العلاقات الإرترية — السودانية (( بين الثقة المفقودة والتطبيع المستحيل ))

بقلم / وليد مصطفي الكرني

سيقوم رئيس النظام الحاكم في إرتريا اليوم بزيارة رسمية للسودان , وهذه الزيارة ليست  الأولي من نوعها التي يقوم بها أسياس أفورقي للسودان ، ولكنها هذه المرة تأتي في وقت تمر به العلاقات بين البلدين بظروف غاية في الدقة ، من مهددات أمنية علي السودان من ناحية الشرق ، وجبهة دارفور لم تهدأ بعد رغم توقيع اتفاق السلام في أبوجا شذ عنه فصيل العدل والمساواة المدعوم من نظام اسياس ، وعلي الجانب الإرتري تعيش الحكومة حالة من العزلة الدولية لا مثيل لها فقد اختنقت الدولة بمحيط من الدول التي إن لم تناصبها العداء فهي لاتحفظ لها ودا وكل ذلك بفعل السياسة الرعناء للنظام الحاكم .

        في ظل هذه الظروف تأتي زيارة أسياس للسودان يحمل  معه عصاه كعادته في الدولاب يساوم السودان بجبهة الشرق لفك أزمته واختناقاته الداخلية ولكسر حلقة الحصار التي إستحكمت حوله . إذن أصبح كل من الجانبين بحاجة لتهدئة ما تليه من جبهة ساخنة ، وإن كان كل منهما يختلف عن الآخر في طبيعة التعاطي مع ملف العلاقات بين البلدين الجارين .

        من الناحية الشعبية فإن أي تقارب بين السودان وإرتريا يكون له انعكاساته الإيجابية علي شعبي البلدين ، حيث أن المعاناة خاصة علي الجانب الإرتري تزداد بقطع أواصر العلاقات وتضييق الخناق علي حركة التواصل بين أبناء الشعب الإرتري الرازح في مخيمات اللجوء أو المدن الحدودية في السودان وبين أهلهم وذويهم في إرتريا ، التي لم يحبذوا الرجوع اليها بعد التحرير للظروف والأوضاع السياسية والإجتماعية السيئة التي تعيشها البلاد تحت حكم الجبهة الشعبية وعقلية النظام الطائفي في إرتريا .

        أما عن التأثير السلبي علي حركة التجارة البينية فله إنعكاساته الكبيرة علي الحالة الاقتصادية لمواطني البلدين في المدن الحدودية خاصة التي تعتمد علي ضخ منتجاتها في حركة تبادلية تجارية .

      ومن الناحية الأمنية فإن حالة الشد والجذب التي عانت منها العلاقات الإرترية السودانية ، قد ألقت بظلال سوداء قاتمة علي أمن المواطن ، بل إن مدنا كانت آمنة هجرها سكانها بفعل المهددات الأمنية التي ظلت تمثلها الجبهة الشعبية ، فمدينة مثل قرورة علي الحدود الشرقية للسودان أصبحت خرابا يبابا بعد أحداث الغزو الآثم لقوات الجبهة الشعبية لها في عام 1996م .

    من هذا نستنتج أن أي تقارب سوداني – إرتري يبعث أملا جديدا في حياة استقرار وهدوء للمواطن علي الجانبين ، ولتحقيق هذا الأمل ومن أجل الوصول لعلاقات حميمية بين السودان وإرتريا يستوجب قراءة صحيحة لمتطلبات إرساء هذا النوع من العلائق الذي نصبو إليه .

    إن إقامة علاقات طبيعية ومتوازنة بين البلدين الجارين يقتضي أن تكون النوايا خالصة ، وأن لا تحكم هذه العلاقات رغبات ترميم مصالح آنية يمر بها هذا الطرف أو ذاك ، وهذا ما نراه متوفرا إلي حد كبير في الجانب السوداني ، فقد دلت الأحداث القريبة والماثلة أمامنا أن، حكومة الإنقاذ بالذات قد أعطت للجبهة الشعبية كل ما يمكن أن تقدمه ثمنا لإقامة علاقات متينة معها ، وذلك بفاتورة باهظة التكاليف دفعتها قوي إرترية تمثل عمقا استراتيجيا لعلاقات السودان وإرتريا .

