الانتلجنسيا الحالمة ، جدلية الدين/القومية والديمقراطية

عبدالرازق كرار

مدخل :

تعتبر هذه المقالة الوجه الآخر ، او الجزء المكمل لمقالة سابقة كنت قد كتبتها بعنوان (إتكاءة على مؤتمر لندن للسلام ..الإنتلجنسيا الناعمة وجدلية الديمقراطية والعنف )(1) ، وذلك لاعتقادي الجازم ان أكبر جدليتين تواجه الديمقراطية في العالم الثالث بوجه عام ، وآمالنا كإرتريين في وطن ديمقراطي هما قضيتى ( العنف من جهة ، والدين والقومية من جهة أخرى )  بيد أننا كإرتريين ينبع تفردنا في أن هاتين الجدليتين أصبحتا من ابرز العوائق او المبررات التي تجعل قطار المعارضة الساعي لإحدث التغيير الديمقراطي في إرتريا يترنح في مسعاه ، إن لم نقل يتراجع ، وهو ما استوجب التعاطي مع هاتين القضيتين بعيداً عن الكسب السياسي الذي يعتبر سؤ تقدير أو حرث في البحر في هذه المرحلة ذلك أن الوطن/ الشعب الارتري في هذه المرحلة يواجه فرضيه  يكون اولا يكون ، ومع هذا فإن الاقرار بتعدد التنظيمات السياسية يستدعي التسليم بوجود التنافس السياسي ، ذلك أن التنافس السياسي او التجاري هو من ابرز سمات الديمقراطية التي تتيح للمواطن/الناخب الخيارات المتعدده بين البرامج والألوان ، وهو ما يعطي المواطن/الناخب القوة التي تحسب لها التنظيمات السياسية / الشركات التجارية الف حساب فتسعى الى التجويد في الاداء ، والتميز في العرض . وإذ تسعى المقالة في مجملها الى لفت التنظيمات السياسية أن ترتب أولوياتها وتوجد لهذه الجدليه مكاناً مناسباً في سلم الأولويات بحيث لا تعيق النضال ضد النظام من أجل إحداث التغيير المطلوب وإيجاد الارضية المناسبة للتنافس السياسي ، لكنها بدرجة اساسيه تتعاطي مع الاسناد الفكري التبريري الذي تسوغه الانتلجنسيا لتجعل من هذه القضية معترك تسخر له إمكاناتها مما يزيد الهوة بين مكونات المعارضة الضعيفة ابتداءاً ، أقول هذا وبين يدي البيان الذي اصدرته منظمة مواطنون من أجل الحقوق الديمقراطية في إرتريا (CDRIE)(2) بخصوص موقفها من مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده في الربع الاخير من هذا العام ، ورغم أن البيان لا جديد فيه إذ أنه موقف متوقع من المنظمة ، غير أن طول البيان ونقاطه العديدة تعطي مؤشراً أن المنظمة لديها من تحاول اقناعه في أطرها الداخلية ، وحتى لا ننصرف عن موضوع المقال فإن ما يعنينا في البيان هو الفقرة (15) التي تتناول قضية التنظيمات على اساس دينى أو وقومي ، وسوف اتقاضي عن الجزء الاخير في الفقرة الذي يجعل خيار هذه التنيظمات في مقابل النظام الدكتاتوري ، وبما أن المؤشر الرئيسي في الفقرة هي كلمة (نعارض) تكون المحصلة أنه في حال المفاضلة بين هذا التنظيمات والنظام ستكون الكفة راجحة للنظام ، وسبب التغاضي هو حسن الظن بالقائمين على المنظمة وان الصياغة بشكلها الحالي ربما سببها رغبتهم الاكيدة في وطن ديمقراطي بعيداً عن معيقات الديمقراطية في نظرهم  ونظر كثير من الليبراليين الذين عاشو ردحاً من الزمان في الغرب.

الدين والقومية في التاريخ الارتري الحديث:-

إبتداءا يجب التنبيه الى ان مصطلحات القومية والتاريخ السياسي الحديث تحتاج الى ضبط علمى وليس هذا هدف المقال ، بقدر ما هو تسليط الضوء على هذه القضايا المتشابكه ، وبالتالي فالمقصود بالقومية هو التكتل المعلن او السري على اساس الروابط العرقية ( العصب ) لتحقيق مكاسب او لتفادي أضرار ، كما أن التاريخ الحديث يقصد به التاريخ السياسي المنظور إبتداءا من فترة تقرير المصير وحتى وقتنا الراهن ، ايضاً يجب ان لا ينصرف ذهن القارئ الى أنه يمكن تتبع أحداث التاريخ في هذه المقاله ، فليس ذلك ايضا من أهداف المقال بقدر ماهو الاستدلال بالاحداث والظواهر التاريخية التي تخدم غرض المقال لإبراز هاتين القضيتين .

