الحوار الوطنى : الفريضة الغائبة

عمر جابر عمر

الحوار قيمة حضارية وثقافة انسانية تبرز وتتكون فى العقل البشرى نتيجة موروثات وتجارب وعوامل اجتماعية وثقافية . الحوار ليس هبة من السماء ولا هو مهارة نكتسبها من الآخرين –

بل لا بد من توفر بيئة فكرية وعلاقات صحية بين مكونات المجتمع حتى يكون الحوار ممارسة يومية وخيارا طوعيا لحل الخلافات والتناقضات. اذا عدنا قليلا الى الوراء لنقرأ فى صفحات تاريخنا المعاصر – ماذا نجد؟

@ مرحلة تقرير المصير – الكتلة الأستقلالية فى مواجهة حزب الوحدة ( اندنت ) – لم يكن هناك حوار بل حرب ومواجهة بكل الأسلحة وتمحور واصطفاف على أسس الوراثة والموروث.

وفى نهاية الأمر كان العامل الخارجى ( اثيوبيا وأمريكا ) هو الحاسم فى تقرير المصير.

@ مرحلة الثورة – مرحلة تأكيد الذات – من يمتلك القوة تكون له الغلبة – استخدام جميع الأسلحة لفرض الأصطفاف ( المعاصر والموروث) –

جبهة تحرير ضد حركة التحرير

جبهة تحرير ضد قوات التحرير

الجبهة الشعبية ضد جبهة التحرير

حتى الحوارات التى جرت بين القيادات كانت اما تكتيكات مؤقتة لتحقيق مكاسب سياسية ضد هذا الطرف أو ذاك أو خضوعا لضغوط خارجية تفاديا لحصار قد يفرض عليهم.

اتفاقية جبهة التحرير مع البعثة الخارجية – 1975

اتفاقية جبهة التحرير مع الجبهة الشعبية – 1977

اتفاقيات تونس وجدة – الخ

القوى الخارجية – الدولية والأقليمية – استخدمت الأداة المحلية لفرز الفصائل الأرترية

( أمريكا والسودان وتعاونهما مع الشعبية وتقراى لتصفية جبهة التحرير الأرترية ).

@ مرحلة الدولة – مرحلة فرض الذات – تراجعت المعارضة وعجزت عن فرض أجندة الحوار. اليوم تعانى الساحة الأرترية من آفات ثلاث :

1— الآفة الأولى هى الدولة الفاشلة –الجبهة الشعبية نجحت فى الوصول الى مرحلة الدولة وفرض الذات – الا أنها من خلال ممارساتها ونهجها عملت على افراغ الدولة من المحتوى الوطنى والحضارى وقادتها الى توصيف الدولة الفاشلة حسب تقرير مجموعة الأزمات الدولية.

قيادات الدولة تعيش فى حالة خداع للنفس يحكمها غرور وتعال زائف واحتقار لكل المعارضة وفخار بمنجزات وهمية وعزلة تامة عن المحيط وانفصال عن هموم وطموحات الشعب.

2—الآفة الثانية هى المعارضة العاجزة – عجزت عن الأرتقاء بخطابها وأساليب عملها الى مرحلة الدولة وأصبحت تدور فى حلقة مفرغة تأكل بعضها بعضا وما تزال فى حركتها وهيكلتها التنظيمية تعيش فى مرحلة الثورة ( اثبات الذات ). سماتها وخصائصها هى رفض الحوار فيما بينها فى حين تسعى اليه مع نظام لا يعترف بوجودها – اتهامات متبادلة بالعمالة والخيانة – يرفعون شعار الحوار ويمارسون الأقصاء والتهميش – يدعون الى مؤتمرات للحوار ويضعون العقبات والحواجز أو يقدمون المبررات للمقاطعة والأنسحاب.

الجميع – نظام ومعارضة – توقفوا فى منتصف الطريق – انه ادمان الفشل والعجز عن استقراء المستقبل.

3-الآفة الثالثة هى اعلام الجهالة والتجهيل – بعض الجرائد الحائطية ( المسماة مواقع الكترونية)

تجاوزت مرحلة الأخطاء العفوية وقلة التجربة ووقعت فى مصيدة التأثيرات والمغريات الخارجية اما مباشرة أو وكالة حيث أصبحت تنشر وتبشر بما لا تدرك مضامينه ولا تعرف أهدافه الحقيقية . هذا البلاء الذى أصاب القارىء الأرترى يتمثل فى :

# الذين يكتبون ولا يقرأون – لا يكفى أن يقرأ الفرد كتاب المطالعة وافتتاحية جريدة ليكتب مقالا تحليليا عن الصراع فى القرن الأفريقى.

