الهاربون والمهربون والوقفة مع الذات

 الحسين علي كرار

كثر الحديث أخيرا عن معانات الارتريين الهاربين من النظام  وما يلاقونه من المآسي في صحراء سيناء علي أيدي مهربيهم من ابتزاز وقتل ومتاجرة بأعضائهم نتيجة لمطالب وجشع المهربين أوعجز الهاربين عن تسديد ما يطلبه المهربون هذه هي الرواية السائدة ، ولكن منذ متي كانت جماعات التهريب مؤتمنة وتعمل بالشفقة والرحمة وضمير الانسان حتي تنقل الهارب بالدين وتشفع له إذا لم يوفق بتسديد ما وعدهم به من مؤجل الكراء  ، هي جماعات قائمة أصلا علي انتهاك القانون وتهريب المخدرات و الاسلحة ، و الدعارة والخمور والمتاجرة بالانسان وأعضائه جماعات ليس أعضائها من يقومون بالتهريب في الصحاري فقط ولكن جذورها ضارب في المدن الحضرية فمن يستأصلون الأعضاء ليسوا ببدو رحل ولكنهم متخصصون مهنيون في حاضرات المدن الكبيرة ، هم يعلمون أنهم مطاردون من الدول وقوانينها التي ينتهكونها وقد أنشأوا شبكاتهم المتعددة والمنتشرة والسرية التي يصعب إكتشافها ومن يكتشف منها فعدده محدود ، جماعات متخصصة في تقديم الرشاوي لمن يقف أمامهم أو إزالة وجوده من الحياة جماعات لا تستطيع الدول بأجهزتها السيطرة علي أنشطتهم وتحركاتهم المدروسة  والسرية ومتي تم القبض عليهم تتم مصادرة ما يحملونه من المهربات الممنوعة ولكن إذا كانت المهربات هي من البشر ماذا سيفعلون بهم إلا أن يعيدهم إلي بلدانهم لأنهم لا يحملون صفة اللاجئ المضطهد من بلاده ولكنهم يحملون صفة المخالف لقوانين الدولة وصفة المغامر بدمه وعرضه وماله  فرهان هؤلاء إما رابح وإما خاسر إما أن يحققوا  ما ذهبوا إليه  وإما أن يموتوا علي أيدي هذه الشبكات وإما أن يعودوا إلي بلدانهم خاسرين هذه هي نتائج المغامرة والدول لها حرمة وسيادة أراضيها وقوانينها و لا تقبل أن تكون أراضيها مرتعا ومأوي لعصابات التهريب ولا تقبل في ذلك لا المجاملة ولا العواطف لأنه أمنها القومي  ،  و البعض يري أن هروب الارتريين عن طريق سيناء إلي اسرائيل هو من جحيم وقهر النظام والخدمة الالزامية المطلقة وأن البلاد أصبحت سياسيا لا تطاق هؤلاء الهاربون يبحثون عن الأمان والعيش الكريم الذي فقدوه علي ارضهم  ، فهل هذا السرد كله حقائق ؟ ونحن لابد أن نناقش بجدية وجاهة هذه الاسباب ،  أولا  عن الإفساد الاسري الذي أحدثه النظام في المجتمع الارتري  وفي سلسلة الغولاغ الارتري في الحلقة السادسة التي كتبها المعارض السوداني أمير بابكر الذي سجنته السلطات الارترية يقول (( مع (سمهر ) تلك الفتاة الحسناء التي لم تتجاوز السادسة عشر التي القت مضاجعها يوم أمس . قررت سمهر الهرب إلي السودان ويبدو أنها خططت لذلك منذ مدة طويلة ولكنها أسرت إلي إحدي زميلاتها بذلك غادرت تسني إلي قرية قلوج الأقرب للحدود السودانية ومن هناك إنطلقت علي قدميها محاولة عبور المنطقة الحدودية من تلك الناحية حيث منطقة القرقف السودانية ، بدلا عن عبور الحدود وجدت سمهر نفسها داخل عربة لاندكروزر بيك اب تابعة لجهاز المخابرات الارترية عادت بها إلي قلوج )) فعلي من تقع المسئولية فتاة في هذا العمر بكل جراءة تريد أن تعبر الحدود السودانية الارترية بمفردها وسيرا علي الاقدام أين أبويها ؟ من المسئول لو صادفها أحد المجرمين وأخفي جريمته بقتلها ودفنها في الحدود السودانية من المسئول لو صادفتها عصابات التهريب وباعت أعضائها أليست هذه مسئولية الأبوين ألم تكن لهم وسيلة لتهريبها غير هذه الوسيلة ؟ إنه حقيقة إنحلال أخلاقي وفساد داخل الاسر الارترية أوجدها النظام بتجيش الفتيات وكل الفتيات اللائي وجدن مقتولات ووجدت جثثهنّ أو في حالات يرثي لها علي الطرقات العامة في سيناء بعد تعرضهنّ للإغتصاب هنّ من شا كلة هذه الفتاة اللواتي  يسئن لسمعة الأرتريين في الخارج  ، وهذا لا يعني عدم المطالبة بالرأفة وتقدير الظروف  من تلك الدول لوضعهم  ، ولكن مصا لح وأمن تلك  الدول لا تخضع للتقديرات ،  ثانيا  يعدّ أعداد الارتريين الهاربين إلي إسرائيل بالآلاف وهؤلاء ليسوا كلهم هاربين من التجنيد الإجباري لأن فيهم عائلات بكامل أعداد أفرادها من شيوخ ونساء وأطفال حتي بعض الحوامل وضعن أطفالهن في طرق التهريب ، وكما تحكي الروايات أن المهربين يتقاضون  أل (5000) الف دولار في الشخص الواحد من أسمرا إلي السودان ثم إلي إسرائيل عبر الصحراء فإذا كانت الأسرة مكونة من سبعة أفراد يتقاضي المهربون (35000) الف دولار من هذه الأسرة من أين تأتي هذه الدولارات لتهريب هذه العائلات  ، فإذا افترضنا أن الاسر التي وصلت إسرائيل هي عشرة آلاف فرد فإذا ضربنا الخمسة الف دولار في عشرة الف فرد فالنتيجة (50.000.000) خمسين مليون دولار  والعدد أكثر بكثير  فمن أين تأتي هذه الملايين  ؟ مغتربون الشرق الأسط غلابة إستنزفتهم السفارات بإبتزاز الجوازات التي تجدد صباحا ومساء وتستبدل كل ما كانت حاجتها للمال ، وكذلك بفصل الأطفال من جوازات الأباء بالإضافة إلي بقية إلتزامات الاسر في مواقع اللجوء هذه العوامل جففت جيوبهم ولا يستطيعوا أن يدفعوا عشر العشر من هذه الأموال ، قالوا إنها تأتي من أقارب الأسر في أوروبا وألولاياة المتحدة وكندا وأستراليا ولكن معظم هؤلاء يطبخون ( الإنجيرا والعصيدة ويرشونها الزبادي ) لتوفير مبلغ مائة دولار يبعثونه لأسرهم وأقاربهم في معسكرات اللجوء أو المدن التي يقيمون فيها  ، قد يكون هناك إستثناء أن يستطيع البعض منهم دفع مبلغ معين بحجم عائلة صغيرة ولكن ليس هو القاعدة لهذا العدد الكبير ولكن أين مصادر هذه الأموال الكبيرة  ، ثالثا  مصادرها هو خزينة الدولة الأرترية المسروقة والمنهوبة وشعبها يتيم الأبوين في مدنه وقرا ه يتلوي بالجوع والعطش والمرض والجهل وخدمة السخرة  اعتقد ويعتقد الزعيم الارتري علي وزن الزعيم الليبي بأن الشعب الأرتري شعب عاجزوغير كفوء  وغير قادر ليتحمل المسئولية ويشارك في السلطة فجعل من نفسه الواحد الأوحد الذي يحمل ثقل هذا العمل الكبير والمسؤليات الضخمة لأنه القادر والمبدع والعالم بالغيب يحيط بما خفي من صغائر الأمور إلي كبارها من عدد النمل في أطراف