لعله من نافله القول أن نشير إلا ان موقع الدين كان حاسماً في فترة تقرير المصير إذ انقسم المجتمع الارتري الذي يتكون في غالبه (3) من مسلمين ومسيحيين الى كتلتين رئيستين ، هما حزب الوحدة ( الاندنت ) المدعوم من الإمبراطور هيلى سلاسي ومعلوم دور الكنسية وقساوستها في تسيير هذا الحزب ، كما ان الدلاله الدينية للإمبراطور هيلى سلاسي لا تخفي على أحد ، وفي المقابل جاءت الرابطة الاسلامية بكل من تحمله من دلالات المبنى والمعني ويقف على قيادتها قادة الختمية في إرتريا . بيد ان الدين الذين اوجد هذه الثنائية لم يكن كافياً لإذابة التناقضات الثانوية الاخري ، إذ برزت القبائلية (القومية ) والاقليميه ( حماسين ، اكلى قزاي ، سراى ، الساحل ) والطبقية ( الشماقلى ، التقري)  كل هذه العوامل لعبت إدواراً بدرجات متفاوته في قولبه وتشكيل هذه المرحلة والنتائج التي أدت لها في خاتمة المطاف ، وعندما أطلق القائد الشهيد حامد إدريس عواتي معلناً بداية الكفاح المسلح ضد المستعمر ، وبدأت الثورة تخط طريقها حتى أخذت هذه العوامل الموغلة في التجذر في المجتمع الارتري تبرز مرة أخرى ، وإذ غاب عامل الدين كمؤثر في الاحداث في السنوات الأولى بإعتبار أن الثورة ومكوناتها في غالبها كانت طائفة واحدة إضافة الى قله العدد ومحدودية المسئوليات ، لكن عامل القومية ( القبائلية ) لم يكن غائباً بعد اربعة اعوام من إنطلاق الثورة وظهور فكرة تقسيم المناطق وإختيار قادتها . كما أن ذات العامل كان بدرجة كبيرة خلف الانشقاقات الاولي في الثورة الارترية ( ابوطياره ، عوبل ) بيد أن التناقض الرئيسي (الدين) برز بصورة لا تقبل اللبس في بيان ( نحن واهدافنا ) ، ولم يشفع للثورة الارترية كل شعارات ونظريات اليسار ( الصراع الطبقي ) المتناقضة مع العوامل الاخري القبائلية ، الاقليمية ، الدين في عصم الساحة الارترية من الانشقاقات المتوالية على اساس تلك العوامل .

ومع خروج  جبهة التحرير عن المسرح العسكري والسياسي ، وخلو الساحة للجبهة الشعبية لتحرير ارتريا التي استندت في تأسيسها على منفستو (نحن وأهدافنا) ، تحسس الطرف الآخر في المعادلة موقعه ، ونسبة لأن الساحة السياسية حمّلت حزب العمل ذو التوجهات اليسارية فشل تجربة الجبهة ، كما أن اليسار بشكل عام بدا تراجعات كبيرة في منتصف الثمانينات مع ظهور البروستريكا ، ولهذا جاء رد الفعل مستندا على عامل الدين ، وكانت المحصلة أن ظهرت حركة الجهاد الاسلامي الارتري بكل ما حملته من زخم في نهاية ثمانينيات القرن الماضي ، وهكذا ظهر الدين كتناقض رئيسي محتوياً كافة التناقضات الاخري .

جاء التحرير/الاستقلال  ومن ثم اصبحت هنالك دولة من جهة ومعارضة / مقاومة  من جهة أخري ، ولما كان أمر الدولة ليس مما يعنينا في تفاصيله كثيراً سنحاول أن نركز على أثر هاذين العاملين في مسيرة المعارضة / المقاومة الارترية .

