الأزمة التي صنعها النظام في إرتريا كيف بدأت ومتى تنتهي ؟؟

التحالف الديمقراطي الإرتري  

مكتب الإعلام
 30.06.2006

أستقبل الشعب الإرتري تحرير كامل ترابه الوطني في عام 1991 م بفرح منقطع النظير على أمل أن يتوالى ذلك ببدء تنفيذ برامج واسعة تغير من وجه إرتريا التي دمرتها الحرب الطويلة التي تئن من وطأة تركتها المثقلة.  بيد أن هذا التطلع بدده رأس النظام بخطابه سيئ الصيت في 20 يونيو1991 م، أي فقط بشهر واحد بعد التحرير، أعلن فيه حظرا على أي نشاط للرأي الآخر. وفي زحمة أجواء الانتشاء بالانتصار لم يلتفت إلى أبعاد ما حملتها رسالة رأس النظام بهذا الخطاب إلا نفر من الإرتريين والمتابعون للشأن الإرتري عن قرب.

كما هو واضح إن خطاب يوم 20 يونيو كان يستهدف الرأي العام الإرتري. وتتالت بعد ذلك من النظام خطبا أخرى موجه إلى العالم بأسره. بدأ بالهجوم على جيبوتي ثم السعودية ومصر وفرنسا وأعقبه بالهجوم على السودان واليمن ليختتمه بمنظمة الوحدة الإفريقية التي شاركت لأول مرة إرتريا في مؤتمرها كدولة مستقلة ذات السيادة وبجامعة الدول العربية والأمم المتحدة . لم تأخذ معظم الدول والدوائر الإعلامية تلك الخطب محمل الجد وتغاضت عنه على اعتبار أنها صدرت من رئيس دولة تنقصه تجربة الحكم وأن مثل هذه التصرفات الصبيانية غالبا ما تصاحب مرحلة الانتقال من الثورة إلى الدولة. ولكن مع استمرار هذه الممارسات للنظام بدأت تصبح مثار الدهشة والتهكم من نفس الجهات التي ظلت تصوغ مبررات لتبرئة ساحته. وفي نهاية المطاف وصل ببعض وسائل الإعلام العالمية إلى وصف رأس النظام “بالطفل المشاكس”.

فالشاهد للأطراف الإرترية التي استوعبت منذ وقت مبكر ما ينطوي عليه التوجه الذي أفتتح به النظام الجديد سياسته توفرت لديها ظروفا مواتية لتغيرمن نهجه ولا الأطراف الدولية التي تنبهت بنهجه غير سليم تحركت لتفرض عليه الالتزام بالضوابط التي تحكم سلوك الدولة في علاقاتها مع دول أخرى. بم يبرر ذلك ؟ الأمر واضح وضوح الشمس، فالأولى لم تكن قوية على الأرض بمستوى تهز بها أركان النظام. والأخرى أصبحت وجها لوجه أمام متغيرات دولية جذرية نجمت عن انتهاء الحرب الباردة التي أربكت الحسابات السياسية وفرضت على دول العالم الترقب المستمر لاستيعاب معطيات ما يطلق عليها العولمة. فأمريكا التي أصبحت قائدة هذا التغيير بدأت تشرع في ترتيب الخارطة السياسية وفق منظورها. ونظرا لسابق علاقتها مع النظام الإرتري كان قد رشح من قبلها في أن يكون ورقة الرهان يعتمد عليه ليصبح جزءا من أدوات تنفذ مشاريعها في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي. كما أن موقع إرتريا الاستراتيجي أعطى بعدا آخرا ليكسب إرتريا أهمية مجددة ضمن الظروف السياسية التي سادت منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر في حقبة التسعينيات.

في سياق الاعتبارات السياسية التي نوهنا إليها تدفقت المساعدات إلى النظام، وشهدت إرتريا داخليا خلال الأعوام الخمسة التي أعقبت مرحلة الاستفتاء والاستقلال حراكا اقتصاديا واستقرارا نسبيا. غير أن ذلك لم يستمر لدخوله حروبا عبثية التي كانت وأخرها الحرب المدمرة ضد إثيوبيا. ولأول مرة أثناء وبعد الحرب رأينا تحركا دبلوماسيا دوليا بقيادة أمريكا لوقف اندلاع الحرب. ولكن لم تنجح الجهود تحقيق الغاية المرجوة منها فنشبت الحرب التي انتهت بحصد البشر وحرقت الزرع والضرع. ومع هذه الافرازات السلبية للحرب، التي كادت أن تهدد من جوانب كثيرة صميم الكيان الإرتري، لم يفكر النظام إعادة قراءة الموقف والعدول من النهج الاقصائي الذي دشن به سياسته عند مجيئه إلى سدة الحكم . فالأوضاع الإرترية بدأت تشهد تدهورا في كل مناحي الحياة .

