اتجاهات الأحداث في الساحة السياسية الإرترية

مركز دراسات القرن الإفريقي  –  Horn Of Africa Studies Centre  

H A S C

 

 

في ورشته الداخلية التي عقدها بين يدي خطط وبرامج الدورة الثانية لمركز دراسات القرن الإفريقي ، تناول الأعضاء تقييمات جانبية موسعة لأرضية عمل المركز وخلفيات الأحداث واتجاهاتها في الساحة الإرترية، ومن ثم يتم نشر خلاصات الورشة فيما يتعلق بالأوضاع العامة ، بغرض الإفادة وإثارة أهميتها.

الحكومة الإرترية:

يمكن القول بأن الحكومة الإرترية تسعى في الوقت الحاضر لتحقيق القضايا الأساسية التالية:-

1- الخروج من مأزق انهيار مقومات البنية الاقتصادية ، والنقص الحاد الذي ظلت تعاني منه البلاد خلال العام المنصرم . وذلك بمحاولة التركيز على الاستصلاح الزراعي وفتح قنوات لتجارة حدودية ، وفرض مزيد من الضغط الضريبي والرسوم الجمركية . و يمثل مشروع التنمية الوطنية لعام 2005م والذي تبناه الرئيس أسياس أفورقي في ورقته أمام اجتماع مجلس وزرائه في مطلع يناير الماضي نقطة إرتكاز مهمة لاتجاهات برنامج الحكومة والحزب الحاكم لهذا العام.

2-   تحسين العلاقات مع بعض دول الإقليم بما في ذلك جيبوتي واليمن ، وفي سبيل ذلك تأتي الزيارات المتبادلة والتي آخرها زيارة وزير الخارجية الإرتري للجمهورية اليمنية، ومحاولة الخروج من العزلة الإقليمية التي تعرض لها النظام الحاكم في إرتريا خلال السنوات الثلاث الأخيرة في إطار التعاون الإقليمي ما بين إثيوبيا والسودان واليمن في إطار حلف تعاون صنعاء.

3-  إظهار قدر من صور الممارسات الانتخابية في إطار البلديات وتحسين وجه الحزب الحاكم أمام الرأي العام بوجود قدر من الحريات والممارسة السياسية ، الأمر الذي لا يشير إلى وجود أية احتمالات لأية تحولات تجاه الحلول الجذرية وفتح قنوات حوار مع القوى الإرترية.

4-   إنشاء حلف جديد في إطار المعارضة السودانية والمواصلة في خط إضعاف قدرات الحكومة السودانية . وقد أظهرت الفضائية الإرترية قدرا كبيرا من الاهتمام بعقد ندوات موسعة لكافة أطياف المعارضة السودانية في أسمرا وإثارة الأوضاع السودانية وخيارات فصائل شرق وغرب السودان داخل المعارضة السودانية. وهو أمر يشير إلى تقليل تطورات إيجابية رسمية في العلاقات السودانية الإرترية في القريب العاجل، مما يحسب لصالح أطراف المعارضة في كلا البلدين.

5-  ترسيخ مفهوم الشراكة فيما يعرف بالمحاربة الدولية ضد الإرهاب ، ومحاولة تصنيف المعارضة الإرترية تحت هذا الإطار . وهو أمر في غاية الخطورة يستدعي مواجهة مماثلة من القوى الإرترية المعارضة ، لإخراج الصراع الإرتري الحالي من هذه الدائرة ووضعه في إطاره الصحيح ، وهو البحث عن العدالة السياسية والاجتماعية والثقافية في إرتريا.

إقليمــــيا:

يبدو أن تأثير الوجهة الدولية تجاه القرن الإفريقي أفرزت اتجاهات إيجابية نسبية للحكومة الإرترية ، من أهمها:

1- تراجع إثيوبيا عن مبدأ رفضها السابق لقرار ترسيم الحدود مع إرتريا ، ومن ثم إطلاقها مبادرة مهمة تقضي في مضامينها الأساسية بقبول إثيوبيا المبدئي قرار الحكم وترسيم الحدود ، والحوار مع الحكومة الإرترية لتبني خطوات عملية.بالرغم مما وجدته هذه المبادرة من مظاهر برود من الحكومة الإرترية ، وكذلك بعض تلك المعارضات الإثيوبية التي احتشدت في أديس أبابا لرفض تهدأة الأوضاع مع إرتريا.

