الاٍسـتقـلال والاٍسـتغـلال

بأيهمـا سـيحتفـل شـعبنـا المستغـل، فى الـرابـع والعشـرون مـن مايـو !!؟

 

عـاد طفلنـا الحـبيب ,, مايـو،، اٍبن الثالـث عشـر والفـرحة لم تكتمـل بعـد، عـاد الحـبيب محمـولا فى مهـده فالأرجـل مازالت لـدنة بـل مائـعة حـيث لا عـلاقة مابـين العمـر والشـكل وبينهمـا الغاية والمضمـون، عـاد االحـبيب واليتـٌم مازال قـرينه، عـاد طفـل الخامـس عشـر عابـس الوجه مغمـض العيـنين، فـلا العـين تـرى ولا الاذن تسـمـع ولا القلـب ينبض اٍلاّ بصعوبـة بالغة، جـاء مـن جـديـد مهمومـا ينـوء بحمله الثقيـل الـذى حمله قبـل الـوقت والأوان، ورغـم حـداثة عمـره طالـبه البعض ان يشـاركهم التـدليـس والغـش وممارسـة الـذل والهـوان، ولـكن طفلنـا العنيـد رفض الطلـب الغـريب وأصـيب باٍكتئـاب شـديـد مـن اثـر الصـدمة وغـرابة الطلـب اللعـين، وتطـور الامـر الى حالة فقـد الحـواس الخمس، ومنـذ ذلك اليـوم تعـودت عيـونه المغلقة دومـا على البكاء مـن غيـر دمـع يسـيل او نواحـا وعويـل، وفى عيـد ميـلاده الـرابـع عشــر حـاول ان يقـول شـيئـا وهـو مغمـض العيـنين وألجـن اللسـان، حتى نعـمة السـمـع تأثـرت منـذ تـلك الصـدمة اللعـينة، وطبلـة الاذن فارقهـا الاٍهـتـزاز منـذ كان عمـره عامـان، لـكنه حـاول ان يقـول شـيئـا مـا رغم مابه مـن الهـزال وسـوء الحـال ونكبـات الـدهـر وفقـد الآبـاء ومـرض امه الحنـون، ولــكن المحاولة بـاءت بالفشـل عنـدمـا تلعثـم اللسـان وأدمعـت العينـان، فـلا (الألـف) أصبـحـت ألفـا، ولا (الغـين) بـانت للعيـان، و(اليـاء) ضـاعـت فى زحـمة خـلاف المشـائخ والـرهبـان، و(الثـاء) تثائـبت ونامـت نـوم المتعـب الكسلان، و(الـواو) فقـد مابـين الشـفاه واللسان، و(النـون) صمـدت كالطـود كأنهـا تحمـل صولجـان الشـعب بعـز وعنفـوان، فهـى حـرف حلـف به الـرحمـن خالـق الاٍنـس والجـان، والنجـدة غـابت ولم تـأتى حتى اللحظة لـتلحـق (اليـاء) الأعـرج/ المعـرج بنونه اٍكـرامـا للشـهـداء وتلـبية لطلـب شـعب ظـل غاضـبـا منـذ كان عمـر الطفـل سـنتـان، وبعـد بـذل جهـد مضنى وتجميـع الأطبـاء وضـاربة الـودع والـرمالى والشـيوخ والشـباب وكل أطيـاف الشـعب والألـوان ـ أتضـح ان حبيبنـا (مايــو) اراد ان يقـول ,, أغيثـونى  ياحبـان ،، .. وعنـدمـا لم يفهم ماقـال عـاوده البـكاء مـن جـديـد حتى تورمـت العـينان وراح الحـبيب مـن غيظه فى غـفوة نـوم لا ترضى حبيبـا ولا تسـر البـال، وقـال الشـيوخ أتـركوه ـ لعلهـا نـومة متعـب عـاد تـوا مـن المـرعى او الـزرع والبسـتان، او لعله اٍسـتيـاء ختم بغيبـوبة مـردهـا معـانـاة الـوطن والاٍنسـان .. وقـال آخـر لـمّ لا والحـال أصبـح أرزل حـال، حينئـذ سـمـع الحضـور همهمة آتـية عبـر النوافّـذ المغلقة والابـواب الصـدءة التى أجتمعـا لتخـريبهـا زوج الأم والـزمـان، فالنـرى مـن يـقف هنـاك بالبـاب، وبعـد جهـد متكاسـل ممـن يوجـد بالـداخـل ودفـع قـوى ممـن يـقف خـلف البـاب فتـح البـاب الصـدء، بعـد ان تفـتت الى قطـع مهتـرءة تـكاد تبكى غيـظـا ممـا فعـل بهـا الـزمـان، لـو لم تـكن قطـع جمـاد لقلنـا انهـا أشـلاء اٍنسـان تـكالـبت علـيه اجهـزة الحاكم والـزمـان، فى تـلك اللحـظة دخلـوا مـن كانـوا يقفـون خـلف البـاب، فطـارت ألبـاب وتحشـرجت أصـوات والبعض وقـع مغشـيـا عليه على بقايـا الـذى كان يسمى قبـل قـدومهم بـاب، ودخـلت أشـعة الشـمـس ولـفحة هـواء نقى مـلأ  صـدر طفلنا العليـل (مايـو) فتنفـس الصـعـداء، والخفافيـش أفـزعهـا الضـوء فسـقطت أرضـا ومـن لم يسـقط منهم طأطـأ رأسـه واضعـا يـديه على وجهه، ودنى مـن الأرض يلثـمه مثلمـا يفعـل دجـاج الحي عنـدمـا تـأتى الصقـور لا الغـربـان، ولـم  ينطـقـوا مـن بعـدهـا بحـرف أخـرص او كـلام ، تقـدم الحـداة رويـدا رويـدا ولـكن بشـمم وكبـريـاء وعنفـوان، كان فى المقـدمة الشـيوخ أبـراهيم سـلطـان علي وعبـد القـادر محمـد صـالح كبيـرى ومـن خلفهم المجمـوعة المؤسـسـة اٍدريـس