ارتريا تودع ابرز قادة حرب التحرير : رحيل مفاجئ لوزير الخارجية الاريتري

أسمرا – رصد- مركز الخليج للدراسات والإعلام بالقرن الأفريقي 

محمد طه توكل                         29/8/2005م

توفي يوم الأحد الماضي وزير الخارجية الإرتري علي سيد عبدالله  اثر سكتة قلبية مفاجئة عن عمر يناهز الثامنة والخمسين اليوم، وسوف تقيم له مراسم دفن يشارك فيها الرئيس الإرتري اسياس افورقي وكبار مسئولي الدولة والبعثات الدبلوماسية في اسمرة. ويعتبر عبدالله من المناضلين الأوائل في الثورة الارترية والذين لعبوا دورا كبيرا في معركة حرب التحرير من الاحتلال الإثيوبي.

والتحق بصفوف جبهة التحرير الإرترية عام 1967 وقاد عملية الإصلاح مع مناضلين آخرين عام 1968، وشارك في أول منظمة تولت تعريف نضال الشعب الإرتري من خلال عمليات عسكرية قامت بها (منظمة العقاب الإرترية) والتي كان عضوا بها، ونفذ اول عملية بإحراق طائرة إثيوبية في مطار كراتشي بباكستان عام 1969 وهي العملية التي أدت المزيد من الزخم الإعلامي للنضال الإرتري ودعمت تطلعات الإرتريين نحو الاستقلال، وبعد ثلاثة أعوام تم إطلاق سراحه نتيجة تعاطف الشعب والحكومة الباكستانية حينها مع نضال الشعب الإرتري. ورفعت تلك العملية النوعية في تاريخ نضال الارتريين من رصيد عبدالله، وشارك بعدها في تأسيس قوات التحرير الشعبية عام 1970.

ومن بعدها كان ضمن وفد اسس شراكة سياسية بين عدد من التنظيمات الارترية في اجتماع عقد في بيروت شارك فيه كل من الراحل عثمان صالح سبي رئيس البعثة الخارجية التابعة لقوات التحرير الشعبية حينذاك، والرئيس الحالي لارتريا اسياس افورقي، ووزير الدفاع السابق مسفن حقوص، ورمضان محمد نور رئيس الجبهة الشعبية حتى عام 1987، بالاضافة الى محمد سعيد ناود القيادي البارز في قوات التحرير الشعبية، وتم في ذلك الاجتماع تحديد استراتيجية العلاقات بين البعثة الخارجية واللجنة الادارية التي كانت تتولى قيادة قوات التحرير الشعبية في الداخل والخارج والتي تحولت فيما بعد الى الجبهة الشعبية في مؤتمرها عام 1977، لينتخب علي سيد عبدالله بعدها عضوا في اللجنة المركزية لحزب الشعب الثوري الذي كان يقود عمليا الجبهة الشعبية، كما انتخب عضوا للجنة المركزية وعضواً للمكتب السياسي للجبهة الشعبية ومسئول الشئون الأمنية، واعتبر

 المسئول الارتري الراحل كأحد ابرز القيادات العسكرية الميدانية التي لعبت دورا في الانتصارات العسكرية التي حققتها الجبهة الشعبية على اثيوبيا، وكان ضمن قيادة (جبهة نقفة العسكرية) التي سحقت الجيش الاثيوبي وتعتبر تلك الجبهة رمزاً لصمود ونضال الثوار الارتريين.

وانتخب في المؤتمر الثاني عام 1987 عضوا للمكتب السياسي ومسئول العلاقات الخارجية واحتفظ بعضويته في اللجنة المركزية للحزب والجبهة. وبعد الاستقلال عام 1991 اصبح وزيرا للداخلية في اول حكومة شكلت، ومن ثم اصبح وزيرا للتجارة عام 1997، ليشغل بعدها حقيبة الخارجية من العام 2001م.