2-  تحسن العلاقات الثنائية اليمنية الإرترية ، ومحاولة الرئيس اليمني من تبني مبادرة من أجل حوار إرتري مع دول الإقليم بما في ذلك إثيوبيا والسودان.

وضعية المعارضة:

لاشك في أننا حينما نتحدث عن المعارضة الإرترية إنما نتحدث عن وضع استثنائي لمفهوم المعارضة الذي غالبا ما يتركز داخل البلاد ، إلا أن الأصل في المعارضة الإرترية أصبح التواجد في الخارج ، وذلك بسبب عدم وجود هامش من المساحات التي تستوعب قوى أخرى غير المجموعة الحاكمة ، كما يشير إلى عدم قدرة المعارضة في حد ذاتها على فتح خيارات ضاغطة على النظام . وبالتالي يتركز الحديث عن المعارضة الإرترية في الخارج.

إلا أن هناك بادرة مهمة يجب الإشارة إليها وهي بروز بيان ” حركة الحرية الآن-Action Movement Freedom” . وبالرغم من صعوبة الحصول على التفاصيل المتعلقة بمثل هذه الحركات من حيث قدرتها وسعة انتشارها، فإن الأمر الذي بات مؤكدا هو حقيقة صدور بيانها وانتشاره في العاصمة أسمرا . وقد ذكر بيانها الصادر في 23 نوفمبر الجاري اكتمال استعداداتها للعمل السياسي المشروع في كافة أقاليم إرتريا بعد مرور عام على تأسيسها. كما أعلنت هذه القوة من خلال بيانها عزمها على مواجهة النظام الحاكم في إرتريا . مهما يكن من أمر، نذكر بأنه من الصعب التحقق من حجم مثل هذه الحركات ، ولكن ما تأكد هو أن بيانها حقيقي وأنه بالفعل صادر من داخل أسمرا . ولكن السؤال المهم هو، هل الأجهزة الأمنية الإرترية على علم بتحركات هذه الحركة أم أنها عاجزة عن كشف خططها؟. وإذا كانت الإجابة بعدم تمكن الأجهزة الأمنية من وضع  يدها في بداية الخيط فإنه يشير إلى احتمالات جدية وقدرة أصحاب البيان ، وقد تكون لهم خطوط مع العمل في الخارج.