حدود الدولة إلي أعلي صرصور يختفي تحت حجر في قمة جبل قدم علي إرتقاع ثمانية آلاف قدم فوق سطح البحرالاحمر ولهذا يعتقد أنه سوف لا يفشل وأن النجاح حليفه  ، و عين وزراء التليكس الذين يحملون الرسائل لتوصيلها ولا يعرفون ما تحتويه  ،  وبعث برسله وأنبيائه الفاسدين الذين يبشرون الناس بعذاب جهنم لمن عصي طاعة الرئيس معززين برسائلهم الشفهية التي تلقوها لإدارة البلاد والعباد منه لا يحكمهم دستور ولا ينظمهم قانون ولا يراجعهم رقيب أو حسيب أحرار طلاقاء ألسنتهم مدربة لينقلوا ما لذ وطاب من أكاذيب الحديث الشافي للصدور للسيد الرئيس  ، ولكنهم إذا إستلموا كميات من الأسمنت لإنشاء الجسور والعبّارات وبناء المدارس والمصحات باعوا نصفها وحولوا قيمتها إلي دول الجوار وإذا استلموا كميات من السيخ لإنشاء السدود والمشافي باعوا نصفها وحولوا قيمتها إلي دول الجوار وإذا استلموا مبالغ ضخمة لتوسعة المشاريع الزراعية زينوها وزخرفوها وأظهروها بشكلها الجميل الذي يسر الناظرين ولكن نصف ما إستلموه حولوه إلي دول الجوار ، فإذا جاء الخريف جرفت المياه الطرق والعبّارات والسدود وسقطت الكباري والمشافي والمدارس وحصدت المشاريع المرصود لها الأموال لتحصيل ال 50000 ألف طن حصدت الخمسة آلاف طن  ، وتتكرر العملية مرارا  و يتكرر معها  بعد ذلك صراخ الحرامية و( السرقيت ) بعد ظهور كذبت معرفة الغيب ، هؤلاء المرتبون تجدهم بعائلاتهم وأقاربهم بعد زمن قليل في دولة إسرايئل العبرية بعد أن إستنزفوا بالسرقة خزينة الدولة ووفروا هذه الأموال ويكونوا الضحايا في السجون أخرون من الأبريا ء بتهمة ألإهمال ، وهكذا دوليك في كل المواقع من السرقة والنهب والهرب الجماعي حتي مواقع الذهب لم تنجو من ذلك و بهذه السرقات الكبيرة التي تتم علي حساب الشعب الأرتري المغلوب علي أمره  والخاضع لعمل السخرة والممول جيوب هؤلاء السارقين الهاربين أفرغت الخزينة الأرترية من أي رصيد  وأفلست الدولة ولم تستطع أن توفر له الوقود الذي يتواصل به بين مدنه الرئيسية  وأصبح يركب الحمير والبغيال والجمال ،  وإنعدمت الكهرباء في المدن والمشاريع لإنعدام الوقود وبعد عام هؤلاء يعلنون في إسرائيل توبتهم وندمهم وولائهم للنظام ويقومون بدفع ما عليهم من الرسوم والضرائب والتبرعات فتقبل توبتهم وتغفر ذنوبهم ويغسلون بالماء والثلج ويكونوا مرة أخري  من الصالحين المقربين للنظام ، أي سخرية وأي معارضة لهؤلاء للنظام ويخطأ من يلوم المعارضة لعدم كسب هؤلاء إلي صفوفها لأنهم لم يخرجوا أصلا لمحاربة النظام وإنما هم من رحم النظام وما زالوا لأنهم خرجوا لهدف معين وبخطة مرسومة بعد أن نهبوا أموال الدولة الارترية  ،  دولة إسرائيل التي   يفرون إليها بعد أن دفعوا المبالغ الطائلة ليست هي الدولة المثلي  وليست بأفضل حال من النظام الارتري لإضطهادها الفلسطينيين وقتلها الأبرياء ومصادرتها لأراضيهم وحقوقهم ووضع الآلاف منهم في سجونها ولا يمكن أن تكره جلادا في بلدك وتهرب منه وتكون في حضن جلاد أخر يعذب الأخرين إلا إذا كنت متعاطفا معه ، اسرائيل هي الدولة المنبوذة عالميا لعنصريتها والتي تعيش تحت سقف الفيتو الأمريكي لحمايتها كلما تم إدانتها في مجلس الأمن ودول العالم لإنتهاكها حقوق الإنسان الفلسطييني حمتها أمريكا فكيف تكون دولة مثل إسرائيل قبلة للأحرار والفاريين من الإضطهاد والمطالبيين بحقوقهم  أليست هذه مفارقة تستحق الوقفة الذاتية ؟  