التدخل الاحنبي في الصومال : الدوافع والاسباب

فرجت 

07 سبتمبر 2006م

ان الاحداث الأخيرة في الصومال التي توجت بوصول القوات الاثيوبية  الى مطار ” بيداوة ”  تنبئ بدخول الصراع الصومالي مراحل حاسمة ،قد تجر منطقة القرن الأفريقي الى حرب اقليمية واسعة النطاق خاصة ونحن نلحظ ان هذا الصراع الصومالي  يستقطب قوى اقليمية ودولية  متعددة في مصالحها وأهدافها  ومن ضمن الدول التي برزت اسمائها  بالطبع كل من اثيوبيا وارتريا ، اليمن ، جيبوتي ، ايطاليا ،  مصر ، السعودية ، والولايات المتحدة والغرب بصفة عامة.

يتبادر الى  ذهن قارئ الاحداث على الخارطة الصومالية الى ماهية الدوافع والاسباب التي تجعل  كل من اثيوبيا وارتريا الى رمى كل ثقلهما في الصراع الصومالي –الصومالي الدائر هناك . هل تحاول كل من ارتريا وأثيوبيا الى حسم صراعهما على أرض صومالية؟ ما هي المصلحة المباشرة التي تعود الى كليهما من طرفى الصراع الى درجة تجعل كل منهما تسارع الى التدخل عسكريا الى جانب الطرف الذي تدعم؟

ورغم ان التدخل الاجنبي في الصومال لا يقتصر على كل من ارتريا واثيوبيا حيث هنالك اطرافا اخرى ذات مصلحة غير مباشرة في هذا الصراع تأتي الولايات المتحدة على رأس هذا التدخل  . ولكن ما يهمنا هو ارتريا واثيوبيا ، حيث كلتا الدولتين تصدرتا عناوين الصحف منذ بدء الصراع. ولكن في البدء لنقم  بالقاء نظرة على الخلفية التأريخية لهذا الصراع الصومالي.

 

خلفية الصراع الصومالي – الصومالي:-

 

ينقسم الشعب الصومالي الى ستة قبائل رئيسية تتفرع كل منها الى عشائر أخرى .وهي  : الدارود ، اسحاق ، هوية ، در ، ديجال ، وهويان. ورغم عدم وجود التعدد من الناحية الأثنية الا الانتماء القبلي والعشائري حدد ملامح التوجه السياسي المرتبط بالمصلحة القبلية والعشائرية منذ فترة تصفية المستعمرات القديمة في الأربعينيات والخمسينيات.

خلال القرن التاسع عشر كان الصومال تحت هيمنة خمسة قوى استعمارية قسمته الى خمسة مستعمرات منفصلة وهي الصومال الفرنسي ، الصومال البريطاني ، الصومال الايطالي والصومال الاثيوبي أو ما يعرف باقليم أوغادين. ولم يشعر الصومال بشخصيته شبه الموحدة الا في الفترة ما بين 1941 – 1949م عندما تم توحيد أجزاء كبيرة من الصومال تحت لواء قوات التحالف المنتصرة في الحرب العالمية الثانية. خلال هذه الفترة قام البريطانيون بتشجيع الأجزاء الجنوبية بتنظيم انفسهم سياسيا دون ان يتجاوز هذا التشجيع الى الشمال مما أدى الى نشوء أول حزب سياسي في الصومال عام 1943م ” نادي الشباب الصومالي ” الذي تم تغيير اسمه في مرحلة لاحقة ليصبح ” رابطة الشباب الصومالي ” عام 1947م ، وحزى بتأييد عشيرة  “المارجرتين ”  التابعة لقبائل  ” الدارود “. وكرد فعل لذلك التكوين السياسي قام  حزب آخر بدعم ايطالي باسم ” حزبيا ديجيل مارفيلى ” ثم تبعه تكوين حزب الرابطة الوطنية الصومالية الذي تمتع ببعض التأييد من الاسحاق ، ثم حزب الصومال الموحد بتأييد من عشائر ” الدر والارود “.

