الإبعاد الاجتماعى .. أم التماسك الاجتماعى ؟

الجزء الاول

ود القبائل  

إرتريا بلد صغير، يطل على البحر الأحمر، مجاوراً لكل من السودان وأثيوبيا بحدود طويلة، كما تحده جنوباً دولة جيبوتى. السكان هم مزيج من الأثنيات، السامية والحامية والنيلية الأفريقية، ولدت أعراق أو قبائل متداخلة، وتسود فى إرتريا ديانتين هما الإسلام والمسيحية. وقد نال استقلاله عام 1991 بعد نضال مسلح لأكثر من ثلاثين عاماً. ولكن هذا البلد، وقف ولا يزال أمام تحديات جمة ،أولها أنه لم يعرف معنى الحرية أو العيش بسلام واستقرار منذ عهود طويلة إلى جانب أنه يعتبر بلد، شحيح الموارد والثروات، ويعش فيه الفرد (الغالبية) تحت مستوى الفقر، وتشكل المساعدات القادمة من الخارج ،عماد استمرارية الحياة، وهى تتنوع بين فتات من الهدايا الدولية، وجزء من مدخرات المهاجرين التى بالكاد تسد رمق بعض الأسر.

هذا البلد يعانى فى الوقت الحاضر من حكم ديكتاتورى مستبد، وحروب سياسية مفتعلة مع جيرانه أو معادة سياسية مع عدد كبير من دول العالم، خاصة الغرب.

فإذا كان عالمنا أصلاً، يعانى من الصراعات والمشاكل التى لا حصر لها، والتى تنفجر كل يوم يتحدى جديد أو بعضها يجد الحلول المسكنة أو الدائمة ،كما أن بعضها يحوز على الاهتمام الأكثر، والأهمية الأكبر من المجتمع الدولى. فماذا يا ترى نصيب إرتريا من هذا الخضم؟

 أو ماذا تمثل إرتريا، أولا لنفسها وثانيا لمحيطها والمجتمع الدولى؟

 ولماذا هذا الصراع الدائم، السيئ الصيت ؟الذى لم يفارق إرتريا وشعبها.

 وأيضاً ما تمثله إرترياً من عامل عدم استقرار لشعوب المنطقة، وتأثيرها السالب فى المجتمع الدولى والذى يكرر إداناته لها؟

 

دعونا أولا، نأخذ صورة عامة عن الأوضاع فى إرتريا ،ومن بعد ذلك  لنحاول إيجاد الإجابة على تساؤلاتنا، أو بالأحرى لنعرف الحقائق ثم نحكم على الأمر من خلال فهم طبيعة ما يجرى فى إرتريا !!

وحتى نكون واضحين من الوهلة الأولى يجب التنويه إلى أن أية سلطة أو نظام أو دولة ،كما هو متعارف عليه ،تمارس أنشطتها بشكل منتظم، لذلك  أن أية سلطة أو دولة ما، لابد أن يكون لديها هذه النظم أو هذا التأسيس. ولكن هذا السمة لا تنطبق على إرتريا والأسلوب الذى تدار به، والهيكلية التى تقاد بها ،حتى فى أعلى السلم الإدارى ،غير واضحة أو معدومة.

ثم إننا أيضاً لا نستطيع أن نحكم على الاقتصاد ونوعه ومصادره، وما يمثله من ضعف او قوة، لأن إرتريا أصلا لا تملك أى مصادر أو نشاط ذوى معنى اقتصادى، وتعتبر من البلدان التى تعتمد على الدعم الإنسانى الخارجى أو هبات من هنا وهناك، حيث لا تملك البلاد،  ناتج قومى ذو مردود نقدى، وهى تستورد الذرة و حتى الخضر/ بصل بطاطس ثوم بيض حليب إلى آخره، وتأتى جميع المواد الاستهلاكية الضرورية من الخارج بما فيها مواد البناء والطاقة. ونسبة لعدم وجود إحصاءات رسمية ،إلى جانب عدم وجود الخطط التنموية، وبرمجة النشاطات بمستوى علمى وتقنى للموارد والخدمات ،إلى جانب العشوائية الإدارية، وضحالة المعلومات أو نقصها، فإن من الصعوبة فهم وقراءة المستويات المختلفة للأداء الاقتصادى والاجتماعى. وهذا الغموض طبعاً يحجب ورائه الحقائق والمصائب، ومن ثم يصعب إجراء تقييم حقيقى، فلا يمكن حقاً، معرفة نصيب الفرد من الناتج القومى الإجمالى (إذا وجد)، لأنه أصلا لا توجد بيانات يمكن تحليلها. والغريب أن البنك الدولى وصف مرة إرتريا بأنها تحقق نمواً وصل لأكثر من سبعة بالمئة، من أين أتى بذلك ؟!! والحقيقة أنه يمكن وصف إرتريا من الناحية التأسيسية بأنها بلد هلامى التكوين، لا يمكن الحكم عليه.