       أما علي الجانب الآخر والمتمثل في حكومة الجبهة الشعبية فقد كانت الصورة مختلفة تماما ففي الوقت الذي كان السودان يقدم ما يؤدي لإستقرار وإقامة الدولة الإرترية ( كدعم مشروع الإستفتاء ) وإيقاف أي دعم لوجستي للمعارضة الإرترية بمنعها من العمل والإنطلاق من الأراضي السودانية ، حيث منعت أي نشاط لفصائل جبهة التحرير الإرترية والحركات الإسلامية المجاهدة ، بل وإعتقال العديد من القيادات وتسليم بعض المجاهدين لنظام الشعبية . في هذا الوقت كانت حكومة أسياس أفورقي تحضر لمعركة مؤجلة مع السودان وحكومته الإسلامية وهو ( أي اسياس ) لم يكن يخفي نواياه العدائية تجاه السودان بل كان يصرح بذلك في لقاءاته الخاصة بكادر حزبه ، ففي مدينة نقفة بداية عام 1992م وأثناء إجتماعه بما كان يسمي ( لجنة نداء الوطن ) والتي كانت تضم في عضويتها أعيان ووجهاء إرتريين في السودان ، في هذا الاجتماع قال لهم (( لايغرنكم ما ترونه من علاقات بيننا وبين السودان فهذه مرحلة وعرس لن يدوم طويلا والمعركة بيننا وبينهم طويلة ولكننا نؤجلها الي ما بعد الإستفتاء )) .

        إن الدلالة الوحيدة التي يحملها مثل هذا الكلام هي أن عقلية أسياس عدائية سافرة كما أن عدم الوفاء خصلة متأصلة في أعماق نفسيته ، وإلا كيف نفسر أن مثل هذه النوايا يمكن أن تدور بخلد إنسان سوي في وقت تقدم فيه الدولة الجارة كل ما تستطيع من إمكانيات لدعم إستقلال إرتريا .

         هناك أزمة ثقة بين الجانبين ناتجة من المفاهيم المسبقة لعقلية أسياس أفورقي والمتمثلة في التوجس من أن أية علاقات حسن جوار وأجواء من الوئام والسلام يسود بين إرتريا والسودان سيؤدي حتما وبحكم التأثير المتبادل إلي إندياح روح العروبة وتقوية عري الروابط بين الشعب الارتري وامتداداته الطبيعية مع الامة العربية والإسلامية وذلك عبر الحدود المفتوحة ، وهذا ما يؤرقه فيجعل حالة العداء ( الرسمية ) قائمة ,وإبقاء الأجواء ساخنة دائما تعصف بعلاقات الدم والتاريخ بين الشعبين الشقيقين .

    إن تطبيع علاقات جيدة بين السودان وإرتريا في ظل وجود نظام الجبهة الشعبية بأجندتها الطائفية ، أمرا بعيد المنال ومستحيل التحقيق ، قد تهدأ الجبهة إلي حد ما ، ولكنها لا تلبث أن تعود لحالة التوتر وذلك أن طبيعة الخلاف بمفهوم أسياس أفورقي إستراتيجي وما يعتريه في الطريق من أسباب  تنحرف به لجانب التهدئة إنما هي عوارض لا تلبث أن تزول بزوال أسبابها .

     السودان اليوم بحاجة ماسة لتهدئة جبهة الشرق ومن أجل تحقيق هذا الهدف بعث بوفد عالي المستوي برئاسة نائب رئيس الجمهورية الأستاذ ( علي عثمان محمد طه ) لحضور إحتفالات الاستقلال في إرتريا ، وبالرغم من أنه كان الوفد الوحيد الذي شارك في إحتفالات هذا العام بهذا المستوي الرفيع إلا أنه لم يجد حتي كلمة ترحيب من قبل رئيس النظام حيث تجاهل ذكره تماما في خطابه كما يفعل عادة رؤساء الدول ومسوؤلي الشعوب المحترمون .

      وعودا علي بدء فإن الخرطوم استقبلت أسياس أفورقي بكل مظاهر الحفاوة والتكريم وهو خلق شعب أصيل وتعامل دولة راقي نرجو أن يتعلم منه ( الرئيس الزائر) اسلوب اللباقة والكياسة الدبلوماسية في التعامل مع ضيوف البلاد فالرئيس عنوان لشعبه في مدي حفاوته بزوار الدولة .

    ونحن لا نريد أن نستبق ما تسفر عنه مباحثات الجانبين والتي نرجو أن تكون نتائجها لصالح الشعبين الشقيقين ، ولكن حتي لا يلدغ السودان من جحر أسياس للمرة العاشرة فإن الملف الأمني الذي ظل عائقا في علاقات البلدين طيلة المدة الماضية ، هذا الملف ينبغي قراءته من صفحتيه المتقابلتين وحتي لا يخطئ ( أصحاب الحل بأي ثمن ) في النظام السوداني للمرة الثانية فإن إسكات جوعة مطالب جبهة الشرق يجب أن لا تكون بصفقة بخسة يكون ضحيتها أصحاب تأريخ نضالي عريق في إرتريا ، وهذا بالضبط ما يصبو إليه أسياس أفورقي أن يسكت ولو لفترة مؤقتة جبهة الشرق مقابل أن يقطع السودان ( كعادته ) صلاته الواهية مع المعارضة الإرترية ، ثم لا يلبث إلا أن يعيد الكرة ثانية في فتح جبهة أخري علي السودان فهو ( خميرة عكننة ) مستمرة وسياسته العدائية تجاه السودان ثابتة لا تتغير .   

 

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7000

نشرت بواسطة في يونيو 14 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010