الجنرال (بيـتوْ) خلف القضبان

بقلم: عبدالفتّـاح ودّ الخليفة- المملكة المتّحدة

15-أغسطس 2013

إنّ حدائق الدكتاتور الخلفية مليئة بالأحرار من كلّ الأطياف وكلّ الأقوام الإرترية.. بلا محاكمات وبلا تهم محدّدة ومعلنة ، منهم من لم يره أحد منذ  يوم الإختفاء  مثل: المناضل الكبير (محمود ديناى ) والمناضل (محمّد عثمان داير ) والمناضل (قرى طادق -ودّى باشاى ) والمناضل (ولدى ماريام بهلبّى ) والمناضل (قبرى هيوت-قرّى) والمناضل (أحمد عروف ) والمناضل (أحمد شيخ فرس ) وعدد كبير من أعيان مدينة (مصوّع)  والشّيخ القائد (محمّد مرانت نسّور) ورفاقه، وعدد غفير من علماء و أعيان ووجهاء وتجّار مدينة (كرن ) وبالرّغم من أنّ  المختفون والمسجونون والمغيّبون كثر ،يعتبر الجنرال (بتودّد أبرها أسفها ) عميد سجناء الـ (جبهة الشّعبية ) و أطولهم سجنا فى إرتريا الدّولة  عاش فى صراع مع قائده  (أسيّاس أفوورقى) منذ فجر التحرير ، خرج من السّجن مرّة متحدّيا ليختفى فى منزل أحد أصدقائه ، ولكنه عاد عن فكرة الخروج من الوطن وهاتف  الرّفيق والسّجان (أسيّاس أفورقى ) ثمّ عاد للسّجن ليختفى فيه ثانية وهو كذالك حتّى كتابة هذه الأسطر فهو بجدارة (عميد سجناء) مناضلى الجبهة الشعبية بعيد التّحرير……ففى أكتوبر عام 1991 كان سجنه وبلا وجه حق.

كتبت النّاشطة الحقوقية (إيلسا شروم ) تقول:

“ولد بيتودّد أبرها من والده السّيد (أبرها أسفها) ووالدته السيّدة (قدّستى تولدى مدهن) فى العام 1953 فى أسمرا فى حىّ (عداقا حموس) ، درس الإبتدائية  حتّى الفصل الخامس فى أسمرا ومن الصّف السّادس حتّى الثانى عشر  فى مدرسة القدّيس جورج (سانت جورج) فى مدينة (مندفرا ) ولكنه عرف  الوطن وحبّ الوطن  فى وقت مبكّر من عمره فإلتزم فى تنظيم (قوات التّحرير الشّعبية) فى العام 1972  ليعمل من الدّاخل  وفى فترة الإجازة المدرسية كان يعمل لكسب قوته فحاول مرّة للعمل فى شركة تعدين النّحاس  فى (دباروا) التى كانت تعرف بـ (إندا جابان)  وعندما  رفض طلبه للعمل  لم يستسلم  بل سلّم المسؤول فيها رسالة بيديه محتجّا على رفضه وعلى خلفيّة تلك الرّسالة سجن لمدّة أسبوعين خرج منه بضمانة ماليّة  ، ولكنّه أيضا  جنّد 21 طالبا من مدرسته (سانت جورج) وإصطحبهم إلى مواقع الثّوار ولسوء حظّه سلّم إثنين منهم إلى العدوّ  فى (دقّى أمحرى) و كشفوا كلّ الأسرار فهرب (بيتوْ)و لم يعد إلى مدينته (مندفرا) ولا للمدرسة بل بقى فى التنظيم وإلتحق رسميّا بالمقاتلين فى  يناير من العام 1973 فأصبح عضو فى  الوحدات المقاتلة فى الساحل الشّمالى وفى العام  1977 عيّن مشرفا سياسيا لـ (سريّة ) من سرايا الجيش الشّعبى ثمّ شارك فى المؤتمر التنظيمى الأوّل ليصبح عضوا إحتياطا فى قيادة التنظيم ، ثمّ أصبح مسؤول قسم النّقل والمواصلات التّابع لمكتب الإقتصاد وفى العام 1979 أرسل إلى قسم التعليم وهناك أبدع فحبّب التعليم على الدّارسين وعندما أصبح مديرا لـ (مدرسة الثّورة) نحا طريقا مغايرا لأسلافه ،وحارب بكلّ ما أوتى من قوة العقاب العسكرى للمخالفين والمشاغبين  وحبّب   على طلابها  التعليم والتّعلّم ، و أصبح (بتودّد) قبلة الشّباب محبوبا ومعروفا فى التنظيم.. وعندما إنتقل إلى مكتب الإقتصاد جلب تغييرات مهمّة وضرورية”