إن السودان استهدفت إسرائيل أراضيه بطائراتها أو بصواريخها الموجهة مرتين ،  مرة  في الصحراء علي ساحل البحر الأحمر قرب الحدود المصرية وذهب ضحيتها العشرات ومرة في مدينة بورتسوان وذهب ضحيتها مواطنين بسبب المهربين  ، وبعد الربيع العربي والثورة المصرية نجد المصريون يفجرون أنابيب الغاز التي تزود اسرائيل بالغاز بشكل متكرر رافضين تزويدها بالغاز المصري  فهل بعض الارتريين الذين كانوا يحتجون أمام السفارتين المصرية والسودانية في لندن يستطيعوا أن يقنعوا هؤلاء بأن دولة إسرائيل هي الفضلي للارتريين  ، من تدافع عنه أنت ، يريد أن يحتمي بعدوّي البغيض ، هذه هي المعادلة  ، اليست هذه مفارقة تستحق الوقفة الذاتية ؟  لا أقول لا يدافع أحدعن انتهاكات حقوق الإنسان ضد هؤلاء ولكن عندما ترفع سقف المطالب علي دول صديقة تحتضن وبالآلاف شعبنا وبالإحتجاجات أمام سفاراتها وهو سقف عالي لماذا لايكون هذا السقف هو المطالبة بفتح الحدود للمعارضة لإسقاط النظام وهو السقف الأعلي أما أن توضع المسائل الجانبية التي تحل بالمساعي الودية وتصبح من ضمن الأولويات ويرفع سقفها للأولويات أمام سفارات الدول الصديقة فهذه مفارقة تستحق وقفة ذاتية ،  إن البعض جعل من إعتقال الشيخ / حسن سلمان في المملكة العربية السعودية وهي قضية تحل بمساعي ودية وقد حدث مثل هذا سابقا ولكن جعلها البعض منطلقا لأحقاده ورفعها لسقف أعلي من الإحتجاجات ، نحن حقيقة لا تعتبر إسرائيل هي خلفيتنا ولا الولاياة المتحدة ولا الدول الغربية وإنما الحقيقة هي أن خلفيتنا هذه الدول العربية مهما كانت مواقفها ضعيفة ومهما كان لنا عليها من مآخذ هي التي نلجأ إليها وهي التي تأوينا وهي التي نستفيد منها حقيقة ويجب ألا يسمم هذا البعض هذه العلاقات التي نحن في حاجة إليها حتي النظام الأرتري الذي تجبر وتنكر هذه العلاقة وأدار ظهره إلي دول الغرب ودول الشرق الأفريقي كراهية منه للثقافة العربية في ارتريا إن المساعدات التي تلقاها علي الرغم من هذا النكران والتي يفتخر بها ويعتبرها من إنجازاته هي مساعدات عربية من كهرباء وأدوية وإعلام وطرق ووقود  هذا ما ظهر وما بطن منها أكثر ما الذي فعله الغربيون لأرتريا من مساعدات وما الذي قدمته لنا إسرائيل حتي هؤلاء الذين يتهافتون بهجراتهم المدروسة إليها سوف يعودون منها خائبين لأن إسرائيل تري إنها صفوة المخلوقات عرقيا ولا يمكن أن تلوث بشرتها وتدنس دولتها بهؤلاء السمر الافريقيون  .

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=18960

نشرت بواسطة في نوفمبر 14 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010