الخريطة المُرعبة

بقلم: بشرى بركت

دائما ما كنا ضحايا التغييرات الغريبة التي تعج بها المنطقة والتي أراد حظنا العاثر أن يضعنا فيها. وقد تسبب ذلك في أننا دفعنا الثمن الأغلى عبر كلّ المراحل التاريخية. وبما أننا الخاسر الأكبر في هذه المعادلة السيئة فقد رأيت أن نقول الحق بحسب ما تألمنا وتعلمنا بأنّ المصالح السياسية الأولية والآنية في منطقتنا تصبح أولوية قصوى أمام الشأن الإستراتيجي الذي يفترض أن يظل رُكنا أساسيا في علاقات الأمم، خاصة تلك الأمم التي تربطها الثقافة والتاريخ والمصير المشترك كما هو حالنا والمنطقة.

كنا نحن الإرتريون في أوج عظمة حراكنا الثوري ضحايا للإختلاف العربي، ودفعنا في ذلك مالم يدفعه أي من العرب أنفسهم. وقد كانت نتيجة ذلك أن أسلمنا مصيرنا كله للعدو الألد الذي كنا نناضل ضد مشاريعه متمثلا في مجموعة الكوماندوس الإستعمارية والوحدويين القائمين على الطائفية البغيضة لضمنا إلى إثيوبيا التي كانت معلنة دولة تحت التاج الملكي الأورثودوكسي المقدس مما نتج عنه أن اصبحنا مشردين كأن لم نضحّ بالغالي والنّفيس وتائهين كأن لم تكن لنا مكانة في الأوطان وباعٌ في صناعة أنصع صفحات التاريخ النّضالي. ثم تبع ذلك أن أسلمنا أمرنا لمن اطمأننّا عليهم من بني العربان ومن ثم توالت أزمات التابع (نحن) وسار به الأمر الى بحار من كلمات التنظير والجدل الدائم، ومن ثم دخلنا الأرفف الأبعد في تاريخ الحراك الإنساني. ثم تطوّر أمر اندحارنا وانسحابنا وفجور من وضعناهم أصحاب من الأهل والجوار العربي الى حدٍّ وصل بهم الفجور بوضعنا في صف جرائم النظام، رغم علمهم أنهم من وضعنا في هذا الحال حيث تجد مثقفيهم يحدثونك عن أسباب انحياز النظام في اسمرا لصالح اسرائيل متناسين أنّهم من أسلم أمرنا إليه، كما فعلوا بالضبط في أمر الفلسطينيين حيث أسلموا أمرهم الى الكيان الصهيوني بالتدريج الى حد أنهم لم يحركوا ساكنا حين تم تسليم القدس للكيان الصهيوني.

هذه الخريطة الجيوسياسية الغريبة لعبت بكل مصائرنا ومازالت مما نتج عنه التغريبة الإرترية الدائمة وللآخرين حق العودة إلى بعضهم البعض وسياساتهم رغم تخلفها لا تمنع دخولهم في بوتقة واحدة لأنّ التوازان لديهم لم يكن بالحساسية التي لدينا والمتربصون لا يريدون منهم شيئاً إلا الضبط الضروري لأسعار بعض السلع الإستراتيجية (البترول مثلا) وتوفيرها بقدر ما يطلب المستثمرون فيها بالضبط، ومن ثم عاد وضعهم إلى طبيعته ولم يعد لنا شيء إلّا القليل من الذكريات، فحتى الوثائق الخاصة بنضالنا قد تمّ التخلّص منها من قبل الكيان الأقعازي الذي يحتلّ إرتريا وبالتعاون مع النظام في الخرطوم وكيانات عربية أخرى.