وتقول  المصادر أنّه فى  العام 1990 تحوّل من مكتب الإقتصاد إلى الوحدات المقاتلة فقاتل وقاد القتال فى دنكاليا  وكان مسؤول (قوات الإقتحام ) ونائب قائد الفرقة (07) الّتى كان يقودها (الجنرال قرزقهير عندى ماريام –وشّو )والّتى حرّرت إقليم (دنكاليا ) وميناء (عصب )   وبعد تحريرها أصبح نائب مدير المديريّة ونائب القائد للفرقة (07)  ولأنه كان أكثر تأهيلا من الجنرال (وشّو) كان هو الحاكم الفعلى.. وعند توزيع المناصب من دولة الرّئيس حصل المناضل (بتودّد أبرها) على لقب (اللواء) (ميجر جنرال)….

 يقول رفاقه :أنّ المناضل (بتودّد أبرها أسفها) كان شجاعا يقول مباشرة ما يؤمن به وما يراه صحيحا وتلك شيمة لا يستطيع صاحبها العيش بسلام وأمان مع دولة الرّئيس فأصبح نصيبه فى إرتريا المحرّرة السجن والتعذيب والتّغييب….

بعيد التّحرير مباشرة وبلا إستشارة  إدارة (عصب)،   منح الرّئيس الميناء   للإستعمال الحرّ  لإثيوبيا  وعارض ذالك الإجراء الجنرال (بتودّد ) مذكّرا بخطأ (بادمّى) وفنّد رأيه قائلا :  “أنّ قرارا  مثل هذا سيادى يجب أن يخضع للمناقشة ولا يجب أن يبتّ فيه شخصا واحدا على حسب المزاج حتّى وإن كان الرّئيس..وقال رأيه صراحة “يجب أن نعيش نحن وإثيوبيا مثل دولتين جارتين مستقلّتين ومتعاونتين”.ومرّة أخرى أتى الرّئيس بأمرِ يقضى بتسليم ممتلكات الميناء وبعضا من العتاد  الحربى  الذى تركته الإدارة الإثيوبية الستابقة إلى الإدارة الجديدة بقيادة (زيناوى)  رفض أيضا (بتودّد ) ذالك الإجراء بحجّة ” أنّ تلك الممتلكات جرت فيها أنهارا من دماء الشباب الإرتري فهى ممتلكات  تخصّ الشعب الإرترى” …ولكن الرّئيس إعتبر ذالك تعنّتا  وتكبّرا وعدم تجاوب من (بتودّد) ومن يومها بدأ يبحث عن سبيل لتغييبه وإزاحته من ساحة القرار.. ونسبة للظروف الإقتصادية  التى كانت تواجه الحكومة الإرتريّة  الفتيّة حينها كانت هناك حوجة ملحّة لدفع أجور العاملين فى الميناء فجاء الإقتراح من حكومة (ملّس زيناوى) بأنّها على أتمّ الأستعداد لدفع أجور العمّال فى كلّ هيئة الميناء فى (عصب )وتلك أيضا رفضها الجنرال (بتودّد أبرها) معتبرا “تلك خطوة قد تضرّ بالسّيادة وأنّ إرتريا ليست فى حوجة لمن يدفع أجور عمّالها وموظّفيها  من خارج الحدود وكان لزاما عليها أن نواجه صعابها بنفسها”..

ولذالك إقترح كتابيا على وزير الحكومات المحليّة حينها (رمضان محمّد نور) بأن تبيع الإدارة فى مدينة (عصب)  كلّ ما يتواجد عندها  من مخزون المشروب الكحولى الـ (ويسكى)  إلى داخل إثيوبيا لتجاوز الضائقة الماليّة وقبل الوزير إقتراح الجنرال وحلّت المشكلة.

