التحدي الحقيقي الذي يواجه المعارضة

بقلم أبو فايد

منذ أيام مضت تسارعت وسائل الإعلام الإرترية مجتمعة وعلى رأسها المواقع الإرترية في الشبكة الدولية (الإنترنت) لتعلن خبرا عاجلا مفاده أن الفُرقة قد لفظت آخر أنفاسها الكريهة ، وأغمضت عينيها القبيحتين وإلى الأبد ، وأُسدل الستار علي وجهها الممجوج بحضور قيادات المعارضة الذين ودّعوها إلى مثواها الأخير دون أن تنزل على خدودهم دمعة سوى دمعة الفرح والانتصار، أو تخرج من صدورهم زفرة عدى التنفس الذي وصفه المراقبون بأنه تنفس الصعداء !!!

انتقل الخبر إلى الإرتريين في أرجاء الكون انتقال النار في الهشيم ، فارتفعت الزغاريد هنا وهناك ، وأقيمت الأفراح  وتبادل الإرتريون التهاني ، وعاش اللاجئون في معسكرات اللجوء في الخارج ، ومنافي    ( ألبو ) في الداخل أسعد أيامهم ، ولم لا ؟ فقد كانت الفُرقة وراء كل المصائب والمحن التي عرفها الإرتريون، فهي المسؤولة عن تفويت فرصة الاستقلال التي دفع الإرتريون جرائها عشرات الآلاف من فلذات أكبادهم ، وعشرات الآلاف من المعوقين ومئات الآلاف من المشردين ، وهي المسؤولة عن هذا الوضع الأليم الذي يعيشونه .

لقد استحضر الإرتريون من هذا الحدث أيام الوحدة التي هزمت مشروع ( بيغن ) للتقسيم ، فأيقنوا بحتمية إطلال فجر الخلاص ، وبدْأ العد التنازلي لنهاية الاستبداد والإقصاء والتقزيم .

هكذا استقبلت الجموع البائسة والمحرومة والمهمشة الحدث حتى أشد الناس حرمانا وبؤسا ممن تلاشى الأمل في قلوبهم ما كانت لتستطيع وجوههم إخفاء بشرها وبشاشتها ، ولا قلوبهم غبطتها وسعادتها .

 فهل كانت دموع القادة حقا دموع فرح ؟ أم دموع …. ؟ وهل كانت زفراتهم زفرات من تنفس الصعداء ؟ أم من يصَّعّد إلى السماء ؟ وبمعني آخر هل ماتت الفُرقة حقا ؟ أم أنه مجرد غيبة عن الوعي ناتجة عن ضغوطات متعددة تعرضت له ؟!

هذه الأسئلة قد يراها البعض تشاؤمية ، وقد يراها البعض الآخر سطحية  لكنها هي الأسئلة التي تدور بإلحاح وتستجدي الجواب في ذهن المواطن البسيط الذي وجد نفسه بالضرورة ضحية ( قلق غامض ) قد يكون من ظلال التجارب المريرة التي يحويها سفر التاريخ الإرتري ، وقد يكون نتيجة إفرازات طبيعية للقلق الاجتماعي والسياسي الذي يثير الهواجس الكامنة في النفس البشرية ، والأحاسيس التي تكتنفها في غمرة الأوضاع المأساوية المريرة ، والمزالق الخطرة التي تتهددها ، وقد يكون الاثنين معا . 

ومن الموضوعية والإنصاف أن نذكر أنه وبالرغم من الاتهامات البالغة القسوة التي واجهتها المعارضة إلا أنها بهذه الخطوة تكون قد كسرت الإناء ، لكن هل أراقت ما كان داخل الإناء من الشوائب والإحن لتستحق بذلك ثقة الجماهير ؟!! .

 هذا السؤال هو سؤال اللحظة التاريخية المصيرية الذي لا فرار منه ولا تهرب ، ولا تجدي معه المراوغة أو التحايل بإصدار بيانات أو تقريظات مدائحية لأن المواطن لم يعد اليوم يتوقف كثيرا عند ما تقوله تلك البيانات التي تقف عادة عند حدود القول ، وهو ما يعني أن التحديات التي تنتظر ذلك الحدث – الذي أريد وصفه بالعظيم خشية أن يقال عني متشائم – هي بحجم العوائق والموانع التي اعترضته إن لم تكن أكبر ، وهنا التحدي !!!

