الدكتور عبد القادر صالح خليفة

اسد صعب الترويض

بقلم :  اسماعيل عمر

esmaomar@hotmail.com

 

كان حلمه المساهمة  في  بناء  جيل  واعي مسلح  بالعلم  قادر علي تحمل الاعباء  .. في بلاد لا  تعرف سوي بناء المعتقلات  والسجون … كان حلمه   العيش في وطن تظلله  الديموقراطية …  يحقق العدل و المساواة  للجميع .. يسهر في توفير قطعة  خبز  وزجاجة حليب لكل طفل ….. وجده وطنا غارق في   وحل العشوائية  ،  يحكمه الحقد  والعنف  والرعب من كل اتجاه .. وطنا  لا يتنفس الجمال  .. مسكون بالبشاعة  والقتل  والخوف .

 

 ادرك انه في المكان الخطأ  والزمان الخطأ  ……. كان غريبا عليه ان يتحول شعب  باكمله  الي اشباح  بفعل  فاعل ….. ان يتردد الناس في الذهاب الي تجمعات العزاء  خوفا من تهمة التخطيط لاعمال  عدائية  … ان تخنق وتسحق  براءة  الاطفال  باسم الكرامة  والسيادة ….. ان تكون مهنة التجسس هي السبيل الوحيد لكسب لقمة العيش و النجاة من الموت جوعا  او  منسيا  داخل  احد المعتقلات  .

 

 عرفته عن قرب وظل اسمه عالقا  في ذاكرتي  منذ سنوات  طوال .. رجل شديد الذكاء  و الجراءة  والشجاعة  …  يعشق الحرية  .. نموذجا للعصامي الذي لا يجفل من مناطحة الاقوياء  … ربما تأثرت شخصيته  بشخصية عمه المرحوم  الشيخ  علي ،  الذي كان  دائم الحديث  عنه    بكثير من الاعجاب ، رجل تقي  عرف بحبه الشديد للدين ، كان معالجا روحانيا  تجاوزت شهرته منطقة الجبل الاصفر  التي كان يسكنها بشمال  القاهرة الي صعيد مصر  وابناء  الطبقات الراقية  واهل  الفن  و الرياضة  .

 

 

درس الدكتور عبد القادر صالح خليفة الاقتصاد و العلوم السياسية بجامعة القاهرة  ثم رحل الي  المانيا حيث نال درجة الدكتوراة وعمل محاضرا  في احدي جامعاتها  ، ثم انتقل الي الجماهيرية الليبية و عمل محاضرا بقسم الاجتماع  لسنوات بجامعتي سبها  والفاتح  …

 

 اكسبه تواضعه  وادبه الجم  احترام الناس  وحبهم …. كان عالما حقا .. متمكنا من علمه  ، يتحدث الالمانية بلسان اهلها  ويجيد الانجليزية  والفرنسية  اضافة الي العربية  ، له بحوث عديدة في مجال علم الاجتماع  و الانثروبيولوجي  ،  ذو معرفة واسعة  باصول القوميات  و الاجناس المكونة للمجتمع الاريتري  ولديه مؤلف  ضخم  في الانثربيولوجيا عن العفر و الساهو  يعتبر من اهم المراجع العلمية  باللغة الالمانية  …

 

 

كان اريتريا حتي النخاع  تربي في اسمرا وتنقل بين خلاوي كرن واغردات  ، عاش وسط العفر والكناما  ويتحدث الساهو والتجري  والعفرية   و التجرينية .   لم يتردد في قرار العودة الي ارض الوطن  بعد التحرير ، فحزم حقائبه  وانهي عقوده  وتوكل علي الله  قاصدا ارضه وامه ، محملا بامال  واشواق لا حدود لها ، عاد  والغبار كان لايزال عالقا بملابس المقاتلين ودباباتهم  وهم في قمة النشوي … كان كل شئ حوله ينطق بالانتصار .

   

بعد هدؤ الاوضاع  قدم اوراقه للعمل بالجامعة .. نظر اليها الجندي مسؤول التوظيف بعين توحي بانه لا يعرف فك طلاسم الحروف و الارقام  ، فركنها في احد ادراج مكتبه لمدة تجاوزت نصف العام ، ثم جاؤه الرد بتعيينه استاذا ،   ثم رئيسا لقسم الاجتماع   وتدرج الي اعلي المناصب  ، ولكن ومع كل ذلك  كان يشعر  ان هناك شئ  ما خطأ ، ان طبيعته  التي لا تعرف المجاملة  و التملق للسلطة ، صراحته وشجاعته جعلت منه جزيرة منعزلة وسط محيط  ضيق الافق  ، قبيح وخبيث  .