وعلى مضى السنوات الاربعة الماضية بذل جهدا دبلوماسيا كبيرا لتعزيز علاقات ارتريا بمحيطها الاقليمي والدولي، ونجح في تحسين العلاقات مع عدد من الدول العربية، على الصعيد المحلي ظل يمثل عبدالله رقم معادلة مهم نظرا لرصيده النضالي وكان يحظى باحترام واسع من المؤسسة العسكرية والحرس القديم للجبهة الشعبية الحاكمة في ارتريا منذ الاستقلال، وبرحيله تكون ارتريا خسرت قائدا اكتسب تجربة نضالية ودبلوماسية قدم الكثير من اجل وطنه. وكان من انصار الحوار الهادئ سواء داخل الجبهة الشعبية او مع بقية القوى السياسية الارترية.

وكان الوزير الإرتري قد شوهد مساء يوم السبت الماضي امس في مناسبات اجتماعية باسمرة، وكانت حركته طبيعية وباشر عمله صباح اليوم التالي، الا انه وفي وقت مبكر ليوم الاحد اعلن نبأ وفاته والذي ادى الى صدمة في الاوساط الشعبية والرسمية، واعلن حداداً رسمياً بالبلاد لمدة ثلاثة أيام ونكس العلم، وستنقل وسائل الاعلام الإرترية وقائع مراسم الدفن الذي يتم بعد غد الأربعاء. فيما بدأت مراسم العزاء اعتباراً من أمس في فندق انتركونتننتال للدبلوماسيين، فيما يتدفق آلاف الإرتريين إلى منزل الراحل في إحدى ضواحي أسمرة لتقديم العزاء، يتقدمهم الرئيس الإرتري إسياس أفورقي ورمضان محمد نور الأب الروحي للجبهة الحاكمة وعدد كبير من القيادات في الجبهة الحاكمة، ويعتبر رحيله انتكاسة كبرى للرئيس الإرتري الذي ارتبط بالراحل بعلاقات متينة لعقود ولم يتبقى إلى جانبه من الحرس القديم بعد رحيل علي سيد عبدالله سوى الأمين محمد سعيد  سكرتير الجبهة الحاكمة وهو أبرز المرشحين لخلافة الراحل لحقيبة الخارجية الذي خلفه إبان معركة حرب التحرير في تولي رئاسة مكتب العلاقات الخارجية بدلاً من الراحل وهو الآن صاحب الفرص الأكبر لاعتبارات متعددة لتولي حقيبة الخارجية رغم نقاط الضعف التي تحسب عليه نتيجة الدبلوماسية الهجومية التي انتهجها على الصعيد الإقليمي والمحلي. والمرشح الثاني أحمد الحاج وزير الثروة السمكية الحالي وهو من أبرز قيادات الجيل الجديد ويتمتع بإمكانيات هائلة، إلا أنه ليس من الحرس القديم رغم مساهماته الكبيرة في معركة حرب التحرير، حيث مثل الجبهة في دول الخليج وثم في بريطانيا ، ونال شرف رفع العلم الإرتري في الأمم المتحدة بعد الاستقلال، إلا أن عوامل بالغة التعقيد وحسابات متعددة تجعله في المركز الثاني، ويحتل عثمان صالح وزير التعليم الحالي المركز الثالث لقائمة المرشحين لحقيبة الخارجية، وهذه أقوى الاحتمالات للمتابعين والمتخصصين في الشأن الإرتري، وإن كان عامل المفاجئة وارد في ترشيح أمثال عندبرهان ولدجيورجيس سفير إرتريا لدى بلجيكيا والسفير الإرتري السابق في الأمم المتحدة أحمد بادوري، وتوقعات ضعيفة ترشيح عبدالله جابر مسئول الشئون التنظيمية في الجبهة الحاكمة ويماني قبرآب المسئول السياسي في جبهة الحاكمة، ويعتبر رحيل علي سيد عبدالله خسارة كبيرة للجبهة الحاكمة التي تعاني من أزمات متعددة على الصعيدين الداخلي والإقليمي.

