إظلام إريتريا.. مأســاة

الكاتب يوسف عبد الرحمن‏  (الانباء)

الكاتب يوسف عبد الرحمن‏ (الانباء)

بقلم: يوسف عبدالرحمن

y.abdul@alanba.com.kw

في ظل صمت دولي رهيب..

وفي غياب مؤلم للإعلام العربي والإسلامي والدولي..

وفي نأي عن السند والظهير والشقيق والرفيق..

تظل اريتريا حرة وليست حرة وتعاني من إظلام متعمد من التعتيم.

تقول لنا: أستاذنا، أعرف، ونقول: ما العمل الآن؟

أيها الكويتي هذه رسالتنا اليك، نحن «مجموعة من أبناء اريتريا» نبعث لك بهذه السطور لعلها تصلك وأنت في أتم الصحة، ونقدم لك واجب العزاء في ابنك «أحمد»، رحمه الله، وجعل الله مثواه الفردوس الأعلى من الجنة، ولقد أبلغنا من شعبنا الاريتري في الكويت بأنه على دربك كان حاملا لرسالة الخير رغم صغر سنه، رحمه الله.

أستاذنا الكبير مقاما عندنا في اريتريا وخارجها اننا نطلب منك ان تكتب عن مأساة اريتريا وهذا التعتيم الإعلامي المطبق عليها من رئيسها ودهاقنة العسكر.

اننا نذكر بامتنان جهودك المخلصة التي بذلتها من أجل أن تنال اريتريا حريتها في السبعينيات وما تلاها ومازلنا نستحضر كل رحلاتك الصحافية والنضالية من أجل تحرير اريتريا.

ومازلنا ايضا نُذكر هذا الجيل الاريتري الجديد بشخصك الكريم ودورك التاريخي في نصرتنا وشجاعتك ومواقفك المبدئية على الدوام معنا..

لقد سجلت يا رفيق دربنا اسمك بمداد اريتري منطلقا من الكويت ونحن نعلم علم اليقين ان الكويت هي من طرح اسم قضيتنا في المحافل الدولية. اسمح لنا في طلبنا الغريب هذا ولكننا نعلم ان سطورك تتلقاها الآلاف هنا وهناك عبر وسائل التواصل الاجتماعي عبر العالم وتعرف صدقا حجم المحبة والثقة التي حزتها من القادة التاريخيين لثورتنا وعلى رأسهم المناضل البطل ابراهيم سلطان، رحمه الله.

ان الجيل الحالي في الداخل والمهجر بحاجة الى قلم بحجم قامتك وتاريخك حمل همومنا ورفع اسم اريتريا ودافع عنها بكل صدق وشجاعة يا حبيب الاريتريين في كل مكان.

اننا باسم القائد التاريخي حامد ادريس عواتي وجميع القادة الأحياء والأموات الذين التقيت بهم وأحبوك، وهذا الجيل الاريتري الجديد المتابع لقلمك وسطورك ندعوك ان تكسر حاجز الصمت وتكتب عن التعتيم الإعلامي الذي تعانيه اريتريا المحبوسة المسجونة بيد جلادها وقبضة العسكر.

أيها الكاتب الكويتي الذي عشق اريتريا ودافع عنها بطول وعرض سنوات عمره ندعوك في هذه الظروف التي يعيشها الشعب الاريتري في الداخل من معاناة وألم وحبس وقهر وتنكيل واضطهاد.

الأخ يوسف.. نرسل اليك رسالتنا في هذا الكتاب المفتوح وأنت القلم الطبيب الذي يعرف الملف الاريتري كاملا غير منقوص ويعرف ايضا وصف العلاج في «روشتة» ملف إعلامي تكتبه عن هذا التعتيم الفظيع الذي يمارس على اريتريا التي قلت انك اريتري الهوى ومنطلقا من مواقف بلدك الكويت، التي تعشقها، سندا داعما لاريتريا أثناء الاحتلال الإثيوبي وما بعد الاحتلال الاسياسي. ندعو الله مخلصين ان يوفقك وأنت ممن يملكون على الدوام الحكمة والخبرة والإقدام..

إخوانك إريتريو المهجر

الكويت وإريتريا

من يقرأ التاريخ المشترك للدولتين يدرك ان الكويت ساندت اريتريا أيام الثورة مساندة فعلية إعلامية ومالية وديبلوماسية، وعرفت الكويت على الدوام بالحب والرعاية والعطف المتواصل تجاه الثورة المجاهدة حتى تحررت اريتريا من الاستعمار الإثيوبي الغاشم وبعد التحرير دعمت الكويت اريتريا بالطرق والكهرباء ومشاريع التنمية.

