الشعب … يريد … تغيير المعارضة !؟

عمر جابر عمر

شعارات وأناشيد الثورات الشعبية فى تونس ومصر وليبيا واليمن أصبحت موحدة : الشعب يريد أسقاط النظام . لم يكن ذلك الشعار تحليقا بعيدا عن الواقع ولا كانت الأناشيد تعبيرا عاطفيا عن أمنيات دفينة – بل كان كل ذلك تجسيدا لمخزون شعبى وحركة تاريخية تجاوزت واقع الأنظمة والمعارضة الرسمية على حد سواء. المعارضة الرسمية العربية أصبحت ( أليفة ) تم تهجينها وشعارها كا ن فى أقصى الحالات : التداول السلمى للسلطة والمشاركة فى أنتخابات كانت تعرف سلفا أنها محسومة لصالح الحزب الحاكم. أنها معارضة أرتضت أن تتعايش مع ذلك الواقع لا أن تعمل على تغييره – قبلت بالهامش المحدود الذى تفضل به عليها الحزب الحاكم وعندما أنفجر البركان الشعبى وقذف حممه وتدفقت السيول البشرية الى الشوارع وهى تهتف ( الشعب يريد أسقاط النظام ) أسقط فى يد المعارضة الرسمية ! كانت المفاجأة مزدوجة – للأنظمة وأحزاب المعارضة – لذا فأن ردود الفعل كانت فى الأيام الأولى بين الأثنين :

الأنظمة تحاول أنقاذ ما يمكن أنقاذه وتقدم التنازل تلو الآخر …

المعارضة الرسمية بالمقابل ظنت أنها وجدت فرصتها للحصول على أكبر قدر من المكاسب !

# — بعد خطاب بن على ووعوده الزائفة أعلنت المعارضة الرسمية أنها ترحب بخطاب الرئيس !

ولكن شباب الثورة قالوا : يا شعب يا ضحية – خطاب الرئيس مسرحية … وهرب بن على !؟

# — بعد خطاب مبارك سارعت بعض أحزاب المعارضة المصرية للحوار مع النظام !

لكن شباب الثورة قالوا : لا حوار حتى يرحل رمز النظام … ورحل !

# — فرعون اليمن قدم أكثر من مبادرة وأحزاب المعارضة قدمت برنامج النقاط الخمسة …

وشباب التغيير قالوا – فات وقت المبادرات ويجب أن يرحل النظام وتراجعت أحزاب المعارضة !

# — المعارضة الليبية ( لم تكن رسمية ) ولكنها كانت أكثر ذكاءا وأقل طموحا لذا أنخرطت فى العملية الثورية ووضعت خبراتها وأمكانتها فى خدمة الثورة ووظفت علاقاتها الدولية لصالح التغيير .

طوفان الثورة لم يتوقف وأكتسح فى طريقه كل الأوساخ والطفيليات وكسر السدود والحواجز – وبدأت أحزاب المعارضة الرسمية تلهث حتى تلحق بقطار الثورة وتعلن مباركتها وتأ ييدها وتقول

( نحن فى الخدمة ) !؟ ذلك كان جوهر الرسالة الى بعثت بها ثورات الشعوب العربية الى العالم وهى :

عجز المعارضة المستأنسة عن قيادة عملية التغيير !

الشعب ألأرترى أعلن رفضه للنظام من وقت مبكر …وطالب بدولة العدالة والمساواة – دولة القانون وحقوق الأنسان. لكن المشكلة كانت فى المعارضة الأرترية – تركيبتها وأدواتها وخطابها وعلاقاتها.

فى طل غياب معارضة رسمية معترف بها داخل البلاد كانت معارضة المنفى هى البديل ولكن تلك كانت من جهة مسكونة بموروث تجربة الثورة الأرترية ومحكومة بصراعاتها وأنقساماتها القديمة والمتجددة ومن

جهة أخرى عجزت عن قراءة خارطة الصراع الجديد – أطرافه وأدواوته وتحديد التحالفات.

يقول المفكر العربى الفلسطينى الدكتور ( عزمى بشارة ) فى تفسير فشل النخبة الفلسطينية فى قيادة الصراع ضد الحركة الصهيونية قبل النكبة : ( … كانت نخبة رقيقة فى نسيجها وتركيبتها – هشة فى علاقاتها – عاجزة عن قراءة وفهم طبيعة الصراع … ) كان الفلسطينيون قبل وعد ( بلفور 1917 ) نصف مليون واليهود أقل من خمسين ألف ! كانت القيادة الفلسطينية تذهب الى لندن فى زيارات مكوكية لأقناع البريطانيين بمطا لبهم ضد اليهود والحال أن بريطانيا هى التى كانت وراء مشروع الحركة الصهيونية .