ولنا الحق أيضا أن نتساءل : هل الوحدة التي أعلن عنها وحدة شراكة ؟ أم هي وحدة أصالة ؟ هل تشكل الوحدة نقطة أساسية وجوهرية في ميثاق التجمع ؟ وهل تشكل نصوص الميثاق مرجعية ملزمة لكل الأطراف ؟ وهل يقبل الجميع بالاحتكام إلي نصوص الميثاق لحل معضلة مشتركة ؟ وهل الوحدة موجهة إلي الكل أعني القيادة والقاعدة ؟ أم أنها وحدة فوقية لا تلتفت إلي القاعدة ؟ هل هي وحدة لاجتياز أزمة ؟ أم أنها منهج دائم واستراتيجي يشكل نمط الحياة المشتركة بين الشعب الإرتري بكل تنوعاته من جهة وبين المعارضة بكل أطيافها من جهة أخرى ؟ ما هي مصداقية المتحدين ؟هل يسعى كل طرف إلى إقناعنا بأن الوحدة قد تمت وأن الأمور والحمد لله على أحسن ما يرام ؟ أم أن ما حدث كان بهدف تسويق صورة غير مجدية لوحدة بنيت على أرضية هشة لا يفيد حولها الاتفاق ولا يضر فيها الاختلاف ؟ هل هي وحدة نابعة من قناعة ذاتية كضرورة حتمية ؟ أم أن هناك ضغوطات خارجية حتمت هذا الشكل من الوحدة ؟ وهل هي وحدة مبنية على حسابات سياسية سطحية آنية ؟     أم هي وحدة حقيقية تستلهم حروف معانيها من واقع آمال الشعب وتطلعاته ؟ ثم ما هي نقاط الاتفاق ؟ وما هي نقاط الاختلاف ؟ وهل هذه الخلافات نابعة من رؤية لواقع ومستقبل الشعب الإرتري ؟ أم أنها مجرد خلافات شخصية مفتعلة ؟!

من الواضح أنه ليس من الصعوبة بمكان طرح ألف سؤال وسؤال ، لكن الصعوبة تكمن في إجابة واضحة ومباشرة ومقنعة على سؤال واحد من كم هائل من الأسئلة التي تدور في رأس كل مواطن إرتري ، وهو ما لم تعمل المعارضة على بلورتها ، مما جعل المواطن الإرتري وخاصة المثقف يعيش حالة من الإحباط يعمق هذا الإحباط الأخبار التي يسمعها بين الحين والآخر من أن حزب كذا انشطر إلى كذا وأن حزبا جديدا تـأسس يوم كذا وأن خلافا حادا نشب بين حزب كذا وحزب كذا ، وفي غياب منهج التنوير الذي يُطلع الجماهير على حقيقة ما يجري في أروقة السياسة ، استغلت بعض الخفافيش الرخيصة المأجورة من قبل النظام من هذا الوضع فصورت الموقف وكأنه مشهد من لعبة Tom and Jerry .

فهل تدرك قيادة المعارضة حجم خطورة انكفائها على نفسها ؟!.

  وحتى لا يفسر طرح الأسئلة المجردة على أنه موقف سلبي من الوحدة المعلن عنها أيَّا كان نوعها ، فإنني أؤكد أن طرح الأسئلة بقدر ما يُنظر إليه من البعض على أنه موقف غير مشجع ، فإنه في ذات الوقت ينبغي أن يُنظر إليه على أنه محاولة لدفع الوحدة في الاتجاه الإيجابي ، وذلك بتعميقها لدى المواطن وخاصة الطبقة المثقفة ، والنزول بها من القمة إلى القاعدة لتُؤتي أُكلها بكل فاعلية .

