انقاذ النفس قبل الوطن مشرط التغيير الديمقراطي(2)

من الطبيعي أن يشعر من تصفح عنوان المقال للوهلة الأولى بعلامات التعجب وأطياف الزهول وهي تحلق حوله وتحاصره من كل صوب.. وهي حالة مؤقتة سرعان ماستتبدد وتتبخر بعد إدراكه المغزى وفهمه المضمون .. وكلي ثقة بأنه لن يظل على تلك الحال أحد سوى أصحاب القلوب الصدئة والبصائر المطموسة .. وهؤلاء هم السبب وراء رفعنا شعار إنقاذ الذات قبل الوطن .. لأنهم تركوا ذواتهم بلا رقابة وبلا وازع حتى تغير معدنها وتمردت على الفطرة وباتت عدوة لكل من يمتلك القدرة على المنافسة والتفوق عليها .. وهذا الصنف من البشر هم حملة مشعل الإزدواجية والمدافعين عن شعار النسبية للتهرب من التبعات والتحلل من الإلتزام بالواجب.. لأن في زعمهم لا يوجد لهذا العالم ثوابت بل كل شئ خاضع لمبدأ النسبية وقابل للنقد والتغيير بفعل إرادتهم المتعالية.. وعليه سقطت كل الحقائق المطلقة في وعيهم وصار الحق خاضع لمتغيراتهم الزمانية والمكانية ولتأثيرات منطقهم الظرفي والمادي المرتبط بالمصلحة الذاتية والعلاقات التي تحكمها.. وبالتالي لا مجال لديهم لوجود حق مطلق بل كل الحقوق لديهم تصبح حيناً حق وحيناً آخر تصبح باطلا حسب زوايا النظر وأبعاد الرؤية المنطقية التي تقررها مصلحتهم الذاتية.. وعليه يصبح عدو الأمس حسب هذه المعادلة صديق اليوم والعكس يصبح صحيحاً متى مايشاؤون.. كيف لا والثوابت الأخلاقية المسيرة لعملهم التنظيمي أصبحت غائبة عن وعيهم السياسي وبالتالي تحولت إرادة القانون والدستور الى إرادة قامعة للحرية ..

هذا هو معول الهدم الحقيقي لكل مابناه الشهداء الأبرار من خلال القيم الوطنية الثابتة والموثوق بها والتي لم تكن لتتأثر بحكم الزمان والمكان ولا بعوامل النقد والتعرية غير المنطقية وذلك لغياب منطلقات المصلحة المتغيرة عن حسهم المرهف.. وهذا هو مربط الفرس إن أردنا معرفة إحدى المنافذ الرئيسية التي تسرب منها منطق الأنانية والكراهية وعدم الموضوعية ليحل محل منطق الإخلاص والمحبة الصادقة للوطن والتفاني بدون مقابل..وهو تحول تدريجي بدأ يحدث نتيجة الفراغ التنظيمي والجهل الثقافي الذي كان ينخر مفاصل العمل الثوري آنذاك وهو لايزال يباشر دوره في ظل غياب العمل المؤسسي والدستوري للدولة الإرترية الحالية.. وبالتالي أصبحت الذات الإرترية في هذا الجو الفاسد رهن أخلاقيات متقلبة بحكم الجهل المتفشي والمزاج الشخصي والمصلحة الفردية المرتبطة بها .. وبالتالي لم ينجو من النخبة أحد نتيجة ذلك التأثير الثوري الطاغي الذي خلقته الساحة الإرترية عبر عجزها أمام أرضية الفراغ الثقافي الكبير والحاجة الملحة لملئه بأي شكل دون إعتبار بالنتائج ومهما كبرت التضحيات والخسائر.. وقد بلغ حال المجند الإرتري مستوى من التردي والشعور بعدم الإرتياح لهذا الإنتماء الجديد للساحة مما دفعه للبحث عن ذاته في ظل هذه المتغيرات الثورية الغريبة .. ذلك أن الهرب بجلده من الميدان كان يعد من الأخطار التي لايقدر على إحتمال تبعاتها أحد كحال الهروب اليوم لأنه يعتبر خيانة عظمى.. إذ أن منطق الإحتكار للمسار التنظيمي والإحتقار لكل القيم الإنسانية والرغبة في إمتلاك المكاسب الثورية وعدم القبول بمبدأ المشاركة كان القاسم المشترك للعمل القيادي سابقاً واليوم .. وبالتالي فإن التدهور التنظيمي للعمل السياسي الثائر أو المؤسسي بلغ مستوى لا يمكن السكوت عليه أو قبول إرهاصاته وتبعاته ونحن لم ولن نشارك في وجوده واستمراريته.. ومن الظلم إذن بمكان أن نتحمل تبعات عمل لم نقم به ونحن من مواليد الستينيات (1965م) ولم تقم به كذلك كل الأجيال الإرترية اليوم من مواليد الـسبعينات 1970م الى الـ 2000م..

