الأمير السعيد.. وعصفور الجنة

من القصص العالمية/ تأليف : اوسكار وايلد

من القصص العالمية/ تأليف : اوسكار وايلد

الأمير السعيد.. وعصفور الجنة

في وسط ميدان كبير باحدي المدن القديمة كان يرتفع على عمود شاهق تمثال لأمير السعيد.. وكان التمثال مغطي بطبقات رقيقة من الذهب, أما العينان فكانتا ياقوتتين زرقاوين لامعتين.. وفوق مقبض  سيفه كانت تتألق ياقوتة حمراء كبيرة..

كان التمثال من الروعة والجمال بحيث  كان كل من يمر بجانبه , يتطلع إليه باء عجاب  ودهشة.. وفي موسم هجرة الطيور من البلاد الباردة إلى البلاد الدافئة, تقابل طائر صغير, عصفور من عصافير الجنة, مع فراشة صفراء رشيقة, فتخلف عن رفاقه بسببها, وظل يتحدث معها.. ولما رفضت الفراشة أن ترافق العصفور في رحلته قرر الطائر أن يستمر وحده في رحلة الهجرة..

وحينما اقبل المساء, وجد العصفور نفسه في مدينة الأمير السعيد.. وشاهد التمثال فوق العمود الشاهق .. وزقزق قائلاً: – سوف أستريح هنا.. أنه مكان جميل .. فيه هواء نقي! ثم حدث العصفور نفسه وهو يرقد بين قدمي التمثال:-

أن غرفة نومي كلها من ذهب ! وبمجرد أن وضع العصفور رأسه تحت جناحه لينام, شعر بقطرة ماء تسقط فوقه, فقال: –

عجيبة! السماء خالية من السحب ما هذا  يحدث؟ وهنا , سقطت قطرة أخرى فوق العصفور .. فقال: _ بماذا  يفيدني  التمثال , أن لم يحمني  من المطر , الأفضل أن أبحث عن مكان آخر داخل مدخنة من المداخن!

وقبل أن يتأهب للطيران, سقطت قطرة ثالثة.. فنظر إلى أعلى ودهش لما رأى.. كانت عينا الأمير ممتلئتين بالدموع.. وكانت الدموع تسيل على وجنتيه الذهبيتين.. تأثر العصفور كثيراً وقال برفق:

من أنت؟

–     أنا الأمير السعيد !

–     ومادمت سعيدا..  فلماذا تبكي؟

رد التمثال قائلاً:

n   حينما كنت حياً, ولي قلب مثل كل إنسان, لم تعرف عيناي الدموع.. لأنني كنت أعيش في قصر اسمه ” بلا هموم”.. حيث لا يسمح للحزن بالدخول… في النهار كنت ألهو والعب مع أصدقائي في الحديقة.. وفي المساء كنت استمتع بالرقص والغناء.. وكان حول القصر سور مرتفع جدا, لكني لم أهتم أبد بما يدور خلفه.. وأطلق على رجال حاشيتي اسم : ” الأمير السعيد”..

والآن بعد أن مت , وضعوني في مكان مرتفع حتى استطيع أن أرى كل بؤس مدينتي وقبحها .. وبالرغم  من أن قلبي الحالي  مصنوع من الرصاص .. إلا أنني لازلت أستطيع أن أبكي..

استمر التمثال في حديثه قائلاً:

–     في شارع بعيد .. هناك .. يوجد منزل متواضع , نافذته مفتوحة .. أرى من خلالها , امرأة مسكينة تجلس أمام منضدة .. أنها مرهقة ويداها حمراوان خشنتان.. فهي تعمل حائكة .. ومشغولة  في تطريز زهور على فستان من الساتان  لوصيفة الملكة.. وعلى السرير.. في ركن الغرفة , يرقد طفلها الصغير مريضاً.. وهو يشكو من الحمى ويريد عصيرا ودواء.. لكن أمه ليس لديها ما تقدمه له إلا الماء.. ولهذا فالطفل يبكي .. والأم تعيسة.. أيها الطائر اللطيف.. يا عصفور الجنة.. خذ الياقوتة الحمراء التي في مقبض سيفي, وقدمها للأم المسكينة..

–     قال العصفور بتردد:

–     أن رفاقي في انتظاري.. أريد أن الحق بهم..

–     قال الأمير :

–     أرجوك.. امكث معي ليلة واحدة .. كن رسولي .. فالطفل مريض جداًً وعطشان  والأم حزينة ومسكينة..

تأثر العصفور  من رقة الأمير , وقال :-

–     حسن.. سوف أبقى معك ليلة واحدة.. وأكون رسولك..

–      والتقط الطائر, الياقوتة الحمراء الكبيرة, وطار بها وهي في منقاره فوق أسطح المنازل..

كان الصبي يتقلب محموماً في فراشه.. والأم غلبها النعاس من شدة التعب .. فقفز الطائر إلى الداخل , ووضع الياقوتة الحمراء فوق المنضدة بجوار الإبرة والخيط .. ثم رفرف حول الفراش وهو يصفق بجناحيه فوق جبين الطفل الذي قال هامساً:

–     أشعر بشيء من الانتعاش .. أنني أتحسن بالتأكيد!

عاد العصفور إلى الأمير السعيد وابلغه بما فعل وقال له:

–     الغريب في الأمر أنني أشعر بالدفء.. بالرغم  من برودة البرد الشديدة!

–     ذلك لأنك قمت بعمل الخير !

