التنظيم القومي أساس للبناء الوطني

بقلم : أبونضال

التنظيم القومي تنظيم بسيط في تكوينه عميق في مدلوله ضارب بجزوره في تربة الوطن الإرتري ، إذ أنه يستمد سماته هذه من قوة إلتصاقه بمكونه القومي الإرتري المتعدد الأركان (التسعة) ، وهو التنظيم الوحيد الذي يعكس بصدق ووضوح أصالة التكوين الوطني ، ذلك لأن إنتماء الفرد ووجدانه الفكري وإعتقاده السياسي بالمكون لايخرج عن تأطير النظام الوطني الأصيل المحدد الملامح ، ولا يقبل في عضويته أو في منظومته شخص أو فكر لا ينتمي للوطن الأم ، هذا البناء التنظيمي الأصيل للمكون الإرتري محدد لايشير الى إمتدادات خارج الوطن بأي شكل كان ، بل يشير فقط الى أنه إرتري النزعة والهوية ولا ينتمي الى قومية أخرى عربية كانت أوإفريقية أو أي إئتلاف لغوي أو ديني أو إثني خارج حدود الوطن ، وبذلك وحده يحمل هذا البناء لونه الخاص وصبغته الإرترية المميزة له رغم تشابه بعض سحناته ولغاته وديانته بشعوب أخرى ، إذ  لا يعني البته وجود هذا التشابه المذكور إشارة الى ضرورة العمل للإنفصال من أجل تكوين وطن جديد (أكراد إرتريا) يستدعي إقتطاع الأرض التي يقيمون فيها داخل إرتريا وضمها لقطع أخرى تنفصل هي الأخرى عن موطنها لتكوين وحدة جديدة تحت مسمى جديد ، لأن من يسعى لذلك دون حدوث تظلم كارثي يستدعي هذا الإجراء يكون قد تجاوز بتصرفه هذا الإطار المباح والمشروع للحرية ووقع في المحظور وإعتدي من ثم على الحقوق العامة التي لايسمح لأحد إختراقها إلا وفق إطار قانون منظم لمثل هذا الإجراء ، ولا يوجد عاقل بإعتقادي يؤمن بأن الوطن الإرتري الحبيب جاء نتيجة تضحيات باهظة ومواقف فدائية جسورة دُفِعت مهراً للحرية والإستقلال والحفاظ على حدوده أرضاً وشعب ، ثم يصر على تقديس هذا التشابه أويسعي حثيثاً للإنخراط مع من يشبهه سحنة وثقافة ولهجة من مواطني الدول المجاورة ، وإن وجد عاقل مصاب بهذا الفايروس (الفهم الشاز) فليأخذ أغراضه من الآن ولينتقل بكل حرية الى الأرض التي يدعي أن جزوره مدفونة هناك ،كذلك من يظن أن فكرة تقرير المصير دعوة للإنفصال أو خطوة تمهد لتحقيق مطامع أجندة خارجية فهو مخطئ،  وبذلك تنتهي قضية من يفتعل وجود هذا اللبس لخلق فكرة الإنفصال عن إرتريا ، كما ستنتهي مبررات من يشن حملته على التنظيم القومي أويحاول أن يصطاد في الماء العكر بعد جلاء هذه الخدعة ورفع الغطاء عن الضبابية التي كانت تمنع هؤلاء من الرؤية السليمة وتسوقهم نحو الفهم المغلوط ، أو تسوقهم الى التهجم والنكاية والبحث عن مبررات لقذف القاذورات وتلطيخ الأجواء بأفهام متواضعة تفوح منها الروائح النتنة على لسان تعبير نجل الشهيد عمر محمد.

   أما التنظيم العلماني أو الديني فهو تأطير كوني لا حدود وطنية له حسب القراءة الزمنية والأهداف التنظيمية الراعية له ، ومن ثم لا يصح إدراج هذا النمط من التنظيم في قائمة التنظيمات الوطنية ، ذلك أن الأهداف المشكلة لهذا النوع من التنظيم ترمي لتأطير الوطن في وعاء تنظيمي أكبر من حدوده المعروفة ، وبالتالي يضيق عنه ثوب التسمية بأنه تنظيم وطني ، ومن هنا ينفض الغبار وينكشف الفارق بين التكوين القومي وتنظيمه السياسي المحلي والتكوين الديني والعلماني وتنظيمهما السياسي العالمي .