الدين والقومية في مسيرة المعارضة/المقاومة الارترية :-

يعتبر عقد الثمانيات عقد حاسما في مسيرة الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا ، إذ نجدها في مطلعه قد حسمت أمر تفردها بالساحة الاترية ، فأنها في نهايته حسمت صراعها مع قوى الاحتلال الاثيوبي ، إذ وضح للعيان بعد إنتصارها في جبهة (نادو إذ ) وتحرير افعبت أن قضية تحرير ارتريا هي فقط مسالة وقت لكل قارئي سياسي او عسكري وهذا أعطى الجبهة الشعبية زخماً لا يمكن ان تخطئه عين ، وفي مقابل مشروع الجبهة الشعبية برزت حركة الجهاد الاسلامي الارتري ، مستفيدة من زخم الجهاد في أفغانستان وقواعده ( السلفية / الاخوانية ) الداعمة في الخليج ، وتجربة الجبهة الاسلامية القومية في السودانية التي أعطت شعارات ( الاسلام هو الحل ) بعدا آخر ، غير أن مقومات بقاء الحركة  إضافة للعوامل الخارجية السالفة الذكر هو الظلم الممنهج الذي تجسد في كافة ممارسة الجبهة الشعبية / الحكومة المؤقتة لاحقاً والتي لا يوجد له تفسير غير أنه موجه لطائفة محددة . ومع تجليات بودار الخيبة وانقطاع الامل في ان تتحول الجبهة الشعبية الى مشروع دولة بدأت مكونات جبهة التحرير تبرز من جديد في الساحة الارترية ، وإذ لم تجد جبهة التحرير الارترية  صعوبة كبيرة في التعامل مع التغييرات الدراماتيكية التي حدثت في الساحة الارترية ، فأنه بالمقابل نجد أن المجلس الثوري وجد صعوبة كبيرة في التعاطي مع المكونات الجديدة في الساحة الإرترية ( حركة الجهاد ) وهو الذي يأس من أى تغيّر في منهج الجبهة الشعبية / الحكومة الانتقالية ، خاصة بعد أن أخطر وفد التنيظم وهو في مطار الخرطوم يهم للمغادرة الى اسمرا بأنه غير مرغوب فيه ولا داعي للحضور حينها لم يكن أمامه سوى خيار دخول حلبة المعارضة .

ومع دخول المجلس الثوري ساحة المعارضة ، تبنى طرحاً رافضاً للتعاطي مع حركة الجهاد ، واصفاً اياها بأنها الوجه الآخر للنظام ، وإذا كان النظام طائفي فإن حركة الجهاد تنظيم طائفي آخر ، ولا يمكن رفض الاول وقبول الثاني ، كما أن رفض حركة الجهاد للمجلس الثورى لم يكن أقل حدة من رفض الأول لها ، وإذ ترواح خطابها وفق مدارسها الفكرية في توصيف المجلس الثوري بين الكفر ، والعلمانية ، والشيوعيه وغيرها من الاوصاف التي توجد مبرراً شرعياً لعدم التعاطي مع الآخر .

وقد بدأ الطرفان مراجعات وفق الواقع الذي يفرض عليهم التعاطي وفق قوانينه ، وهكذا نجد أن المجلس الثورى استطاع عبر اغلبية ميكانيكة تحكم أطره في إيجاد المبرر النظري الذي يتيح له التعامل التكتيتكي مع الحركة ، لكن الحال لم يكن يسيرا عند الطرف الاخر الذي يستند في رفضه الى تفسيرات الشرع ، حيث فرض هذا الواقع وغيره من العوامل ليس هنا مكان تفصيلها الى إنشقاق قسم الحركة الى حركتين .

وإذ كان يسير على طرف من حركة الجهاد التعامل بإيجابية مع مكونات المعارضة ليثمر ذلك تحالف لثلاثة تنظيمات (4) نجد أن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للطرف الآخر في الحركة وقد أحتاج الى 5 سنوات أخرى ليتعامل مع هذه المكونات مستخدما تقية ترفع عنه الحرج (5).

إن ظهور مكونات الساحة بشكلها الموصوف أعلاه لم يكن معارضاً أو مقاوماً للحكومة الارترية المؤقتة/الانتقالية ، ولكنه كان معارضا للجبهة الشعبية التي أنجزت مشروع الاستقلال ، فمكونات الجبهة على خلاف متجدد مع الجبهة الشعبية ، كما أن حركة الجهاد في غالب مبرراتها العفوية كانت رد فعل على إستفزازات الجبهة الشعبية (6) ، ولأن الجبهة الشعبية لم تعتبر منفستو (نحن وأهدافنا ) خطابا مرحليا اقتضه مرحلة محددة في التاريخ الارتري ، بل لا زال يحكم غالب تصرفات قيادتها وبرامجها ، لم تجد حركة الجهاد غضاضة في كسب الانصار ودوافع الاستمرار ، غير أن ظهور الدولة كواقع على الساحة واعتبارها مسئولة عن التوزيع العادل للثروة ، وفرص الحكم ، والتصرف بالأرض  ، دفع بأطراف أخرى الى المعارضة ، هذا الاطراف جاءت هذه المرة مستندة الى الروابط الاثنية ( العرق المشترك ، والارض الواحدة ) كما لايمكن إغفال العوامل الخارجية  في هذه المرحلة حيث  برز النموذج الاثيوبي الذي يرتكز على حكم القوميات كمقاربة للحل بالنسبة للبعض ، أيضاً بعد الحرب الارترية الاثيوبية 1998-2000م وجدت المعارضة الارترية تشجيعاً من الطرف الاثيوبي في إطار معادلات الصراع بين النظامين  ، كما أن الاتهامات بتفضيل الحكومة الاثيوبية للتنظيمات القومية له ما يبرره بحكم طبيعة هذه التنيظمات وتداخلاتها مع اثيوبيا في روابط الارض والعرق ، يضاف الى ذلك أن هذه التنظيمات ترى في المثال الاثيوبي  نموذجاً لتجاوز المظالم التي تتعرض لها من قبل النظام ، وهكذا يزداد الوضع الارتري تعقيدا على تعقيداته التاريخية والظرفية .