(نائب قائد الفرقة الّتى حرّرت عصب (بتودّد إبرها)

و فى العام 1991  زار إرتريا (ملّس زيناوى) رئيس إثيوبيا السابق فإشتكى لرئيس إرتريا عن العقبات التى يضعها الجنرال (بتودّد أبرها) على طريق تعاون البلدين… ولكن زعماء الشّر  أرادوا وبسرعة إزاحة الجنرال العنيد فأشاعوا بأنّ (بتودّد أبرها) قد باع مخزون الـ (ويسكى) الذى كان مكدّسا فى المخازن وإستعمل مردوده لصالحه الشّخصى فإستدعوه إلى أسمرا وإعتقل على الفور فى شهر أكتوبر من العام 1991 و أشاعوا بأنّه سافر إلى الخارج فى مهمّة وبذالك أخفوا خبر سجنه من أهله وفرقته العسكريّة (07) وطاقم الإدارة فى مدينة عصب  ولكن عرف الكثيرون أنّه أعتقل لأنه أصبح عقبة أمام تنفيذ رغبات الرّئيس الدكتاتورية وسقطت دعوى الإعتقال للسرقة…

تقول السّيّدة(شروم ) :وعندما وصل الخبر إلى والده قصد مكتب الأمين العام للإستيضاح والإستفسار والإسترحام  فى قضيّة سجن إبنه  ولكن الرّئيس طمأن الأب  على مصير الإبن (بيتوْ) وإنتهت المقابلة… ولكن الوالد عاد مرة أخرى للرّئيس (أسيّاس أفوورقى) وخاطبه بحدّة قائلا : “إن كان إبنى مجرما حاكموه وإن كان قد سرق مالا أثبتوا ذالك فإنّ أالأحباب والأصدقاء  كثر والشعب الإرترى سوف لن يبخل علي أحد أبنائه البررة، قد أنثر لحافى فى الطرقات وأجمع من عابرىّ السّبيل صدقاتهم إن إستدعى الأمر لأردّ لكم ما سرقه إبنى” وحينها إنفعل الرّئيس وطرده من مكتبه وأعطى أموامره إلى  أمنه لئلا يعود إليه هذا الرّجل مرّة أخرى…

ويحكى أنّ الأب حاول مرّة ثالثة مقابلة الرّئيس ولكنه فشل لأنّه منع…. و لم يقنط بلحاول مرة  أخرى مع (بيطروس سلمون) ثمّ قصد وزير الداخلية حينها (على سيّد عبدالله) لنفس الغرض…. تقول النّاشطة (إيلسا شروم ) قال الوزير مخاطبا والد (بيتوْ) : “فى هذا البلد لم أجد شخصا ناضل بإخلاص وتفانى  مثل (بيتو) وطبيعى إنشغالك عليه لأنّك  لم تشبع من رأيته بعد التّحرير  ولكنّى  أطمأنك أنْ لا مشلكلة تدعوا للقلق بخصوص  (بيتوْ) أمّا العناد فيظهر أنّه ورثه منك.. (يبدوا أنّه عرف أو سمع  عن قصة الأب  مع الرّأيس أسيّاس)”

يحكى أنّ  السّيد (أبرها أسفها) كان يردّد دائما فى مجالسه قائلا : “إفتقدتُ إبنى عشرات السّنين، قبلتها كلّها برضى نفس…. لأنّها ضريبة  الوطن والتّحرّير ولكن غيابه فى قدسيّة  الوطن المعتّق والمحرّر هو الّذى يؤلمنى ويقتلنى حقّا ” وتلك المعادلة الإجتماعية والسّياسية الصّعبة أصبحت تراجيديا إرترية بطلها (بيتوْ) وضحاياها  والد الجنرال ووالدته وكثير من الأحرار وآباء الأحرار فى إرتريا … و تلك المحنة  قتلت الأب فرحل عن الدنيا مقهورا ومغبونا على إبنه وعلى الوطن فى صباح يوم من أيّام سبتمبر من عام 1993…..

 تروى الأخبار من هناك  أنّ الجنرال فىالعام 1995 وبمساعدة تلامذته القدامى  نجح فى مغادرة السّجن فخرج وإختفى فى منزل أحد أصدقائه ولكنه لم يرد أن يغادر وطنه الذى من أجله ذبل شبابه …فإتصل بالرّئيس قاصدا المصالحة وأخبر (محمود شريفو ) و (بيطروس سلمون) و(هيلى درّع) فأتوا كلهم هناك إلاّ الرّئيس وهناك ولمدة ثلاث ساعات شرح لهم الوضع وكلّ الملابسات مع إثيوبيا والقصّة حول ميناء عصب وبعد اللقاء ترك لهم حريّة التصرّف وترك الحبال   على الرّقاب  وعاد إلى السّجن…..ولكنه لم يدرى أنّ لا حول ولا قوّة لهؤلاء فى مجابهة الدّكتاتور….

