اليوبيل الذهبى : بين التزييف الرسمى والأحتفا ل الشعبى !؟

عمر جابر عمر

تمر علينا اليوم الذكرى الخمسون للثورة الأرترية ( اليوبيل الذهبى ) … نصف قرن خمسة عقود !!

انه حدث لا يجب أن يمر دون الأحتفاء به بما يناسبه – قليلة هى الشعوب التى تمر عليها مثل هذه الذكرى وجزء من روادها ورعيلها وقياداتها ما تزال على قيد الحياة

أنا من جيل اعتبر نفسى فيه محظوظا – عاصرت وعايشت مرحلة ( مخاض ) الثورة – حيث بدأت

( حركة تحرير أرتريا ) فى الترا جع وملامح الثورة وشعاراتها تتردد وتصبح مطلبا يوميا. كان القائد

( حامد أدريس عواتى ) باعتباره ( شيخ خط ) من منطقة ( قلوج وقرست ) يتردد على مدينة ( تسنى ) والتى كانت تعتبر مركزا لكل القرى المحيطة بها بما فيها قريتنا ( على قدر ) وكان القائد ( عواتى ) على أتصال وتواصل مع أعيان وفعاليات تلك المناطق يحاورهم فى شئون الحياة ومسارها.

كنت صبيا ولكن كنت أتابع وأعرف ما يدور – كنا نعرف أن ( شيئا ما ) سيحدث وأن كنا لا نعرف طبيعته ومداه وتوقيته. وبعد أن خرج ملبيا النداء لم أقابله ولكنى كنت أقابل صحبه ورفاقه وأسلمهم ( الرسائل – الذخيرة) فى كيس صغير وكانت حصيلة ما يحصل عليه الجنود الأرتريون فى الجيش السودانى – خاصة من معسكر الشجرة فى الخرطوم وكانت لدى حرية الحركة بسبب الجنسية السودانية التى أحملها وكنت وقتها طالبا ( 1962—1963). وأنا سعيد أيضا لأننى شاهدت العلم الأرترى يرتفع فوق السارية بعد انزال العلم الأثيوبى فى العاصمة الأرترية أسمرا ايذانا بميلاد الدولة الأرترية المستقلة1993

وبهذه المناسبة أعيد نشر بعض ما كتبت عن سبتمبر الثورة وقا ئدها : (( … كان سبتمبر الآذان وكانت الشرارة التى أحرقت الأعادى – كان النداء وكانت الأستجابة التى صارت زحفا تاريخيا كنس نفايات الأحتلال – كان تحديا وشموخا – صمودا وعزة وكبرياء – كان عطاءا وبذلا ونصرا وتضحيات – كانت الثورة رفضا للزمن الردىء وكان وقودها الأنسان فى ذلك المكان – ارتريا. كانت الثورة تاريخا لايمكن تغييره أو تزويره – كانت حقيقة لا يمكن شطبها أو تهميشها – كانت استحضارا للماضى وتعبيرا عن الحاضر واستشرافا للمستقبل.

جاء الرمح الأسمر لهيبا يمزق وجه الأعداء

جاء الوعد الأخضر يبعث فينا الأشياء

أنظروا أمامكم ومن حولكم: تجدون تلك السواعد السمر والوجوه المؤمنة بربها والواثقة برسالتها والتى زرعت الأرض عطاءا وفداءا – وجوه وسواعد روت التراب عرقا ودماءا – ما تراجعت وما انتكست

حتى تم التحرير – انهم الرواد – رفاق عواتى – الرعيل والمحاربين القدماء.

أنظروا من حولكم تجدون أم الشهيد وزوجة الشهيد وأخت الشهيد – المرأة المناضلة التى كانت تمسح الحزن عن المناضلين وتضمد جراحاتهم وتزغرد لأنتصاراتهم. أنظروا من حولكم تجدون الشباب الواعد

الذى حمل راية الآباء وسار على الدرب ليكمل المشوار ويحقق التغيير الديمقراطى ويبنى دولة العدالة والمساواة. تلك هى أرتريا – هؤلاء هم رجالها ونساؤها وشبابها – ذلك هو مجدها وفخارها وتلك هى روحها ورسالتها. الثورة كانت ومضة فى عقل كل فرد ناضل من أجل الأستقلال ونبضة فى عروق كل مخلص وشريف يتطلع الى الأنعتاق من نير الدكتاتورية ويحلم بوطن واحد وموحد .

كانت الثورة نهر يتدفق ويتفرع ولكن لا يغير اتجاهه ( المصب) ولا ينقطع عن منبته ( المنبع) –

انها نهر يجرى حاملا معه كل الميراث والموروث – الأصل والفروع – الأمل والوعود.