شهدت السنوات مابين 1999 و2004م عدة تطورات إيحابية  في إطار الحوار السياسي بين قوى المعارضة الإرترية بما في ذلك قيام إطار التحالف الوطني منذ مارس 1999 إثر اتفاق عشرة فصائل إرترية في الخرطوم . وعلى صعيد آخر برزت حركة القوى المعارضة الحديثة والمنشقة عن جناح الرئيس أسياس أفورقي إثر الخلافات العنيفة داخل الجبهة الشعبية للعدالة والديموقراطية ( الحزب الوحيد الحاكم).وقد تشكلت هذه التيارات في قوتين رئيستين هما : الحزب الديموقراطي الإرتري بقيادة مسفن حقوس – وزير الدفاع الإرتري الأسبق- والحركة الشعبية الإرترية بقيادة عبد الله آدم – السفير الإرتري السابق لدى السودان. كما برزت في الفترة ذاتها ( 2002م) مجموعة منهجية في السويد تحت اسم   ( الحركة الفيدرالية الديموقراطية الإرترية) بقيادة بشير اسحاق- أحد القيادات الطلابية في جبهة التحرير الإرترية إبان الكفاح المسلح. وقد برزت هذه الحركة في الوهلة الأولى كقوة غير سياسية تهتم وتدعو إلى إرساء دعائم حكم فيدرالي في إرتريا ، وفي ذلك قدمت الكثير من المعارف من خلال الانترنيت وشكلت رأيا عاما مقدرا لضرورة الالتفات إلى طبيعة الوضع الإرتري ومستقبل الحكم في إرتريا ، إلا أنها في الآونة الأخيرة دفعت اهتماماتها تجاه المارسات السياسية وأصبحت جزءً من تشكيلة المعارضة وعضوا في التحالف الديموقراطي الإرتري الذي تشكل في الخرطوم  إثر اتفاق 16 فصيلا. هناك تفاصيل كثيرة يصعب التطرق لها في هذا المقام فيما يتعلق بحركة الساحة السياسية الإرترية المعارضة من صعود وهبوط، إلا أنه وبالجملة يمكن القول إن القوى المعارضة القديمة ممثلة في التحالف الوطني الإرتري والجديدة ممثلة في تيارات الجبهة الشعبية المعارضة لم تتمكن من الناحية العملية – حتى الآن- من تشكيل ضغط سياسي أو عسكري مؤثر  على الحكومة الإرترية إلى الدرجة التي تحدث إرباكا في سياسات هذه الحكومة أو تجعلها تغير منهجها وتذعن للحوار ومشاركة كافة الإرتريين في السلطة. كما لم تتمكن هذه القوى من إرساء برنامج حد أدنى تجتمع فيه كافة أطياف المعارضة وتشكل من خلاله رؤية سياسية مشتركة حول مستقبل إرتريا وإعداد البديل لحكم إرتريا فضلا عن آلية تنفيذية محددة ، بل لم تتمكن هذه القوى من فتح حوار شفاف بين الفصائل ذات المعارضة التقليدية والتاريخية للجبهة الشعبية وبينها والقوى الجديدة الخارجة عن الحكومة الإرترية . ويبدو أن السبب الرئيس كان يتمحور حول طبيعة القوى الجديدة المنشقة عن الجبهة الشعبية ورؤيتها السلبية آنذاك تجاه فصائل المعارضة القديمة ، وطبيعة المعارضة القديمة وظهورها في موقف عدم الفاعلية والتأثير في الساحة الإرترية . وكانت أسوأ مراحل المعارضة الإرترية في أكتوبر 2002م حيث انفلتت روح التعاون التي كانت سائدة بين مجموعات التحالف الوطني الإرتري إبان الاجتماع الخامس للقيادة العليا في أديس أبابا ونشوب الخلاف حول اختيار حروي تدلا بايرو رئيس “حزب التعاون الإرتري” أمينا عاما للتحالف وخروج جبهة التحريري الإرترية – المجلس الثوري  بعد ذلك عن التحالف الوطني ، وما تبع ذلك من تصعيد للخلافات داخل جبهة التحرير الإرترية المجلس الثوري التي انقسمت في نهاية المطاف إلى جبهة التحرير الإرترية -المؤتمر الوطني بقيادة د. بيني كيداني والتي أعلنت عودتها إلى عضوية التحالف، وجبهة التحرير الإرترية-المجلس الثوري بقيادة سيوم عقبانكئيل. وبالرغم من أن ظاهرة الانشقاقات في القوى السياسية الإرترية كثيرة ومتعددة سوى أن تأثيرات انشقاق المجلس الثوري كانت كبيرة ومتعددة داخل التنظيم وخارجه على ساحة المعارضة الإرترية.

 بوادر شفاء:

