إريتريا : الشعب الإريتري يفتقد قائداً من القيادات التاريخية المناضل، والمجاهد الشيخ / سعيد إسماعيل صابر رحمة الله عليه ألف رحمة .

 

أبو صابر إلى جنات الفردوس الأعلى مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً: إن شاء الله

إريتريا : الشعب الإريتري يفتقد قائداً من القيادات التاريخية المناضل، والمجاهد الشيخ / سعيد إسماعيل صابر رحمة الله عليه ألف رحمة .

ويوم الإثنين التاسع والعشرون من شهر صفر للعام 1438هـ الموافق التاسع والعشرون من شهر نوفمبر للعام 2016م وعند الساعة العاشرة ليلاً قرأت وردي مما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم (دعاء) للنوم استعداداً إلى الخلود للنوم لأستريح من عناء الوصَب والنَّصب وكليهما تعنيان: (التعب) تصديقاً بقوله تعالى في كتابه العزيز ” وجعلنا نومكم سباتاً” أي قطعاً للحركة لتحصل الراحة من كثرة التردد والسعي في المعايش في عرض النهار.

وفي أثناء تلك اللحظات هتف الهاتف على الجهاز المحمول الذي وضعته بعيداً عن موقع النوم حتى لا يزعجني، ولكنه بدأ الرنين وسنا برقه (يضيء) الغرفة المظلمة فانتظرت ثوان قليلة للرد أو عدمه، ولما لم يتوقف عن الرنين وضوؤه المزعج فقررت بالرد. فإذا بي أتلقى النعي برحيل أحد القيادات التاريخية في الساحة الإريترية فبدأت الدموع تنهمر مدراراً إلى الحد الذي فقدت الإهتداء إلى إعادة الهاتف في مكانه. وكيف لا! بأن الساحة الإريترية عرفته بكل صفاته الجريئة والشجاعة التي لايجرؤ عليهما أحد وذلك في سبيل حق وطنه دون سواه .

ولكنني استجمعت قوتي لأعيد إلى ذاكرتي التي ذهبت المذاهب بسبب تلك الفاجعة. فاهتديت إلى آية من آيات الله في معنى الاسترجاع التي تدعو المسلم بالبشارة والذي هو دواء المصيبة ” إنا لله وإنا إليه راجعون” في قوله تعالى: “ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أؤلئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المفلحون ”

وكما استحضرت في الحال قصيدة شاعر حول كلمتين : ” رُبَّ ، وأيضاً” اختلف علماء علم البلاغة في تحديد موقعهما الصحيح في الكلام فوعيتهما واختزنت بهما ذاكرتي أيام دراستي في المرحلة الثانوية في سوداننا الغالي. وأورد الشاعر كل في مكانهما الصحيح في أبيات شعره حول حزن الحمامة التي سماها: ” ورقاء”.

رُبَّ ورقاء هتوفٍ في الضحا        ذاتِ شجوٍ صدحت في فننِ

ذكرت إلفاً ودهراً سالفاً              فبكت حُزناً فهاجت حَزني

فبكائي رُبما أرَّقها                         وبكاها رُبما أرَّقني

ولقد تشكو فما أفهمها                      ولقد أشكو فما تفهمني

غير أني بالجَوَى أعرفها                   وهْيَ أيضاً بالجَوَى تعرفني

ومما زاد أرقي في تلك الليلة كثرة توالي المكالمات المتواصلة من أنحاء العالم ممن ينعون برحيل قائد عاصر مرحلة نضال الشعب الإريتري منذ زهرة شبابه الأولى قرابة نصف قرن من أجل قضية وطنه.

أيها السادة !!! اعتاد الناس في العالم أن يكرموا من لهم مكانة في نفوسهم بوضع كل حسب مقامهم فيما قدموهم من العطاء للأوطان وللدين في مختلف المناحي بعد أن يطويهم الموت حيث تقام لهم حفلات التأبين ويتبارى الخطباء وينشدون الأشعار في تعداد مناقبهم ومآثرهم في حياتهم ويشيدون بما قدموهم لأمتهم وفي أي حقل كان ذلك. ولكن قلة من الفضلاء يُغَيِّرون مثل هذه الأساليب بأساليب أخرى فيكرمون الراحلين تكريم من لا يزالون على قيد الحياة حتى يعلموا أن في الأمة من يُقدِّر عطاءهم ويثني على جهودهم وتلك، سنة العلماء أو الكُتَّاب المتخصصون. ولما لم نكن على قدر تلك المستويات التي تكرم الأبطال المناضلين والمجاهدين بإبراز ما يستحقونهم ولو بجزء يسير فيما أفنوا به زهرة شبابهم وحياتهم الغالية، وكانت كلها عطاء وتفانٍ، ولكن يحسن بنا أن نذكرهم بما نعرف عنهم تكريماً لهم. وكان من الفضل أن تسجل سيرة العظماء وهم على قيد حياتهم ولكن الناس لا يفعلون ذلك إلا بعد رحيلهم من الدنيا في أحسن الأحوال.