محمـد آدم / عثمـان صالح سـبى / اٍدريـس عثمـان قـلايـدوس ومحمـد صـالح حمـد والشـيخ محمـد داوود والصقـر حامـد اٍدريـس عـواتى الـذى كان يحمـل حـربة وبنـدقية وسـيفـا بلسـانان، قالـوا بصـوت متـزامـن مملـوء بالثـقة والـرجولة والكبـريـاء، دعــوا (مايـو) ينـام كيفمـا شـاء، فقـد مـات والـده يـوم ميـلاده والام الحنـون مـازالـت طـريحة الفـراش، بعـد ان قامـت بـرعايته وحمايته فى البـدء، وعنـدمـا همـت ان تـرضعه حلـيبـا دافئـا وحنـان اٍمومة صـادقة مـن صـدرهـا الحنـون، منعهـا الـزوج الـذى لـم يـدخـل بهـا وتوعـدهــا بقـتله اذا أرضعـته فى غيـابه، فهـو يعــرف ان (مايـو) ليـس اٍبنه ولا هـو والـده وبحـبه هيمـان ولـكن الحفـاظ على السـلطة فـرض علـيه التـريث والكتمـان، فقـد حـال بينهـا وبـين رغبتهـا الـربانـية التى فـرضهـا الله وباركهـا الـرسـل والانبيـاء وأقـرهـا الاٍنسـان، فتمهلـت الأيـام لعـلهـا تنجـو باٍبنهـا الحـبيب لينمـو ويتـرعـرع فى كنـف أعمـامه وبـين اهـله وذويه، ولـكن زوجهـا الاٍسـمى كان أصمـا لا يسـمـع ولا يـرى الاّ مايقـول ويفعـل، ممـا ادى ذلك الى ضمـور الطفـل وتـرهــل عضـلاته، وكلمـا زاد عمـره عامـا سـاءت حـالته حتى وصـل الى هـذا العمـر وهـو زاهـد فى الـدنيـا مالم يـأتى لنجـدته الاخـوال والاعمـام، فهـو الآن أخـرس لا يسـمـع، وأبـكم لا يتـكلم، وكسـيح مقعـد لا يحسـن الحـراك، وعنـدمـا هـمّ بالمنـاداة لطـلب النجـدة لم يجـد مـن يسـمعه، لأن هـؤلاء أعـداءه وســبب همه وتعاسـته، والقـوم هنـاك يتعاركـون ويتفاصلـون ويتنـادون ثم يتبعثـرون مـن جـديـد، يتحـدثـون عـن الحـرية ويغيبـون العـدل، يتسـابقـون على تـرديـد كلمة الـديمقـراطـية الجوفـاء ومعـرفة انواعهـا ومنشـأهـا، وفى ذات الوقـت يقيـدونهـا بالحجـر على شـريعة القـوم ونفى فصائـل ذات صـلة وثـيقة باٍتجاهـات جغـرافية مـن حقهـا ان تحمـل أسـمائهـا وفـق مفهـوم الـديمقـراطية ومنطوقهـا الـذى يسـنـده القانـون والعـرف العـام، يتحـدثـون باٍسـم الشـعب ويتناسـون ان الشـعب يحمـل ثقافـتين ويـدين بعقيـدتـين بـل أكثـر، وينكـرون ان لـكل فـئة مـن هـذا المـكون شـريعة ولسـان وعـادات وتقاليـد، فالويـل الويـل لهـذا الشـعب البطـل وهـذا الوليـد الـذى جـاء صحيحـا ثـم أضحى كسـيحـا، اذا ظـل الحـال متأرجحـا مابـين زوج الأم التى مازالـت طـريحة الفـراش مـن أثـر فعـله الظـالم، وبـين اولئـك الـذين يتحـدثـون عـن جـدوى الـديمقـراطـية وأهميتهـا وهم يخيطـون أكفانهـا بخـلافاتهم غيـر المبـررة ونكـرانهم للـذى كان، فأبلغـوا وصايانـا هـذه لاولئـك الـذين يتحاجـون مـا اذا كانت قـد خلقـت البيضة اولا ام الـدجاجة، قولـوا لهم أتـركوا الحجج لمـن يـريـد ان يتسـلى بهـا دهـرا وراء دهـر ولا تطلبـوا المستحيـل او مـن المـيت كـفن، أمـا الاصـحـاء فاليواصلـوا مهامهم الوطـنية بمـن يتبعهم حتى يتمكنـوا مـن اٍنقـاذ الأم واٍبنهـا وصـون التحـريـر والاسـتقـلال مـن اجـل اٍسـعـاد الاٍنسـان ـ الاٍنسـان ولا شـيئ غيـر الاٍنسـان، فالـذى يبـدو لـكم قويـا ضعـيف فى داخله وخارجه وهنـاك آلاف مؤلـفة تتمنى زواله، ولكنهـا سـوف لا تحـرك سـاكنـا حتى يـروكم تتحـركون بخطى واثـقة متماسـكة، فالحقيـقة لا تعيـش الاّ فى الضـوء ولا  تعـرف الآ مـن يعـرفهـا ويمارسـهـا نهـارا تحـت ضـوء الشـمـس لا القمـر، قولـوا لهم هـذه الكلمـات دون اٍضـافة أو تغييـر ونقصـان، أنقلـوا هـذه الكلمات منـا لمـن تـركنـا الأمـر بيـدهم بعـد ان عاهـدنـا على المضى قـدمـا نحـو أهـدافنـا الوطنـية الأصيـلة، وذكـروهم بـذلك العهـد القـديم المتجـدد الـذى يجـب ان لا ينقض او يسـتبـدل بالفـاظ ملهـا الاٍٍنسـان والحيـوان، قولـوا لهم أنقـذوا الام واٍبنهـا قبـل فـوات الأوان .. قولـوا لهم هم م م م م م م …… فى تـلك اللحـظة التى جمعـت مابـين الامـس واليـوم، أختفى الطـيف وأنتهى الكـلام، ولـكن الصـدى ظـل يـردد آخـر حـروف الكلمـات.