اليوم زادت معاناة الإريتريين ووصلت الى حد صعب السكوت عليه خاصة ان أبناء اريتريا تطبق عليهم العسكرية الإلزامية رجالا ونساء وهذا أمر صعب للأسر المسلمة التي فر كثير منها خارج اريتريا ليواجهوا عصابات وتجار بيع البشر وقطع الغيار الآدمية، وكلنا قرأنا وسمعنا عن مأساة تهريب الاريتريين من أجل تجارة الأعضاء وهذا ملف مخزٍ للنظام لأنه ضالع فيه وهنا نناشد المنظمات واللجان الخاصة بحقوق الإنسان ان تعاقب هذه العصابات المتاجرة بأعضاء الاريتريين لصالح اسرائيل وغيرهم من الدول وعصابات المافيا وآن الأوان كي يتوقف هذا الملف الأسود.

الكويت لديها صحافة حرة ومؤسسات حقوقية متطوعة لخدمة الإنسان في المعمورة وهذه فرصة كي ندعوها لتبني هذا الملف القبيح وايضا الدعوة للمنظمات الخيرية لخدمة اللاجئين على متون الحدود لدعم صمود جموع هؤلاء اللاجئين خاصة في كسلا والثغور الأخرى، ان اريتريا اليوم بحاجة إلى ضوء إعلامي شامل مرئي ومسموع ومقروء لكسر التعتيم الإعلامي وسماع شهادات وشهود على المظلمة التي تعيشها اريتريا وشعبها على يد مجموعة من الأشرار الذين يعتبرون كل صحافي وإعلامي عدوا لهم لأنهم يحبون الظلام والتعتيم.

إريتريا.. والتعتيم الإعلامي

لا يتسع لي المجال لتسجيل التاريخ القديم لكفاح الشعب الإريتري البطل في سبيل استقلال وطنه وحريته من الحضارات القديمة من فراعنة ويونان ورومان وأحباش وطليان وإنجليز قبل وبعد الحرب العالمية الثانية.

تاريخ اريتريا كبير ومتشعب ولكنه مليء بالمواقف البطولية من مختلف الطوائف والأقاليم التي تشكل اريتريا، والتاريخ يذكر على الدوام أن المؤسسين منهم مسلمين ومسيحيين تعاهدوا على خدمة اريتريا دون تمييز.

لن أدخل دهاليز التاريخ الاريتري لكنه عانى من مشاريع خبيثة تمزق وحدته وتعطل مسيرة حريته ومن يقرأ التاريخ الاريتري يجد عشرات المشاريع السوفييتية والأميركية والإنجليزية والإثيوبية كلها تضع اريتريا في النهاية تحت سيادة التاج الإثيوبي يوم كانت اثيوبيا بوابة التنصير في أفريقيا.

المهم عبر كل التاريخ الإريتري عانت القضية الاريترية من الطامعين والانتهازيين والمختلين، واستطاع الشعب الاريتري ان يصمد أمام كل هذه المؤامرات وان يفشل كل مظاهر الحكم الذاتي وإفشال بالتالي المخطط الإثيوبي.

اليوم الحال تغير، يقولون اريتريا تحررت!

هل صحيح فعلا اريتريا تحررت؟

الواقع عكس هذا القول لأن اريتريا تحولت الى سجن كبير من الحاكم، والمؤسسة العسكرية والجبهة الشعبية الحاكم الفعلي لإريتريا وإظلام وتعتيم متعمد قهري سلطوي جبروتي آثم.

24 عاما مرت على تحرير اريتريا وهي اليوم تفتقد أبسط معايير النظام العصري من حيث صناعة القرار وهياكل الدولة وقوانينها المنظمة والدستور الصحيح الذي يختاره الشعب برضاه، غير ان الواقع المؤلم حقيقة ينذر بأن اريتريا على حد الانهيار لأن فخامة الرئيس ممسك بكل ملفات الدولة بدءا من المؤسسة العسكرية التي مارست قمعا واضطهادا في صفوف الشعب المسالم فخربت المشاريع الزراعية وهرب المستثمر وتراجع الاقتصاد الاريتري الى مستويات خانقة ومحبطة بسبب سوء الإدارة، وهنا فقد المواطن رزقه وضاع الأمن والأمان بسبب البطش من الجنرالات، وتحولت اريتريا الى بلد طارد لأهله وزواره، فحدث انهيار في كل مجالات التنمية وتدنت مستويات الخدمات من تعليم وصحة، وزادت عمليات الهجرة من الداخل الى الخارج مما يعني ان أمل التغيير على يد الرئيس اسياس أفورقي صار مستحيلا.