وفي الواقع الإريتري لقد تحول تاريخ الزعماء الإريتريين والشهداء المناضلين الذين سقطوا في ساحات الوغى فرووا أرض إريتريا بدمائهم الطاهرة في سبيل الحرية والاستقلال قد تحول إلى  النسيان، وأخذ كتابة تاريخ إريتريا المعاصر منحاً آخر؟

مكان وتاريخ ، والمراحل الدراسية لفقيدنا الشيخ / أبو صابر رحمه الله :

ينحدر الشيخ الراحل من عائلة دينية معروفة ومشهورة ومشهود لها بالصلاح والتقوى لحبها لله ولدينه وتُعرف في إقليمها بعائلة : “أمحمود” وكما امتازت بالشجاعة حيث وردت أشعار بلغة الساهو أعني هنا من شعراء تلك العائلة بالذات إشارة إلى فكرة الشجاعة يهدف إلى إثارة الرهبة في نفوس أعدائها ويعرف ذلك شعراء الساهو الذين لا يزالون على قيد الحياة.

  • ولد المناضل والمجاهد الراحل في مدينة : ” عدي وقري” وهي عاصمة محافظة (سراي) وتعرف أيضاً باسم (مندفرا) وتبعد : ب 45 كيلو متراً عن العاصمة الإريترية أسمرا نحو الجنوب على الطريق المؤدي إلى إثيوبيا وكان والده موظفاً حكومياً .

وتاريخ ميلاده كان ما بين عامي 1940م- 1941م من واقع الوثائق الرسمية التي كان يحملها الراحل إلى حين وفاته، وبهذا يكون قد رحل من الدنيا عن عمر ناهز ما بين (75-76 عاماً) رحمه الله. ثم انتقلت الأسرة إلى مدينة “عدي قمحاري” وفي أي تاريخ كان ذلك لم يتضح لنا، ولكننا نعلم بأن تاريخ ميلاده كان خلال الفترة مع ميلاد أول نواة لنشوء الحركة الوطنية السياسية التي عُرفت في التاريخ المعاصر لإريتريا بتأسيس : ” جمعية حب الوطن” والتي تحولت إلى حزب الإنضمام لاحقاً. باستثناء بعض الزعماء الوطنيين الذين كانوا في صفوف المطالبين باستقلال إريتريا.

وفي عشية الخامس من مايو 1941م تكونت لجنتها من إثني عشر عضواً ، ومن أبرز قياداتها- الزعيم الشهيد / عبدالقادر كبيري والذي اغتالته عصابة العناصر لحزب الإتحادي (أندنت) في ليلة 27 مارس سنة 1949م. وهو على أهبة الاستعداد للسفر ضمن الوفد الإريتري لطرح القضية الإريترية على الأمم المتحدة، بدعوة من اللجنة السياسية التابعة للأمم المتحدة لحضور اجتماع في ” ليك ساكسيس” في الولايات المتحدة الأمريكية من نفس الأسبوع لسفر اللجنة ، والثاني، الزعيم الراحل ابراهيم سلطان، والثالث ولد أب ولد مريام. مما يدل على بداية ظهور الإرهاصات مع ميلاده للبشارة لبداية عهد جديد لتقرير المصير للشعب الإريتري. وفي عادات كثير عند الأسر الإريترية يستبشرون بمولود من المواليد ويؤرخون به فترة من فترات حياتهم أو لحادث من الحوادث. ونشأ الراحل في تلك الأجواء المليئة بالمد والجزر.

  • المراحل الدراسية للراحل المجاهد الشيخ / سعيد إسماعيل صابر: وكانت دراسته بين المدينتين المتقاربتين تقريباً، هما : مدينة عدي قمحاري، مقر أسرته على بعد 40 كيلو متراً من أسمرا، والثانية : العاصمة ، أسمرا. ومن خلال مصادر المعاصرين له بأنه كان يمتاز على أقرانه بالتفوق في مراحل دراسته حتى الثانوية إلا أنه قد قطع الدراسة في المرحلة الثانوية. ولم تتضح لنا أسباب قطعها، وكما لم يتضح لنا من أي فصل كان ذلك.

ولكنني أعتقد جازماً بأن من بعض الأسباب بقطع دراسته ترجع إلى عاملين مهمين : ” هما” :

1- عامل أسري ولا نعرف التفاصيل عن ذلك .

2- والعامل الثاني ، عامل تطلعات الراحل نحو القضية الوطنية وهو الأقوى. خاصة إذا علمنا حيث كان ذلك في فترة الإعلان عن الثورة الوطنية و كان يتمتع بالوعي المبكر نحو القضايا الوطنية ، وكما أنه لن يكون غريباً وكما لم يكن وحيداً على أن يقطع دراسته الثانوية مع التفوق الذي كان يحققه في جميع المراحل السابقة ، ومثله في ذلك كمثل الطلاب الإريترين الآخرين الذين كانوا يقطعون دراساتهم بأحد العوامل الرئيسية ، إما برغبة الالتحاق إلى صفوف الثوار الذين بدأوا يخوضون حرب العصابات، وإما برغبة إلى الهجرة خارج الوطن الإريتري لمواصلة الدراسة خارج إريتريا بعد شعورهم بالأخطار المحدقة بهم من قبل الاستعمار الإثيوبي الذي حل محل الاستعمار الأوروبي وكلاهما كانا شراً مستطيراً على الشعب الإريتري.

وإلى الحلقة القادمة إن شاء الله .

سليمان محمد إسماعيل

الرياض – 18/12/2016م

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=38264

نشرت بواسطة في ديسمبر 20 2016 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010