وبوصول الحالة الإرترية إلى هذه الدرجة من الخراب والانحدار ، بدأت ترتفع الأصوات المطالبة من الشعب ومن داخل النظام بالتغيير وتدعو إلى إطلاق الحريات العامة وفتح المجال للتعددية السياسية وتطبيق الدستور. إلا أن النظام سرعان ما أنقض على هذه الأصوات وبدأ بقمعها وإسكاتها بزج عناصر بارزة من قياديين وإعلاميين في المعتقلات. وللمرة الثانية ، بعد إخفاق المجهود الدبلوماسي لوقف الحرب، تتكشف للرأي العالمي الطبيعة الديكتاتورية للنظام وممارساته المنتهكة لحقوق الإنسان . وأن هذا التحول في موقف الرأي العام كان مؤشرا يدل على أن القوى التي كانت تراهن عليه في السابق بدأت تتراجع عن مواقفها .   

ما هي الأوهام التي دفعت بالنظام إلى هذه الممارسات ؟ نحن كإرتريين نفتخر بصمودنا وبالعزيمة التي واجهنا بها شتى المعوقات والمؤامرات طوال فترة النضال الوطني حتى إحرازنا استقلالنا وسيادتنا الوطنية. كما نعتز بشهدائنا وبالبطولات الفردية والجماعية التي قام بها المناضلون الأشاوس وبالأمثلة الرائعة التي قدموها في التضحية والعطاء التي ستستلهم منها الأجيال القادمة عبرا ودروسا في حماية حياض الوطن. إلا أن ذلك لا يجب أن نجعل منه ” كرت بلانش ” ونسمح لأنفسنا الإدعاء بأن نضالنا لا مثيل له في نضالات الشعوب الأخرى لنصبح أسرى هذا الوهم. 

وإذا راجعنا وسائل إعلام وآلة الدعاية للنظام ، كانت تركز دوما على المعجزات الخارقة التي حققها النظام وقدرته الفذة في خلق المستحيلات . بل وصلت بها الأمر إلى الادعاء بأن إرتريا هي أقوى دولة في شرق إفريقيا وهي تملك من الأسلحة ما تستطيع تعبئة سبع دولة إفريقية عسكريا بها. فوسائله الدعائية التي ركزت في اتجاه ترسيخ الادعاء في أوساط عضوية حزبه والرأي العام الإرتري عامة ، وجدت قبولا لدى قطاع من البسطاء . ويبدو أن النظام تحت تأثير هذا الوهم قام بمغامراته الحربية العدوانية بدائرة كاملة مع دول الجوار .

لا محال فأن النظام سيزول بعد أن يورثنا تركة ثقيلة . وحتى لا نكرر تجربة النظام في قالب آخر ، فعلى الشعب الإرتري وقواه السياسية أخذ العبر والدروس من التجربة الفاشلة للنظام ، ووضع استراتيجية واضحة المعالم تنبني عليها علاقتنا مع دول الجوار. وإن أفضل مدخل إلى ذلك وهو الأهم فهم الذات أولا واستيعاب مؤثرات حقائق التاريخ والجغرافيا ووشائج العلاقات الثقافية والمصالح المشتركة وأثرهم على علاقات الشعوب. المحور الرئيسي أي القاعدة التي تنبني عليها علاقتنا مع دول الجوار يجب أن تنطلق بداية من الاحترام المتبادل حيث يهون كل شيئ دون ذلك.

وفي النهاية وانسجاما مع النظرة المشار إليها ، فلا نرى مانعا في أن ننوه إلى البعض من هذه الحقائق ونجعلها أساسا لفهمنا المشترك كإرتريين عند ما نتعاطى مع قضية العلاقة بالجوار :

  • إرتريا تحتل موقعا استراتيجيا جغرافيا وهي من البلدان الصغيرة في إفريقيا ويمتلك شعبها القابلية في أن يتطور إذا توفر له الاستقرار.
  • قادر للدفاع عن سيادته الوطنية.
  • بلد يقع بين دولتين كبيرتين وبقرب من بلدان بترولية غنية.
  • بلد تربطه أواصر علاقات تاريخية وثقافية قوية مع البلدان المجاورة نتيجة للتداخل ذات أوجه متعددة.

وأخيرا أن إرتريا في حاجة إلى السلام وليس استسلاما، في حاجة إلى الديمقراطية وليس كبتا ، في حاجة إلى علاقات التعاون والمعاضدة مع الجيران لتتعزز صلات الأخوة والمصالح المشتركة المبنية على الاحترام المتبادل . وكل ذلك يستلزم الأخذ بنظر الاعتبار للحقائق التي أشير إليها ، عندئذ تبدأ بداية النهاية للأزمة التي صنعها النظام الديكتاتوري.

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6986

نشرت بواسطة في يونيو 30 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010