لقد وصل نبأ الوفاة عبر الهاتف في تمام الساعة العاشرة صباحاً من جدة من صديق مشترك، وكانت الصدمة كبيرة وشعرت بحزن شديد على رحيل شخص احترمته وارتبطت به لسنوات طويلة، وتمنيت أن أشارك في مراسم الدفن وألقي عليه النظرة الأخيرة في مقابر الشهداء ولكن سياسة الإقصاء التي تبناها النظام حرمت أصدقاء ورفقاء الراحل في الداخل أو الخارج المشاركة في الأحزان كما منعت في السابق مشاركة الأخرين في الأفراح والأحزان هذه ضريبة يدفعها الشعب الإرتري من  السياسات الأحادية، لقد تعرفت بالراحل في مدينة نقفة في أكتوبر 1975 عن طريق الشهيد حسن همد أمير وهو صديق عمره الذي استشهد في حرب تحرير  مدينة مصوع عام 1989، وتوطدت علاقتي به  حيث كان على سيد ضمن قيادة جبهة نقفة، واستمرت علاقتي بعلي بوتيرة ثابتة وتخللتها موجة فتور في عام 1998، ولا أستطيع أن أعدد ملف العلاقات التي تجاوزت أكثر من ربع قرن وترك الراحل آثار طيبة في نفسي، وكان صديقاً وأخاً ووفياً لأصدقائه، حيث حاورته وجالسته مرات عديدة وتحولت العلاقة بيننا إلى علاقات تحمل معاني إنسانية ستظل منحوتة في ذاكرتي، وكان المرحوم دوماً يتولى مهمة تهدئة الخلافات التي تظهر بين الحين والأخر مع النظام. وكنت دوما أضع لآرائه عناية خاصة وكان هو بالنسبة لي جسرا قويا ربطني بالجبهة الحاكمة منذ عقدين، إلا أن السنوات السبعة الماضية تباينت فيها الرؤية والمواقف. وأصبحت مع الجبهة كالقطارين المتوازين اللذين لا يلتقيان وهو ما انعكس بعلاقتي المرحوم علي  سيد التي وصلت فيما بعد إلى حد القطيعة، واقتصرت في نهاية المطاف إلى تبادل التحايا من على بعد. وأنا كنت أعلم إن بعض العناصر في إطار تصفية الحسابات الضيقة ولتقديم الولاء لرئيس النظام كانت تستغل مواقفي ضد النظام على الراحل وكنت أشعر دوماً بحرج شديد لما سببته له نتيجة علاقتي به التي كان يعرفها القاصي والداني، وبذل الراحل جهداً كبيراً لإصلاح العلاقة بيني وبين النظام ولكن هذه المرة كانت هي المرة الأولى التي ترفض مساعيه واخترت لنفسي الموقف الذي أنا عليه ضد النظام. وإحقاقاً للحق سوى اتفق البعض مع الراحل أو اختلف معه فهو فارس قاتل بشرف في معركة حرب التحرير وقاد المعارك ونال شرف الوطنيين الذين تحقق الاستقلال من كان معه وهو اول الواصلين إلى أسمرا.

وكان الراحل قد التحق بالثورة الإرترية في سن مبكر في عام  1967 وأشفقت عليه القيادة وبعثته إلى سوريا، وكان الراحل ناشطاً في أوساط جيله في مدرسة حرقيقو التي كانت عبارة عن شعاع وطني الذي مد الثورة بالوقود البشرية منذ وقت مبكر والفضل يرجع للمرحوم باشا صالح كيكيا مهندس النهضة التعليمية في مدينة حرقيقو. وقاد المرحوم عثمان صالح سبي الذي أحدث انقلاب حقيقي في مدرسة حرقيقو وبعث بعشرات منهم عبر السودان إلى مصر اصبحوا فيما بعد قيادات وكوادر مهمة في معركة حرب التحرير وتركوا بصمات قوية في مسيرة الثورة وخاصة في قوات تحرير الشعبية والجبهة الشعبية التي تحقق الاستقلال على أيديهم،  والراحل من أبرزهم. حيث التحق في جبهة التحرير عام 1967، وثم انضم إلى منظمة العقاب التي قامت بعمليات خطف الطائرات الإثيوبية. وثم شارك في تأسيس قوات تحرير الشعبية عام 1970، ومن هناك انضم إلى جيل من الشباب كانوا يتبنون أفكار التغيير وتأثروا بالثورة الثقافية الصينية وبتجربتها التي وجدوها خلال شرح من  إسياس أفورقي ورمضان محمد نور عقب عودتهما من بكين. حيث كانت نشوة الاتجاه اليساري هي الطاغية في أفكارهم خلال تلك الفترة.

