السياسة … بين المثقفين والمصفقين !؟

عمر جابر عمر

العلوم عامة ومشتركة فى حين أن الثقافة خاصة ومتميزة. الفيزيا ء والكيميا ء والأحياء والفلك والجيولوجيا الخ كلها مشتركة بين الشعوب رغم أختلاف اللغات وهى موحدة فى أ سسها وقواعدها .

أ ما الثقافة فهى خاصة بكل شعب – ومكوناتها قد تكون مشتركة ( اللغة – الدين – البيئة الخ ) كعوامل لتكوين تلك الثقافة ولكن النتيجة النهائية لتفاعل تلك العوامل تختلف من شعب الى آخر. الثقافة تأتى من كلمة ( ثقف ) – وثقف الشىء تعنى هذبه وشذ به أى جعله أكثر جمالا وفائدة وجاذبية . الثقافة لا تعنى معرفة تراكمية ومخزون معلوماتى ولكن أستخدام تلك المعرفة لتطوير وتحسين أحوال الناس بنشر القيم والمبادىء السامية بحيث يكون المجتمع قادرا على الحصول على حياة فضلى . وكلما كان المثقف متفاعلا مع محيطه ومعبرا عن طموحاته كلما كان أسمه معروفا ومقدرا وتأثيره مشهود ا ومكانته فى ذاكرة شعبه باقية وخالدة. وبا لمقابل فأن المثقف الذى ينافق الحاكم الظالم ويتملق للسلطان من أجل مال أو سلطة فأن مكانته ترتبط دائما ببقاء ذلك السلطان . لنأخذ موقفين ونموذجين :

عندما قال أبو القاسم الشابى قصيدته الشهيرة ( أذا الشعب يوما أراد الحياة أصبحت بعد أكثر من نصف قرن من وفاته شعارا ونشيدا للثورة التونسية التى أ طاحت با لدكتاتورية ,) وبالمقابل عندما مدح الشا عر الخليفة العبا سى وقال له منافقا ( ما شئت لا ما شاءت الأ قدار فأ حكم فأنت الواحد القهار فكأنما أنت النبى محمدا وكأنما أنصارك الأنصار ) !؟ زال ذلك السلطان ومعه شا عره المنافق وسقط من ذا كرة التاريخ .

الثقافة أ ذن هى : موقف الى جانب الحق والعدل أ نتما ء الى العام والدائم تفا عل وفعل

من أ جل تغيير الو اقع الى أفضل .

ليس بالضرورة أ ن يكون المثقف منتميا الى تنظيم أو حزب – منظمات مثل أطباء بلا حدود وصحفيون عبر القارات ومنظمات حقوق الأنسان وقوافل كسر حصار غزة وغيرها نماذج لتفاعل المثقفين مع هموم الناس أينما كانوا . با لمقابل الأنظمة الدكتاتورية والعنصرية لها ( مثقفوها ) يبررون لها ويحللون قراراتها ( النازية فى ألمانيا والنظام العنصرى فى جنوب أفريقيا ). حتى النظام الدكتاتورى فى أرتريا عنده من يبرر له ويفسر خطواته ويسوقها ويصفونه بالدكتاتور العادل !؟

الفرق هو الأيمان بالمثل والقيم العليا والدفاع عنها – هناك موروث بشرى وتعاليم دينية تبشر

بالمساواة والعدالة والحرية – ذلك جزء من فطرة الأنسان ولكنه بحاجة الى تعلم الوسائل الفعالة التى تساعده على تحقيق تلك القيم والمبادىء ( المعرفة ),

النظريات التى تظل حبيسة المكتبات والمنتديات النخبوية المغلقة لا تقلق الدكتاتور بل أنه يخشى تلك النظريات عندما تجد التفعيل وأدوات التعبئة والتنفيذ أى التنظيم !؟

لهذا سمعنا وقرأنا لكتاب من الشعبية ( وأنصارهم ) يشجعون بعض المثقفين على التفرغ للعمل والبحث فى مراكز دراسات وليس فى تنظيمات تتعامل مع الجماهير !؟ منذ فترة كتب أحدهم ينصح الشيخ حسن سلمان رئيس المؤتمر الأسلامى بالتفرغ للبحث والدراسة ! لم يستمع الشيخ الى تلك النصيحة بل واصل نضاله التنظيمى فطاردته الشعبية حتى تم أعتقاله فى السعودية !؟ البعض من هؤلاء ( المثقفين ) يهاجمون النظام وينتقدونه بنفس الدرجة التى ينتقدون بها المعارضة – أنهم يضعون الدكتاتور ومن يقاتله فى كفة وا حدة – يساون بين الحق والعدل – بيم الضحية والمجرم !؟ يحاولون فتح معارك أنصرافية حتى تنشغل المعارضة بنفسها وتنسى معركتها مع النظام.

هؤلا ء لايمكن أن نطلق عليهم وصف ( مثقفون ) بل ( مصفقون ) وفى أ حسن الأحوال ( محايدون ) فى أنتظار أن تنجلى المعركة ويقفون الى جانب المنتصر !؟.