في عام 1948م أرسل مجلس الحلفاء لجنة الى مقديشو لتقصي رغبات الشعب الصومالي ، وأختلفت رغبات الاحزاب الحديثة ، فطالبت رابطة الشباب الصومالي بتوحيد الصومال تحت دولة واحدة مع وصاية دولية لمدة عشرة سنوات ، بينما طالب  حزب ” حزبيا ديجيل مارفيلى ” بطلب مماثل بوصاية ايطالية لمدة ثلاثين عاما ، مع طلب مماثل بوصاية دولية  وجماعات أخرى طالبت بالبقاء تحت الحكم الايطالي. وتحت ضغط امريكي وسوفيتي أعاد البريطانيون  ” الأوغادين ” وبعض الاجزاء من اقليم ” هود ” الى اثيوبيا ، وتم تحويل موضوع الصومال الى الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1949م نتيجة لعدم مقدرة الحلفاء  تحديد مستقبلها أو احترام رغبة شعبها! وأتخذت  الجمعية العامة للامم المتحدة قرارها بابقاء الاجزاء  الجنوبية من الصومال تحت الوصاية الايطالية ، والاجزاء الشمالية تحت الحماية البريطانية.

ان اختلاف السياسات الاستعمارية في الاجزاء المختلفة كان لها دورا في التأثير على النهضة السياسية والاقتصادية للبلاد بعد الاستقلال . ولكن  يمكن القول ان الاجزاء التي بقت تحت الوصاية الايطالية  نالت حزا وافرا في النهضة السياسية، فقد هيأ الايطاليون  الاجزاء الجنوبية لتولى  زمام شؤونها  وذلك بانشاء المجالس المحلية  في القرى والمدن  بالاضافة الى مجلس الاقليم كمجلس تشريعي للاجزاء الجنوبية مكونا من خمسة  وثلاثين عضوا تم تقاسمها بين رابطة  الشباب الصومالي  وحزب ” حزبيا ديجيل مارفياى ” .

وعقدت أول انتخابات ديمقراطية في تأريخ الصومال عام 1956م  في الاجزا ء الايطالية  للانتخاب جمعية تشريعية مكونة من سبعين عضوا بدلا من المجلس الاقليمي السابق. وتمكن حزب رابطة الشباب الصومالي بالفوز ب 43 مقعدا من اصل 70 وانتخب السيد / عبد الله ليزي كأول رئيس وزراء للحكومة المحلية تحت أمرته خمسة من الوزراء  لادارة الشؤون المحلية  بينما بقيت السياسة الخارجية والتجارة والدفاع تحت سلطة الوصاية الايطالية. وتعتبر حكومة ليزي  في سنواتها الاربع ( 1956- 1960م) من أكثر الحكومات الصومالية استقرارا ، وتمحورت نقاشات جمعيتها التشريعية حول نظام الحكم فيدرالي أم  نظام مركزي؟ فبينما كان يرى حزب رابطة الشباب الصومالي قيام نظام مركزي ، كان في المقابل حزب ” حزبيا ديجيل مارفيلى ” يرى نظاما فيدراليا.

ان التطورات السياسية في الصومال الايطالي قوبلت بتجاهل بريطاني للاجزاء الشمالية من الصومال  مما أدى الى احتجاج واسع النطاق  عام 1956م  فما كان من سلطات الحماية البريطانية  من تكوين مجلس تشريعي للصومال البريطاني  مكون من ستة أعضاء تم تعينهم من قبل الحاكم البريطاني. في عام 1958م بدأ الايطاليون باعداد اقليمهم للاستعداد للاندماج الى مجلس  تشريعي واحد مع الشمال. مكون من 123 مقعدا 90 منها للصومال الايطالي و33 للصومال البريطاني.

وعقدت الانتخابات في الاجزاء الجنوبية لاختيار الـ 90 عضوا  ليفوز حزب رابطة الشباب الصومالي  بـ 81 مقعدا بينما قاطعت الاجزاب الأخرى الانتخابات بحجة  تلاعب الرابطة بأوراق  الانتخابات. ولامتصاص حالة الغضب هذه وسع حزب رابطة الشباب  قاعدته لتشمل  معظم العشائر الصومالية.

في الجزء البريطاني  فاز كل من  الرابطة الوطنية وحزب الصومال الموحد بكل المقاعد الـ 33 ما عدا واحدا ، وأختير السيد محمد ابراهيم ايجال من الرابطة الوطنية كرئيس للوزراء في الصومال البريطاني.