هذا التاريخ المؤلم نتج عنه التغيير الديموغرافي في إرتريا حيث أصبحت بلادي من عنصر واحد. فقد هُجِّرَ المواطنون من باقي المكونات وأبدلوا بمواطني إقليم التقراي الإثيوبي تحقيقا لحلم دولة التقراي تقرنيا المسماة بالأقازيان الصهيونية حاليا. أما إرتريا كتركيبة سكانية أصلية قد اضمحلّت وتلاشت تحت أقدام التآمر الذي إشتركت فيه بلاهتنا مع نباهتهم، ثم عدم اكتراث حلفائنا بنا والتزام حلفائهم بأدقّ تفاصيل مشروعهم واستمرارهم في ذلك حتى أثناء العزلة السياسية الحالية للنظام.

الامر أيها الاحبة مشروع متعلق بالمنطقة ونحن أضعف الحلقات فيه، وعليه إن أردنا النجاح وتحقيق طموحات شعبنا فلا مناص لنا غير العمل المنفرد الخاص بنا ثم من اراد ان يلتحق بنا فليفعل، ولكننا لا يحتمل أن نركن على احد من حلفاء الماضي السحيق ومن ثم علينا الإلتزام لشقّ طريقنا بمجهودنا الذاتي.

العرب موتى والجوار العربي في أسوأ حالاته، وكما ترون حتى لم يحتملوا الإتيان بكلمة سواء بينهم حيال تهويد القدس (قضيتهم الأساس عبر عقود) ونهب تاريخهم وعليه لا أمل فيهم للعمل والمساعدة على النهوض بقضية شعينا العادلة، بل على العكس نجدهم يرمون أنفسهم في أحضان النظام الغادر في أسمرا وقد نجدهم قريباً يحاربون في اليمن كتفا بكتف.

نعم لا ننكر انتماءنا للغة، ولا ننكر انتماء اللغة لنا. لا ننكر المصير المشترك، ولا القضية المتداخلة ثم أننا لا نعطي لتاريخنا العربي ظهورنا. فلا نحن ولا غيرنا يمكنه القفر فوق هذه الحقيقة الثابتة. وبما أنّ التاريخ لا يمكن أن يتكرر بذات الصياغة الرديئة لا بد أن نلتزم بما يخصنا منه ونعمل على تفعيله بأنفسنا.

نعلم جميعا أننا أضعف حلقات اللعبة في منطقتنا المنكوبة فهذه إثيوبيا تصنع لنفسها مكانة بحسب ما ترى وهذه إرتريا الاقعزية لا ترى إلا نفسها، ثم لا أستبعد أن تتوسط الدول العربية وترمي كمّا هائلا من الأموال بأحضان النظامين حتى يصطلحا وبحاربا بالنيابة عن دول الخليج في اليمن ولا أرخص من أن تتذرّع الدّول وتحرك لمجرد عملية وهمية تحدث في أراضيها بالإضافة إلى الإلتزام بمطالب التحالفات المحتملة بعد نجاح الوساطات الساعية للصلح بين النظامين في أسمرا ومقلي.

نحن في مأزق إذن!! والأوضاع في المنطقة لا تسير في وجهتنا. لا أنكر أنّ لدينا فكراً سياسياً متكاملاً، ولكننا نحتاج الى سياسيين قادرين على الحربائية السياسية. نعم لدينا المجلس ووثائقه المتكاملة، ولكننا نحتاج الى مكونات جادة لتحقيق الوثائق واقعا على الأرض. نعم لدينا الرؤية للحل، ولكننا نفتقد الى الوسيلة العملية والواقعية لترجمتها على الأرض. نعم لدينا المحاولات الحقيقية، فلدينا كل محاولة فردية جادة على الأرض، ولكنها إنتهت محدودة التأثير كما بدأت. نعم لدينا الإنتفاضة الأخيرة، ولكن لم يكن لدينا القدرة التنسيقية للعمل عليها وعلى إنجاحها وترجمتها الى حراك شعبي متكامل يرفع سقف مطالب شعبنا المكافح في الداخل، والزمن والأحداث تتسارع.