كان يردّد الجنرال لزواره بأنّه يعلم علم اليقين بأنّهم سوف لم ولن يطلقوا سراحه إلاّ إذا إختلفوا مع الـ (وياّنى تقراى)…

محاكمته :

كما توقّع (بيتوْ) وعندما حصل التوتّر مع إثيوبيا وأصبحت المواجهة وشيكة  فى شهر 5 عام 1997 أبلغوه بأنّ هناك محكمة  خاصّة  سوف تعقد  بشأنه  وعقدت المحكمة فعلا وكان القضاة فيها برتب عقيد وعميد …

قيل له فى المحكمة : اليوم تقرّر إطلاق سراحك!!!!

قال (بيتوْ): “أنا لست  كلبا يطلب منه الخروج فيخرج والدّخول فيدخل بل أنّنى إنسانا ثمّ مناضلا ومقاتلا ” وقال لأحدهم مشيرا إليه بيده : “كنْتُ يوما ما قائدا لسريّتك  وبناءا عليه مركزك لا يسمح لك أن تقاضينى !! من يحكم لىّ أو علىّ يجب أن يكون أعلى رتبة منّى عسكريّا  وبعد إثبات التّهمة أو نفيها بالأدلّة يمكنه أن يأمرنى بالخروج من السّجن أو الرّجوع إليه وقال :أطالب أن تشكّل لى  محكمة من رتب عاليّة فى السّلّم العسكرى حفاظا على حقّى وعلى القانون”

يقول العارفون : طلب منه  أن يخرج من قاعة المحكمة لأنّهم يحتاجون إلى مدوالة قصيرة، فأجروا إتصالا  هاتفيّا وبعد أن تلقّوا الأوامر قالوا له: “لأنّ الرّتب العسكريّة العالية غير متوفّرة اليوم عد إذن إلى سجنك مثل ما طلبت”  وعاد (بيتوْ) إلى سجنه بلا محاكمة تلك المرّة……

وفى يوم24 من شهر ديسمبر عام 1997 عقدت  محكمة عسكريّة من رتب عسكريّة عليا كما طلب  وقرّرت المحكمة فى جلسة صوريّة إنهاء مدّة سجنه بلا ذكر حيثيات الجريمة ولا ذكر نوعها، وبلا إستعراض للعقوبات القانونية بل كانت محكمة سياسية صامتة وبلا مرافعات.. وطُلب منه مقابلة وزير الدّفاع  الجنرال (سبهت إفريم) لتسوية الأمر فتوجّه إلى (بلزا) وقابل الوزير المذكور: ليقول له ” أنّ المحكمة لم   تجد لك  جرما ولذالك قرّرت إعتاقك من عقوبة السّجن، ومن ثمّ تعويضك عن كلّ الفترة التى قضيتها فيه وصرف  كلّ مرتّبك لنفس الفترة ” وسلّمه رسالة بذالك المضمون.

تقول الأخبار من هناك :وبعد فترة  وجيزة من الزّمن تحرّك الجنرال (بيتوْ) مع فوج كبير من أقاربه وأصدقائه إلى قرية (عدّى مَنقُنتِى) القريبة من (مندفرا) فى إقليم (سراى )  لزيارة قبر والده الّذى رقد هناك فى مدافن العائلة ، والده الّذى لم يودّعه ليلة الإلتحاق بالثوّار عام 1973كمالم يودّعه الوداع الأخير وهو فى  قلب أسمرا وعلى بعد أمتار تعدّ  فى سجن (كارشيلى ) يوم وفاته…

وأمام قبر والده فى القرية خطب على جمهور الحضور قائلا:

“أشكر كلّ الحاضرين لمواساتى فى وفاة والدى خرجنا من صلبكم وناضلنا من أجلكم وكنتم أول من ساندنا ولكنكم لم تجدوا حتى الآن نتاج جهدكم فى إقامة دولة الشعب للشعب أعرف أنّكم تتوقون لذالك وما ينتظركم من جهد لتحقيق ذالك ولسوء الحظ هو كثير  وكبير ”  وقال :”أريد أيضا أن أقول لكم إنّ الحكومة لم تعتقلنى لأنّى سرقت بل لأنّها تعرف موقفى فى مواضيع تخصّ سلطة الشّعب للشّعب… ولذالك بعد 6 أعوام أذنوا لى  بالخروج من السّجن  لأن ليس لدي جرميسكننى السّجون ، دخلته بلا سبب وخرجت منه بلا سبب ثمّ أنّهم  لا يجرأون على أن يقولوا لماذا أطلقوا سراحى!!!  لأنّهم لم يعلموا أحدا  بإعتقالى ولأنّهم لا يجرؤون على ذكر سبب لأنهم لا يملكون واحدا….ولا أحد من رفاقى تجرّأ للحديث عن سبب سجنى مع الرّأيس إلاّ مناضلا واحدا هو (عمر هكيتو) ولذالك أقول لكم إنّ ما ينتظرنا كثيرا وكبيرا  واصلوا نضالكم كما كنتم وألفتكم من قبل…..”

