الوطن أم النظام

عندما نتحدث عن القيمة الحقيقة للوطن كان لزاما علينا اصطحاب المعاني الراسخة لهذا المعنى القيم , والتي لا تحتمل التحريف ولا التغيير مما يدلل على متانة المعنى وأبدية المقصد (الوطن) , فالوطن هو موطن الأجداد  والولادة والنشأة والصبا وهو الشعب والتراث والذكريات والأحزان هو ما يجمعنا من أواصر المحبة والإخوة , هو العلائق الاجتماعية الممتدة عبر السنين والتي كونت منا هذا النسيج المتناسق والمتجانس تحت سقف واحد والكثير من الروابط الفطرية المتينة التي ظلت وما زالت تعمق تماسك أبناء هذا الوطن .

فمن الطبيعي أن ينتمي الإنسان للوطن مما يجعله مواطنا له حقوق وعليه واجبات يعمل على أداءها بأكمل وجه حسب إمكاناته وطاقته, وكل فرد في مجاله عمله وموقعه يتفانى في خدمة  هذا الوطن, ولا يتأتى ذلك إلى من خلال كيان الدولة الذي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم عبر الدساتير والأنظمة واللوائح وذلك عندما تنضج العقلية السياسية في البلاد, حيث يمكن اعتبار الدولة مثلث ذو ثلاث أضلاع, الأرض والشعب والحكومة, فالأرض هي العنصر الأساسي في هذا المثلث والذي ينبني عليه مفهوم الدولة في العصر الحديث, ثم الشعب وهو الغاية الحقيقة من قيام الدولة وذلك بجعله المحور الذي تتمحور حوله الأولويات القصوى, ثم الحكومة (النظام) والتي تعتبر المنسق الحقيقى لعلاقة الأرض بالشعب وذلك عبر تطبيق النظم واللوائح, وبالنظر إلى الواقع المرير الذي تعيشه بلادنا الحبيبة في الوقت الحالي ,يمكننا أن نرى بنظرة حيادية بعيدا عن عاطفة العشق لتراب هذا الوطن العظيم والانتماءات المناطقية والعقائدية والمذهبية أن ارتريا تعيش فترة من الاضمحلال الفكري والسياسي والذي انعكس سلبا على جميع نواحي الحياة الاقتصادي منها والاجتماعي والثقافي , وضعف البنية التحية التعليمية منها والصحية, فغياب العنصر القيادي المنفتح على الأخر المؤمن بأهمية العمل الجماعي الذي تذوب فيه كل أشكال التمييز التي يمارسها النظام اليوم هو ما اسقط حلم هذا الشعب في الحياة الكريمة المستقرة وذلك للخروج من هذا النفق المظلم الذي ظل يقاتل من اجله كل سنين الاستعمار, ومن الحقائق المرة التي نعيشها ولا يمكن تجاوزها الآن وهي أننا في ظل استعمار جديد اشد وابطش من سابقه في الكثير من الأمور, حيث سيطرت الأجندة  الفئوية الضيقة على ذهنية الفئة الحاكم مما جعل التواصل معها ضرب من ضروب الخيال, فظلم ذوى القربى اشد وأعظم , والمؤسف هو ما يمارسه النظام من هدم للبنية التحتية للبلاد والمتمثل في الكثير من الممارسات اليومية  المنحرفة التي يعيشها المواطن البسيط وأشدها وأخطرها هي عملية النخر في النسيج الاجتماعي والديني والتي يمارسها بذكاء غير حاد مما جعله يتوكأ على عصا انجازاته الفارغة المضمون والتي يختزلها في جمع الحجارة وإعادة رصها بشكل يعتقد جماليته , نعم نحن من يتحمل المسؤولية وكذلك نحن من يجب عليه الوقوف في وجهه هذه الفئة التي تفتقر لأدنى مقومات القيادة والريادة,  بكل ما نملك من أدوات مادية كانت أو معنوية .

  ففشل العقلية الثورية في إدارة البلاد من أهم الأسباب التي تجعل من صعوبة تطوير البنية التحتية السياسي والاقتصادية  والفكرية في ظل النظام القائم, وذلك لضيق الأفق والنظرة المحدودة لهذه العقلية الممسكة بزمام الأمور والتي أدمنت الفشل والغرور ,فواقع حالنا اليوم يحدثنا عن فشل الجبهة الشعبية في إدارة البلاد لان النجاح يعنى تطوير التعليم يعنى وتوفير الخدمات الصحية يعنى الحريات الأساسية للمواطن البسيط  يعنى الاستقرار السياسي الذي لم يتطور ولم يتقدم في ذهنية الفئة الحاكمة إلا  إلى الخلف, كما لم نسمع أو نرى أن نظام الجبهة الشعبية عمل على تهيئة المناخ العام للدخول في حيثيات الإصلاح الشامل بل ذهب إلى ضرب كل المحاولات التي تبنت هذه الأفكار  من اجل الوصول إلى صيغة ولو توافقية تحمل في طياتها أمل الخروج من هذا الفشل المخجل, وذلك بمعالجة الهيكل الفكري المسيطر على عقلية الفئة الحاكمة والمتجسد في عدم الاعتراف بالأخر كجزء من العملية النهضوية والتقدمية التي يجب أن تعم البلاد, وهذا الفشل يجب أن يعيه ويدركه كل من يصفق ويهلل للنظام متدثرا بروح الوطنية ومجاهرا بالولاء الأعمى للنظام.

 عليه وجب علينا ألمصالحه مع الذات قبل البدء في أي عمل يمس الوطن ويؤثر على مسيرة حياة البسطاء من الناس فالمعرفة مسؤولية  ويجب استخدامها بكل نزاهة ومصداقية في ما يخدم الجميع,  والعمل من اجل مصلحة الوطن والمواطن وليست الأنظمة فالبقاء للشعوب والأرض والتاريخ .

 

عادل درملى

24-3-2012م

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=21799

نشرت بواسطة في مارس 25 2012 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010