تجمع القوى الوطنية الارترية/التحالف الوطني الارتري :-

يعتبر ميلاد التحالف بمحطاته العديدة ، تجمع القوى الوطنية الارترية في 1999م ,والتحالف في 2002 ثم التحالف الديمقرايطي الارتري مرحلة تعبر عن نضج كبير في فهم وتعاطى القوى السياسية الارترية المعارضة ولعل ابرز مؤشرات تلك المراجعات التي تمت في فكر القوى يتمثل في التقاء اليمين واليسار الارتري (إن صح المصطلح ) والتحالف للعمل سويا ، كما أن فكرة العمل المشترك في إطار التحالف في حد ذاته تعتبر فكرة متقدمة ، حيث تعنى ضمناً القبول بالاخر وهو أهم مبادئي الديمقراطية ، أيضاً التوافق على ميثاق وطنى يعنى التفريق بين القضايا الكلية التي تعنى الجميع وبين الكسب التنظيمي ،  وكما ذكر سابقاً فإن التحالف لم يكن قاصراً على قوى المعارضة الرافضة للجبهة الشعبية قبل التحرير فقط بل ايضا القوى التي نشأت معارضة للدولة وآلياتها في رفع الظلم والتوزيع العادل للثروة والسلطة اى التنيظمات القومية ، و بعض القوى الحديثة مثل جماعة مبادرة التي جرب معظم افرادها العمل مع الدولة الوليده ولكنهم أدركوا أن هذه الدولة لا تمثلهم  فاصطفوا  في صف المعارضة .

تعامل التحالف الوطني الديمقرايطي مع قضية الدين والقومية عبر فقرات واضحة في ميثاقه السياسي ، وهى الفقرات (4 و5) والتي جاء النص عليهم على النحو التالي :-

4/ إقرار مبدأ حرية المعتقدات أيا كانت وحرية العبادة والحريات العامة والفردية والإقرار بالتنوع الثقافي والديني والقومي وبحق القوميات في إقرار قضاياها بنفسها على أساس من المساواة والاحترام المتبادل مع إعتبار المواطنة أساس الحقوق والواجبات.

5/ يحق للمسلمين تطبيق شريعتهم على شئون حياتهم ، كما يحق للمسيحيين تطبيق تعاليم دينهم وأعرافهم وكذلك يحق للمعتقدات الدينية الأخرى في ظل الدستور الإرتري الواحد .

غير أن الجدل الذي شغل ساحة المعارضة الارترية لم يبرز بشكل واضح في المؤتمر الذي أجاز الميثاق ، ولكن واجهت الاجتماع مشكلة اختيار القيادة التنفيذية ، وهو ما أدى الى خروج المجلس الثوري من التحالف في نهاية المطاف الى إنشقاقه ، واصبح احد أطراف المجلس عضواً بالتحالف بينما ظل الطرف الآخر خارجه ، وفي هذه الظروف ظهرت التنظيمات القادمة من داخل إرتريا فيما عرف بمحموعة (15) ، الحزب الديمقرايطي لاحقاً ، كما تكونت تنظيمات أخرى مثل الحركة الشعبية والحركة الفيدرالية ، وبذا اصبحت هنالك تنظيمات خارج التحالف لا تمانع في الانضمام له ولكنها تشترط تعديل ميثاقه ، وللحقيقة أن تعديل الميثاق الذي تركز بدرجة اساسيه في الفقرتين (4،5) وجد مناصرة من داخل بعض القوى في التحالف بإعتبار أن ما ورد في الفقرتين لايمثل قاسما مشتركاً لكافة القوى ، بل يمكن ان يعتبر برنامح الحد الأعلى للتنظيمات القائمة على اساس دينى او قومي وقد اخذ هذا الجدل ما يقارب الـ 5 سنوات . ليتم تعديل الفقرات في ميثاق 2007م على النحو التالي:-

5. الإقرار بالتعدد الديني والثقافي والقومي وتأكيد احترام هذا التنوع بغية ترجمة مضامين الحقوق الاساسية التي نصت عليها المواثيق الدولية على أرض الواقع .

6. الإقرار بكافة الحقوق التي نصت عليها المواثيق الدولية في شأن حقوق الإنسان ومنها : حرية الاعتقاد ، والعبادة ، والرأي والتعبير والتنظيم ، والتملك والحريات الشخصية

7. اعتبار الدين والثقافة والقومية مكونات أساسية من هوية الشعب الإرتري ووجدانه الجمعي ، وتبعاً لذلك حماية كافة الحقوق الدينية والسياسية والاجتماعية لكافة فئات الشعب الإرتري بمختلف معتقداته الدينية .