منذ مطلع 2004م بدأت اتجاهات تدعو لوضع إطار شامل للمعارضة الإرترية ، وبدأت حوارات جيدة ما بين التحالف الوطني الإرتري والحزب الديموقراطي الإرتري وجبهة التحرير الإرترية المجلس الثوري ، نتج عنها تقارب في تحديد موضوعات الحوار والبعد عن التفاصيل المعيقة ، وسوى ذلك لم تحقق تلك الحوارات أشياء عملية وانتهت إلى بروز تكتلات في صفوف المعارضة .فقد برز تحالف خماسي أو ما اشتهر بمجموعة ( 4+1) في المهرجان التاسع عشر لجبهة التحرير الإرترية المؤتمر الوطني في كاسل ، وتحالف ثلاثي آخر أو ما عرف بمجموعة ( 2+1) إبان المهرجان التاسع عشر لجبهة التحرير الإرترية – المجلس الثوري في فرانكفورت ، فقد تشكل التحالف الخماسي من أربعة فصائل إرترية أعضاء في التحالف الوطني الإرتري ، وفصيل معارض من غير عضوية التحالف الوطني ، في حين تشكل التحالف الثلاثي من فصيلين غير عضوين في التحالف الوطني الإرتري وفصيل آخر عضو في التحالف الوطني. هذه المحاور من الناحية العملية كانت تعبر عن تجاوز أطر التحالف الوطني الذي تأسس منذ 1999م وتبحث عن أطر أخرى ، وقد أحدثت حراكا وردود أفعال واسعة في الساحة الإرترية لاسيما في المواقع الإرترية في الإنترنيت ، بين مؤيد لهذا ومعارض لذاك ، بيد أن التحالف الخماسي تمكن من إعلان مبادئ الوحدة الاندماجية بين مكوناته تحت مسمى جبهة الإنقاذ الوطني بقيادة أدحنوم قبري ماريام – السفير الإرتري السابق لدى نيجيريا ونائب رئيس الحركة الشعبية الإرترية. من ناحية أخرى شهد عام 2004م عدة مؤتمرات تنظيمية ذات تأثير إيجابي في الساحة الإرترية التي لا تزال تفتقر إلى استحداث بنيات تنظيمية حقيقية في كيانات عملها السياسي.

وبينما الحالة على هذا المنوال برزت في أواخر ديسمبر 2004م أحداث غاية من الأهمية وفي مقدمتها عقد لقاء قمة بين طرفي محور صنعاء وكافة فصائل المعارضة الإرترية ، فقد اجتمع في ديسمبر2004 بالخرطوم كل من الرئيس السوداني المشير عمر أحمد البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي ملس زناوي  بالمعارضة الإرترية في إطار بحث حلول للوفاق الوطني الإرتري وإنهاء حالة الصراع الإرتري ودفع المعارضة الإرترية نحو توحيد جهودها. ويعد هذا اللقاء الأول من نوعه في تاريخ المعارضة الإرترية ، ومن ثم وبشكل عاجل شبيه بتجمع السحابة اجتمعت كافة القوى الإرترية في الخرطوم وأعلنت توقيع وثيقة أولى للوصول إلى وحدة شاملة للمعارضة حيث وقع عليها كل من حروي تدلا بايرو عن كافة فصائل التحالف الوطني ومسفن حقوس عن الحزب الديموقراطي الإرتري وسيوم عقبانكئيل عن المجلس الثوري وأدحنوم قبري ماريام عن الحركة الشعبية الإرترية.ومنذ ذلك الوقت تسارعت الخطى وذهبت قوى التحالف الوطني الإرتري إلى أديس أبابا لمواصلة اجتماعات القيادة العليا السابع، الذي خرجت منه بتأمين عام حول ضرورة توسيع دائرة المعارضة والالتقاء مع القوى التي خارج التحالف الوطني الإرتري.

عام جديد وكيان جديد:

منذ منتصف يناير من عام2005م دخلت ساحة المعارضة الإرترية مرحلة جديدة حيث عقد 17تنظيما اجتماعا في الخرطوم لتفصيل اتفاق 28ديسمبر السالف الذكر وبحث سبل توحيد المعارضة. ثم أعلن عن ميلاد كيان جديد تحت مسمى ” التحالف الديموقراطي الإرتري- تحدي” بتوقيع 16 فصيلا ، في حين أعلنت ” جماعة مبادرة الإرترية” التزامها بما سبق وأعلنت عنه باعتزالها العمل السياسي وانخراطها في ” مركز سويرا لحقوق الإنسان”. هذا وقد أعلنت قوى المعارضة الإرترية بأنها اتفقت حول ميثاق جديد وسكرتارية انتقالية برئاسة حسين خليفة نائب رئيس جبهة التحرير الإرترية، تعنى بترميم ما تبقى من التفاصيل ووضع التصور المتكامل للهيكل المناسب للتحالف الجديد على أن يعقد الاجتماع النهائي في 4 فبراير 2005م.إلى هذه المرحلة يمكن القول بأن كفة الإيجابيات والتفاؤل ظلت أكثر من كفة السلبيات والتشاؤم في الشارع الإرتري المترقب لحالة الحوار  داخل المعارضة الإرترية.