نام عصفور الجنة .. وحينما طلع النهار, أخذ يحلق في الجو نشطا مبتهجا باستقبال الطيور الأخرى له, فقد كانت تزقزق كلما رأته, فسر العصفور سرورا عظيما.. وحينما أقبل المساء وظهر القمر , طار عائدا إلى الأمير السعيد وقال له:

–     ألا تريد مني شيئا سوف أرحل الآن إلى مصر, حيث شمس الشتاء الدافئة, وحيث ينتظرني رفاقي..

–     قال الأمير:

–     أمكث معي ليلة أخرى.. فهناك, بعيدا عن المدينة, في غرفة فوق السطح, يوجد شاب منهك في الكتابة أمام مكتب مغطى بالأوراق.. وبجواره زهرية بها زهور ذابلة.. وهو يحاول أن ينهي رواية يكتبها لكنه يشعر بالبرد والجوع.. فليس لديه نار ولا طعام..

–     قال العصفور الطيب:

–     حسن.. سأبقى معك ليلة أخرى .. ماذا احمل له ؟

–     قال الأمير:

–      للأسف ليس لدي ياقوتة أخرى.. وعيناي مصنوعتان من الياقوت الأزرق النادر .. خذ واحدة منها واذهب بها إليه.. سوف يبيعها للصائغ ويشتري بها طعاماً وخشبا للنار ويكمل روايته..

–     قال الطائر:أيها الأمير العزيز.. لن استطيع أن أنزع عينك!

–     قال الأمير:

–     بل أفعل ما أمرك به.. أرجوك..

–     فعل الطائر  ما أمره به الأمير السعيد.. وصاح الكاتب حينما رفع رأسه ووجد ياقوته زرقاء فوق  الزهور الذابلة:

–      لابد أن هذه الياقوتة من معجب عظيم.. الآن يمكنني أن أكمل روايتي..

وفي اليوم التالي ذهب العصفور ليودع الأمير ويتجه إلى البلاد الدافئة لكن الأمير قال له:امكث معي ليلة واحدة أخرى.. انظر في الميدان تحتنا.أرى فتاة صغيرة تبيع الثقاب.. وقد سقطت منها أعواد الثقاب في الماء وفسدت جميعها وسوف يضربها أبوها أن لم تعد إليه ببعض النقود.. أنها تبكي.. وليس لديها حذاء ولا جوارب.. وهي ترتعد من البرد..

 أنزع عيني  الأخرى وقدمها لها.. فلا يضربها أبوها..

قال عصفور الجنة الطيب: – حسن.. سأبقى معك ليلة أخرى.. لكنك ستصبح أعمى لو نزعت عينك الثانية.. قال ألأمير:

أفعل ما أمرك به .. أرجوك .. نفذ الطائر ما طلبه منه الأمير السعيد, وقفز هابطا إلى الفتاة, وترك الياقوتة تنزلق في يدها, وصاحت الفتاة بفرح: –

–     يا لها من قطعة جميلة من الزجاج! وأسرعت إلى البيت .. عاد ألطائر إلى الأمير وقال له :

–     -أنت أعمى ألآن.. سأبقى معك إلى الأبد..

–     قال الأمير:

–     -لا أيها العصفور الصغير الطيب يجب أن تذهب إلى مصر إلى البلاد الدافئة..

–     قال الطائر

–     بل سأبقى معك إلى الأبد.. ونام تحت قدميه.. وفي اليوم التالي ظل الطائر يحكي للأمير حكايات مسلية عما رآه في البلاد الدافئة التي يسافر إليها. عن طيور “أبي قردان” التي تلتقط الديدان من الحقول. وعن :أبي الهول: و:الأهرامات”..

فقال الأمير للطائر:

–     احكي لي أيضا عما يدور في مدينتي..

حلق الطائر فوق المدينة: رأي الأغنياء يمرحون في بيوتهم الدافئة الفاخرة, بينما الشحاذون أمام الأبواب يرتعدون من الجوع والبرد.. رأى أطفال الفقراء وهم يعانون من الجوع والمرض.. وعاد عصفور الجنة وحكي للأمير ما رآه.. فقال الأمير:

–     أنا مغطى برقائق من الذهب الخالص.. انزعها عني طبقة طبقة ووزعها على فقراء مدينتي..

 نفذ الطائر طلب  الأمير . وحمل الذهب إلى الفقراء طبقة بعد طبقة.. وتهلل وجه الأطفال  وصاحوا :

” عندنا خبز وطعام”!

واشد البرد, وأصبح قارصاً.. لكن الطائر المهاجر لم يشأ أن يترك الأمير فقد أحبه كثيرا .. وكان يحاول أن يدفئ نفسه بتحريك جناحيه .. لكن بلا فائدة.. وشعر انه سيموت.. فذهب إلى الأمير وقال له :

–     جئت لأقول لك وداعا يا صديقي.. هل تسمح لي بأن اقبل يدك؟

–     يسعدني انك ستذهب إلى البلاد الدافئة أخيرا.. قبلني في وجهي..

–     قال الطائر:

–     لست ذهباً إلى مصر, بل سأذهب إلى دار الموت .. الموت مثل النوم تماماً أليس كذلك؟

وطبع الطائر المهاجر قبلة فوق خدا الأمير السعيد.. ثم سقط ميتا عند قدميه..

حينئذ, حدث صوت فرقعة غريب داخل التمثال.. فقد انشق القلب المصنوع من الرصاص إلى نصفين حزنا على عصفور طيب من عصافير الجنة!

 

                 

نقلها لكم/ متكل أبيت نالاي

 

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7952

نشرت بواسطة في يناير 1 2007 في صفحة القصة القصيرة. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010