8. حماية واحترام الحق المبدئ والحرية المطلقة في ان يتبنى أي تنظيم أو حزب إرتري البرنامج السياسي الذي يراه صالحاً للحكم توطئة لإقناع الشعب به .

من خلال هذا التتبع نجد أن القوى السياسية لم يكن يعوزها الفهم للتعاطي مع قضيتى الدين والقومية ، ولكن هذه القضية كانت تثار عندما تحدث أزمة  في التنافس على موقع القيادة لتبرر بها القوى السياسية المتدابرة مواقفها وتعطى خروجها من التحالف أو شروط دخولها في التحالف شرعية أكبر من رغبتها في قيادته .ولنكن أكثر صراحة كيف يبرر تنظيم قبوله العمل في التحالف مع وجود التنظيمات القومية والدينية ثم فجأة يتذكر أن وجود هذه التنظيمات معيق للديمقراطية من دون متغير حقيقي في الساحة الإرترية ، أى بمعنى ليس هنالك ما يجعل وجود هذه التنظيمات قبل خمسة أعوام مشروعاً ، ثم يحاول البعض نزع الشرعية عنها من دون أن تنتفي او تتم معالجة اسباب وجودها المتمثلة في المظالم الممنهجة للنظام التي لا تقبل غير تفسير طائفي او قومي ، ويبقى أخيراً الاتهام للخارج بصناعة هذه التنيظيمات كمسبب لرفضها أيضاً غير مقبول ليس لأنه ليس يقينى وحسب بل لأن الخارج لا يمكن أن يصنع شئ من العدم ما لم تكن الظروف مواتية ، وهذه الظروف التي خلقتها سياسة النظام في الداخل مما لا تحتاج الى شرح كثير .

الدين والقومية في ملتقى الحوار الوطني:-

أكاد أجزم أنه لم يتوفر منبر جامع في التاريخ الارتري الحديث تمت فيه مناقشة قضيتى الدين والقومية في إطار الوحدة الوطنية كما حدث في ملتقى الحوار الوطني الذي أنعقد في يوليو- اغسطس من العام الماضي ، وللحقيقة كان الموضوع قد اثير بعمق في مؤتمر التحالف 2007م الذي أجيز فيه ميثاقه الحالي بالمواد الواردة أعلاه ، ولكن لجهة العدد ، والتمثيل ، والتنوع فإن ملتقى الحوار كان الساحة التي شهدت نقاشاً جدياً في هذه القضية التي تتعلق بصميم موضوع الوحدة الوطنية ، وكما يقرر خبراء الاتصال في علمية خلق الاتصال الفعال ، فإن خلق التواصل الناجح لا يعنى فقط المقدرة على الكلام وبناء الحجج ، ولكن أيضا يتوقف على الاستماع الفعال ، ودرجة الاستماع تنقسم الى خمسة أنواع وهي ( المتجاهل ، الانتقائي ،المكثرث ، الفعال ، المتعاطف ) (Ignoring, Selective, Tentative, Active, Sympathetic) والأخير هو أكثرها فعالية وتاثيراً ، وهو الاستماع بأن تضع نفسك في مكان  الآخر ، وعليه يمكن أن اقول أن الأخير هو الذي جعل التعاطي مع قضيتى الدين والقومية في ملتقى الحوار واحدة من العلامات الفارغة ، وبغض النظر عن المخرجات المكتوبة عما إذا كانت تعكس ماحدث على أرض الواقع أم لا ، ولكن التأثير والتفاهم الذي حدث من خلال التعمق في تناول هاتين القضيتين سيكون له أثره في المستقبل القريب ، ولأن القضيتين اثيرتا أثناء مناقشة ورقة  ورقة الوحدة الوطنية اجد من المفيد ايراد تفسير الورقة لمبررات نشأة وإستمرار التنظيمات الدينية التي عزتها لسببين جوهريين هما :-

أ/ المظالم الحقيقة التي تسبب فيها النظام بدرجة تجعل مقاومتها تحت أي شعار حقاً مشروعا ومبررا ، خاصة وأن المظالم التي تسبب فيها النظام لا يمكن تفسيرها إلا على أساس الدين أو القومية ، حيث استهدفت قطاعات معينة ، ومن الطبيعي أن تقاوم تلك القطاعات مستنهضة الرابطة التي تم على أساسها الاستهداف ،  وكما هو معلوم فإن التعبئة والحشد تحت هذه الشعارات التي تحمل أبعادا عاطفية تجد تجاوبا كبيرا عند العامة من الجماهير.