نظام بهذه الشكلية وصل الى مرحلة من الشيخوخة يصعب علاجها إلا بالبتر لإحداث توقعات غير متوقعة لإنقاذ المواطنين الاريتريين والأجيال الاريترية من نظام استبدادي، وكلنا يذكر المحاولة الانقلابية التي قام بها الجيش في عام 2013 بقيادة الشهيد البطل علي حجاي، رحمه الله.

لقد عزل نظام اسياس افورقي أسمرة وبقية المدن الاريترية من التواصل مع الإعلام بأي شكل من الأشكال فلا أطباق تنقل المحطات الفضائية ولا شركات للاتصال تسهل للمواطن حرية الاتصال بمن يرغب، ومنع المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة من زيارة اريتريا ومنع دخول الوفود الصحافية إلى البلاد ومنع المؤسسات الخيرية والتطوعية حتى يضمن عدم قيام ثورة تطيح به لأنه يعلم اليوم ان ركوب الكاميرا أفضل من ركوب الدبابة!

يردد نظامه مفردات الانفتاح الحضاري والرأي الآخر وحرية الاعتقاد، غير انها مفردات غير مطبقة لأن الدولة برمتها، والله، على كف عفريت لأنه ملك الدولة ومفاصلها وأتعبها.

اريتريا اليوم ليست تعاني من تعتيم إعلامي داخلي فقط وانما ايضا من إعلام خارجي أهمل تسليط الضوء عليها وعلى ملفاتها المثخنة بالجراح، خاصة ان شعبا حرا يطالب بحريته بعد ان تحرر من الاحتلال الإثيوبي ويقول: لقد سرقت حريتي وانا أدفع الثمن غاليا الآن ولهذا كله اريتريا بحاجة الى إعلام داخلي أولا يصحو فيه الجميع، كل من سباته لكسر هذه العتمة.

فرق كبير ما بين جنوب افريقيا التي حررها نيلسون مانديلا وبين اريتريا الثورة التي فجرها المجاهد حامد ادريس عواتي ليقطفها أسياس أفورقي!

آن الأوان ان تلتفت وسائل الإعلام الخارجية الحرة الى اريتريا ومعاناتها خاصة بعد تزايد اتهامات دول الجوار لها بأنها تزعزع أمن واستقرار الدول الإقليمية المحاذية لاريتريا، وهذه فرصة، ننصح جميع الدول التي تحاول حاليا التقارب مع اريتريا لإعادة النظر لأن هذا النظام ما نصب إلا لجعله كبشا نطاحا للدول المجاورة، والوقائع تثبت بالأدلة صحة هذا القول.

لعل آخر ما أضحكني هو قراءتي لمقال الكاتب مبارك البلال في صحيفة الدار «الكلام الساخن» قوله: إن اريتريا بدون حرامية!

والله يا أخي صدقت لقد أطاحت اريتريا بالحرامية وبقي سارق واحد لحريتها.

بقي ان أقول لابني حجي جابر وهو من الأدباء الذين أتابع نشاطهم الأدبي لقد صدقت يا ابني فإريتريا اليوم في عزلة كبيرة والعرب لا يبالون بأدبها ولكنني أذكّرك وأمثالك من الشباب الاريتري الواعد انكم أنتم تكسرون العزلة بأقلامكم ورواياتكم مثلما فعلت أنت في رواية «سمراويت» و«مرسى فاطمة». وعليكم بطباعة الكتب وإحداث ثورة عبر التواصل الاجتماعي يا نسل الأحرار.

دورنا اليوم قبل ان ندعو وسائل الإعلام الأجنبية لان تقنع عربنا ومسلمينا بأن ينضموا الى دعم اريتريا، لأن اريتريا عزلت على يد النظام من محيطها العربي وعمقها الإسلامي.

أيها الاريتريون في كل مكان: اريتريا معزولة، نعم، ولكن بإرادتكم أنتم، أبدعوا بالداخل وحركوا شعبكم واستفيدوا من شعبكم المثقف في المهجر لتسيير المظاهرات السلمية وإرسال الرسائل واستخدام المحطات الفضائية لاستضافة ساستكم ومثقفيكم لتحريك هذا الماء الآسن.

الكاميرا هي التي ستقلب لكم النظام وليس الدبابة، فيا شعب النور والثقافة والديموقراطية هبوا الآن وتذكروا رمزكم الخالد حامد عواتي كيف أطلق شرارة ثورة عملاقة آن لها أن تحرر اريتريا الحرة، اريتريا الماضي والمستقبل، وقد قالها الشاعر كجراي:

لصالح اريتريا وليس ضدها

                              ارفع راياتك ايها الاريتري

من اجل العزة يا شعبي

                             تلد الأبطال اريترية

وإن غدا لناظره لقريب.

