المناضلون المبعدون الى اثيوبيا عام 1963

قضية الطائرة المختطفة ومحاكمة الارترييين اللاجئين أعادت الى الأذهان قضية المناضلين الشرفاء الذين تعرضوا الى المطاردة ثم الى الابعاد الى اثيوبيا في شهر اكتوبر عام 1963م  و “فرجت تسرد القصة كما جاءت على لسان أحد المبعدين ( العم محمد شفا احمدين ) في رسالة كتبها لـ ” جريدة ارتريا الحديثة” لتوضيح هذه المسألة واليكم فحو الرسالة:

 

كان عدد المبعدين ستة أشخاص  الا انه كان بيننا شخص سابع أثيوبي يدعى هيلى وهو جاسوس أثيوبي ، واسقط هذا الآثيوبي من العدد وله عذره في ذلك، لانه كان من المتعذر ادخاله ضمننا نحن الستة حيث كنا في عداد الموتى بعد تسليمنا لاثيوبيا.

أنا متواجد الآن في مدينة عصب اصارع قسوة الحياة وشظف العيش، أما أسماء الذين تم ابعادهم من السودان الى اثيوبيا هي كالآتي:-

1.     محمد علي قافو.

2.     أحمد الدين محمد سعيد.

3.     أحمد محمد حسين.

4.     عبد القادر ابراهيم نعمان.

5.     محمد شفا أحمددين عبد الله.

6.     محمد سرور حسن.

 

وقد توفى  كل من محمد علي قافو وحمد سرور حسن بقضاء الله، اما البقية فلا زالوا على قيد الحياة، وان كنت أجهل اماكن تواجدهم حاليا. وفيما يتعلق باعتقالنا في السودان جرى ذلك على النحو التالي:

قامت الشرطة السودانية بمحاصرة منزلنا من أربع جهات وكسرت باب المنزل ، ودخل علينا  جنود مدججون بالاسلحة، واقتادوانا الى مركز لشرطة في جنوب الخرطوم، ومن هناك الىسجن كوبر في اليوم التالي ، وبعد ان قضينا عدة ايام هناك، تم تقديمنا الى المحكمةن حيث نطق القاضي بالحكم علينا بالابعاد.

بعد الحكم عدنا الى سجن كوبر وكان معنا هناك أحمد اسماعيل المعروف بـ ” أحمد سويرا” ، الا انه لم يتم ابعاده معنا ، وعلمنا فيما بعد انه أعيد من تسنى لانه كان يحمل الجنسية السودانية. وكان من المقرر ابعادنا في بادئ المر عن طريق الجو، ولكن بالنظر الى الضجة التي اثارتها الصحافة السودانية، غيروا الفكرةتفاديا لتلك الضجةن وتم ترحيلنا بالسيارة ونحن مكبلين بالحديد عن طريق البر الى كسلا.

وبعد رحلة شاقة وصلنا الى كسلا حيث كانت  هناك مظاهرات عارمة في المدينة ضد ترحيلنا ، وتفاديا لتلك المظاهرات والاحتجاجات الشعبية سلكوا بنا طريق غير مألوف خارج المدينة، وعبر هذا الطريق وصلنا الى سبدرات ، حيث تم تسليمنا  هناك الى الجنود الاثيوبيين. وقد قام الجنود الاثيوبيون بدورهم بنقلنا الى تسنى ، حيث قضينا ليلتنا هناك وفي الصباح الباكر من اليوم التالي جمعت الادارة  الاثيوبية سكان تسنى وعرضونا  عليهم ، وقال أحد المتحدثين باللغة التجرنية في الاجتماع ” هؤلاء  هم الذين يمدون العصابات بالسلاح والمال والمعلومات ومصيرهم سيكون الموت، وأن اثيوبيا لديها يد من حديد وباع طويل  وهي تستطيع ان تأتي بأعدائها من أى مكان من العالم وأية بقعة من الأرض” .

 والهدف من هذا الكلام معروف طبعا وهو تهديد الشعب  وأرهابه وعزله من ثورته، بعد ذلك نقلونا  من تسنى الى هيكوتا بالسيارة تحت حراسة مشددة وهيكوتا هذه كانت قد هوجمت من قبل الثوار ، حيث استولوا على مستودع الاسلحة في مركز الشرطة مما جعل ذلك المركز يحقد أشد الحقد على الثوار وأنزلونا من السيارة ودخلو بنا الى الغابة للتشفي من حقدهم بقتلنا.

 ولكن لسوء حظهم جاء ضابط كبير وأمر باخراجنا من الغابة والعودة بنا الى المدينة ونقلنا من هيكوتا الى بارنتو تحت التهديد واستعراض  العضلات ومنها الى أغوردات ومن ثم الى كرن ثم نقلنا الى أسمرا.

