – كقائد لتنظيم معارض- علي ان أتعامل مع مبدأ ثنائية وأهمية اللغة العربية في إرتريا ، لاعتبارات جيوثقافية وجيوسياسية،لأن إرتريا تمثل جزيرة وسط محيط عربي…” هذه وجهة نظر هذا القائد التاريخي, أنه عرف أهمية الثقافة واللغة العربية في إرتريا بعد أن دخل في محك عملي في السياسة.

المطلوب منا جميعا:

  • أن يكون دور للفرد داخل التنظيم أو الكيان الذي ينتمي إليه. أي ألا يسلم الفرد ممتلكات عقله وقدراته للجماعة ، وإنما أن ينتمي بقوى عقله الحية ، يعطي ويأخذ داخل الفكرة التنظيمة. حراك القوى المستنيرة داخل هذه الكيانات السياسية أو الثقافية هي الضمانة الوحيدة لتطور التظيم فكرا وعملا. لا يكون انتماؤنا للكيانات استسلاما وانما الانتماء يجب ان يميز بين الايجابيات والسلبيات التي يمكن ان تقع فيها القيادات فيعمل الكادر الجاد في تصحيح المسارات. وهنا تبرزت قيادات المستقبل ونضمن عدم تكرير الأخطاء طورا بعد طور.
  • تأسيس منظمات فئوية . إرتريا في أشد حاجة لنقابة قانونية من الشباب الإرتري المتخصص المقيم في الخارج. ملف المعتقلين الذين لايعرف مصيرهم منذ عشرات السنين في إرتريا . تحتاج مثل هذه الملفات إلى من يطالب بحقها. وأنا هنا لا اعنى منظمات حقوقية وانما نقابات متخصصة ، وهذا مثال فحسب.

28 سبتمبر 2013

محمودعثمان إيلوس

Eylos1@yahoo.com

 

 

.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=34205

نشرت بواسطة في سبتمبر 28 2013 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010