وفي دمشق بدأت تتبلور الرؤية والفكرة وأفكار الإصلاح التي أتي بها على سيد عبد الله من الداخل وتم صهرها مع أفكار المرحوم ابوبكر محمد على حسن الذي يعتبر أحد مهندسي حزب الشعب الثوري الذي حكم من وراء الستار قوات التحرير الشعبية ومن ثم الجبهة الشعبية. وتم حله بعد ذلك في العام 1993 عقب الاستقلال.

تميز المرحوم على سيد عبد الله بمواقفه الصلبة وقد حمل السلاح حيث عرف حينها بالمقاتل الشجاع وشجاعته لا تخفى على أحد حينما توجه بخطوات ثابتة إلى مطار كراتشي بباكستان وقام بإحراق طائرة إثيوبية. غامر بحايته ودخل السجون من أجل قضية ولعب دورا أساسيا في تثبيت أقدام قوات التحرير الشعبية ويعتبر أحد مؤسسيها وتبنى التغيير ودافع من مواقفه. ورجح كفة قوات التحرير الشعبية وبرز كقائد عسكري في تلك الفترة لم يتزحزح يوما في مواجهة خصومه وظلت البندقية في كتفيه وحسم الصراع في الداخل خلال الخلافات التي نشبت بين البعثة الخارجية واللجنة الإدارية، وتلا ذلك أن قام بتثبيت الجبهة الشعبية حيث كان أحد قادتها وظل عرينا في صفوفها في الدفاعات مع المقاتلين والقادة العسكريين.

وعقب الاستقلال تعاملت معه التمست فيه التواضع ووجدته زاهدا يعيش على الكفاف وكان بعيدا عن فساد السلطة ومادياتها ومغرياتها. عاش بسيطا تميز بوقوفه بجانب أصدقائه فهو قليل الفجور عند الخصومة. وكل من تابع الصراعات الداخلية مقارنة بالآخرين كان الراحل أقل حدة، وكان يلزم الصمت خلال الخلافات التي عصفت بأركان النظام. وبرحيله تخسر إرتريا ابناً قدم الكثير.

ووفاة على سيد لم يكن حدثا داخليا يخص الإرتريين وحدهم حيث أبرزت معظم وسائل الإعلام العربية رحيله ولفت أنظار المراقبين اهتمام الصحف الإثيوبية المستقلة الصادرة في أديس أبابا والتي بدورها أبرزت النبأ ونشرت صحيفة مونيتر الصادرة اليوم مقتطفات من حياة الراحل ووصفته بأحد أبطال حرب التحرير الإرترية. فيما نقلت العديد من الدول العربية تعازيها. وما لفت أنظار المراقبين كذلك التعازي التي بعث بها الأب الروحي للجبهة الحاكمة في إثيوبيا سبحات نقا لأسرة الراحل. وقال أنه ينقل مشاعر الألم والحزن لرحيل قائد وطني كبير مثل المرحوم على سيد عبد الله، وقال انه كان يتمنى أن يشارك في مراسم الدفن التي ستقام له ووصف المرحوم بالمقاتل العنيد حيث ذكر أنه تعرف عليه إبان حرب التحرير. وقال سبحات تعاملت معه عن كثب مشيرا إلى أن رحيله لا يعد خسارة لإرتريا فقط بل لشعوب المنطقة بأسرها.

كم هو جميل ان يكون الإنسان وفيا مع المتوفى وتعزية الأب الروحي للجبهة الحاكمة تعكس مكانة الراحل الذي وجد احترام خصومه قبل أصدقائه.

ويحتسب المركز وفاة المغفور له على سيد عبد الله الذي كرس حياته لخدمة وطنه وأخذ على عاتقه تحرير الأرض ورحل قبل تحرير الإنسان،  وبرحيله تفقد إرتريا واحدا من أعلامها وقادتها، حيث يمثل وفاته خسارة كبيرة وخاصة في ظل معركة التحول الديمقراطي. وبالرغم من نجاح على سيد عبد الله ورفقائه في معركة التحرير، إلا أنهم أخفقوا وفشلوا في إدارة الدولة.

ألا رحم الله علي سيد عبدالله بقدر ما قدم لوطنه وشعبه.

وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان

(إنا لله وإنا إليه راجعون)

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=4760

نشرت بواسطة في أغسطس 29 2005 في صفحة الأخبار. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010