ولكن مرة أخرى شاعت روح التخوف حينما برزت احتمالات تأجيل اجتماع التحالف الديموقراطي من 4 فبراير إلى أجل آخر. وما كان يزيد تلك التخوفات هو البيان الذي صدر عن الحزب الديموقراطي الإرتري قبل يومين من موعد الاجتماع بشأن قتل سبعة من أفراد قوات الدفاع الإرترية ، على يد مقاتلي حركة الإصلاح الإسلامي الإرتري، وقد أدان الحزب هذه المواجهة ، معتبرا ذلك مسلكا شبيها بمسلك الحكومة الإرترية بقتلها الأبرياء – حسب اتجاهات بيان الحزب الصادر في 2 فبراير 2005م – وأن العنف لن يحقق العدالة والديموقراطية في إرتريا ، في حين يقوي موقف النظام الإرتري الذي يدعي بأنه يحارب الإرهاب ، كما يشير البيان إلى أن الظلم من النظام واقع على كافة الإرتريين ، وأن قوات الدفاع الإرترية مركبة من كافة مناطق إرتريا من المسلمين والمسيحيين . وكانت حركة الإصلاح الإرتري قد أصدرت بلاغا نشر في موقعها في الإنترنيت يشير إلى تفاصيل الكمين الذي نصبه مجاهدوها لعسكريين من الجيش الإرتري بتاريخ 4 يناير 2005م  حيث تمكنوا من قتل سبعة من أفراد الجيش في حين لم يصب أحد من أفراد المجاهدين.كما أصدرت الحركة بيانا بتاريخ 5 فبراير الجاري نشر في الإنترنيت ، ردا على بيان الحزب الديموقراطي السالف الذكر.

والملاحظات التي نريد الوقوف عندها في هذا المقام هي : سوء اختيار توقيت الحدثين . أي أن صدور بلاغ حركة الإصلاح في اللحظة التي تتأهب فيها الساحة لاجتماع شامل لقوى المعارضة الإرترية ، إلى جانب بعض المفردات التي ربما فسرت باعتبار القتلى من المسيحيين التجرينيين ، في وقت أن الساحة الإرترية ظلت خالية- لفترة ليست بالقليلة- من مثل هذه البلاغات الأمر الذي يجيز التساؤل حول التوقيت الذي صدر فيه البلاغ الأخير.وفي السياق ذاته لماذا اختار الحزب الديموقراطي الإرتري؛ الثاني من فبراير لصدور بيانه ، بين يدي الترتيبات الأخيرة للاجتماع الشامل لقوى المعارضة الإرترية. ويبدو أن كلا الموقفين – دونما يرتبط أحدهما بالآخر- لا يخلوان من تفسيرات ومكاسب سياسية ذاتية. ولكن المهم من كل ذلك ، هل الحزب الديموقراطي يرمي إلى رفض مبدأ العمل العسكري المعارض أم يتخوف من تفسير عمليات المجاهدين في خانة المواجهة والحصر الدولي تجاه ما عرف بالإرهاب أو التخوف من أن تأخذ تلك المواجهات طابع الصراع الثقافي والديني في إرتريا؟. وهل هنالك اتفاق عام مسبق وسط القوى الإرترية المعارضة تجاه مشروعية المقاومة المسلحة من عدمها؟. أيا كان الأمر يجب الاستفادة القصوى من هذه المواقف لوضع صيغة واضحة للمستقبل والفصل مابين حق كل تنظيم في إتباع الوسائل المناسبة وما بين السياسة العامة لمعسكر المعارضة. ومن المفيد أن نشير هنا إلى أن من الأهمية أن ترجح كفة العمل السياسي والدبلوماسي والضغط الإعلامي الموجه على كفة المقاومة المسلحة ، مع موضوعية الاعتراف بأن حالة المد والجزر بين كتلتي الصراع  لا يمكن أن تخلو من العنف والعمل النوعي المؤثر. وفي كل الأحوال لا تزال مجموعات القوى الإرترية المعارضة في حاجة ماسة إلى المصداقية والخطاب السياسي المعتدل. أي أن تكون تصريحات القيادات وكلماتها موزونة ، مثلما أن تكون الأعمال موزونة ومحققة للأهداف الأساسية.