وأذا كان هذا النهج يهدف الى تعزيز سلطة النظام والتشكيك فى المعارضة وقدرتها على التغيير الا أن مخاطره تتجاوز ذلك لتصيب الثقافة الوطنية الأرترية كلها بضمور وتمزق يجعلها مشوهة وغير معبرة عن مكونات المجتمع الأرترى.

لنتوقف قليلا عند واقعنا الثقافى هناك عدة محاور تجتمع حولها وبعضها تتقاطع فيها علاقات المثقفين الأرتريين من كافة القوميات والأديان :

1- المحور الأول يتعلق بالبنى العقلية للثقافة – كيف نبنى الدولة وكيف تكون علاقات المجتع فى داخل تلك الدولة. .هذا ليس كلا ما نظريا يحلق فى فضاء بعيد عن الواقع – كلا من يتابع سيمنار النخب مؤخرا فى أثيوبيا يجد أن الجدال كان حول طبيعة النظام والبديل والوسائل !؟ وفى هذا الأتجاه فأن التقاطع بين الرؤى كان يستند الى مكونات ثقافية تفاعلت عبر سنوات طويلة من التطور المتوازى ما أدى الى فرز ظاهره قومى وطائفى . ذلك ما يستدعى مواصلة الحوار مرة وأخرى بين الأرتريين وبمبادرات من منظمات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية حتى تكون هناك ( لغة ) مشتركة .

2- المحور الثانى يتمثل فى الأحتفاظ يالثقافات المحلية والخاصة بكل قومية. تطوير الثقافات المحلية يعنى الحفاظ عليها وربطها بالشأن العام فى توجهها لتصبح رافدا من روافد تكوين الثقا فة الوطنية. وبالمقابل فأن الأنكفاء والعزلة وعدم التفاعل مع الآخر لا يساعد على تطوير تلك الثقافة

بل ربما يؤدى الى أنقراض تلك الثقافات المحلية ومن ثم ضعف الثقافة الوطنية العامة. كل ذلك يتوقف على تحقيق المشاركة السياسية والمساواة بين كافة الفئات بغض النظر عن الدين والعرق والتنوع الثقافى وذلك هو جوهر الصراع مع الجبهة الشعبية ونهجها.

3- الوسيلة ( الوسائل ) للتغيير يحددها الصراع وأطرافه وتصادم الأرادات – كل ذلك ينطلق من قراءة موحدة للماضى وصولا الى رؤية مشتركة للمستقبل. بالرغم من أهمية الأتفاق على توصيف النظام الا أن ذلك لايجب أن يكون البند الوحيد والدائم للمعارضة الأرترية ! لا يجب أن نختلف حول حقيقة وجنس الملائكة ( أنثى أم ذكر ) أو طبيعة وأصل الدكتاتور وهل هو ( شيطان أم بشر ) !؟ حركة القومية العربية ولأكثر من نصف قرن أختلفت حول ترتيب شعارات التغيير الثورى ( وحدة حرية أشتراكية ) أم العكس ( حرية أشتراكية وحدة ) ؟

لم تجد الشعوب العربية على أرض الواقع المعاش أية مفردة من تلك المفردات حتى جاء ربيع الثورات العربية !؟ وبينما كانت النخب تناقش فى سيمنار العاصمة الأثيوبية ( أديس أببا ) التوصيف والوسائل صدر بيان بأسم ( جيل الدولة ) — الحركة الأرترية للديمقرا طية والعدالة معلنين أنهم ثوار سيناضلون من أجل تغيير النظام بالقوة … .هل يعنى ذلك أنهم توصلوا الى أ تفاق على توصيف النظا م؟

محمد بوعزيزى لم يقدم ( دراسة أو بحثأ ) بل قدم ( نموذجا )!؟

منذ الأ ستقلال والمعارضة تناقش هذه المسألة لكنها لم تسقط النظام ليس لأنها لم تتفق على توصيفه بل لأنها لم تجد الدعم والوسائل المناسبة لأ سقاطه. ما هو توصيف نظا م القذافى ؟ عجز المحللون كافة عن أيجاد توصيف له فى القواميس والموسوعات السياسية حتى القذا فى نفسه أنكر أنه رئيس ؟

المعارضة الليبية لم تدخل فى جدال عقيم قالت أن القذافى ( طاغية ودكتاتور وقاتل ومغتصب للسلطة ويجب أن يرحل ) وسقط خمسون ألف شهيد !!

أ سياس أفورقى أغتصب السلطة سرقها بالقوة جهارا نهارا وفى سبيل ذلك أعتقل وقتل وشرد رفاقه وكل من عارضه. صادف أنه مسيحى من قومية التقرنية !؟ بمعنى آخر أغتصبها ليس لأنه مسيحى ومن قومية التقرنية بل بالرغم من ذلك ؟ كيف ؟ دينه يمنعه من الأ غتصاب والتعدى على حقوق الآخرين وقوميته ومستقبلها مرهون بقدرتها على التعايش مع المكونات الأخرى للشعب الأرترى !؟ لكن فكره الأنعزالى ونهجه الشوفينى وشهوة السلطة الطاغية على تكوينه كل ذلك قاده الى ما هو عليه اليوم…. لذا فهو يستخدم كل تلك الأوراق ( الطائفية والقومية ) لدعم سلطته وبسط نفوذه لكنه بداية ونهاية مسكون بالسلطة – يؤمن أنه خلق لها وأنها خلقت له .