وبعدها أيضا بفترة كان فى  مدينة (دقّى أمحرى)  وكرّر نفس حديثه أمام مقبرة والده وأصبح حديث الدكتاتورية القادمة فى إرتريا  والتّحذير منها  شغله الشّاغل وقال فيما قال ” أنّ قصّة سجنى ما هى إلاّ   مسرحيّة حبكها (ملّس زيناوى) مع رئيسنا (أسيّاس أفورقى)”.. وبعد  أنّ كثّف الجنرال حملته ضدّ الدّكتاتور  خافوا من أن يقود إنتفاضة عليه وعليهم فأعادوه إلى السّجن الذى أتى منه بعد شهرين فقط من الحريّة .

تقول  السّيدة (إيلسا شروم ) فى مقالها : “أمّا والدته فقد حملت لواء المطالبة بحريّة إبنها بعد وفاة زوجها مباشرة ولأنّها تعرف رجالات الشعبية منذ العام 1974 لزياراتها المتكرّرة  لرؤية إبنها(بتودّد أبرها)  وكان وقد صادف أن عرفت المناضل (سبهت إفريم) فى الأعوام 1976-77 فى نواحى مدينة (مندفرا) فقصدته فى مقرّه فى (بلزا) طالبة العون لتحرير إبنها من (قبضة السّجان) كما قصدت يوما الرّئيس (أسيّاس) لنفس الغرض قال لها: “إنّ إبنك (بتودّد) ناضل من أجل وطنه إرتريا  بكلّ ما أوتى من قوّة وأنا أحترمه وأوقّره أكثر من غيره، ولكنّه لا يحترمنا وذالك  سجن ، ولكن لا تشغلى بالك كثيرا سوف يطلق سراحه قريبا”.. لم تقتنع أمّ السّجين بكلام الرّئيس ولكنّها عادت  إلى منزلها وأعادت الكرّة بعد نصف عام  وعندما رآها الرّئيس واقفة أمام بابه طلب من حرسه الخاص عدم السّماح لها بالدّخول… ثمّ طرقت باب الوزير   (بيطروس سلمون) ثمّ (الأمين محمّد سعيد) ولكنّها ذهبت للوزير (محمود شريفو)  فى منزله: وقالت : إلى متى وسوف توعدوننى بإطلاق سراح إبنى دون أن تنفّذوا وعدكم؟؟؟ أنا لا أعرف جرما لإبنى غير العناد!!! والعناد صفة صاحبتكم كلّكم ولم ينفرد بها  إبنى ؟ ولماذا يعاند إبنى  ألم يكن للوطن؟؟ ألم تكونوا أنتم أيضا عنيدين، كنّا نلحظكم فى الجبال والأودية أسودا عنيدة!! هل التّحرير جعل منكم حمائم ناعمة أم ماذا!! وهل هذا الوطن ملك أفراد أم هو وطنا للكل ؟ وهل سيكون السّجن مصير كلّ من يقول أنا  إبن بلدى وأحرص عليه؟؟ دعنى أقول لك شيئا واحدا  : “سوف تذكرون   إبنى يوما ما  عندما تجلدون بنفس السّوط الّذى يجلد هو به الآن!!!  وقال القائلون ربّما هذا الحديث هو الذى أجبر الوزير (شريفو) لطرح الموضوع على الرّئيس فى إجتماع إلتأم فى (دنقولو) ولكن الرّئيس لم يرد أن يدمج الموضوع فى أجندة الإجتماع  ورفض الحديث فيه إلى أجل غير مسمّى….