      أما التنظيم الجماهيري فهو عبارة عن نسخة تنظيمية مترجمة من النظام الشيوعي ليس أكثر مع إجراء تغيير طفيف في الشكل التنظيمي لتصبح الدولة الإشتراكية (مثال الحكم في الدولة الشيوعية) هي الدولة الجماهيرية ، وتتحول طبقة العمال الى طبقة اللجان الثورية الحاكمة ، وهكذا يتم بكل بساطة تغيير طلاء الهيكل التنظيمي الشيوعي ليأخذ طابعاً جماهيرياًّ بغرض تغيير الواجهة العامة للبناء التنظيمي للحزب الشيوعي بصورة ذكية لخدعة الأبصار والأفئدة ،  والدليل على مصداقية هذا التعبير هو سير الدولة الجماهيرية على ذات النمط الإشتراكي المسيطر بصورة ديكتاتورية وقامعة لكل القوى السياسية الأخرى داخل القطر الراغبة في تأسيس نظام سياسي محلي مخالف لنظامها الأممي ، وعليه نرى بوضوح كيف أن التنظيم الجماهيري بطبيعته المتسلطة هذه يسعى لتأطير كل منتسبي هذا التنظيم في عضوية اللجان الثورية ، كما أنه يٌخضِع ولاء عضوية وقيادة اللجان الثورية من مواطني الدول الأخرى للقيادة الأممية الليبية بزعامة القزافي وليس للنظام السياسي المحلي القائم في بلادهم، وإنطلاقاً من هذه الرؤية ينعكس الفهم غير الديمقراطي المسيطر على البناء التنظيمي لهذا الإتجاه ، مما يؤكد لنا أن التلويح بشعار المؤتمرات الشعبية والسلطة الشعبية لا يزيد عن كونه تلفيق وإدعاء كاذب يفتقد للرغبة فالصادقة للترجمة العملية ، وأن ماتنشره أبواق اللجان الثورية المنتمية للبلدان الأخرى غير الليبية (كإرتريا مثلاً) من أن نظام المؤتمرات الشعبية هو أساس الديمقراطية الحقيقية القائمة من خلال سلطة الجماهير وليس من خلال سلطة النواب ماهو الإ إدعاء يؤسس لسلطة زراع إستعماري بقيادة اللجنة الثورية العالمية المتسلطة اليوم على رقاب الشعب الليبي بل وعلى اللاجئين الإرتريين العابرين الى أوروبا بنزع حقوقهم كلاجئين وتسليمهم للسفارة الإرترية والقيام بتعزيبهم حتى يدلوا بالمعلومات التي يريدونها وتلفيقها حتى يقوموا بترحيلهم الى إرتريا ، لذلك أنصح نجل الشهيد عمر محمد عمر أن يبتعد عن هذا المسار المضلل ، ذلك أنها شعارات فضفاضة لا إطار وطني يحدها تماماً مثل التنظيم العلماني والديني.

      خلاصة القول أنَّ جميع التنظيمات القائمة اليوم على أساس علماني أو ديني أو جماهيري لا تحمل سوى صبغة عالمية لمنظور سياسي لا يتسع له إطار وطن واحد ولهذا يسعى لتأطير كل الشعوب ، والدليل أنه لا يحمل آليات تنظيمية لتفعيل دور محلي للجماهير في السلطة والمشاركة في قسمة السيادة والسلطة والثروة ، فكل مانقرأه في برامج هذه الأحزاب وأنظمتها السياسية وهياكلها التنظيمية عبارة عن تعميمات غير محددة الملامح أعدت للتمويه ولا توحي إلاَّ بضرورة العمل على تركيز السلطة في يد نخبة من الأفراد صبغوا أنفسهم بصبغة السيادة وقبضوا السلطة من جميع أطرافها ، الأمر الذي منحهم حق البلوغ لمقام الترفع على المجتمع والتطاول عليهم من خلال إحتكارهم الصارخ لمقام التشريع والظهور أمام الملأ كواجهة مقدسة ومرجع وحيد لإتخاذ القرار وتصريف الشئون التنظيمية ، وعليه لا نرى مساحة متوفرة داخل هذا البناء للمشاركة الديمقراطية مع القواعد ، الأمر الذي ساهم في إنكشاف الوضع المأساوي الذي باتت يتقلب فيه الشعب الإرتري نتيجة هذا السلوك الشازالرافض  لمبدأ الشراكة والكاره لقسمة السيادة والسلطة والثروة مع الجماهير ، والدليل هو مرور عقدين على الإستقلال ولازال واقع الحكومة والمعارضة كما هو بناءاً على سياسة التماطل والتأجيل لعملية الحسم الحقيقي والحل النهائي لأزمة الثقة التي فرقت شمل الكيان السياسي للثورة الإرترية ومزقت وحدة التظيمات الإرترية المعارضة بعد الإستقلال وأتت على الأخضر واليابس ، وكإنعكاس طبيعي لهذا الوضع تشوهت صورة المعارضة في أزهان العامة والمثقفين على حد سواء ، ولا مخرج من هذا الواقع المتدحرج نحو الهاوية إلا بتجديد هيكل البناء القديم وموائمة مفاصله بالواقع الإجتماعي وحعل لمسات تصميمه على مقاس التطلعات الجماهيرية.