الاجتماع المرتقب:

حدد الثالث والعشرون من فبراير الجاري موعدا لقيام اجتماع التحالف الديموقراطي، المؤجل . وهنا نشير إلى الحكمة التي اهتدت لها السكرتارية المؤقتة للتحالف ، حيث توافقت مع مجريات الأحداث ورأت تأجيل الاجتماع وتلبية رغبة الحزب الديموقراطي الداعي إلى منحه فرصة ليتمكن من حضور الاجتماع ، نسبة لانشغال قياداته خارج السودان . كما يجب أن نشير إلى موقف الحزب الديموقراطي أعلن التزامه حضور الاجتماع في الموعد المحدد ممثلا في قياداته العليا . وهذا كله يشير إلى بادرة قوية لقيام الاجتماع في موعده المذكور.

تحديات أمام التحالف الجديد:

لا شك في أن هناك تحديات كبيرة ستواجه التحالف الجديد” التحالف الديموقراطي الإرتري- تحدي” وستضعه أمام تحديات حقيقية. وحسب ما يظهر لنا ، بل وحسب تجارب التحالفات الإرترية السابقة ، فإن أهم التحديات تتمثل في الآتي:-

–  تشكيل قيادة جماعية مناسبة ومقتدرة

–   صياغة هيكل تنظيمي واضح وعملي

–   صياغة برنامج تحالفي مشفوع بأهداف ووسائل واضحة

إلى غير ذلك من التحديات والمهام الكبيرة .

ولكن ستظل مشكلة القيادة ، وعلى الأخص منصب الأمين العام واحدا من المعضلات والصخرة التي تتكسر عندها إرادة كثير من الأعمال المهمة في تاريخ الساحة السياسية الإرترية.

الأمين العام للتحالف الجديد:

لعل المتابعات تشير إلى أن الجهات المرشحة لشغل منصب الأمين العام لهذه المرحلة – دون اعتبارات للترتيب- تتمثل في كل من جبهة التحرير الإرترية ، وجبهة التحرير الإرترية المجلس الثوري ، والحزب الديموقراطي الإرتري ، والحركة الشعبية الإرترية.

مثل – في هذه المرحلة- جبهة التحرير الإرترية؛ حسين خليفة نائب الرئيس والذي لعب دورا مهما -خلال الفترة من بداية اجتماعات التحالف الديموقراطي في يناير المنصرم وحتى هذه اللحظة- وبذل جهدا كبيرا وواضحا في قيادة السكرتارية المؤقتة. من ناحية أخرى شكل حسين خليفة نقطة التقاء وقاسما مشتركا بين كافة الاتجاهات التي شاركت في الاجتماعات التأسيسية للتحالف الديموقراطي . فضلا عن اختياره أمينا عاما للتحالف الوطني في اجتماع القيادة العليا للتحالف في  أديس أبابا مطلع العام الجديد 2005م. ومعلوم بأن جبهة التحرير الإرترية واحدة من بناة الريادة التاريخية في سير الكفاح الإرتري المسلح ضد الاستعمار وتحظى بقدر من الود والاحترام وسط الشارع العام الإرتري. وبهذا وذاك فإن حسين خليفة واحد من الخيارات المرشحة التي قد تجد غلبة إيجابية داخل معظم التيارات الإرترية المشاركة في فكرة قيام التحالف الديموقراطي . ولكن من ناحية أخرى ستظل تأثيرات الإمكانات المادية والبشرية الميدانية للتنظيم واتجاهات التأثيرات الإقليمية والدولية قائمة ومفيدة في القرار النهائي . فالإرتريون في الوقت الذي يكونون في حاجة ماسة لشخصية قيادية معتدلة ومرنة ومقتدرة في آن واحد ، هم أيضا في حاجة ماسة إلى شخصية محاطة بإمكانات ومقومات أخرى تمكنه من نقل ملف الصراع الإرتري القائم من مرحلة النقاش والاهتمامات المحلية المحدودة إلى مرحلة الاهتمام الأوسع لدى المحافل والدوائر الدولية المؤثرة باعتباره صراعا من أجل تحقيق العدالة الشاملة في إرتريا.

