المعارضة بين المطرقة والسندان

بقلم: عمر نور كيكيا

مرت نحو ستة أشهر تقريبا منذ أن كتبت مقالي الأخير، وتقيمي لمؤتمر أواسا (من الخاسر ومن الرابح)، وفي هذه السانحة أتقدم بشكري وتقديري لجميع الأخوة والأخوات الذين وافقوني الرأي أو اختلفوا معي في تحليلي على تعليقاتهم المفيدة والمقدرة.

نعم ستة أشهر مرت من البيات الشتوي الذي دخله المجلس عقب مولده في أواسا. في الشهرين الأولين رحبت شخصيا بهذا الركود، وتوقعت كغيري أن المجلس سوف يعتني ويقوم بترتيب بيته الجديد، وتكوين فروعه، وجدولت أعماله. ولكن دخل المجلس في مشاكله الداخلية من تضارب في القرارات ما بين التنفيذية والسلطة التشريعية. فعلى سبيل المثال إن محاولة إدخال عضو جديد في المجلس من أمريكا من غير انتخابه في أواسا، وعدم اتضاح الرؤية عن كيفية أو إمكانية هذه المسألة وشرعيتها، و من اصدر القرار: رئيس المجلس في لندن أم رئيس التنفيذية في هولندا، كشفت عن خرق كبير للنظام الأساسي للمجلس، إذا كان ذلك جرى عمدا، والمصيبة أكبر إن كان ذلك سهوا، ولا أريد أن أقول جهلا . كذلك عدم تمكن المجلس من تكوين فروعه إلى الآن في أغلبية الدول، لعدم وجود آلية محددة لذلك، وأيضا لعدم استفادتهم من تجربة المفوضية في سرعة تكوين الفروع. فمثلا الذي دعا لاجتماع تكوين فرع المجلس هنا في الرياض، كان من أعضاء حزب النهضة، وليس من ممثلي المجلس، وكأن المجلس برمته تابع لهم في السعودية، مما خلق التساؤلات، وتسبب في فشل اجتماع التكوين.

عدم اتضاح الرؤية في الآليات، وعدم تنفيذ اللوائح الداخلية في المجلس، وعدم التنسيق بين صلاحيات السلطتين التشريعية والتنفيذية، والمحاولات الدائمة من حزبي الإنقاذ والنهضة لإحتكار القرارات داخل المجلس، هي من الأسباب الكبيرة والكثيرة في فشل العمل إلى الآن. مما تسبب في إشكالية بين أعضاء المجلس والتنفيذية. ونتيجة لذلك قدمت رئيسة مجموعة أعضاء المجلس في السويد السيدة (عائشة قعز) استقالتها من رئاسة المجموعة، للأسباب المذكورة أعلاه، وكثيرون من أعضاء المجلس والتنفيذية في السويد وبريطانيا وأمريكا سجلوا تحفظاتهم على الأسلوب والأداء الذي يمارس بإسم المجلس في تلك البلدان .

هذا هو حال المجلس تقريبا في الفترة الحالية. فماذا عن التحالف الديمقراطي؟

كلنا نعلم ان التحالف دخل مؤتمر أواسا من غير رؤية واضحة وموحدة للمخرجات التي يريدها من المؤتمر، و لمصيره في المستقبل ككيان سياسي. هل سيحل نفسه أم لا يفعل؟ وهل سوف يعمل ككتلة سياسية داخل المجلس؟ وذلك على الرغم من القرارات السياسية التي اتخذها في مؤتمره المنعقد في مارس 2011م والتي نصت على استمرارية التحالف والتكيف مع المستجدات المنتظرة.
يبدو إن قلة من تنظيمات التحالف هي التي واكبت وساهمت بشكل فعال منذ بداية فكرة الملتقي والمؤتمر، وهي التي كانت تحمل فكرة متكاملة عن مخرجاته، وعن مستقبل التحالف، أما البقية فكانت تائهة، ولم تري في المؤتمر إلاّ حلبة سباق على السلطة، مما جعلها تركز على الحشد الكمي لقواعدها في المؤتمر، وتولي قيادته وإقصاء التنظيمات التي ركزت على الأفكار والمخرجات ونجاح المؤتمر. وهذا ما حصل بالفعل ، كسب أصحاب الكم الفاقد للرؤى والأفكار، وابتعد أو أبعد من يملكونها.