  وفي أسمرا بدأ التحقيق معنا باسلوبهم المعروف وهو الضرب والتعذيب والتهديد، وبعد أيام من الضر ب والتعذيب الوحشي تم ترحيلنا جوا الى أديس أبابا المعروفة ببردها القارس واستمر التحقيق بنفس الاسلوب الوحشي ولكن ذلك لم ينل منا ولم يؤسر فينا  لاننا لم نكن نتوقع شيئا آخر منهم غير التعذيب وان لم نكن نتوقعه من اخواننا في اسمرا بتلك القساوة ، ويقال أن طعنة العدو تجرح الجسد ولكن طعنة الأخ والصديق تمزق القلب. وفي أديس أبابا أتفقنا أنا وزملائي على الأضراب عن الطعام ولكن تخلى زملائي عن الاضراب باعتبار انه لن يكون له أى تأثير في دولة همجية مثل اثيوبيا لا توجد فيها وسائل اعلام غير اعلام الدولة.

ولكن تمسكت بالاضراب وكانت حجتي ” اننا بشر مثلهم فكيف نفترش الارض ونلتحف السطح، وعلى سلطات السجن أن توفر لنا  ما نفترشه ونلتحفه واذا حرمنا من هذه المطالب البسيطة يبقى من حقنا أن نتقدم بشكوى الى المحكمة” وبعد مرور سبعة أيام وفروا لنا بضعة بطانيات.

 وجاء بعدنا الزميل سليمان من السودان ، الا انه أعيد الي السودان بسبب حمله للجنسية السودانية، كما جاءوا بكل من الزملاء أحمد كوربيا ومحمد حديش ، وهما تاجران من دسى وبعد أشهر تم ترحيلنا الى أربا منظى، وفي طريقنا اليها بتنا في طسنا ذات البرد القارس، حيث وصلنا في اليوم التالي الى أربا منطى.

  ومنطقة أربا منطى حارة نسبيا ومحاطة بالجبال ، وتنقسم الى مدينتين صغيرتين سقلا ومشا. والاولى كانت مقر اقامتنا وكان ممنوعا علينا تجاوزها أو تعديها ونحن هناك جاؤا بالزميل أحمد بلال وهو معلم بالاضافة الى انه رسام بارع، الى جانب حسين قربة وهو تاجر من أسمرا.

  أما الاعمال التي قمنا بها بالاشتراك مع الزملاء قبل الاعتقال  والترحيل أحسب ما أذكر ، تتلخص في انه وصلتنا معلومات من بعض الزملاء تفيد بوجود دينامبت في منطقة خشم القربة وبعد وصول المعلومات تحركنا انا خصيصا من الخرطوم الى خشم القربة، وبعد تبادل الرأى  أخذنا عدة صناديق  من الديناميت بغرض أعاقة العدو في بعض المواقع.

ثم أرسلنا نفر من الزملاء لتأمين الطريق  الى كسلا ، وتمت العملية بنجاح، بعدها  عدت أنا الى الخرطوم وعلمت فيما بعض أن الزميل محي الدين وصحبه قاموا بتجربة الديناميت في جبال التاكا  حيث القى  القبض عليه ومن معه، ومن جراء ذلك أعتقل الشيخ سليمان وأحمد علي .

 لقد كنت  أول مندوب للحركة في بورتسودان وهي مركز قيادة الحركة حيث قابلت كل من محمد الحسن ومحمد سعيد والاستاذ طاهر سليمان . وأنا كحركي أعتقدأن أعظم الأعمال التي قامت بها الحركة هي أزالة الستار عدم الثقة بين الأفراد باسلوب حكيم ونجحنا في ذلك.

 وبعد ذلك ، وبهدف نشر الوعى الوطني في صفوف المواطنيين كنا نفرض على كل عضو في التنظيم أن يقضي  اجازته في أرض الةطن ، ونجحنا في ذلك أيضا ، حيث قمت أنا شخصيا بالسفر الى اسمرا لهذا الغرض ، والتقيت ببعض  الزملاء أذكر منهم ياسين وهو ضابط شرطة ولكن لم أستطع رؤية أختي الوحيدة، وذلك حرصا على السرية التامة، وكذلك ابنتي الطفلة التي حرمت من حنان الأبوة كما حرمت أنا من تسمة أبني العزيز ، بعدها جاء الضابط ياسين هربا من الملاحقة والمطاردة وأنضم الى بقية الأخوة.

  مرة  أخرى أعود بكم الى منطقة أربا منظى حيث تم الافراج عني وعن بعض الزملاء ، وجئت بأبني الوحيد وتكلفت بتربيته وبعد أن شب التحق بالثورة وجرح في معركة التحرير وهو الآن يتواجد في معسكر دندن بأسمرا، وانني فخور به لأنه سلك دربي في تحقيق الهدف السامي وهو التحرير والتضحية في سبيل الوطن واجب لا بد من أدائه وأختم رسالتي بقول الشاعر :

بلادي وان جارت على عزيزة                 وقومي وان ضنو على كرام

 

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=8613

نشرت بواسطة في أغسطس 25 2005 في صفحة مواقع تأريخية. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010