وتشاطر جبهة التحرير الإرترية المجلس الثوري جبهة التحرير الإرترية التاريخ النضالي المشترك ، وقد ظل المجلس الثوري أحد الأجنحة الإرترية الموصوفة بالقدرات والإمكانات واتساع رقعة العلاقات الخارجية سيما في أجزاء مؤثرة من أوربا وبعض الدوائر الأمريكية المهتمة بشئون إفريقيا ، الأمر الذي يمكن تسخيره للاستفادة منه في فتح قنوات اتصال واسعة للتحالف الجديد. كما أن سيوم عقبائكيل باعتباره رئيس جبهة التحرير الإرترية المجلس الثوري ؛ تعد شخصية قيادية مهمة وسط القيادات الإرترية ، تمتلك مقدرات لقيادة التحالف ، إلا أن سيوم من ناحية أخرى يثار حوله الحدة والانفراد بالقرار ، فضلا عن أن أحداث الاجتماع الخامس للقيادة العليا للتحالف الوطني في أديس أبابا 2002، وما تبعها من إشكالية داخلية في التنظيم أضعفت كثيرا من المقومات في التنظيم . ومع هذا كله فهنالك تطورات مهمة في علاقات المجلس الثوري بإثيوبيا حيث تمكن الطرفان من إعادة تحسين العلاقة بينهما الأمر الذي قد تكون له إيجابيات في حركة التنظيم وفي مجريات القيادة القادمة في حالة قيام هذا التحالف الجديد أو في تحالفات أخرى.

وأما الحركة الشعبية الإرترية ، فعلى الرغم من أنها حديثة نشأة إلا أنها برزت كقوة سريعة الانتشار تأخذ شكلا جبهويا في تكويناتها الداخلية ولا تزال أمامها كثيرا من تحديات التجريب ، وقد تمكنت من الامتزاج المبكر بالقوى الإرترية الأخرى مستفيدة من تجارب الحزب الديموقراطي الإرتري الذي لم يتمكن من فتح حوارات مبكرة مع تلك القوى الإرترية المعارضة، باعتبار الحركة والحزب يغلب انتماؤهما لتاريخ الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا.وقد تعتمد الحركة في احتمالات ترشحها لشغل منصب الأمين العام للتحالف الجديد في وجود كل من عبد الله آدم الذي وصف بالحركة الدءوبة والدور المهم في نسج علاقات داخلية وخارجية في فترة مقدرة ، وأدحنوم قبري ماريام الذي هو الآخر استغل كثيرا من الفرص لتشكيل كيان الحركة. وسواء هذا أو ذاك فإن الحركة الشعبية هي الأخرى يتوقع أن تكون لديها علاقات بمناطق التأثير في أوربا والإقليم المجاور لإرتريا.ولكن قضية التجربة وحداثة كيانها وشخصياتها لقيادة تحالفات معقدة قد يكون له تأثير.

