الابعاد الثلاث للاطر القومية

بقلم/ صالح كرار

لا ينكر إلا جاحد بأن بلادنا إرتريا تتكون من مجموعات بشرية مختلفة ومتنوعة اثنيا ولغوية ودينيا وهو في الحقيقة مفخرة وحري أن نتباهى به لأنه ارث تاريخي وليس وليد اليوم الابعاد الثلاث للاطر القومية

عندما ينظر اليك الطفل الوليد الرضيع بتمعن ٍ وتركيز ٍ زائدين لا شك انه لا يتسائل من انت؟، اوماذا تريد؟، ولا حتى تملك ان تقول انه يتسائل اي شئ انت؟.

موقف يحتار عنده علماء تحليل النفس البشرية انه مشهد من مشاهد الآيات الربانية الذي يقف اللبيب الفطن محتارا في تفسيره لا يملك سوى تصويره.

هذا وجه بشري يعبر عن البراءة في انقى صورها التسائلي كذلك عندما تعطي الحاسب الآلي سؤالا للبحث يعطيك صفحة فارغة تكون الاجابة بعدها ايجابا او سلبا واعتذارا.
فهذه الصفحة مقاربة او مرادفة او مطابقة آلية لتك التسائلات البشرية.

وبعيدا عن التنظير والفلسفة وتشبيهات السياسة وتلافيفها المعقدة واتجاهاتها ومقاصدها المتعددة اجد مجموعة من لفائف التسائلات البريئة عن الوضع الارتري الراهن تخيم على كل نقاش شعبي مجرد بصور تعبر عن البرائة البشرية والصفاء الوطني، او اخرى تسقط الاحداث آليا علي الموروثات والاخفاقات المتتالية.

فنجاح المؤتمر او عدم نجاحه، ونجاح المجلس الوطني المنبثق عنه او عدم نجاحه مسائل نسبية عند الاغلب ان لم نقل الجميع. اي نال كل من الحاضرين مما كان يطمح ان يناله ولم ينل بعضا منها بنسب ترضيه او تصّبره.

كذلك الحديث عن زوال نظام الظلمه والمرحلة الانتقالية امر يرجى انشاء الله فمن سار علي الدرب وصل تاخر او تقدم، “ولا يدوم علي حال لها شأن” فالاستعداد لذلك امر واجب ومسار ونهج علمي وعملي.

لكن وجه الحيرة الاساسي والتسائلات المستفيضة في ثرثرة ونقاشات العامة من الارتريين هو القومية والتنظيمات القومية التي مثلت في المؤتمر الوطني زخما ورقما وحضورا مميزا ويتوقع ان يزيد النفوذ قابلا بحيث يشمل البلاد طولا وعرضا في حاليْ المعارضة او السلطة.

النظام “القومي” الحاكم في اسمرا رفع شعار القوميات التسع وناضل في اقراره واقعيا لكن نجده اليوم يتسقط ويتضايق من التنظيمات القومية المعارضة مع انه باق يقرها ولا تزال شعارا له، فهذا هراء و كصلاة الوثنيين تصدية و مكاء.
كذلك كل موقف من التنظيمات القومية يستند علي منطلقات سياسية بحته يعتبر الي حين فالسياسة مذهبها كالرياح تشّرق تارا وتغرّب اخرى.

وبعيدا عن كل ذلك ومن منطلق تسائلات العامة اريد ان اسئل عما ارى وجوب تبيانه من اصحاب هذا النهج. فعليهم اولا التحلي بالموضوعية وسعة الصدر والشفافية والديمقراطية وايضاح طلاسم كثيرة تطشش الرؤيا من هذا الاتجاه.

ومبعث التشكك والخوف والارتياب من نهج التنظيمات القومية ياتي من تجارب شتى عاشها الارتريون في مراحل مختلفة، انتفضت فيها القومية وتوقدت نارها وطغت علي كل اهتمام سواها ثم حارت كالماء الذي يمزق اوصال الصخور الطينية فتتلاشى سحبا في داخله ثم يركد الماء ليس الا.

فقد اظهرت التجرب القومية فشلها ثلاث مرات في التاريخ الارتري:
الفترة الاولى:
مرحلة تقرير المصير خاصة خمسينيات القرن العشرين فقد تمزقت الكيانات الكبيرة الى بطون بدعوة من المستعمر الانجليزي ونادى كل ٍ الى فصيلته عوضا عن النداء الي الوطن وانتكست ما عرفت بكتلة الاستقلال وعلى راسها الرابطة الاسلامية وتلاشت بلا اثر بل وتلاشت الحرية وتلاشى الوطن “ولم يستبن الارتريون الامر الا ضحى الغدِ”.

الفترة الثانية:
تقسيم البلاد الى مناطق من قبل الثورة اخذا ً بالتجربة الجزائرية من 2/1962-6/1969م فقد كانت هذه الفترة التي عرفت بفترة المناطق تقسيما ديمغرافيا اكثر منها جغرافيا اي كل منطقة كانت تمثل او تعني سكانها فكانت المنطقة تنظيما لا مركزيا من قبائل سكانها تنتسب الي الجبهة وتمثل عبر قيادتها. واظهرت هذه التجربة اخطاء ً جسيمة طفت وبانت اكثر فيما بعد ومازالت تخيم بظلال بركانية علي البلاد. وحمّلناها كأطر قومية او قبيلية اخطاء مرحلتها كاملة وبما يزيد.

الفتر الثالثة:

هي تجربة تنظيم الشعبية الذي تبنى القومية فكرا وممارسة فكانت اسوء من سابقتيها واضيع واضل وهو حال ماثل غني عن التعريف.