تقول المصادر : مرضت والدة الجنرال مرضا عضالا فأراد أهلها إصطحابها إلى المشفى ولكنها رفضت قائلة: أوصلونى إلى (سبهت إفريم) علّه يرينى إبنى ووصلت (بلزا) مقرّ الوزير فقال لها بلا لبس ولا مواربة “سوف لن أوفّق فى مساعدتك لرؤية  إبنك لأنّه سجن بأمر من الرئيس.”.. سئمت أمّ  الجنرال وأصابها الإحباط وملّت الحياة وإعتلّت صحّتها بسبب ما أصاب إبنها (بيتوْ) من تحت رأس  الرّئيس ففارقت الدّنيا وإبنها  إلى الأبد….

بكتها أسمرا وبكت معها إرتريا لتراجيدية الموقف أمّا إبنها الثانى فقد ودّعها وهو يصرخ قائلا :”يا (بيتوّ) تعال اليوم  ودّع أمّك الوداع الأخير لأنّها سوف تقبر!!!

الجنرال (بتودّد أبرها أسفها) لصعته عقارب الزّمن من كلّ صوب وجهة تركته زوجته  لأنها لم تستطع رؤية ملامح الإنفراج تركته لعناده و لهمّه يحمله وحده وتركت إرتريا لتعيش خارجها مصطحبة إبنتها المولودة فى العام 1987… يعيش اليوم (بيتودّد أبرها) فى زنزانة إنفرادية وحيدا بلا أنيس ولا صديق  بعد أن عزلته دّولة الظّلم  لأنّه يحمل داء المقاومة المعدىليعيش  باقى حياته فى سجن (كارشيلى) فى أسمرا..مريضا  يعانى الإنفصام ناضل من أجل الحقوق الإنسانية لشعبه فلم يجد من يدافع عنه وعن حقوقه فى هذه الدولة الممسوخة بفعل فاعل جانى ومفترى!!!!!

آخر خبر مؤسف ومحزن سمعته من مقابلة مع معارض سودانى كان  نزيل (حدائق الرّئيس والهقدف)  فى أسمرا  رآه هناك قال: ” قابلته فى السّجن لأنّى كلّفت لأعينه  فى حلق شعر رأسه أنّ الجنرال (بيتوْ) قد يفقد عقله  فهو يحادث نفسه بكثرة من طول سنين الوحدة ”  يقول العارفون:أرْسل إليه السّجين السودانى لأنه لا يستطيع محادثته لعقدة اللغة ولئلاّ يفشى سرّا…. حسبى الله على دولة الظّلم والظّالمين.

الحريّة للجنرال بتودّد أبرها ورفاقه

حاربو دولة المزاج لإبدالها بدولة القانون

ولتعش إرتريا  حرةّ أبيّة … ليهنأ شعبها بالأمن والحريّة

هوامش

(1) (بيتوْ) هو الإسم الذى عرف به (بيتودّد أبرها ) فى الميدان  يطلقه عليه أصدقاؤه وهو إختصار للإسم الكامل (بتودّدْ) وهو أيضا لقب سياسى أمحراوى يطلق على المقرّبون من حاشية (المُلك الحبشى)  وإختصار الأسماء له رواج  فى الجبهة الشعبية وعند أهل التقرنية عامة مثل (فبرى مكّئيل تختصر إلى (قرّى) وتسامكئيل تختصر إلى (تسفيت) كما أنّهم ينسبون الإنسان إلى أبيه فى النّداء فكان إبراهيم عافة ينادى بـ(ودّى عافة)  وبيطروس بـ (ودّى سلمون) ومحمد سعيد باره بـ (ودّى باره)هذا من غير الألقاب فكان لها أيضا من الرّواج نصيب مثل (أنبسا هزباوى سراويت) عوضا عن (إبراهيم عافة ) و (درّع) عوضا عن (هيلى ولدى تنسائى) ،كما فى لغة التقرايت تصغير الأسماء  للتحبيب مثل : عبدوتاى لعبدو وعمراى لعمر.

مراجع: إستعملت كلّ المعلومات التى وجدتها فى مقال (إيلسا شروم) بالتقرنية عام 2004 ثمّ الترجمة الإنجليزية والتى نشرت فى العام 2005 فى (عوّاتى دوت كوم) تحت الرّابط أدناه وتعليقات القرّاء..

http://redsea1.forumchitchat.com/post/BITWEDED-ABRAHA-16-YEARS-SOLITARY-CONFINEMENT-FOR-A-NATIONAL-HERO!-

2261677

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=39301

نشرت بواسطة في أغسطس 15 2013 في صفحة المنبر الحر, شخصيات تاريخية. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010