كانت الحكومة البريطانية بعد كل لقاء مع الوفد الفلسطينى ترفع تقريرا الى زعماء الحركة الصهيونية تخبرهم فيه عن أعضاء الوفد الفلسطينى ومواقف الأعضاء وتقول : هذا يمكن كسبه وذاك يجب عزله والثالث تركه فى الحياد ! تلك تجربة توضح أهمية أمتلاك وضوح الرؤية وفهم طبيعة الصراع وأدواته

وهذا ما يفسر أستمرار النظام الدكتاتورى فى أرتريا فى سدة الحكم . الشعب الأرترى أعلن رفضه للنظام

ورفع شعاراته الصحيحة بل وتغنى بأناشيد التغيير – كان يقول فى مرحلة الثورة ( أيتدلين أيا أرترا ناى صبح …الآن يقول أرترا ناى لومى ) – بدلا عن ( أقسمنا بأن نرجع با لفأس والخنجر والمدفع …يقول الآن بالعلم والأبداع ) – ومن أجل الديمقراطية يقول ( مى رأيكا .. تم .. مى سمعكا .. تم .. أنا لاتو يأزم وأفوى يلجم ) ! قدم المذكرا ت وعقد المؤتمرات ونظم التظاهرات ودخل السجون وهاجر ومات عطشا وجوعا – قتلا وأغتصابا – بيعا وشراءا – لجوءا وتشريدا — ورغم ذلك كله لم يجد معارضة تقوده الى الخلاص !؟

هل آن الأوان لقيام حركة تغيير حقيقية تقودها الجماهير بحركتها الذاتية ؟ هكذا يقول التاريخ وهكذا تشير الدلائل –

1- النظام الأرترى يمر بأسوأ فترة فى تاريخه السياسى – فقد الحلفاء فى ليبيا ومصر واليمن –

ويحا صره المجتمع الدولى بقرارات الأمم المتحده بفرض الحصار الأقتصادى عليه والتقرير الأخير الذى أعدته لجنة تقصى الحقائق حول التدخل الأرترى فى الصومال بالأضافة الى أن الأوضاع فى داخل البلاد تزداد سوءا يوما بعد يوم.

2- تحرك الجماهير فى الداخل بدأ وأن بصورة تدريجية – هكذا بدأت موجات ميدان التحرير ومظاهرات تونس واليمن ولكنها كانت تكبر شيئا فشيئا. ولكل شعب خصوصيته وتجاربه وأبداعه – يحكى القادمون من داخل أرتريا أن أحدهم لم يجد طلاءا ليكتب به شعارا ضد النظام ولا وجد حائطا مناسبا للكتابة عليه – أحضر ثوبه الأبيض وكتب عليه بالفحم : أرحل يا دكتاتور ! وعلق الثوب على زريبة !

وفتاة ( طالبة ) أخرى لم تجد لا هذا ولا ذاك – أقتلعت ورقة من دفترها وكتبت عليها بالتقرنية ( هقدف .. عد نا قدف ) وشبكتها بمشبك شعرها وألصقتها على أحدى الشا حنات ! وأخرى أستعملت ( كحل عينيها ) للكتابة ! ورابع وجد صورة الدكتاتور فعلقها بخيط فى شكل مشنقة على غصن شجرة ! أنه الأبداع الشعبى — لا يحتاج أحدا أن يرسم أتجاهه ولا أن يحدد أدواته ووسائله .!

3- التحرك القاعدى الذى بدأ فى المهجر – تظاهرات ومسيرات فى أوربا وأمريكا وأستراليا – مذكرات منظمات المجتمع المنى ( سبعة عشر منظمة ) الى وزارة الخارجية الأمريكية ومفوضية اللا جئين فى أوربا وألأمم المتحدة وأفريقيا حول الأرتريين فى ليبيا والمطالبة بأنقاذهم .

4 – تحرك أوربى ومواقف أمريكية – رسالة مجموعة البرلمان الأوربى من أجل أرتريا الديمقراطية الى السفير المصرى فى بروكسل حول الأرتريين الذين تم أعتقا لهم فى سيناء من قبل عصابات الأتجار

با لبشر .

كذلك القرار الأمريكى والأسترالى بمنع سفر رعايا الدولتين الى أرتريا.