وقبل أن أطوي صفحة هذه الورقة أود التساؤل وبصراحة شديدة ، ماالذي يريد أن يضيفه نجل الشهيد عمر محمد عمر من خلال سلسلة نغماته الشازة التي أصبح يعزفها هذه الأيام ؟؟!، وهو كما يعرفه الجميع أحد أركان اللجان الثورية في إرتريا والمنضوية بصورة قسرية تحت مظلة القيادة الأممية الليبية ورعاية الحكومة الإرترية القامعة لشعبها، وعليه أقول له من حقك ياأستاذ أن تنتمي لمن تريد وأن تعبر عن رأيك الشخصي حول القضايا الوطنية بعيداً عن أساليب التحجير والقمع المنفرد كنغمة سمجة خرجت عن منظومة العزف الوطني المألوف للقارئ الحصيف الحادب على مصلحة الوطن ، ثم كيف تخاطب في مقالك السابق رقم10 أطلال الحكومة الإرترية التي إندثرت في حس كل مواطن حر يعتز بإنتمائه للوطن الإرتري وثار على الوضع الإستعماري الذي أرساه إسياس وصحبه من العملاء والمطبلين له والمترزقين من وجوده ؟!، أم تريد أنت وحدك أن تٌحيّي موات هذه الحكومة بحديثك المعسول هذا عنها … وكأنها نموزج للحكم العادل الذي رأيته قد أدى واجبه نحو رعيته بالصورة التي أرضتك فعلاً زجعلت من إسياس المثال الذي تثق في حكمه وفي إستجابته لنداءك إن تمسحت ببلاطه ؟!

فما أعجبك وأنت تخفي حالة اللاجئين الإرتريين الأحرار العائدين الى الوطن بعد الإستقلال وتظهرهم على حالهم وكأنه يعيشون في كفوف من الراحة ولايعانون من شئ سوى المساكن المهترئة المصنوعة من البروش، وخوفاً من أن يعرِّي هذا المشهد الشاز حقيقة الحكومة المبجلة لديك حد العشق !! طالبتها بالتدخل السريع لسد هذه الثغرة لكي لا تستغلها المعارضة كورقة سياسية لصالحها