وأما الحزب الديموقراطي الإرتري ؛ فهو أيضا أحد التنظيمات التي يجب أن تلعب دورا فعالا في مسيرة التغيير ، وذلك لما لديه من مقومات ، من بينها معرفته التفصيلية بأضابير الحكم القائم في إرتريا لكون عناصره الأساسية جزءً من تلك التجربة ، ولكونه يحتمل لديه مكونات وخلايا منظمة داخل إرتريا، فضلا عن تلك القيادات العليا المعتقلة داخل سجون الحكومة الإرترية، وما يشكل ذلك من بعد خارجي إيجابي للتنظيم. أي أن الحزب الديموقراطي يبدو أنه أكثر القوى الإرترية متابعة لوضعية الداخل أو هكذا يجب أن يكون . خارجيا، تتركز اتجاهات الحزب في المنطقة الأوربية والأمريكية ، وهو التنظيم الوحيد – من بين التنظيمات الإرترية- عقد مؤتمره الأخير في أوربا ، بعيدا عن مناطق المحيط الإقليمي المجاور لإرتريا.فضلا عن الإشارات التي نشرت أخيرا في الإنترنيت بذكر لقاءات مفيدة لمسفن حقوس رئيس الحزب في زيارته الحالية ببعض المؤسسات الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية من بينها دائرة الشئون الإفريقية في وزارة العلاقات الخارجية.وقد عرفت شخصية مسفن حقوس بالهدوء والدقة ، ولكنه هو الآخر تثار حوله الحدة والانفراد بالقرار فضلا عن عدم امتزاجه – حتى الآن- مع معظم القيادات المعارضة في ميدان عمل جماعي.

الرغبة الذاتية والأثر الخارجي:

1- يجب أن نشير إلى قضية في غاية الأهمية ، وهي إن المعارضة الإرترية – كغيرها من المعارضات – لن تتمكن من التأثير في الأوضاع الداخلية دون تعاونها ونسج علاقاتها الإقليمية والدولية ، وهنا يبدو التعارض ما بين مطلوبات القوى الداخلية ، ومطلوبات القوى الإقليمية المعتنية في الأساس بالاتجاهات الدولية ومصالحها القومية. وهنا يجب الانتباه إلى أهمية وضوح الأجندة بالنسبة للقوى الداخلية التي تريد اتخاذ قرارها. يجب أن تناقش مطلوبات الخارج وفق قراءة واضحة ، وحينئذ يجب أن تحول القوى أجندة التأثير الدولي بما يتلاءم ويخدم المصلحة الإرترية.وعموما فإن اختيار الأمين العام يجب أن يبتعد عن الطريقة التي عرض بها حروي تدلا بايرو في عام 2002 في اجتماع القيادة العليا للتحالف الوطني في أديس أبابا.وإنما يجب أن يختار وفق ترشيح مشفوع بالمقومات الداخلية والخارجية ، بما يشبه بالبرنامج الانتخابي ، وليس وفق أجندة سرية غير معلومة لكافة الأطراف.

2- أن تشغل التنظيمات الكبيرة المناصب التنفيذية الكبيرة ، بما في ذلك العلاقات الخارجية ، بما يمكنها من تشغيل قواها وكادرها التنظيمي من أجل خدمة المصلحة العامة.

3- أن تكون كافة الأطراف المشاركة حاضرة وممثلة – وفق مفاهيم التحالفات- في دوائر ومناقشات الأوضاع ومصادر اتخاذ القرار ، والتفريق مابين شغل المنصب وحق أي تنظيم في بناء القرار المشترك.

4- الاهتمام بالكليات والقضايا الرئيسية في برنامج التحالف وتجنب التفاصيل التي قد تصلح بأن تكون برامج وتصورات مستقبلية داخلية للتنظيمات.

5- الاهتمام بإنشاء مؤسسات تساعد الآليات السياسية في بناء القدرة وبلورة القضايا الاستراتيجية.

 

عناوين المركز:

P.O.BOX:12804.Kh-Sudan.

Tel:00249-83-447800

E-mail:horn2000@hotmail.com

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7097

نشرت بواسطة في فبراير 18 2005 في صفحة تقارير. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010