وهو ما يحث ويلح بالتسائل:
ما الاطر التي نريد ان تمثلها القومية، حزب سياسي، ام منظمة اجتماعية، ام ادارة اهلية؟ وفي كل واحدة من ذلك ايضا اسئلة.
ومن اين يكون التفويض أن أمثل القومية المعينة،بتوجيه الادارة الاهلية للقومية، ام بتلاقي ثلة من ابنائها عفويا، ام الاستفتاء من فقه المعانات والعمل بالمقدور والمستطاع؟ وايضا هناك اسئلة.

كيف يكون الامر اذا عارض جل ابناء القومية الاطار التنظيمي لها؟
هل للتنظيم القومي تصورا لتواجدها الحالي ام بناءً علي الموروث الجغرافي القديم لتك القومية وكيف يمثل التواجد خارج الاطار القومي وجودا وانتماء ً سياسيا؟.
افيدونا افادكم الله.

اليس سباحة عكس التيار وتغريد خارج السرب في الوقت الذي تأتلف فيه القارات والدول في كنتونات اقتصادية كبيرة نتمزق نحن الى ندف ثلج، ونتحلق كحلق المعاصم، وهل الاميبية داء ام دواء؟.

إن من لا يؤمن بالحقائق ادناه جاهل اجتماعيا بحال الارتريين:
– ما منا الا وينتمي الي كل القوميات الارترية لانها اكثر تداخلا وتواصلا واندماجا.
– ما من قومية الا ولها وجودا متكاملا تراثا وتاريخا وحضارية مما يجعل كل يحترم الاخر.
– الاطر التنظيمية للقومية تشكل حواجزا تمنع التواصل الاجتماعي باريحية طبيعية وصفاء وهو امر مستحيل مما يؤدي سلفا الي فشلها لسلوكها طريقا مسدودا.
– ثم زد ما اصاب الارتريين من سوء حال ومآل الا ودخل اليهم من هذا الباب.

والحقيقة التي يجب تاكيدها واقرارها مبدئيا هي:
– ان التنظيمات القومية لم تولد من فراغ أي ٍ كان مؤسسوها اومكان وسبب تاسيسها.
– إذ لم تبق في ارتريا منطقة لم تنتفض ضد الصلف الذي تتعرض له وما مورس ويمارس من الارهاب السلطوي الذي لا يرعى حرمة للدين اوالارواح او المال او الارض او العرض.
– غياب الصريخ او النصير- إلا الله الذي يمهل ولا يهمل – في الوقت المناسب جعل الشعب في كثير من الانتفاضات يعتمد على وسائله المتاحة والمباشرة، فوئدت جل تلك الانتفاضات، بأن يُفقد لما بقي من الموت من اهل الراي والوجاهة والبصيرة كل أثر، فيرجى عودة الموتى ولا ترجى لهم عوده.
– انشغال كل مجتمع بذاته، وما يئن به من احمال التسلط السلطوي وغياب التناصر لحيلولة السلطة دونها جعل كل ٌ يفقد الامل في نصرة الاخر له عمليا، وبالتالي الاعتماد علي الذات، وربما الحذر من الاخر خوفا لما يُبث من سموم السلطة.
هذه الحقائق وغيرها اعتقد كانت المبعث الفعلي لتكوين التنظيمات القومية وهي في نظري اسباب مشروعة بل هي من اصالة هذا الشعب العنيد المجيد الذي بصبره ومصابرته إنقلب طغيان الجبابرة وهنا وصغارا ً، والحال هنا اشبه بمرحلة المناطق من عمر الثورة الارترية او هي ضمن فقه الضرورات.

ولذلك في اعتقادي مع استصحاب ماسبق يجب تاكيد الحقائق التالية:
– انه لا احد يستطيع عمليا ان يضع القومية في مسارات استراتيجية سياسية وتنظيمية ثابته، فامرها دائما ومآلها طبيعي رباني.
– انها قالب تقليدي مستهلك تاريخيا لا يملك اية مرونة او مطاطية للاتساع لمستلزمات العصر الحديث وبالتالي سيتيه بحثا عن البديهي بدلا من الانطلاق الي الآفاق الواسعة.
– انعكاساته السالبة اوسع واضمن مما يرجى منه ايجابا ورشدا.

او فالنتسائل معا وبلغة السياسة العامة والبسيطة فيمايلي:-
– اليس للقومية انعكاسات سلبية طبيعية تختزن بصواعق مدمرة داخلها ناهيك تعدياً؟.
– اليس النظر للاخر القومي يحددها الميزان الموروث ولا تقيدها ضوابط الديمقراطية والاطر التنظيمية الحديثة؟.
– اليس الانتماء القومي اولى في هذا الاطار من أي انتماء اخر كحال المجتمع الجاهلي للعرب؟، قانونه الثابت قول الشاعر:
وما انا إلا من غزية ٍ إن غوت غويت وان ترشد غزية ارشد ِ

ثم يا اخي القومي ان الخوف لا يبارحنا ابدا والريب والشك مهما طمئننا المطمئنون واكد لنا المؤكدون ونسج لنا الفاهمون، في ظنوننا من ان الشمس التي رسمت ظل الشجرة صباحا سترسمه مساء ً في التوقيت المتطابق بنفس المقاييس في الاتجاه المعاكس، والصورتان المحوريتان سالبا او موجبا ترسمان نقاط احداثيات مشتركة علي اتجاهات المحور المختلفة.
والله المستعان وعليه التكلان.
salehkarrar@gmail.com

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=39734

نشرت بواسطة في ديسمبر 23 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010