وما أعجب وطنيتك هذه التي تقودك بهذه السزاجة الى وكر العمالة والركوع لهيمنة الأعداء الحقيقيين لوطنا العزيز؟!. الأعداء الذين يتخفون وراء السلطة وشارات الدولة الإرترية المستقلة ، ليدخلوا إرتريا سجن الزل والفاقة … ويمتلكوا إرادة الشعب الإرتري بعد التحرير إمتلاك رقيق، ومن ثم ليمارسوا عليه أشكال من التسلط وقمع الكرامة والتعزيب الجسدي والمعنوي بصورة مكثفة لم يعهدها شعب من قبل ، ومع ذلك أراك تراهن على وطنية إسياس أفورقي لمجرد أنه حاول نزع بادمي من قبضة إثيوبيا بالقوة الآن بعد الإستقلال وهو من منحها إياهم كعربون إتفاق مقابل وقوفهم معه لتصفية جبهة التحرير الإرترية ، وهاأنت بالمقابل تريد أن تجعل هذا المثلث المنزوع قبل الإستقلال وبرضى الشعبية مقياساً للوطنية الحقيقية ومدخلاً للنيل من المعارضة بوضعها في كفة أقل وطنية من النظام بموقفها الصامت من الأزمة ؟!  وكأنك تجهل أن المواقف السياسية تبنى على المصلحة الراهنة والمتغيرة ، ومصلحة المعارضة في هذه المرحلة مرتبطة بإنقاذ الشعب الإرتري من الهيمنة الإستعمارية لقبضة الهقدف ، وذلك عملاً بمنطق الحكمة القائل أن جلب المصلحة أحياناً يسبق درء المفسدة والعكس صحيح ،ولا مصلحة للشعب الإرتري بغلق بوابة خلاصة القادم وإنعتاقه من قبضة الهقدف والمتمثلة في بوابة الدعم الإثيوبي القوي لتنفيذ هذه الخطوة التأريخية ، ولعل الخطوات المتقدمة التي تم تنفيذها في الإتجاه أثارت زعر إسياس ومن معه من المرتزقة ، وذلك بعد إعلان الإتفاق العسكري الموحد للأجنحة العسكرية للمعارضة وإنضمام الجبهة الديمقراطية لتحرير قومية الساهو الإرترية كإضافة حقيقية للعمل العسكري المقوم لجبروت النظام الإرتري القمعي ، ولسوف تشهدون في منسوب الحراك المعارض في المرحلة القادمة  إرتفاع ملحوظ من خلال إحكام القبضة العسكرية تمهيداً لإسقاط حكومة إسياس .

  ولعل أكثر ما أثار تعجبي هو إكتفاءك بجرعة البريق والألق الصادر من تأريخ والدك الفدائي الأسطورة والشهيد المغوار عمر محمد عمر ، ليكون ذلك نصيبك من الوطنية ، وكأن هذه الجرعة في إعتقادك تكفي لتربعك عرض الوطنية بجدارة رغم العمالة والإرتزاق الذي أبديته من خلال تهجمك على المعارضة وإحجامك عن الكيل للحكومة الإرترية بنفس الأسلوب الناقد والشفافية الساخرة التي إعتمدتها في السلسلة التي طوقت بها عنقك وأشرت من خلالها على الجهة التي إستحقت ولاءك .

   إن الأسلوب الذي إتبعته في التلاعب بالعقول والألباب عبر خلط الأوراق وتعكير مياه الثقة بالعمل المعارض ومحاولتك غير النزيهة لسحب التأييد والمؤازرة الجماهيرية من بساط المعارضة ، إنما يعبر عن وقوعك في الفخ وخضوعك للقهر وقبولك للتطبيع وسفك للكرامة في محراب الولاء التكتيكي أمام بلاط إسياس ، وربما لأنك في أعماقك تشعر بالثورة ضد الظلم والكراهية للركوع والخضوع للظالم … قررت إستمالة ضميرك للسير في إتجاه القبلة الجديدة التي عزمته عليها ، فحملت شارة والدك للتستر ببريقها وإستخدمتها كواجهة مضيئة لشخصيتك ، ولكنك أخطأت التقدير عندما إكتفيت بإصدار هذه الإشارة على إستحياء بينما أرسلت إشارات أخرى أقوى وأكثر وضوح وجرءة لتعبر عن إمتنانك للحكومة الإرترية .

 قد لا يختلف معك إثنان في أن الحكومة الإرترية حققت لك ولمن معك من عذوية اللجان الثورية حلم التميز والحصول على متعة الحركة والتنقل والعمل داخل إرتريا لنشر تعاليم الكتاب الأخضر (المقدس لديكم) ، ولكن هل بلغ شعورك بهذا العرفان حد الوقوع في مخالب الرعاية الأمنية الفتاكة للنظام الديكتاتوري ؟!…. أو الثقة في أن الحماية الأمنية التي حظيت بها بفضل بنود الإتفاق المبرم بين النظام الإرتري والليبي الديكتاتوريين ….!! أنصحك ومن معك أن لا تراهنوا أو تعتمدوا على القرارات الصادرة من مكتب الرئيس الإرتري والقاضية بمنحكم (اللجان الثورية الإرترية) حق التحرر من القبضة الأمنية بشرط قبول بند العمالة والإرتزاق تحقيقاً لمصلحة النظامين الديكتاتوريين (الليبي والإرتري) .

Abu.nedal@live.com

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=10098

نشرت بواسطة في ديسمبر 25 2010 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010