ردود على رسائل وإيميلات الإريتريين

٭ الأستاذ: محمد صالح، سنقدم طلب الطالبة أمل ادريس، وأملي أن نوفق في الحصول لها على منحة.

٭ الزميلة الصحافية ريم إبراهيم، أشكرك على التعزية بابني أحمد ـ رحمه الله ـ وأتابع عملك في برنامج «ملفات اريترية» وأشد على يدك يا ابنتي أعطيت القوس باريها أنت متألقة.

٭ الابن إبراهيم قبيل الأمين العام لجبهة الثوابت الإريترية لا شكر على واجب، وأنا معك في ضرورة انعقاد مؤتمر، والكويت مؤهلة لذلك لاستيعابها الواقع الإريتري منذ الكفاح المسلح حتى التحرير المنقوص والمكان لاستقبال هذا الطلب وزارة الخارجية.

٭ أخي وزميلي حامد عبد الله، لا أخفيك أحب كتاباتك، لأنك تختار كلمات إريترية سائدة في عناوين مقالتك وكتاباتك وأقولها لك بكل صراحة إي والله.. كتاباتك عظيمة.

٭ ردا على ابني محمد آدم، كنت أتمنى أن أسير في جنازة عواتي وإبراهيم سلطان وكبيري، وولد أب ولد مريام، وعبدالله إدريس، وقلايدوس، وعثمان سبى وأستاذي الكبير الجليل محمد سعيد ناود وآخرين من العظماء الأجلاء الذين قدموا لإريتريا زهرة شبابهم وذهبوا مع كواكب الشهداء ولم يكتمل حلمهم بتحرير إريتريا.

الجبهة الشعبية وصمة عار

سألني أحد أبنائي الإريتريين من الجالية الإريترية في ايطاليا عن الجبهة الشعبية، فقلت له عبر الهاتف: يا ابني اعلم أن ما أقوله لك من خلال معرفتي وخبرتي بقضية إريتريا وأقولها لك بكل صدق وشفافية: كنت في أول شبابي أنظر بعين التساوي لكل الفصائل الإريترية وكنت مع كل الجهود المخلصة لتوحيد الفصائل والجبهات كي تكون المواجهة مع الإثيوبيين بكل الطاقات الإريترية من أجل هدف نبيل بعيد كل البعد عن الطائفية والفرز في النسب والمعتقد لأن الإريتريين (مسلمين ومسيحيين) كان هدفهم استقلال إريتريا وكثير من المعارك دارت وكتف (المسلم بجانب كتف أخيه المسيحي) وهم أبطال ضحوا بأرواحهم الطاهرة من أجل استقلال إريتريا بكل بطولة وشهامة ومروءة وذهبت قوافل الشهداء إلى ربها مضحية بكل غال ونفيس من أجل ما زرعه حامد إدريس عواتي ورفاقه المجاهدون من علو همة الجهاد والتضحية.

اليوم أقولها بفمي المليان ليست «الجبهة الشعبية» الجبهة الأولى التي تشكلت في البدايات لأنها انحرفت عن طريقها المرسوم حينذاك (مسيحيين ومسلمين) وتحولت اليوم إلى سجن كبير يحاصر شعبا كاملا وقتلت منه الحر والشريف والمناضل والمجاهد لأنها مظلة الطاغية وأداته ضد كل ما هو إريتري مخلص، فخامة الرئيس حول إريتريا الموحدة واختصر تاريخ شعب كامل بكل مكوناته في تنظيم طائفي ملعون يساند الحاكم الظالم ومازلت آمل أن ينبري هذا التنظيم لإعادة تنظيف ما علق بالجبهة الشعبية من مظالم يصعب حصرها.

هذا نص رسالة عفوية اريترية وصلتني انشرها في صدر هذا الملف بعد ان رأيت ضرورة نشر شكرهم وتقديرهم لوطني الكويت خاصة وهي ترفل بثوب الأعياد الوطنية، ولعلنا في نشر هذا التقرير نكسر حاجز التعتيم وإني لفاعل، فلا يحب الظلام والتعتيم إلا عدو للنور والحرية والتنمية، ولهذا كله سأكسر التعتيم المتعمد للإعلام وأنشر هذا التقرير الذي اكتبه استجابة لأهلنا في اريتريا المظلمة المعتمة للأسف!

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=33402

نشرت بواسطة في فبراير 26 2015 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010