الحديث حول اسياس وساس ويسوس

فتحي_عثمان

يشير البعض، عندما يدور الحديث عن اسياس افورقي، بأن الحديث عنه أمر يصرف عن أمور جليلة.
لا أتفق مع هذا القول لأن اسياس هو الرجل الوحيد الذي يحتل منتصف الدائرة في المشهد الوطني منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود، وذلك بإضافة السنوات منذ التحاقه بالثورة حتى صباح الاستقلال.

فقط يكون الموضوع انصرافيا وصارفا في حال التركيز على قضايا هامشية حول سيرته وتأثيره، ولا تغوص في جوهر شخصيته لتستخلص أسباب سيطرته الذاتية: أي تلك التي ترجع لشخصيته، والموضوعية تلك التي ترجع للبيئة المحيطة به، مع خلق كل الظروف لعدم تكرره في هذا المشهد حاضرا ومستقبلا

.
إذا تتبعنا هذا النهج بالانتقال من الظاهر إلى الباطن، قد لا نختلف، حسب معرفتنا المتاحة عنه، بأن الرجل ذكي، ويعمل بجهد واجتهاد، ويحدد أهدافه، وينتصر في معاركه وقد لا تنقصه الشجاعة في المثابرة على ما يريد. الخلاف حول هذه الصفات يجب أن يكون نسبيا وفي غير اجحاف، ليس له، بل لنا حتى لا نخون ملكة الحكم الصائب في غمرة حبنا وكرهنا وله.
فيما يخص الذكاء، وكما هو معلوم، فإن علم النفس يقسمون الذكاء إلى أنواع: فمنها الرياضي “الحسابي” الخاص بالتعامل مع الأرقام والمفاهيم المجردة، والذكاء الرياضي الخاص بالجسم والسيطرة عليه في المناشط الرياضية. ومثال الأول اسحق نيوتن ومثال الثاني ليونيل ميسي: فمن يستطيع القول بأن ميسي “غبي” في المستطيل الأخضر؟ وهناك الذكاء العاطفي أو الاجتماعي وهو الخاص بحساسية تفهم وإدراك مشاعر الآخرين وانفعالاتهم وتغير حالاتهم النفسية وأخيرا القدرة الفائقة على التعاطف معهم وكسبهم. ثم هناك الذكاء في فهم وتمييز الأصوات وهو الذكاء الموسيقي والذكاء في النفاذ لجوهر الألوان وتوظيفها في الفن التشكيلي والرسم.
أما الذكاء السياسي فهو يشتمل على قدرة عالية في فهم مراكز القوى وتغيرها والخيال في تصور وضع سياسي جديد والتخطيط له باستخدام أدوات القوة من سلاح وحرب ودهاء وموارد مالية ومعنوية وحتى الأشخاص المناسبين لتحقيق الهدف. بناء على هذه المؤشرات ومن خلال تاريخه الشخصي يتمتع اسياس بكم وافر من هذا الذكاء وبالصبر على تتبع أهدافه وفوق ذلك معرفته للأشخاص “النافعين” لفترة سياسية معينة والتخلص منهم لاحقا بوسائل متعددة لا تخلو هي الأخرى من الخبث والدهاء.
بقاءه على رأس السلطة في ظل أوضاع إقليمية وعالمية متغيرة واستخدامه للشخصيات المحيطة بصورة دائمة حينا وبصورة متغيرة حينا آخر ” تنبغي الإشارة هنا إلى أن عدم تغيير اسياس لمجلس وزرائه ولسنوات طويلة مبني على قاعدة شيطان تعرفه ولا ملاك تجهله، ويفسر هذا بقاء فوزية هاشم، مثلا، في منصبها لفترة طويلة ووزراء آخرين”. وبقاء اسياس في قمة هرم السلطة ليس صدفة أو ضربة حظ، بل عمل شاق يصعب عليه التضحية به لأي سبب كان.
بنفس القدر الرجل محروم تماما من الذكاء الاجتماعي والعاطفي، ودلالة ذلك قسوته وجلافته وتخلصه من أعز أصدقائه من أجل بقاءه في السلطة. وربما هو كذلك مجرد من أنواع أخرى من الذكاء لا نعرفها إلا حين نقترب منه أكثر.
والحوار حوله شخصه فيما اظن يجب أن ينصرف، بعد بيان ما له وما عليه بكل موضوعية وعمق إلى الإجابة على سؤال جوهري: هل وظف اسياس افورقي، كرجل سياسة وحكم، ولا نقول “رجل دولة” كل ما يملك من طاقات وقدرات لرفعة أمته وبناء شعبه ووطنه؟
هذا هو المعيار العملي لتناول كل ما يتعلق بشخصه في الراهن او حتى التأريخ له مستقبلا، دون البقاء على السطح يتناول القشور دون تعمق.
ملاحظة مسيرة الرجل وسيرته وما تمخض عنها حتى اليوم يقود إلى استنتاج واستخلاص، لا يزيغ عنه إلا مداهن، بأن الرجل وظف دهائه السياسي ومهاراته في التكتيك والاستراتيجية في تدمير ارتريا وشعبها ووأد حلمها والكيد لتطلعاتها وايصالها لهذه الدرجة من التقزم والبؤس، في مفارقة كبيرة بين مصالحه، ومصالحها، ورغباته وطموحها.
وعند ملامسة الخراب الذي يتفنن في صنعه كل يوم لا تشفع له وسامة جون كنيدي ولا دهاء لينين

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=46834

نشرت بواسطة في أغسطس 1 2023 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010