أنها ( دينه ) و( قوميته ) و ( وطنه ) !؟ ماذا حدث فى المنطقة من حولنا ؟ بدأ اغتصاب السلطة أولا ثم لعب كل دكتاتور بما وجده فى مجتمعه من تناقضات وتباين وأحتلافات ( القذافى وحسن مبارك وعلى صالح وزين العابدين الخ ). لكن مثل ماحدث للعالم الذى صنع وحشا فى مختبره وفقد السيطرة عليه فأنه أى أ سياس خلق ( طبقة ) من المنتفعين يستفيدون من بقاء النظام وديمومته وبا لصدفة هم أيضا مسيحيون من قومية التقرنية !؟ ذلك كله أمتدا د لتجربة الجبهة الشعبية منذ ( نحنان علامانا ) فكرا وجسما وروحا.

هؤلاء لا يهمهم بقاء أسياس الا بقدر ما يحفظ لهم مصالحهم وشعورهم بأنهم ينتمون الى ( السادة ) فى الدولة الأرترية ! لما ذا تقاتل بعض كتائب القذافى رغم سقوطه و هروبه ؟ لماذا يؤيد مثقف أرترى يعيش فى الغرب ويمارس حياة ديمقراطية النظام الدكتاتورى فى أرتريا ؟ أنه الدفاع عن الذا ت وأثبات الوجود والأ فتخار با لأنتماء الى ( علية القوم ) !؟

4- الدكتاتورية لا تريد أى أرترى أن ينخرط فى أى نشاط سياسى أو أجتماعى يعمل على تغيير الحا ضر ويساهم فى رسم ملامح المستقبل – با لمقابل الشعب يريد ( قادة وأئمة وناشطين ) لديهم وضوح الرؤية والمناعة ضد أى أختراق أو تطويع من الخارج.

5- بسبب ذلك الأنقطاع فى الحوار أ صبحنا نواجه مواقفا تشابكت معها وتداخلت فيها مهام وأدوار منظمات المجتمع المدنى مع التنظيمات السياسية.

ذلك أدى بدوره الى أختلاط دور السياسى مع دور المثقف والعكس !؟ قد يكون السياسى المثقف ناجحا فى عمله كسياسى لكن نا درا ما يحالف التوفيق المثقف الذى يحاول أحتراف السيا سة.!

الخلاصة : جميل أن نناقش ونبحث لكن الأ جمل أن نتابع ونطبق ونقدم القدوة والنموذج العملى.

لا بد من حوارات جادة وعملية بين شركاء الوطن – المثقفون من قومية التقرنية تقع عليهم ( مسئولية )مضا عفة ليس لأن الوطن يهمهم أكثر من غيرهم ولكن بسبب أخطاء تتحملها النخب من تلك القومية خلال المراحل التاريخية السابقة – ما قامت به نخبهم من تضليل لمواطنى تلك القومية خلال فترة تقرير المصير والتبشير بأن العيش مع أثيوبيا أ فضل من العيش فى كيان أرترى مستقل وموحد . ( ما يزال بعض المثقفين من قومية التقرنية يعطى الأولوية للعلاقات الأ رترية – الأثيوبية ويناقش أمكانية قيام كونفدرالية بينهما ويتجاهل أولوية تحقيق الوحدة الداخلية للشعب الأرترى ) !؟

ومرة ثانية ما قامت به تلك النخب من تضليل ضد جبهة التحرير وتشويه الثورة الأرترية بقيادة حا مد عواتى والتبشير بتفوق القومية المختارة وبنا ء دولة الفئة الوا حدة ! على المثقفين من تلك القومية نشر الوعى فى صفوف قوميتهم وتبليغ رسالة واضحة وموجزة تقول لهم : لا وطن بلا شراكة حقيقية ولا هوية بلا تلاقح وتفاعل الثقافات كلها ولا مستقبل لدولة الفئة الواحدة.

وهناك مسئولية مشتركة تقع على كل المثقفين الأ رتريين – ا لحوار ثم الحوار ولكن بأتباع أ سس وشروط الحوار الموضوعى والهادف :

1- الخلاف له أخلاقيات – لذا لابد من أستحضار قيمنا ومثلنا فى التعامل مع تلك الخلافات.

2- الأتفاق له أدبيات أيضا – لذا لا يجب أن نبرز أنتصار طرف على آخر .

3-المسئولية لها أولويات – أن لا نكون أسرى للما ضى ولا نتوه فى الحا ضر ولا نقفز الى المستقبل دون أ عداد أو أستعداد.

وأ خيرا فأن الوطن للجميع لا يحق لأحد أن يحتكر الحديث بأ سمه أو أن يتخذ قرارا نيابة عنه أو وهذا هو الأهم عدم الأ ستيلاء على السلطة دون تفويض من الشعب !

كان الله فى عون الشعب الأرترى.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=17396

نشرت بواسطة في سبتمبر 19 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010