والحق أن القيادة السياسية في المعارضة الإرترية والتي ضربت على نفسها ستارا حديديا من التعتيم ، تتحمل مسؤولية البلبلة الـناتجة عن التفسيرات والاجتهادات والتساؤلات المختلفة التي تخيم على الساحة الإرترية ، وما تلك التساؤلات التي توحي بالكثير من الشكوك وعدم الثقة إلا نابعة من استنطاق تاريخنا الحافل الذي يعطيها الكثير من الوجاهة       و المصداقية ، وخاصة في غياب حبل التواصل بين القيادة التي آثرت أن تعيش في أبراجها العاجية ، وبين الجماهير التي وجدت نفسها بين ثنائية مرعبة ، حاكم مستبد قامع لا يقوى المواطن أن يقول معه (لا) حتى في التشهد ، ومعارضة تتصارع في الشاطئ بعيدا عن عمق المحيط المظلم الذي يكابد آفاته من أمراض وجهل وفقر .. الشعب ، ليصدق عليه قول المتنبي :

وسوى الروم خلف ظهرك روم :: فعلى أيِّ الجانبين تميل

 

وأخيرا:

إذا كانت القيادة السياسية في المعارضة تعيش هم الوحدة ومن ثم التغيير  فهو الهم ذاته الذي يجعل من المرء الذي يمتهن الثقافة أو يتعاطاها أمام الكثير من الأسئلة الملحة ، والعديد من القضايا التي تنتظر التحليل والحلول ، والعديد من المظاهر التي تستجدي التغيير في معسكر المعارضة خاصة وفي المجتمع عامة قبل الحديث عن تغيير النظام ، وأحسب أن من بين الأسباب التي تعوق حركة التغيير بصورة عامة هو غياب التواصل- بين القمة والقاعدة الذي لم يتجذر بعد في أرضية ثقافية وسياسية واعية تشكل وحدة الجموع (في إطار التنوع )، ومرجعية الحراك الاجتماعي ( في إطار الثوابت )- المؤهل لإخراج الشعب من النفق المظلم الذي فيه ، فهناك قطيعة بين السياسيين أنفسهم ، وبين السياسيين والمثقفين ، وبين المثقفين في ما بينهم ، ولردم هذه الهوة يتعين على كل الأحزاب والجبهات الإرترية أن تكون وسائل لجمع الطاقات وتوفير الخبرات وتكاتف الجهود والتحاور والتشاور والتعارف ، لتحقيق كسب أكبر لقضية التحرر من الاستبداد والإقصاء ، لكن المشكلة كل المشكلة أن تنقلب الوسائل إلى أهداف ، وتتحول بعض الجبهات إلى صناديق مغلقة ، وأحزاب متعصبة وأجسام منفصلة عن جسم الشعب وتطلعاته المشتركة الأمر الذي يعطل النقد والمراجعة والتقويم حيث يصبح الولاء للأشخاص بدل الولاء للقيم والأفكار ، والضيق بالمناصحة  والتستر على الخطأ بحجة عدم خلخلة الصفوف دون أن تدري أن التستر على الخطأ أخطر على الصفوف ووحدتها من مراجعته وتصويبه . وهو ما يؤدي في النهاية إلى العجز عن أداء المهمة .

إن المعارضة مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى أن تتفاعل مع القاعدة الجماهيرية وتُفعل العمل الوحدوي، بآليات واضحة يفهمها المواطن ، وأن تُعطي للمواطن حق التصويب والتخطيء بل والتجريم ، لأن التغيير المنشود هو لأجل الشعب وبالتالي لا يكون إلا بالشعب ومع الشعب ، فالشعب ما زال يصرخ ( أعطونا أنتم الوحدة الحقيقية نمنحكم نحن الثقة ) !!! فهل حقا أن القيادة السياسية في المعارضة الإرترية أعطت الوحدة الحقيقة للشعب لتكون بذلك قد تحملت مسؤوليتها التاريخية بجدارة واقتدار ؟! وبلغة أكثر وضوحا هل انتهى النقاش فعلا وشرعت المعارضة في العمل الحقيقي ؟! هذا هو التحدي الحقيقي.

abofaieda@yahoo.com


روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6081

نشرت بواسطة في يناير 10 2005 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010