وقبل أن أختم بأحد السيناريوهات الخيالية الإستفزازية إسمحوا لي أنْ أنقل لكم رأيي الشخصي والقائل بأنّنا سنكون في أقوى حالاتنا إذا ما أقررنا بهذا الواقع المؤلم وعملنا على أساسه.

 

إليكم سيناريوا 2018 دون أن تحسبوه أكثر من كونه خيالاً ولكنه يضع احتمالات حقيقية للدراسة والتمحيص.

 

من وحي الخيال!!!!

1/2018

الدول الخيجية بالتعاون مع االولايات المتحدة واسرائيل تضغط على إثيوبيا وإرتريا لإستعادة علاقاتهما القوية مقابل تزويدهما بالأموال وتحسين صورتيهما في العالم.

1/2018

الحوثي يبسط سيطرته على اليمن الشمالي كاملاً ويتمكّن من ضبط مؤسّسات الدّولة ثم يهدّد الاراضي السعودية جدّيا.

2/2018

قاعدة عصب تتحرك بقوة وتعج بالجيوش.

–   الجيوش الخليجية التي تعرف بعضها بعضاً ولديها وجهات للتحرك تتمثل في الاسناد الميكانيكي والدعم اللوجستي.

–   الجيوش الاثيوإرترية تستعد لمعارك إلتحام جبلية.

–   الجيوش الغربية في مهمات الاستشارة والتدريب.

2/2018

تدفق دفعات من المليشيات الاجنبية التي أكملت مهمّة العراق وتكاد تكمل مهمة سوريا حيث تأتي لمساندة الحوثيين، إذ لم يعد لها مكانة هناك في العراق وسوريا. ذات حال المليشيات الاجنبية كانت تقاتل في افغانستان ثم اصبحت بلا عمل بعد منتصف تسعينيات القرن الماضي على اقصى تقدير ومن ثم أوجدوا لها عملاً فيما سمي بالإرهاب.

3/2018

تسير المعركة كما هو مخطط لها وتعمل كل القوى القادرة على لعب دور للقيام بدورها. القوات الاثيوارترية المتمرسة في الحروب الجبلية وغير الآبهة بموت الآلاف منها والمستخدمة لذات الاستراتيجيات القتالية تتقدم بسهولة واليمنيون يتسلمون الادارات المحمية بالاحباش الواحدة تلو الاخرى. يجتهد الكثير من مسؤولي الادارات لتعلم لغة الاحباش وذلك لتسهيل معاملتهم معهم.

3/2018

بتم توجيه المليشيات للقيام بالعمليات الترويعية التي تجوب عواصم الدول المشاركة خاصة تلك التي لا تستخدم التكنولوجيا المتقدمة متمثاةً في دولتي الأحباش.

4/2018

المليشيات تغير من استراتيجياتها وتبدأ في تصيّد الضباط اليمنيين والخليجيين في مناطق الإسناد ثم المتاح لهم من الغربيين والاحباش كأهداف ثانوية مما أثار بلبلة كبرى استدعت إعادة جزء من جيوش الاحباش للتخطيط لتأمين المؤسسات ومن ثم اصبح لهم الكلمة العليا في سير الأحداث

4/2018

إجتماع في مقلي بين قادة سياسيين وعسكريين اثيوارتريين تمخض عن تسمية قادة عسكريين وأمنيين واداريين يحملون قوانينهم ومبادءهم الخاصة الى اليمن

4/2018

الاثيوارتريون يطالبون بالمشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية والقوى الغربية تساند هذه المطالب. يتم نسمية الرجل الحبشي القوي،،، أبراهام إساياس قائدا أعلى للعمليات الحبشية في اليمن.

1/2019

ماذا بعد السيطرة الكاملة؟؟؟ تأتي الأحاديث الضعيفة لتكمل السيناريو!!!!

 

ب.ب

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=42573

نشرت بواسطة في ديسمبر 15 2017 في صفحة البشرى, المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010