الحوار الوطنى … تعالوا الى كلمة سواء

 بقلم :  كـرار هيابو (أبو علي)

hiabu1_k@yahoo.com

   

  أتخيل أن أناس من فئات مختلفة ، وقطاعات متعددة ، وألوان شتى يلتقون , وأتخيلهم يتناطحون ، ويتشابكون ، ويتناحرون ، كل هذا في حلبة حوار ، لا يهم إن كانت حلبة مغلقة أو مفتوحة ، المهم أن يجد كل طرف من أطراف الحلبة فرصته في الحديث ، وأن يدلي برأيه في كافة القضايا التي تهمه ، يرفع صوته حين يتحدث هو ، ويخفتها حين يتحدث الآخرون.

التقت فئتان من الملائكة ، ملائكة الجنة ، وملائكة النار ، المناسبة كانت أن مات رجلا في الطريق بعد ان قتل 99 رجلا  أو مائة، ثم تاب توبة نصوح ، واتجه الى أرض أخرى ، ارض لم يسبق له أن أزهق فيها روحا.

ملائكة الجنة أرادت أن تأخذه الى الجنة لأنه تاب ، بعد فعلته الشنيعة بإزهاقه كل تلك الأرواح ، وهي ترى أنه تاب ولا داعي لدخوله النار. وملائكة النار تريده في النار ، لأنه مات قبل أن يصل الى تلك الأرض التى كان يقصدها. دار بينهما ، اي الملائكتين ، جدلا واسعا ، ولما لا ، فالرجل إرتكب جرما يعاقب عليه أيما عقاب ، فليس سهلا أن يُعفَى بعد إزهاق كل تلك الأرواح ، والصحيح ان  يكون مثواه النار ، وملائكة الجنة حجتها هي ان القاتل قد تاب الى ربه وآب اليه ، وقصد أرض أخرى لكن المنية لم تمهله طويلا ، فمات قبل أن يصل اليها . وينبغي أن يكون من أهل الجنة ، لا أهل النار . هو حوار من (العيار الثقيل) ، فيه كثير من الجدل ، والإجتهادات بحيث يحرز كل فريق نصرا على الفريق الآخر، ويفوز بالرجل القاتل. أرأيتم (ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) ، يختلفون في شيء ، ويدعي كل طرف بأنه على حق ، وأن غيره على باطل ، أو هو أحق به من غيره . ثم يهتدي الفريقان الى حل وسط يجعلهما يلتقيان في منتصف الطريق ، لإنهاء الخلاف ، وحل المعضلة ، وانهاء الملف ، ملف النزاع على الرجل الميت ، الحل ان تحسب المسافة من المكان الذي مات فيه الرجل الى المكان الذي قصده والمكان الذي تحرك منه. هذه هي نقطة التلاقي بين الفريقين ، ومهما تكن النتيجة فان كل فريق ينصرف الى حال سبيله  راضيا ومقتنعا ، ولا يتربص بالفريق الآخر. حَسِبَ الفريقان المسافة، فوجدا ان الرجل قد قطع أكثر المسافة الى القرية الطاهرة ، ولو بقليل ، وذلك بفضل توبته النصوح ، فحُمِل الى الجنة ، وكان الله غفورا رحيما. (يا أيها الذين آمنوا توبوا الى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار) – التحريم 8.

وينبغي أن يكون الحوار كذلك بيني وبينك ، بيننا  وبينهم ، بين المرأة والرجل ، بين الناس أجمعين في العمل وفي الحقل والمكاتب والفصول ، بين الزوج وزوجه بشأن الحاضر ، والمستقبل ، بين البنت وفتاها حين تلتقيه اول مرة متسترة ، يجب أن تحاوره فيما يجب أن يكون اليوم ، وغدا وبعد غدِ ، إن لمست فيه جوانب من صفات فتى الأحلام ، تقدمت نحوه خطوة ، وأتم هو باقي الخطوات ، وإن وجدت فيه خصلة من خصال الأشرار ، تراجعت فورا ، وتابت وانابت. الحوار منه الإيجابي ، ومنه السلبي ، حوار الأزواج الإيجابي يتبعه إمساك بمعروف ، وبناء أسرة يتربى في كنفها الأبناء الصالحون. والحوار السلبي يتبعه تسريح بمعروف . لا حجر على خيارات الفرد ، ولا إكراه على قبول المرفوض أو المكروه.

المجتمع الصغير حين يتخلله الحوار ، يسوده السلام والإستقرار. في مجتمع المدرسة حوار المدرس مع تلاميذه ، وحوار المدرس مع المدرس ،  وحوار المدير مع مدرسيه ، ومع أولياء أمور تلاميذه . الكل يجتهد ويختلف ويصر في رأيه ، وحين يلتقي الجميع ، مثنى أو جماعة ، في حوارات ثنائية ، ثلاثية أو جماعية ، على طاولة مستديرة ، أو تحت شجرة ظليلة ، أو فوق ربوة  خضراء في يوم مشمس ، فإن روح التآخي تكون حاضرة ، وان البركة الإلهية تتنزل على الجميع ، فيؤلف الله  بين قلوبهم ، ويصبحوا بنعمته إخوانا.

حوار البنت وفتاها ، وحوار الزوج وزوجه ، وحوار المجتمع الصغير ، وقبله حوار الملائكة حول الرجل القاتل ، كلها تفضي الى الفلاح والصلاح ، وخير الأمة والمجتمع .

وما يجب أن يضاف الى هذا وذك ، حوار المواطنين من حكام ومحكومين ، الذين في العلالي وهؤلاء الذين في القاع ، الفلاحين والرعاة ، العمال والتجار ، البدو والحضر ، أهل الجبال والوديان ، وأهل الهضاب والسهول ، الذين في المدن والذين في المخيمات ، بين اللاجئين والمهاجرين ، وبين العائدين والمقيمين ، بين الشعب والمقاتلين ، وبين الحكومة والمواطنين ، كل يأتي بما لديه من افكار ، افكار في الحياة السياسية ، وطبيعة الحكم ، وحقوق وواجبات الخلق من المواطنين والمواطنات .

نحن شعبٌ يدعو الى الحوار ، ونجادل بالتي هي أحسن ، ان برز من بيننا من يدعو الى غير ذلك دعونا له بالمغفرة والهدايا ، وألحنا في الدعاة أن يهده الله سواء السبيل.

هكذا اقرأ دعوة الحكومة الى الحوار ، الحكومة الأرترية بالطبع ، الحوار الذي تحدثت عنه مطولا في مجلة (الأمانة) الناطقة بإسم (آل البيت) ، وما فهمته من مضمون ، بعد القراءة الثالثة للموضوع ، لا يخرج عن اطار ما ذهبت اليه في هذا المقال من هذا المقام.

فهل أصبت ولو شيء من هذا المنحى أم ماذال طريق القراءة أمامي طويلا.

من يدلني فله أجران .

    

قبل الوداع:

َيهَـوْ  أرتريا  تيـلَتـكم  لُبْـكم  كُـْرو  جلـيي  وأتـَنـْسُوني

اجْـل  إِيـتـِنـْدََدو  سارَحْـكوكم  وبـْرْدتْ  كم   رَكـَبْكُم   رَسَعْـكـُونِي

شعـبـيـي  من  قـَبـْئـََُكُم  حَـميـْكـوكم  واْكـُوي  من هـليـكـو  سامحـونـي

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6322

نشرت بواسطة في أبريل 25 2005 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010