5— حركة شباب التغيير من خلال ( الفيس بوك والأنترنت ) وهوتوظيف متقدم لأدوات الأتصال والتواصل وتوحيد الجهود والخطاب السياسى …

كل ذلك يجرى وسيكبر والمعارضة الرسمية تناقش قبول أعضاء جدد فى مظلتها التى تزداد أنتفاخا

حيث بلع المتقدمون بطلبات العضوية أكثر من سبعة عشر منظمة من بينها سبعة ( قوميات ) ؟

هل تقرأ قيادات المعارضة ما يجرى فى المنطقة العربية ؟ لا أقصد التحليل والمتابعة والأستماع الى الأخبار – كلهم خبراء فى ذلك – ولكن أعنى هل يستخرجون منها الدروس والعبر ويحاولون تطبيقها على

واقعهم ؟ قبل الثورة كانت مصر تعانى من الفتنة الطائفية من عناصر من داخل النظام ( وما زالت تحاول كما حدث مؤخرا ) ولكن بعد رفع شعار الثورة شارك الأقباط والمسلمون فى ميدان التحرير وبعد بناء النظام الجديد يمكن لكل فرد وطائفة وجماعة أن تطالب بحقوقها. ليبيا كانت قبل القذافى دويلات جهوية

( ذات قاعدة أجتماعية – قبلية ) ولكن بعد الثورة حاول القذافى أن يلعب على ورقة القبلية ورد عليه الثوار

لا شرقية ولا غربية – وحدة وطنية ليبية . اليمن نموذج لأكثر الدول العربية قبلية فى تركيبتها الأجتماعية – لكن بعد الثورة توحدت الشعارات وكانت من أجل اليمن الجديد …

المعارضة الأرترية تتوسع وتتقسم وتفرز ( قوميات ) تطا لب بحق تقرير المصير قبل أن يرحل النظام

ما سبب أرباكا وخلطا فى الأولويات . كانت المسميات فى الميادين وما تزال : شباب الثورة – شباب التغيير – حتى أسماء الأحزاب ترا جعت وتوارت ! من أراد أن تكون له مكانة فى هذا الزمان والمكان عليه أن يخرج من شرنقته ويتفاعل مع الآخر – لا أحد يسلبه هويته أو يغير ثقافته – لكن عليه أولا أن يثبت الأنتماء العام حتى يحصل على الحق الخاص. ماذا سيقول دعاة المطالبة بحق الأنفصال لو أرتبط هذا الحق بشرط مثل ذلك الذى يوجد فى الدستور الأثيوبى ؟ أين هو هذا الشعب الذى يعطيكم هذا الحق ؟ أنه مقيد ومكبل فى الداخل – أما هذه المعارضة ( التحالف ) فهى جزئية ومؤقتة فى شرعيتها وقانونيتها. ألم تسمعوا حديث رئيس الوزراء الأثيوبى الأخير الى أذاعة ( أسنا ) ؟ اذا كان الشعب رالأرترى لم يقل كلمته بعد وأذا كان موقف الأثيوبيين كما أعلنه رئيس وزرائهم – من أين لكم هذا التفويض والدعم والتشجيع !؟

أتقوا الله فى حق قومياتكم وحق شعبكم – أنزلوا الى ( ميدان التحرير والتغيير ) بشعار موحد مع أخوتكم من أ لأ رتريين الآخرين لأزالة النظام وبعد ذلك لن يمنعكم أحد حقكم …

على المعارضة الأرترية أذا كانت ستتعلم من ما يجرى حولها – أن لا تقف عقبة أمام أى تغيير – لا تضع فيتو على أى فرد أو تنظيم – لا ترفع شعارات أنصرافية – أذا أرادت أن تقول شيئا فلتقل خيرا أو فلتصمت

قطار التغيير قد تحرك فمن أن أراد أن يلحق به لينسى أنه ( قائد ) وينضم الى الجموع ويكون ناشطا من أجل الديمقراطية – قيادات التغيير الحقيقية سيفرزها ذلك الحراك من تفاعل الصراع الجدلى بين الفعل ورد الفعل …

أما من يبقى فى برجه العاجى فسيكون ديناصورا سياسيا يتجاوزه الزمن … أذا كان من المستحيل ترقيع وتجميل النظام الدكتاتورى فأنه با لمقابل لا يمكن تشكيل معارضة بالمقاسات البيانية والأصطفافات الأجتماعية والترتيبات التوافقية . لا تقلقوا على مستقبل هذا الشعب – أن قياداته تتخلق وتتشكل من داخل حركة التغيير ولا تريد أعترافا من أحد لأن هدفها لن يكون القيادة بل التغيير …

أذا لم يكن فى مقدور المعارضة الحالية ( الرسمبة ) أن تواجه المخاطر أو توقف التآمر – كفى الله المؤمنين القتال وما عليها الا أن رفع الدعاء لحركة التغيير بالنجاح ! !

كان الله فى عون الشعب الأرترى

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=11749

نشرت بواسطة في مارس 12 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010