السيادة بين مطرقة الجهل وسندان التجاهل

 بقلم : عمر عبدالله (2) 

Al.siyada@yahoo.com                       

     السيادة نعمة من الخالق ومنحة منه وفضل لا يشاركه أحد من مخلوقاته في تحديد مساحة المستفيد من عطائها وآليات تنفيذها، ورغم ذلك تواضع جلَّ جلاله عن هذا الحق وتنازل عنه لنا وحدنا من بين مخلوقاته العظيمة ليمكن هذا الإنسان البسيط والمخلوق الضعيف المستفيد من هذه المنحة أن يختار الآلية التي تناسبه طالما أنَّ شعاره هو العدالة في التطبيق والمساواة في التوزيع والسيادة للجميع ، شعار يبين حجم عطاء الله الجزيل لكل البشر دون فرز أو تهميش ، ومن يظن العكس فليأتنا بدليل من صاحب وواهب السيادة لنا وجاعلها من سنن خلقنا وحقوق بقاءنا وأسباب حفاظنا على الكرامة وعلى ميزان العدالة والتنظيم الراقي لكل البشر.

    إذن الإعتراف بسيادة الله هي القاعدة الأخلاقية لأيِّ تنظيم ناجح للبشر ، وبهذه الخطوة وحدها تتحقق السيادة للجميع وتصبح شريعة الإنسان وقانونه الأخلاقي، وإنبثاقاً من هذا المعراج تسري أرواحنا وتحج في سدرة منتهاها التي عندها تتلقى فيض النعمة المتفردة التي لا متعة مثيلة لها على الأرض ، إنها الصلة الربانية المتدفقة من عليين لتمنح أرواحنا مذاق الرحمة وإنشراح الصدر ونفحة الطمأنينة الفياضة التي تضيئ سماء نفوسنا بالنجوم المتلألئة وبالأفكار المتنورة الباحثة عن الحق والهادية لمن يسير معها في هذا الطريق .

       ثمرة الحصول على السيادة هي الرضى والشعور بالإكتفاء وفيه تتجلى آيات الرحمن وتتنزل دقائق التصوير الرباني ومشاهد القبول الإلهي مع كل إنفلاقة لكل جزء من أجزاء الثانية تمر بالوجدان، كما أن ثمرة اللعنة هي العكس تماماً أي الشعور بالسخط والحرمان فلا رضى تتلقاه النفس المنكبة على الشهوات والمتع الحسية والجسدية ولا درجات ترتقي عبرها سلم الرضوان حتى بلوغ سدرة المنتهى ، وبالتالي تصبح حياتهم الروحية جافة قاسية لخلوها من القيم المعنوية المرتبطة بالخالق ولعدم إستحقاقها تلك المنحة الرضوانية (السيادة) ، فالذي يرهن نفسه للمال وللشهوة والمتعة الحسية والجسدية (القيم المادية) يصبح عبدأ لها ولا يدرك وهو في حضنها معنى قيم الكرامة والعدالة والسيادة والأخوة الحقيقية، وتلك هي ثمرة الخروج من دائرة العبودية للرحمن وفقدان المقام السامي الذي إستحقه الإنسان قبل أن يُفَرِّغ الفطرة من قيمها السامية التي كانت هي المصدر الوحيد للإتصال وبلوغ منزلة الرضوان في أعماق أعماق الوجدان (سدرة المنتهى)، ولهذا يُعَبِّر الذين مُنعوا من هذا الفيض الحميد عن تزمرهم الدائم  في الحياة لتلقيهم فقط الفيض الخبيث من الشيطان والنتيجة كرههم المستمر للفوارق التي تبرز بينهم وبين من تلقى تلك المنحة وأصبح سعيداً في حياته المعنوية ولا يحزنه فوات النعم المادية المؤقتة بميقات بقاءنا في الحياة الدنيا .

    ولعل الشيطان هو أول مخلوق لُعِنَ من قبل الخالق بعد تمرده ورفضه للقوانين الأخلاقية التي تجبره على الطاعة للخالق والإعتراف بسيادته العليا (الرأسية أي الأحادية)، وبالتالي هو أول من تسجل في قائمة الملعونين أو المحرومين من حق السيادة المعنوية الحقيقية (الأفقية أو الثنائية) التي نستمدها مباشرةً من الخالق وليس من مخلوق آخر مثلنا (الشيطان) ، لأن الفرق بين سيادة الروح (سيادة التعلق بالقيم المعنوية فقط) وسيادة النفس ( سيادة التعلق بالقيم المادية فقط) هو فارق كبير ، فالقيم المعنوية هي قيم تُقَدِّر مقام الخالق أولاً ثم مقام تساوي المخلوقات من البشر في الرتبة (السيادة الأفقية) ، فلا يوجد قيمة معنوية أخرى خارج هذا الإطار تتسلل لتمنح فرد قيم السيادة المادية (الرأسية) على غيره من البشر ، لكن القيم المادية تسعى لتحقيق هذا الهدف (السيادة على البشر) .