فى ظل تلك الحقائق التى أتينا على ذكرها، وهى عدم وجود نشاط مؤسسى واقتصاد يعتمد عليه، نؤكد أن إرتريا لا يمكن أن تسمى دولة أو بلد بالمعنى المتعارف عليه، لافتقارها إلى تلك الركيزتين الأساسيتين لطبيعة ما يسمى دولة. وفيما يخص الجوانب الأخرى لما هو حاصل، فإنه حدث ولا حرج، إذ أن العالم يعرف بأن إرتريا تعيش تعاسة إنسانية مروعة بسبب القهر السياسى والاجتماعى والبؤس والفقر نتيجة الحكم الدكتاتورى والحروب والإبعاد الاجتماعى والاضطهاد الدينى. وسنأتى فيما يلى على كل جانب بنوع من التوضيح، لذا سنبدأ  بمسألة عدم وجود التأسيس والنظم والهيكلة.

النظام:

          يسيطر أسياسى أفورقى وهو الرئيس (الدكتاتور) على الحكم يعاونه على تسيير أموره، يعنى أمور البلاد والعباد، مجموعة تعد على أصابع اليد، خلقها بنفسه من داخل إطار الحزب الحاكم الذى يعرف بالجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة، وجميع أمور البلاد صغيرها وكبيرها يحدده أسياسى بنفسه، ويشرف أيضاً على تنفيذه ومتابعته وحتى يتثنى له التحكم الكامل، حرم البلاد من سن قوانين مدنية أو نهج وسياسات واضحة، إلى جانب منعة سريان الدستور الذى أسس له فى عام 1997م، وقام بقمع كل منافس سياسى له حتى لو كان من نفس الحزب ،حيث قام بسجن كل المطالين بالإصلاح السياسى والاجتماعى من القيادة التى أسست معه الحزب، الذى أشرف على حرب التحرير، وقد مهد أسياسى أفورتى الطريق للاستيلاء على أمور البلاد منذ وقت طويل، حيث عرف عنه وحتى اليوم، قمع كل معارضيه حتى من الأطراف الوطنية الأخرى باستخدام الاغتيالات والخطف والسجن دون إعلان أو محاكمات، ولا يعرف شئ لما جرى لكل معتقل أو مختطف. (العديد من منظمة حقوق الإنسان الدولية لديها تسجيلات عن هذه الممارسات).

ويعتبر كل من لم يستجيب لإدارة النظام الحاكم، معارضا، حتى ولو لم يبدر منه أى فعل أو نقد، لذا يتم قمعه(اول باول)، وخاصة من المسلمين باعتبارهم المعارضين الفعليين أو الأساسين للنظام الذى يعمل على تنفيذ سياسة/ الإبعاد الاجتماعى/ ومحاربة كل ما هو ثقافة إسلامية أو ممارسة الشعائر، لذا فإن معظم السجناء هم من المسلمين الذين يعدون بالآلاف، والذين  انقطعت صلتهم بالحياة وبأسرهم منذ اعتقالهم أو اختطافهم من قبل أجهزة الأمن.

وعليه فإن إرتريا ليست بها قوانين أو نظم يمكن الإشارة إليها، فمثلا:

البرلمان أو المجلس الوطنى:

          لا يوجد برلمان أو مجلس نيابى، لكن بشكل أسمى كان هناك قبل العام 1997م مجلسا وطنياً، نصفه من أعضاء الحزب الحاكم والنصف الأخر يمثل أعضاء من مجالس الإقليم وعدد آخر من المعينين من قبل الرئيس. إذا لا توجد فى إرتريا سلطة تشريعية.

القضاء: 

          إرتريا لم تسن حتى اليوم قوانين مدنية أو جزائية أو إجرائية أو قوانين لمختلف الإقراض والأهداف والنشاطات، إلا ما ندر، وهو أيضا لا يرتكز على أسس قانونية أساسية أو شرعية، فقد كانت هناك بعض الاجتهادات مثل قانون الاستثمار وقانون الاراضى ، وقانون الصحافة، والتى تم وأدها  قبل أن ترى النور، وعليه فإن المحاكم تعمل حالياً باستلاف مواد وبنود من القانون الأثيوبى، بهدف سير العمل وليس إحقاق العدالة [سنتناول هذه الجزئية فى تعليق أخر].