والخلاصة، فبين ضبابية المواقف والرؤى لدى بعض تنظيمات التحالف، وضعف تنفيذية المجلس، خلق فراغ سياسي خطر في ساحة المعارضة الارترية، وفجوة بين الجماهير بين مؤيدي استمرارية التحالف و مناصري المجلس.

وكنت كمراقب أتساءل من الذي سوف يرمي الحجر الأول في المياه الساكنة ليحرك الدوامة؟ بادر التحالف بذلك عندما أرسل وفد إلى الخارج (بريطانيا والسويد)، ربما كنوع من أنواع بالونات الاختبار. ورأينا جميعنا كيف إن كوادر أحزاب الإنقاذ والنهضة والحزب الإسلامي عارضوا هذه الزيارة، بكل ما يملكون من قوة في أوربا، وملؤا الدنيا صراخا وصخبا وسعو لإفشالها، ونجحوا في إظهار الشرخ الخفي بين التحالف والمجلس، ورفعوا شعارات المطالبة بزوال التحالف، وكأنه العدو الأكبر الذي يضطهد الشعب الارتري وينكل به في المعتقلات (كنت أتمنى لو استعملت كل هذه القوة في محاربة النظام الغاشم في ارتريا بدلا من محاربة التحالف). وحتى إن بعض أعضاء الحزب الإسلامي كانوا قد أعلنوا في أوربا والشرق الأوسط، أن الحزب سيقدم استقالته من التحالف، إذا اختار الآخرون الاستمرار به. على كل حال لا أعلم إذا كان وفد التحالف قد نجح في الجزء الخاص بلقاءاته الجماهيرية من زيارته إلى أوربا أم لا ؟ فهذا التقييم متروك لهم. ولكني أستطيع أن أجزم أنهم نجحوا في تحريك المياه الساكنة من بعد مؤتمر أواسا.

عقد التحالف اجتماع مركزيته في هذه الأجواء المشحونة بالخلاف ما بين تكتل الإنقاذ والنهضة والحزب الإسلامي، الذين يرون أن التحالف قد إنتهى، وأنه يلعب في الزمن الضائع في جانب، وبين تكتل جبهة التحرير والحركة الفيدرالية و ساقم و حزب الشعب (داخل التحالف) في الجانب الآخر، الذين يرون ان القوة السياسية عليها أن تتصدر العمل السياسي الحزبي، أما المجلس حسب رأي الأخيرة، فيختص بالتعبئة الجماهيرية والعلاقات العامة . ويبدو أن العفر والكنامة ساروا مع موقف المجموعة الثانية، جريا وراء استمرار منفعة مادية في التحالف، وكذا مجارات للموقف الإثيوبي، أما المؤتمر الشعبي (الإصلاح) يبدوا انه قد اختلطت عليهم الأمور، ولم تكن لهم رؤية واضحة عما يريدون، و أما المؤتمر الإسلامي فيبدوا أنه كان منقسما بين الشيخين سلمان ومالك مع الاستمرارية، ورمضان محمد نور وآخرون مع إنهائه.

لم ولن أتعجب أبدا من موقف الإنقاذ والنهضة، فكليهما لم يريا في المؤتمر وسيلة لإسقاط النظام، بل مناسبة للوصول إلي السلطة وإقصاء الآخر، فقد سخروا وجودهم في المفوضية و حشدوا أنصارهم في المؤتمر، وانخرطوا في حالة هستيرية للانفراد بالمواقع، ومكنهم ذلك من تحقيق الغالبية في المجلس والتنفيذية.