 

حاول اصلاح الجامعة  و ان يجعل  منها جامعة لكل الاريترين   ، خلق ما سماه ب( freshman program ) وهو برنامج  لمدة  عام  خاص بتعليم اللغة الانجليزية للطلاب قبل التحاقهم بالجامعة ،   ذلك بغرض المساواة في الفرص  وحتي  لا يستخدم  القائمين علي امر الجامعة  حجة ضعف اللغة الانجليزية  في رفضهم  قبول  الطلاب الاريتريين القادمين من  دول  الشرق الاوسط.

 

 كان ندا عنيدا  ذكيا  شجاعا لا يفهم الا  لغة  الورقة و القلم  ،   في وسط لا يستطيع التفكير  الا  و بصحبة  زجاجات  البيرة  وكأسات الويسكي ..  في وسط لا يفهم  غير لغة العنف   والحرب  والاغتيال  ، هناك فرق كبير بين اصابع  اعتادت الضغط  علي القلم   واخري  تربت علي ضغط الزناد.

 

لم يتسلق الدكتور عبد القادر السلطة للوصول الي المناصب العليا  بل حاولت ان تتسلقه  السلطة وتستفيد منه ، حاولت  ترويضه وملاعبته لعبة القط و الفـأر وبمرور الزمن اتضح لها انه ليس بالفـأر ولا بالقط  بل اسد يصعب ترويضه  ، لم تكتفي السلطة الامنية بمراقبته  وتتبع حركاته فقط  بل بدأت  تبحث لها  عن اي تهمة تستطيع من خلالها تكبيله  وتكسير جناحاته وكان لها .

 

جاءته دعوة من احدي مراكز الدراسات الافريقية  بألمانية ، سافر  ومعه صديقه المرحوم الدكتور الكسندر الناتي  ، وبعد عودته  وجد  بعض من عناصر الامن في استقباله بمطار اسمرا ، اقتادوه الي مكان مجهول  للتحقيق معه بشأن المحاضرة التي القاها  بالمانيا  ، لم يقف موقف الخاضع الذي يريد ان يطأطئ رأسه ليخرج  باقل عقوبة  بل كان قويا متماسكا  .

 

 كان من ضمن الاسئلة  سؤال يفسر لنا  عقلية العناصر الممسكة بالسلطة  واسباب البلاء الذي  ينخر في العباد والبلاد  وهو  لماذا لم تعرضها علينا قبل سفرك  !!!!!!!! فهم لم يكتفوا  بالتنكيل بنا وقهرنا  بل يريدون التدخل  في عواطفنا  ومعرفة  احلامنا  وافكارنا …..

 انتهي التحقيق  بأعفاء الدكتور من مهامه في الجامعة وسحب جواز سفره  ومنعه من مغادرة البلاد    لينضم الي طابور العاطلين  عن العمل  وهو يحمل شهادة الدكتوراة  .

 

المحاضرة وعلي حد علمي كانت اكاديمية بحتة  ( عن المجتمعات المحلية  في مناطق العفر .. وتتحدث  عن الصيد  و الزراعة  وما اليه ..)   ولم تكن تحوي ما يمس السلطة  بشئ من السؤ.. ولكن يبدوا ان التقرير  الامني المرسل من السفارة الاريترية في  المانيا كان غبيا لدرجة تدفعني للقول بانه يحمل بصمات الخنيث العجوز ( حمدان ) لشدة غبائه ورعونته ،  ربما وبتأثير مفعول  الوسكي البافاري  المعتق  فهم المحاضرة العلمية علي انها  ندوة سياسية … او ربما سمعهم يتحدثون عن  عن العفر  والصيد  و عصب ، ففهم انهم يخططون لعملية انقلابية  لابد من ابلاغ   فخامة  الرئيس بها ..

 

لا احد يفهم  اصرار السلطة الحاكمة في اريتريا بالوقوف ضد العلم والعلماء  بل واعتباره جريمة يعاقب عليها القانون …… اصرارها  علي سحق  كل ما هو جميل  ومشرق …. علي قتل كلما  هو قيم  و نافع … ….. ان ما حدث للكتور عبد القادر صالح خليفة هو حلقة من مسلسل يبداء دائما باللون الاسود ونخشي ان ينتهي باللون الاحمر فهل لنا بالرصد  والمتابعة و التأمل و الاستيعاب ……

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=8653

نشرت بواسطة في يوليو 17 2005 في صفحة شخصيات تاريخية. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010