السلطة التنفيذية (الحكومة):

          من المحزن جداً أن تقول أن هناك حكومة فى إرتريا لكن نجد أنفسنا هنا مجبرين لكى نتحدث عن معنى أسمه حكومة، لذا سنعتبر الأمر مجرد تسمية تعليلية وليس القصد المعنى الذى تجسده أو توحى إليه معنى الكلمة، وما علينا، فإن إرتريا أصلاً هى ملك لشخص واحد هوالرئيس، وهو الحكومة وهو كل شئ ، فإذا لاحظنا ألى تكوين الحكومة فإنها تمثل عدد من الوزراء الذين ليست لهم أية سلطات، والمقصود فى تشكيلها هو المظهر فقد، أى هدف مقصود منه العلاقات العامة ليس إلا، وما يدل عن أنها صورة تزينيه ،هو أنها لا تملك أية أسس نظامية، من حيث المهام ، وبقول أخر أن الحكومة أو الوزراء هم شكليون فقط ،فليست لهم سلطة وإن معظمهم لا يستطيع حتى ممارسة الدور الإدارى البسيط حول مكتبة ، ناهيك من التصرف واتخاذ القرارات أو التوقيع بإجازتها، ويقوم بالنيابة عنهم أشخاص أدنى رتبة(المتحكمون الفعليون) هم الذين يسيرون العمل بشكل حقيقى، وقد تكون المشكلة فى بعض الأحيان مركبة من جزئيتين أما الوزير ليست له قوة فعلية للتصرف ،وهذا يشمل جميع الوزراء تقريباً أو قد يكون ضعيفاً فى شخصه أو مقدراته. ونستدل على أن لا معنى لوجود أو عدم وجود وزير أو وزراء من خلال الآتى:  

 

فمثلاً، وزارة الحكومات المحلية  و التى  تعتبر من أكبر الوزارات حجما،( لأنها أصلا نتجت عن دمج وزارتى الإدارات المحلية والشئون الداخلية والأمنية)، فإنها تعيش حتى يومنا هذا دون وزير يشرف عليها منذ تنحية وسجن الوزير الأول محمود أحمد شريفو (G.15)، وأيضا وزارة الإعلام خالية هى الأخرى من وزير منذ عام 2001 [براخى قبرى سلاسى G. 15]. وزارة الخارجية منذ موت الوزير على سيد عبد الله فى نهاية 8/2005 وحتى الآن.

وما الجلسات او الاجتماعات التى يعلن عن عقدها  مجلس الوزراء إلا معنى واحد، هو للاستهلاك الدعائى، ومن الملاحظ أنها لا تخرج بأية قرارات ذات شأن أن وجدت أصلاً. وحتى هذه الاجتماعات تجرى بشكل عشوائى مما يعنى أنها غير مجدولة أو منتظمة، فمرة تعقد متتابعة بين شهرين أو ثلاثة، ومرة أخرى تغيب عاماً كاملاً تقريباً.

والحقيقة ، أن هذه الوزارات الأسمية، تدار من خلال مكتب الرئيس، سوى فى مهامها أو توجهاتها أو نشاطاتها، حتى أن شئون إدارة العاملين باحدى الوزارات ،غالبا ما يجرى تنظمه أو إدارته من مكتب الرئيس مباشرة، فلا شئ هناك يفعله الوزير، او  أمر متروك لتصرفات الوزير، أنه لا يستطيع حتى تعيين عامل نظافة أو بواب او اصدار توجيهات  دون السماح من مكتب الرئيس.

وكما رأينا أن جميع ما يمكن أن يطلق عليه مستويات الحكم، من المؤسسات الرئيسية / مجلس وزراء/ والبرلمان/ والقضاء (السلطات التنفيذية والسلطات التشريعية) مغيبة  أو غير موجود أصلا فى إرتريا، فهذا يؤكد لنا أن جميع السلطات موجودة فى مكان واحد، وهو مكتب الرئيس أو بالأحرى  بيد الرئيس، وعليه، فعندما نتحدث عن التشريعات أو القوانين وسريانها أو الإدارة وساليبها أو الممارسات والسياسات وأهدافها، وما آلت إليه الأوضاع، فإننا دون شك سوف نشير بإصبعنا إلى الرئيس ،الذى هو الكل فى الكل.

وهنا، نريد أن نذكر أو نشير إلى خصلة عن أخلاقيات  أفورتى الشخصية، رغم أننا لا ندعى أن لها تأثير فيما عداها من ممارساته الأخرى، ونترك للقارئ الحرية فى تقيمه لها. وهى أن أفورقى، وكل من حوله من المعاونين له هو “سكير وزير نساء” فلا يصبح عليه فجر والا وهو قد ستهلك ليله، فى المجون وإرتياد البارات والنوادى الليلية الحمراء وهى كثيرة فى  أسمرا. وكثيراً ما خلف ورائه من حكايات تشبه ألف ليلة وليلة أو صالونات البندقية فى عصر الباروك.

ما علينا، فالذى أردناه بالإشارة إلى هذه الخصلة، هو التأكيد على أنه مستهتر بمسئولياته أو أن لديه ما يكفى من الزمن لكى يضيعه بشكل مجانى ؟!

 

          

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7013

نشرت بواسطة في يونيو 28 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010