فى الأصل كانت نبتة ارترية فاح عطرها وعم أرجاء الوطن— كانت مزيجا من الأهازيج الوطنية

والتراث الشعبى – كانت جبهة التحرير !! كانت تجسيدا لذاكرة جغرافية لم تسقط شبرا واحدا من أرض الوطن— كانت الفكرة والرؤية وطنية فى غاياتها جمعت:

نقاء وسماحة بركا

حيوية وجسارة القاش

شموخ وكبرياء الساحل

حكمة وفصاحة عنسبا

عراقة وأصالة البحر الأحمر

صبر ومثابرة الهضبة

تلك كانت صيحة سبتمبر الى ترددت فى السهول والجبال وتلك كانت شعلة سبتمبر الى أضاءت الغابات والوديان وكانت البداية التى حققت النصر والحرية والأستقلال …))

اليوم ونحن نحتفل بهذه الذكرى العزيزة والعظيمة نسأل الى أين ؟؟ ماذا نرى من حولنا وأمامنا ؟

دولة عرجاء كسيحة يجلس على قمتها نظام معزول ومحاصر نظام منبوذ ومطارد نظام مكروه من شعبه يدعو عليه ليل نهار ويقاومه باليد واللسا ن وبا لقلب ( وذلك أضعف الأيمان )! نظام يطرد سفيره من أجتماعات ( أيقاد ) بطريقة مذلة ويلهث رئيسه بحثا عن تحالفات جديدة مع دكتاتور آخر

والذى يصرح سفيره ( أوغندا ) بأن بلاده ملتزمة بالعقوبات ضد أرتريا !؟ ألم يبقى لديكم شىء من الكبريا ء الوطنى وعزة النفس ياهؤلاء !؟ جعلتم من الدولة هدفا يتطاول عليه كل نكرة حتى عصابات الرشايدة.

الأنظمة الدكتاتورية تبدأ ( التاريخ ) من اليوم الذى تقبض فيه على السلطة أنها لاتستحضر الماضى الالتوظيفه فى خدمة الحاضر ولتعزيز سلطتها ( تمثال بوشكين فى العاصمة لكسب ود وتأييد روسيا ! )

وفى مرحلة الثورة لم تكن الجبهة الشعبية تحتفل بعيد سبتمبر لأنها كانت تعتبره خاصا بجبهة التحرير ولكن عندما أنفردت بالساحة أستخدمت ذلك الميراث ولكن تحت شعاراتها وصورة القا ئد الأوحد الذى لم يسبقه أحد ولا يشبهه أحد – أسيا س أفورقى !؟

والدكتاتورية تعطل شروق شمس المستقبل أيضا حتى لا يزول حاضرها . أنهم يقرأون التا ريخ بطريقة أنتقائية ( … الكبار يموتون والصغار ينسون … !؟) ويجهلون بأن ذاكرة الشعوب الجمعية تنتقل عبر الجينا ت ويتوارثها الأبناء والأحفاد والدليل ثورات الربيع العربى !؟ نهاية القذافى درس لكل من يتعظ ان كانوا يقرأون ويفهمون.

وبالمقابل هناك معارضة تحاول ما أستطاعت أن تعطى أملا رغم محدودية الأمكانيات وضيق

مساحة الحركة أمامها .

لكنها أصيبت بعلة يبدو أن لا شفاء منها ! تلك هى أضا عة الوقت والجهد فى جدل عقيم يعطل طاقاتها

ويبعثر جهودها يسألون ما هى طبيعة النظا م ( شيطان أم بشر ؟ ) …يجادلون ما هى الوسائل

لتغييره ( السا طور أم البخور ؟ ) …يشككون فى التحالفات الخارجية (هل هنا ك أجندة سرية ؟ )

وأ خيرا

( المؤتمر ) …هل سيكون بأجندة أثيوبية أم أرترية ؟ ذلك هو ما يسمونه ( الجدل البيزنطى ) :

@ – المؤيدون للمؤتمر الوطنى الجامع والذى تعد له المفوضية الوطنية للتغيير الديمقراطى متهمون بأ نهم

يعقدون مؤتمرهم فى اثيوبيا بتمويل أثيوبى ورعاية أثيوبية لتحقيق أجندة أثيوبية تتعارض مع المصلحة الوطنية الأ رترية !؟ ومن يوجه ذلك الأتهام يعقد مؤتمره ( أو نصفه ) فى أثيوبيا تحت رعاية أثيوبيا

وحمايتها ( الأمنية على الأقل ) ويسجل فى بيانه الختامى شكره للحكومة الأثيوبية على أستضافتها وأستقبالها اللاجئين الأرتريين !! لما ذا لم تحاول أثيوبيا فرض أجندتها على هؤلاء وعددهم بضعة عشرات ؟ ولما ذا نفترض أن أثيوبيا تستطيع فرض أجندتها على المؤتمر الوطنى الجا مع ( خمسمائة)