ب/ أن التنظيمات التي تحمل الطابع الوطني فشلت في أن تجيب على التساؤلات التي قامت على أساسها هذه التنظيمات ذات الطابع الديني أو القومي ، أو لم تستطيع أن تنزع مخاوفها وقلقها من تكرار تجربة النظام الدكتاتوري فيما يتعلق بالحقوق الأساسية التي تتعلق بالأرض والدين والثقافة وهي حقوق تتجاوز صناديق الاقتراع وتحتاج أن تثبت في الدستور بحيث تكون حقوق لا تقبل المساومة وفق المزاج الانتخابي .

وعليه مالم تحدث تغييرات جوهرية في هذه الاسباب فإن هذه التنظيمات تظل واقعا يجب التعاطي معه ، وللساحة السياسة الخيارات أما ان تختار التعاطي الايجابي فتستفيد من هذه القوى ، بجماهيرها ودوافع وجودها في تسريع اسقاط النظام ومن ثم ترك الخيار للشعب ليحدد ما الذي يريد ، أو ان تختار الخيار السلبي وهو الاستعلائية والتشكيك وهو ما سوف  يطيل عمر النظام دون شك ، كما أنه لن يلغي هذه التنظيمات لأن مقومات بقائها موجودة ، وحوافز استمراريتها داخلياً وخارجيا ً تتجدد يوماُ بعد يوم ، كما أن المنطق يقول إذا قبلت هذه التنظيمات مواجهة تحدي نظام الجبهة الشعبية بكل إمكانياته وجبروته فلن تعوزها الحيلة في مواجهة تنظيمات او منظمات في المعارضة هى مثلها او أقل حيلة واضعف كسباً .

الانتلجنسيا وقضية الدين/  القومية :-

تكمن أزمة الانتلجنسيا لدينا في أنها تعيش في عالم من صنع ذاتها لا يتقاطع والواقع إلا ما ندر ، ولكن أن تعيش في عالم من صنع أحلامك أو اوهامك ليس بالأمر السئ إذا كنت مستعدا أن تسعى جاهدا لتحقق هذا الحلم على أرض الواقع ، أما وقد أختارت الانتلجنسيا الخيار السلبي بدلاً من التعاطي الايجابي ، تكون المحصلة أن الشقة بينها وبين الجماهير التي تعتمد الفطرة تتسع يوماً بعد يوم ، وكما أسلفت في المقالة السابقة عن الانتلجنسيا الناعمة التي ترغب في تغيير النظام من خلال الحوار او النضال السلمى من غير أن ترفد الساحة الفكرية بنظرية يمكن تنزيلها على واقعنا غير إجترار الامنيات ، نجدها أيضاً بذات المنطق تحلم بوطن ديمقراطي تقوم العلاقات الرأسية فيه والافقية على غرار المجتمعات المدنية ذات العلاقات الوظيفية ، وللحقيقة الحلم بوطن ديمقراطي على غرار الديمقراطيات الحديثة بنماذجها المتعددة هو طموح مشروع ، ولكن هذا الطموح يحتاج الى عمل دؤوب يبدأ من تحديث المجتمع من خلال الانتقال الاختياري وهذا يقوم على مبدأ كسب الثقة وترجيح المصلحة في الخيار الديمقراطي المرتجي ، غير أن الذي يحدث في ساحتنا لا يمت الى هذا بصلة ، واقل ما يقال عنه أنه نخبتنا تعاني كسلا يمنعها من العصف الذهني فلتجأ الى بروجها العاجية لترفض هذا وتدين ذاك من غير ان تساهم في تحديث الذي ترفضه أو أقناع الذي ترفضه بتغيير منهجه أو وسيلته . وكما اسلفت فإن عملية التواصل الناجح لا تعنى أن تجوّد ما تقول ولكن أيضا تحتاج الى فضيلة الاستماع ، وهو ما تفتقده الانتلجنسيا في واقعنا . أن قضية الدين والقومية في عالم اليوم أعقد بكثير من أن تتمنى عدم وجودها او تتبنى معارضتها كما نص بيان منظمة سدري ، فالتداخل بين الديمقراطية كمعبرة عن رغبات الشعوب ، وبين تأصل هذه القيم في وجدان الشعوب مما يجعلها عامل جوهريا في  تشكيل رغباتها في الاختيار هو مثار جدل لا ينتهى في عالم الاكاديميا السياسية والاجتماعية ، ولكن في عالم السياسة الذي يتعاطي مع الواقع اليومي الصورة تختلف فليس هنالك مجال للإنتظار حتى تتشكل النظريات السياسية ، فالسياسة هي فن الممكن ودعني هنا أورد فقرة من خطاب الرئيس الامريكي باراك أوباما الاخير عن الشرق الاوسط إذا يقول

(Indeed, one of the broader lessons to be drawn from this period is that sectarian divides need not lead to conflict. In Iraq, we see the promise of a multiethnic, multi-sectarian democracy.)(7)

( الواقع ان واحدة من اكبر الدورس التي يمكن استخلاصها في هذه المرحلة أن الانقسامات الطائفية ليست بالضرورة مؤدية الى العنف ، وفي العراق نجد أن الديمقراطية واعدة جدا رغم أنها ديمقراطية متعددة الاعراق  متعددة الطوائف ) (ترجمة غير رسمية).