الأمر الذي يستدعي قليلا من التوقف كان موقف الحزب الاسلامي. فهل هذا الموقف هو نتيجة لضغوطات تعرضت لها قيادته من كوادر الحزب ذي الغالبية الكبيرة من مسلمين المرتفعات؟ أم هو موقف سياسي؟ والإجابة على هذه الأسئلة عموما متروكة للزمن. وعلى كل حال لم يعلن الحزب الاسلامي قبل مؤتمر أواسا أنه لن يستمر في التحالف، أو أن على التحالف أن يزول بعد المؤتمر. أما الأمر المثير للدهشة والإستغراب أن نرى إعلاميي الإنقاذ والنهضة يصفقون تشجيعا في الانترنت لموقف الحزب الاسلامي في رفضه للمشاركة في تنفيذية التحالف وبقائه في مركزيتها، مع العلم ان الإنقاذ والنهضة سارعوا واستماتوا للحصول على مقاعد في تنفيذية التحالف، بل يقال أن رئيس النهضة استمات لكي يترأس مركزية التحالف. والسؤال لماذا لم يحذو حزب النهضة و الانقاذ حذو الحزب الإسلامي في التحالف، إذا كانوا يوافقونه الرأي؟ وإلى أين يقودون الحزب الإسلامي بهذا التوجه الذي لا يليق بمن يرفعون الشعارات الإسلامية الأكثر رحابة من هذه الإصطفافات الإثنية؟ وهل سيستمر الحزب الاسلامي في فقد مناصريه من منخفضات ارتريا، وفي الشرق الأوسط ؟ أم إنها بداية انقسام في داخله الذي ستبدأ حلقاته بتغيير القيادة في مؤتمره القادم؟ على كل حال هناك عدم تجانس واضح بين مبادئ الحزب ونهجه الإسلامي المعهود سابقا بلم الشمل و ليس التفريق، وبين ما تسير عليه بعض كوادره وفروعه، والتي يتهمها البعض بالوقوع فريسة اختراق.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي يتوجب أن يحدث الآن؟ بناء على سياسة الواقع التي تقول ان المعارضة الارترية السياسية المؤسسة تتكون من فرعين: هما التحالف و المجلس؟
في اعتقادي إن الكرة الآن بين يدي التحالف و المجلس، وأن البداية من باب الاجتهاد أراها أن تكون على النحو التالي:

1. ان تتعامل قيادة تنفيذية المجلس الفعلية والتي تعمل خلف الكواليس على مبدء ان الساحة الارترية المعارضة يمكن ان تتسع لاكثر من مؤسسة سياسية. للاسف الشديد ان اللعيبة الاساسيين الخفيين و الذين يحركون عجلة المجلس هما نفس اللعيبة الذين كانو يحركون عجلة الثورة في السبعينيات و بداية الثمانينات, فهم يحملون نفس الافكار الاقصائية القديمة المرتكزة على مبدء :ان الساحة الارترية المعارضة لا يمكن أن تتسع لأكثر من كيان جبهوي عام. فعليهم الان أن يتأكدوا من قدرتهم على مواكبة الزمن والمتغيرات الجارية فيه، وكلنا نعرف ما حدث حينها، ونعي نتائجه الكارثية على الثورة، وتمتد آثاره إلى واقعنا الحالي .
2. إن على تنفيذيتي (التحالف والمجلس) الجلوس مع بعضهم بعضا، بكل مصداقية، لوضع خطة عمل مشتركة مبنية على أهداف إستراتيجية وتكتيكية لإسقاط النظام.
3. إيقاف الحملات الإعلامية ضد بعضهم بعضا. فمن يريد أن يحارب عليه أن يحارب العدو المشترك والحقيقي، ألا وهو النظام الحاكم في ارتريا.

هذه الخطوات المذكورة أعلاه بديهية جداً، ولكنها قد تكون بدية البداية، لتخطي الأزمة التي تمر بها مؤسستي المعارضة الارترية، حتى يرتقى بالدور السياسي المطلوب في الفترة الراهنة؟

وكما يقال إن للحديث بقية.

بقلم: عمر نور كيكيا

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=22469

نشرت بواسطة في أبريل 25 2012 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010