# الذين يفتون بدون علم – لا يكفى أحدهم أن يحفظ بضعة أحاديث للبخارى ومسلم ليصدر فتاوى فى الحلال والحرام.

# نشر الأكاذيب والمعلومات التضليلية دون تدقيق أو مراجعة.

غابت التخصصات وضاعت المراجع واختلطت الأولويات وتراجع الخطاب الوطنى وأصبح البعض يتمحور حول مكونات اجتماعية وثقافية تجاوزها الزمان وتخطاها الواقع.

واعلام النظام لا يقل جهالة وتجهيلا – مغالطات تاريخية وتحليلات طفيلية ومهرجانات مزيفة تعكس حالة خداع للنفس وأحلام يقظة لا يريد النظام أن يفيق منها.

وفى كل تلك المراحل كان الشعب غائبا ومغيبا من لعب أى دور فى الحوارات القيادية –كانت تلك الحوارات فوقية – اذا نجحت صفق لها الشعب وهلل – واذا فشلت عادت القواعد للتمحور حول مكوناتها الأجتماعية والثقافية ( تحت مظلة المسميات السياسية ).

النتيجة التى برزت بسبب تلك الآفات تتمثل فى ( هدر الفكر والطاقات والوعى ) – فى كتاب عن هدر الأنسان – مراجعة وتقديم السيد زين العابدين شوكاى – يقول فى الفصل الخامس عن

( هدر الفكر ) : بسبب هدر الفكر والطاقات والوعى يصبح التركيز على المظاهر والنتائج وليس على جوهر الأشياء وأسبابها – وبالتالى يضيع العلاج – ( موقع عركوكباى).

تلك الحالة اذا أصابت الأفراد أصبحوا ضحايا اليأس والتشاؤم والشك فى كل شىء وبالتالى التردد فى الأستجابة أو التفاعل مع الأحداث. واذا أصيب تنظيم ما بهذه الحالة فانه يصبح عاجزا عن الحركة الأيجابية ويكون الرفض هو نهجه وموقفه ( الجبهة الشعبية نموذجا ).

ما العمل؟ الحوار – ثم الحوار – الحوار

لا بد أن تأخذ القواعد زمام المبادرة وتكسر الحواجز وتحرك الجمود وتشعل الشموع لتبدد الظلام الذى يحيط بالوطن والمواطنين – لا تنتظروا قياداتكم فالقيود التى تكبل حركتهم كثيرة – لكنكم يمكن أن تكونوا عامل تحريك وخلق بيئة للحوار الأيجابى ونمو فكرة الحوار وانتشارها فى المجتمع بحيث تنبت المنظمات السياسية ومنظمات المجتمع المدنى وتنمو فى تلك التربة الصالحة وتتعلم معنى الحوار وأهميته وليس كما هو الحال الآن – أى أن المنظمات ولدت وكبرت فى بيئة غير صحية وغير ملائمة للحوار ما جعلها تسقط تجاربها وقناعاتها على القواعد التى قامت بدورها بالاصطفاف والتمحور حول تلك الحظائر والكانتونات الأجتماعية والمنابر السياسية.

لا بد من الأتفاق على موجهات وأسس للحوار نهتدى بها:

1-الأعتراف بالرأى والرأى الآخر – من يرفض الرأى الآخر فهو لا يؤمن بالتغيير الديمقراطى ولا بالتعددية السياسية وهو فى المحصلة النهائية نصير لنهج هيمنة الحزب الواحد سواء كان ذلك الحزب هو الجبهة الشعبية أو حزب معارض.

2-اذا كنا نرفض ولاية أسياس ونظامه من منطلق عدم الشرعية فلا يمكن قبول شرعية قيادات المهجر ( المعارضة) الا باعتبارها جزئية ومؤقتة الى حين أن يقول الشعب كلمته النهائية.

3-هناك من لم يجلسوا مع مكونات الشعب الأرترى لأسباب مختلفة وبالتالى لا يعرفون كيف يفكر الآخر وما هى أولوياته؟ هؤلاء هم كتلة صماء تشكل خصما على القدرات الأجتماعية والثقافية للمجتمع الأرترى وامكانية تفاعل مكوناته.

هنا يأتى دور منظمات المجتمع المدنى التى يجب أن تكسر الحواجز النفسية ومعايير الأصطفاف السياسى التى كرستها المنظمات السياسية .

اذا انقطع الحوار أو تعطل فان النتيجة هى ضياع اللغة المشتركة وبالتالى سنجد أنفسنا أمام تعدد الموجهات والمفاهيم وتناقضاتها – سنصبح أقواما تتحكم فى حركتنا قيم تأكيد الذات و ( الأنا)

عندها سنكون أمة غير موعودة أو مبشرة بل منذرة بالوعيد والعقاب.

البداية لن تكون سهلة ولكن اذا لم نبدأ لن نصل أبدا – وأن تصل متأخرا خير من أن لا تصل.

كان الله فى عون الشعب الأرترى

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=9576

نشرت بواسطة في أكتوبر 22 2010 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010