ولا تتوقف المفاجأت عند كلمة أوباما حيث سيجد الكثيرون أن كلام أوباما قد يكون للإستهلاك السياسي كما أن نموذج العراق ربما ليس مما يتشجع المرء أن يجعله نموذجاً يتحذي به ، ولكن تبقى الحقيقة أن ذلك هو واقع العراق ، ولا يمكن تجاوز الواقع إلا من خلال عمل طويل وشاق يستند الى الواقعية وليس الإ الاحلام والرغبات . على كل لأن موضوعنا هو تداخل الدين والقومية في عالمنا ، نستدل بالمقالة التي كتبها الصحفي (Boby Ghosh) في مجلة التايم في مقالته بعنوان (8)(Why Muslims Brotherhood Are Egypt’s Best Democrats)   لماذ الاخوان المسلمون أفضل الديمقراطيين في مصر ، وبالتأكيد العنوان في حد ذاته مستفر لكثير من الانتلجنسيا التي لن تقبل فرضية أن تعايش الدين والقومية والديمقراطية ، ولكن المقال يحلل الاوضاع في مصر بعد الثورة ، ويستشهد ببعض ما حدث في العراق ، وكيف أن الجماعات والاحزاب الدينية مثل حزب الدعوة في العراق استطاع في فترة وجيزة بعد الاطاحة بصدام حسين من توفيق أوضاعهم لمسايرة الخيارات الديمقراطية ، وكيف أنهم طرحوا شعارات تجعلهم يخاطبون حاجات ورغبات الجماهير واستطاعوا كسب الاصوات بينما الذين عاشوا فترات طويلة في الغرب أمثال اياد علاوي ، واحمد جلبي كانوا يتوقعون أن يعطيهم الشعب أصواته لمجرد أنهم ليبراليون ، ولم يفهموا لغة التحالفات ، وقد أحتاج اياد علاوي حوالى 7 سنوات ليفهم الدرس ويرتب أوضاعه من جديد ، والحال في مصر ليس ببعيد إذا ظلت تحالفات الثورة ، والاحزاب الليبرالية والعلمانية في توهان كامل بعد الثورة بالمقابل نجد أن الاخوان المسلمون أثبتوا أنهم الاقدر فهما على التعايش مع الخيار الديمقراطي من خلال ترتيب أوراقهم بسرعة ، ورغم أن موعد الاستفتاء على تعديل الدستور ، والانتخابات النيابية قد اعلنت باكرا نجد أن الاحزاب الليبرالية وتحالفات الثورة ورجال بخبرة البراداعي الذي أمضى حياته في الغرب ينهل من ديمقراطيتها لم يفهم الذي يجرى بينما الاخوان المسلمون قاموا بحملات ناجحة وكسبوا الجولة الاولى في معركة الاستفتاء ، كما أنهم اعلنوا صراحة أنهم لا يرغبون في حكم مصر ومستعدون للتحالف مع كافة التيارات الاخري ، بينما الليبراليون يطالبون بالغاء نتيجة الاستفتاء الذي هو عمل لا يمت الى الديمقراطية بصلة .

هذا يجلعنا نتساءل متى سوف تتعلم الانتلجنسيا لدينا المفارقة بين الواقع والوهم ، فقضية الدين والقومية ، والتنظيمات التي قامت على اساسها ضاربة الجذور في قواعدها الاجتماعية ، كما أن مطالبها أصيلة جدا ، ولا يمكن تجاوز هذا الواقع إلا بمعالجة القضايا التي تسببت في ظهورها على الساحة ، وهذا يدفعنا الى التساؤل ، هل تدرك الانتلجنسيا وهى تتحدث عن رفضها لهذه المشاريع او هذه التنظيمات ، أن ذات التنظيمات تؤمن في برامجها التنظمية او على مستوى التحالف بالدولة المدنية ، وانها ليست مشروع حكم بصيغتها الحالية ولكنها مشروع حقوق لا يمكن التنازل عنها ، أن الخطاب التبسيطي الذي يكون شعاره الرفض ( الكرت الاحمر ) هو هروب وليس معالجة ، وكما يقول علماء الشرع الاسلامي فإن فقه التشدد والتحريم يقدر عليه الكل فما ايسر ان تقول هذا باطل وهذا حرام ، ولكن الفقيه هو من يجتهد ليعالج قضايا الواقع وفق عوامل الزمان والمكان .