      ولهذا ندرك أن القيم المادية هي قيم متجاوزة للحق وغير معترفة برفعة الخالق وسيادته العليا على البشر ولهذا تسعى لرفع من يؤمن بهذا القاعدة المادية من البشر الى مستوى الخالق (السيد المتفرد)، لأن التعالي على البشر ليس من شيم البشر بل هي شيم الشيطان الذي أبى أن يسجد لآدم لأنه من طين (وهي قيمة مادية)،  ومن ذلك نفهم وبوضوح شديد أن من ينادي بسيادته العليا على الآخرين إنما هو خاضع لتلك القاعدة التى جعلت الشيطان خارج دائرة الرحمة والرضوان ، وبالتالي ندرك أنه شخص يستحق الطرد من نعمة السيادة كقانون أخلاقي سنه الخالق لتنظيم قواعد التفكير لدى البشر وتحديد معايير التنظيم السليم ، فلا حاكم يملك حق التفرد بالسيادة لمجرد أنه من الناحية المادية يملك القدرات والمميزات الفنية أو العلمية ، ولا محكوم من البشر يستحق التنازل لأخيه عن هذا المقام الإنساني الرفيع مهما كانت مبررات التنظيم أو التأسيس تستدعي ذلك من الناحية المادية ، فالتنظيم المادي للحياة يكون فقط لائقاً لتنظيم الشئون الأخرى غير السيادة والكرامة والعدالة والأخوة والوحدة ، لأنها قيم معنوية خاصة بتأسيس كيان المجتمع والحفاظ على وجوده ولا تصلح القيم المادية لتفعيلها ، ولعل الخلط في تحديد معايير التنظيم هو الذي أدى الى حدوث الفجوة التي يتسلل منها عجز الإنسان ويتضخم خلالها شعوره بالظلم (الضعف والتهميش والحرمان) .

     يتضح مما سبق أن درجات الوعي والفهم والإدراك ومستوى درجات التلقي والحصول على العلم لا تعني بالضرورة وجود درجات لإستحقاق الإنسان للسيادة أو الكرامة أو العدالة …الخ ،   وعليه يجب أن نتفق حول المبدأ العادل المنظم للحياة الإنسانية ، المبدأ السياسي الذي يستطيع ملئ هذا الفراغ التنظيمي الذي أوجده الغرب لجهله بالقيم المعنوية أو لتجاهله عن عمد لكل ما يتعلق بالكيان المعنوي للإنسان ، مبدأ من صنع أيدينا وخلاصة وعينا وإدراكنا نحن الإرتريين ، بذلك فقط نسرج للوطن مكانه العزيز بين الأوطان الأخرى التي يقطن بها البشر ونضع على هامته تاج الوقار الذي يستحقه ، فهو أول وطن سيُعْلي من شأن الإنسان ويحمي قيمه المعنوية بصورة دقيقة لم تتوصل لمضمونها آليات التنظيم السياسي للبشر من قبل ، فإرتريا في ظل تبنيها لهذا الوعي تستحق أن ترقى الى هذا المقام ، كيف لا  وقد تمرقت بلادنا قرون في وحل الظلم والتظالم والجهل والتجاهل والصراع والتصارع حول قيم مادية لا تمثل الأساس لوجود الإنسان الإرتري ولا تعبر عن إمتداده المعنوي خارج جسده المحدود الى عرش الطمأنينة والسلام الدائم (سدرة المنتهى) ، ومن هنا يجب أن نطلق صيحتنا  بصوت واحد لا زل ولا تزلل بعد اليوم ولا ظلم وتظالم بعد الآن ولا جهل ولا تجاهل لهذه القيم العليا لإنسان إرتريا (المسلم والمسيحي) في ظل قيم السماء التي دوماً تعلو بقيم الإنسان وتحترم مقامه السامي بين المخلوقات .

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=17026

نشرت بواسطة في أغسطس 27 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010