في ابريل عام 1960م أجتمع كل من ليزي وايجال في مقديشو واتفقوا على قيام دولة مركزية على ان يختار رئيسها من الجمعية الوطنية الذي بدوره يعين رئيس الوزراء ، الذي بدوره يختار يقوم بتكوين الحكومة واختيار وزرائه . وبهذا أصبح السيد / أدان عبد الله عثمان رئيس البرلمان السابق في الجزء الجنوبي أول رئيس لدولة الصومال المستقل وأختار السيد / عبد الرشيد علي شيرمك أحد المعتدلين في رابطة الشباب الصومالي كرئيس للوزراء، تمكن شيرمك من تكوين تحالف وطني من رابطة الشباب الصومالي وحزب الصومال الموحد  والحركة الوطنية الصومالية. الحركة الوطنية الصومالية من الجزء الشمالي وكانت تتمتع بتأيد الاسحاق . بعد وحدة الشمال والجنوب أصبح الاسحاق  مجرد أقلية بينما  حزب الصومال الموحد كانت يتمتع بتأييد  الدارود فتقاسم ذلك الدعم مع رابطة الشباب الصومالي في الجنوب. مما أدى الى تخوف الاسحاق من تغلب  الجنوب عليهم وظهر ذلك واضحا في استفتاء  الدستور عام 1961م الذي تم قبوله بأغلبية ساحقة في الجنوب بينما حزى بنسة أقل من 50% في الشمال.

في الفترة ما بين 1962 -1964م بدأت تظهر أعراض المحاولات المتجددة لبعض العشائر  لاحراز مكاسب سياسية على حساب  عشائر أخرى. في عام 1962م ايجال وبعض الوزراء من الجزء الشمالي قدموا استقالاتهم من حكومة الاستقلال ، آخذين معهم تأييد بعض العشائر  الشمالية والجنوبية . حزب المؤتمر الصومالي حقق مكسبا بانضمام قبيلة الهوية اليه بعد سحب تأييدها من حزب رابطة الشباب الصومالي ، ولكن هذا لم يعيق تقدمه حيث حقق في أول انتخاب بعد الاستقلال 69 مقعدا من أصل 123 من مقاعد الجمعية الوطنية . ولكن الرئيس أدان عثمان اثار مشكلة سياسية عندما اختياره على عبد الرزاق  حاجي حسين أحد رعيل رابطة الشباب بدلا من عبد الرشيد شيرمك،  وكان مقصده  انه يأتي بدماء جديدة ، وفعلا تمكن عبد الرزاق من اختيار مجلس وزراء  من غير الاعتماد على خلفياتهم العشائرية والقبلية وانما على مقدرتهم ونزاهتهم وامكانياتهم لاداء الوظيفة، ليقابل اختياره هذا بالرفض من قبل الجمعية الوطنية مما اضطره الى تكوين حكومة جديدة مع  اضافة ثلاثة مواقع اليها لاحتواء الغضب لتقبل مع تردد واضح.

ومع تسارع وتيرة الاحداث السياسية انضم ايجال الى رابطة الشباب الصومالي وتخلى عن حزب المؤتمر الوطني الذي كان أحد مؤسسيه وفي انتخابات الرئاسة عام 1967م تم اختيار شيرمك رئيسا  وايجال رئيسا للوزراء، في عام 1969م ارتفع عدد مقاعد رابطةالشباب في الجمعية الوطنية الى 109 مقعدا من أصل 123  في أغلبية ملفتة للانظار. وتفاقم الوضع السياسي ليصل الى قمته بأغتيال الرئيس شيرمك ببندقية أحد حراسه بينما كان رئيس الوزراء ايجال خارج البلاد في زيارة رسمية.  وقام ايجال وهو من الاسحاق بترشيح  شخصا من الدارود ليحل محل شيرمك  ولكن حالة الاستياء في أوساط الجيش والمثقفين كانت قد وصلت الى قمتها، فقامت وحدة عسكرية في 21 اكتوبر 1969م باحتلال المواقع الاستراتيجية المهمة في العاصمة مقديشو  معلنة  بذالك انتهاء حكومة محمد ابراهيم ايجال ومجئ  الحكم العسكري بقيادة الجنرال محمد سياد بري ورغم انه لم يكن من المخططين أو المنفذين للانقلاب  الا انه تمكن من السيطرة على الوحدة العسكرية التي قامت بالانقلاب  ليصبح رئيس البلاد.