ملاحظة أخيرة تتعلق بفقه الزمان وهو أن الانتلجنسا في خطابها التبسيطي الكسول لا تستطيع أن تميز او لا تريد أن تميز بين مرحلة النضال من أجل الحقوق المسلوبة  بواسطة النظام في إرتريا ، وبين مرحلة بناء الدولة الدستورية والتنافس بين مكوناتها في الحكم وإدراة البلاد بعد تثبيت الحقوق ، ولعله من المفيد هنا ان أذكر درس تعلمته كما تعلم أوباما الدرس من العراق ، وهذا الدرس كان إبان جلسات ملتقى الحوار الوطني ، وكنت في الورشة رقم (3) وكان الحديث عن اختصاص المفوضية ، واخذت الفرصة وقدمت مرافعة جميلة عن أهمية وضع الضوابط والمعايير للتنظيمات السياسية التي يتوقع أن تشارك في مؤتمر الحوار القادم ، وكنت أرى الاستحسان في عيون الحضور مما يزيد حماسي في المرافعة وما أن أنهيت مرافعتى حتى نهض أحد الاخوة ، وقال بأختصار هذا الذي سمعناه كلام جميل ، ولكن نحن تعرضنا للظلم من قبل هذا النظام ، وسوف نناضل ضده وسوف أكون تنيظما أو منظمة حتى لو كنت انا وزوجتى وطفلى ، وسوف احارب هذا النظام بلا هوداه لأن محاربته تعطينى كينونتى واحترامي لنفسي ، من الذي يملك الشرعية ليقول لى يجب ان لا تحارب النظام حتى تستوفي الشروط المعينة ، من الذي يملك هذا الحق ، وإذا وضعت المفوضية جهدى وجهد غيري في مكان واحد هذا يوحد الجهود ، أما اذا استغنت المفوضية عن جهدى فهذا لا يمنعنى من النضال ضد هذا النظام ولن أطلب شرعية أو ثمناً لنضالي من أحد فشعاري هو أما حقوقي أو الموت دونه ، كلام الرجل كان افصح من هذا التلخيص ، ولأكن صادقا لقد شعرت بالتواضع وربما الخجل ، ليس لأن في كلامي ما يعيب ، ولكن لأن التمييز بين المراحل مطلوب ، مرحلة النضال ضد الدكتاتورية تحكمها معايير مختلفة من مرحلة التنافس الديمقراطي بما فيها المعايير المطلوبة للإحزاب والتنظيمات ، وذلك ببساطة لأن الاولى بها مغارم والثانية مغانم . كما ان التمييز بين قيادة تنظيم مقاوم وبين السلطة في دولة لها مالها من الابهة الوصولجان مطلوب ايضاً ، فالمعارضة يجب أن تتسع للجميع ، كما ان الدولة التي نسعى لها ان تتسع للجميع ونترك قضية من يحكم ومن يمثل الحاكم لخيار الشعب طالما جميعنا نناضل من أجل وطني ديمقراطي .

للتواصل مع الكاتب : razig2002@yahoo.com

الهوامش :-

1/ المقال الاول تجده على الرابط : http://adoulis.com/details.php?rsnType=1&id=2502

2/ بيان منظمة (CDRIE)على الرابط : http://eritreanow.net/about-eritrea/documents/584-2011-06-29-02-57-59.html

3/ يشكل معتنقوا الاسلام والمسيحية غالبية الشعب الإرتري ولكن توجد معتقدات أخرى في إرتريا .

4/ شكلت جبهة التحرير الارترية ، وجبهة التحرير الارترية – المجلس الوطني و حركة الجهاد الاسلامي الإرتري جناح الشيخ عرفه محمد احمد ما عرف بالتحالف الوطني الارتري في عام 1996م.

5/ إستخدمت حركة الجهاد جناح ابوسهيل ولا تزال إسم (المؤتمر الشعبي) بدلاً عن اسم الحركة في التحالف.

6/ رغم أن بعض مكونات حركة الجهاد الاسلامي الارتري تكونت كحركات تصحيحة لتجربة الجبهة مثل منظمة الرواد إلا أن بعض مكونات الحركة مثل اللجنة الإسلامية الشعبية للدفاع عن المستضعفين الإرتريين ولجنة الوفاق الإسلامي الأرتري بمنطقة سمسم نشأت كرد فعل على ممارسات الجبهة الشعبية.

7/ لقراءة نص كلمة الرئيس الامريكي باراك اوباما حول الشرق الاوسط يمكن الرجوع الى الرابط : http://www.guardian.co.uk/world/2011/may/19/barack-obama-speech-middle-east

8/ للوقوف على مقال الصحفي بوب قوش الرجوع الى الرابط: http://globalspin.blogs.time.com/2011/06/21/why-the-muslim-brotherhood-are-egypts-best-democrats/

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=16194

نشرت بواسطة في يوليو 10 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010