عضو !؟ أنه نهج أحتكار ( الوطنية ) والشك فى الآخر ؟ أنه ا لأ دعاء بامتلاك ( صكوك الغفران والبراءة ) !؟

@- فى مرحلة الثورة تحالفت الجبهة الشعبية مع ويانى تقراى لماذا ؟ ماذا كانت الأولوية لديها ؟

الجواب : تصفية جبهة التحرير الأرترية !؟ المبرر والدليل الذى جاء لاحقا كان الحصول على الأستقلال !؟

ماذا لو قالت المعارضة اليوم أنها تتحالف مع النظام الأثيوبى لأسقاط النظام الأ رترى ( تصفية الجبهة الشعبية ) بهدف أقامة دولة العدالة والمساواة ؟؟ كلا أنها غير موثوقة مشكوك فى وطنيتها

أنه نفس النهج أحتكار الوطنية وأعطاء شهادات الولاء والبراءة؟

هل هى لعنة من السماء أم أن هناك أ سبابا ومسببات لهذا ( الأستنسا خ ) فى المواقف ؟ مع الأيمان المطلق بالأقدار والمقادير الا أننا يجب أن نعترف بأننا جزء من عالم متشابك ومتداخل تختلط فيه الأوراق أحيانا حتى لا تفرق بين الأ صلى والمزيف بين صاحب القرار ومن يسير بالريموت !؟

وحتى لا يفسر البعض بأننى أعنى شخصا بعينه أو جهة بذاتها أبادر وأقول أن تلك ظاهرة قد تكون فى كل مكا ن وتصيب أى أنسان مهما كا ن موقعه وبريقه وقد تشمل كل الأتجاهات والتوجهات!؟ هل تذكرون قصة سكرتير الحزب الشيوعى الروسى ؟ أنها قصة خرافية ولكنها رمزية فى معناها تقول الحكاية أن المخابرات الروسية فى مرحلة الحرب الباردة مع أمريكا تلقت معلومات بأن سكرتير الحزب الشيوعى السوفيتى أصبح عميلا للمخابرات الأمريكية تحت أسم حركى ( نيكسون تو ) دلالة على مكانته وأهميته فى تنفيذ الأستراتيجية الأمريكية بعد الرئيس الأمريكى (نيكسون)!؟

المخابرا ت السوفيتية تابعت السكرتير تصريحاته – مكالماته – تحركاته لكنها لم تجد أى دليل لكن رئيس المخابرا ت الروسية كان على يقين بأن معلوما ته صحيحة .. ما العمل ؟ بعد فترة تقاعد السكرتير وفى حفل الودا ع أقترب رئيس المخابرات الروسية من السكرتير المتقا عد وهمس فى أذنه قائلا: الآن وقد أنتهى كل شىء صا رحنى با لحقيقة .. هل كنت عميلا ؟ ولدهشته قال السكرتير: نعم!؟

سأل رئيس المخابرا ت: لكن كيف كنت تتصل بهم ؟ كيف كنت ترفع التقارير ؟ قال السكرتير : أبد ا

لم أكن أتصل ولا أرفع التقا رير فى اليوم الذى تم فيه تجنيدى تلقيت ( أمرا ) واحدا يقول دا ئما فى توجيه وتعيين الأداريين والمسئولين فى الموا قع القيادية عليك أختيار الأسوأ والأ ضعف والأقل أيمانا

بمبادىء الحزب !؟

حاولت أن أقرأ بعض المراجع وحتى ( جوجل ) لمعرفة أصل وحقيقة مصطلح ( جدل بيزنطى ) ..

تضاربت الروايات وتعددت وأختلفت حتى فى مداها الزمنى – بل أن بعضها أرجعها الى ما قبل قيام الدولة البيزنطية  ! لكنها جميعا أتفقت فى نقطة وا حدة : السبب فى بدء ذلك الجدل وا ثارته كان دا ئما

( عامل خارجى ) !؟

. وفى الختام لا بد أن نمد أبصارنا وأيدينا الى شعبنا الصابر فى داخل الوطن ونقول له ما ضاع حق وراءه مطالب – وعقولنا وقلوبنا مع المعذبين والمعتقلين فى سجون الدكتاتورية – ومع الهاربين من الطاغية والهائمين على وجوههم فى الصحارى والمحيطات – وقبل هؤلاء وبعدهم لا بد من وقفة اجلال واكبار لمن دفعوا الثمن وصنعوا لنا المجد والفخار – الشهداء:

اليوم نذكر كل من نشر الضياء

اليوم نذكر كل من وهب الدماء

اليوم نذكركم يا كل الشهداء

النصر لشعبنا ضد الدكتا تورية والمجد للشهداء

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=17125

نشرت بواسطة في أغسطس 30 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010