 

يبـدو ان الكـلام انتهى فعـلا مـع آخـر حـرف نطقـوه أهـل الفعـل، لا عبـاد الألفـاظ ومـرددى الشـعارات، وان الـوقت الآن اصبـح مـلكـا خالصـا للعمـل الجـاد، كمـا الوصـية تؤكـد بضـرورة اٍنقـاذ مايـو التحـريـر والاٍسـتقلال، فمـاذا نحـن فاعلـون ياثـوارا تحولـوا الى زوار، هـل سـنعمـل بجـد لنحـول الاستغـلال الى اٍسـتقلال ام سـنظل نبكى او نتباكى لـذر الـرمـاد فى عيـون المبصـرين حتى لا يـرون تحـول الـدار الى عـار يـلاحقنـا جميعـا على مـر السـنين والأيـام.

غـدا سـيأتينـا يومـا جـديـدا هـو الـرابـع والعشـرون مـن (مايـو) طفلنـا المـريض، فهـل بيننـا ذو نخـوة وبأسـا شـديـد، او ذو حكمة يجمع االبيض مع الصخـر والحـديـد، أم كل الشـباب ككل الأعـوام متشـابهـين مثـل بقـر بنى اٍسـرائيـل فى العهـد القـديم.

وكل اٍسـتغـلال وأنتـم غافلـون.

     جابـر سـعيـد ـ أرض الهـرم

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6779

نشرت بواسطة في مايو 24 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010