 

عهد سياد بري 69 – 1991م

 

بعد استيلاء العسكر على الحكم قامو بحل الجمعية التشريعية أو البرلمان وتجميد الدستور ، وترأس بري ما سمي بـ ” مجلس الثورة العالي ” ومنع   الاحزاب السياسية وتأسيس محكمة أمن دولة  وسمى الصومال  بـ ” جمهورية الصومال الديمقراطية ” . قام سياد بري بتبني  النظرية الماركسية  التي كان يعتقد انها  سوف تنهي الفواصل القبلية والعشائرية  وقيام صومال موحد وحديث. لكن سياد بري نفسه استخدم الولاء القبلي والعشائري و سياسة فرق تسد مما أدى الى نشوء بعد التنافس بين قبائل الشمال مثل الاسحاق ،  والاوغادينيون من الجنوب والهوية من الوسط. الا ان هذا لم يمنع من قيام عناصر معارضة لنظامه ، ففي عام 1970م احبطت محاولة انقلابية للاطاحة به. كما أتهم في عام 1970م بعض القيادات العليا في حكومته في محاولة اغتياله . وبدأ بري باحداث بعض التغيرات السياسية المتعلقة بحزبه لتقليل حدة المعارضة الداخلية التي اصبحت تشتد.

في عام 1978م كانت هنالك أكبر محاولة انقلابية للاطاحة به بقيادة  بعض الضباط ، ولكن سوء حظهم تم احباط المحاولة الانقلابية والقضاء على المجموعة ، واحدا  منهم هرب الى اثيوبيا وهو الكونيل عبد الله يوسف أحمد ؟، والذي كون في اثيوبيا جبهة الانقاذ الصومالية. ونتيجة لتصاعد حدة المعارضة الداخلية والخارجية أصبح بري يلعب بالورقة العشائرية والقبلية خاصة ثلاثة منها وهي : ماريهان ، الاغادينيون ، ودلبهنتى ، وكلها تتفرع من قبيلة الدارود وتتبع لها زوجته وصهره.

وتطورت المواجهات بينه وبين معارضيه الى حرب أهلية عام 1982م بقيادة بعض المعارضين المنفين الذين كونوا جبهتهم عام 1981م في لندن.

في عام 1986م تعرض سياد بري الى حادث حركة لتتعطل الحكومة لأن مقاليد كل السلطات كانت في يده ، مما أدى الى تنافس بعض الزعامات القبلية في غيابه . وعند عودته قام بري بحملة ضد العشائر التي تعارضه ومن ضمنها ” المارجيرتين ” في  جنوب الصومال فقام بضرب المواشي  ومخازن الغذاء ومصادر المياه. ولم تتمكن العشائر الأخر من دعمهم ومساندتهم، ثم قام بحملة أخرى ضد الاسحاق في الشمال بقض قيامهم بمعارضة مسلحة تحت لواء الحركة الوطنية الصومالية مما مكنهم من مقاومة القوات الحكومية ، ولكن القوات الحكومية باستخدم كثير من الاسلحة الثقيلة  تم خلال ذلك تدمير معظم مدينة هرقيسا، مما تم وصفها قبل بعض مراقبي الأمم المتحدة بالتطهير العرقي.

في عام قام الهوية القاطنون حوالى مقديشو بتكوين جبهتهم باسم مؤتمر الصومال الموحد مما أدى الى انضمام خصم قوى الى صفوف المعارضة مما تنبأ الكثيرون ببدأ زوال سياد بري، بالاضافة الى تكوين جبهة الهوية كانت هنالك حادثتان أدتا الى نهاية نظام الجنرال سياد بري في الصومال وكلاهما في مايو عام 1990م  ، أولا: قيام معظم المثقفين والسياسين والقيادات الأهلية من مختلف العشائر والقبائل الصومالية  بتكوين مجلس للانقت1 والمصالحة الوطنية  للاسراع بالتغييرات السياسية وقام بكتابة عريضة يطالبون فيها بالتغيير السياسي موقعة 114 فردا من قيادات مدينة مقديشو ، ولكن سياد بري قام باعدام 45 من القيادات الموقعة على العريضة، مما زاد من حنق الناس عليه والمطالبة برأسه، والحادثة الأخرى كانت في الشهر التالي يوليو عام 1990م حيث تحولت مبارة لكرة القدم في العاصمة مقديشو  الى مظاهرة عارمة ضد سياد بري اصطدمت فيها المظاهرة مع قوات الشرطة والجيش. وتفاقم الوضع  ليؤدي الى رحيل بري في يناير 1991م.

 

يتبع

فرجت

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=5659

نشرت بواسطة في سبتمبر 7 2006 في صفحة كلمة التحرير. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010