كل ذلك لم يكن ليحدث لولا أن المنطق الثوري سابقاً والتنظيمي اليوم كان ولازال يدفع الفرد الإرتري للإنكفاء على الذات والإكتفاء بمكاسبه الشخصية والفئوية كنتيجةً طبيعية لطغيان مبدأ تجاهل الوطن وإهمال المكاسب الوطنية المشتركة التي له فيها نصيب. ومن هنا صار الفرد الإرتري تائه اليوم كما الأمس في درب النضال لغياب الموضوعية وانزواء الروح الوطنية اللازمة لتحقيق الغاية التنظيمية من وجوده كعضو ملتزم بدفع الإشتراكات وحضور الإجتماعات وتمثيل العمل التنظيمي والتفاعل مع مستوياته المختلفة ومن هنا توفرت المبررات المنطقية لبروز الروح الإنهزامية والرغبة في تثبيط كل من ينهض لتصحيح المسار الوطني لعدم توفر الثقة اللازمة لمنحه إستحقاق القيادة والريادة للعمل التنظيمي بعد كل تلك التجارب المريرة مررنا بها..

هذا مايحدث اليوم كإرهاص لإفرازات الماضي وهو ما يدعونا للقول بأن هذا الإنطباع الفاسد المسيطر على إرادتنا يحتاج الى المعالجة العاجلة حسب مايتطلبه مبدأ إنقاذ النفس أولاً ثم الوطن ثانياً حيث لا وطن غداً سيجمعنا في ظل غياب الرؤية المنطقية الموحدة لرؤانا التنظيمية التي أصبحت ممزقة وبحاجة ماسة الى الإنقاذ لتستطيع التمييز بين المصلحة الوطنية والمصلحة الذاتية وإنطلاقاً من هذه القدرة على التمييز يمكننا تقديم مصلحة الوطن على الذات .. لأن المكاسب الوطنية حينها ستشملنا جميعاً ولن يحتكرها أحد كما حدث سابقاً في ظل المسار الإنتهازي للثورة والدولة .. ومن هنا ندرك إستحالة معالجة الرؤى التنظيمية المشوهة اليوم مالم نقم بمعالجة الذات الفردية التي تقود العملية التنظيمية وتحدد أبعادها وتضبط مسارها..ولن نحلم بعمل نضالي مخلص ومتفاني في ظل هذا التردي الواضح للمسار الأخلاقي لقوانا المعارضة .. وبالتالي لن يشكل فرقاً رفع الشعارات والتلويح بها وعقد الإجتماعات والمؤتمرات المكوكية مادمنا نوقن بإنعدام الرغبة في تحقيق مضامينها على أرض الواقع .. ومن هنا ندرك أسباب تمسك نضالنا بالخطوات التنظيمية أو الحراك الثابت الرافض لمبدأ التقدم للأمام .. والغريب أنه لشدة إنشغالنا بتلك الخطوات الجامدة لحراكنا لم نعد نشعر بالوقت وقد مر على حالنا هذا عقدين ونصف من الزمان. وعليه باتت أجيالنا الناشئة تتساءل متى سنتقدم الى الأمام ونحن نُعوّل كل هذه الآمال على هذا النهج التنظيمي الخاطئ والذي كانت فترة العقدين والنصف السابقة من عمر الدولة كافية لإختباره والتأكد من عدم جدواه .. رغم مايدعيه من يمارس هذا النهج من روح وطنية ورغبة في إمتلاك مقعد قيادي للمرحلة .. لأنهم مهما فعلوا لن يتخلصوا من إفرازات الأزمة الإرترية التي خلقتهم وأوجدت لهم المبررات للبقاء .. تماماً مثل مانرى من النهج التنظيمي لعصابة الهقدف والفرق بين الفئتين أن أحدهما أصبح حاكم والآخر خرج من اللعبة الإنتهازية .. لكنه رغم هذا الخروج لم (ولن) يفقد الأمل حتى تحين له الفرصة ليمارس حقه الإنتهازي كغيره من اللاعبين السياسيين .. فهل أدرك الزاهلون عن هذا الأمر لب التغيير الديمقراطي الذي يُرادُ لنا أوالذي نتشدق بترديده دون علم منا بأهواء المسار الحقيقي للعملية التنظيمية المتناقضة مع الشعار المرفوع وهو إنقاذ الوطن .. أكتفي بهذا التحليل المختصر لواقعنا الإرتري رغم أنه جاء قدر جهدي وإمكانياتي المتواضعة لتسليط بعض الضوء لرؤية الأبعاد المختبئة للعملية التنظيمية.. مراعاة ً مني للمشغوليات التي باتت تصرف الناس عن دورهم الوطني لمعالجة هذا الأمر …. ومن هنا قمت بتجزيئ الأفكار الى حلقات متواصلة نتصفحها معاً لعلنا نتفق في النهاية على أنً التغيير الديمقراطي عبارة عن عملية جراحية بحاجة الى مشرط لتجاوز الطبقات الخارجية لواقعنا التنظيمي وبلوغ موضع العلل والأمراض ..

هذه السلسة من المقالات هي من وحي سبتمبر العظيم وأضواء من شمعته الـ 54 .. التي نضيئها اليوم كدروس من الواقع التنظيمي الإرتري بحثاً عن عوامل تحقيق الذات الجمعية للكيان الإرتري وتجميد الذات الفردية المتناقضة مع المسار الجمعي للمرحلة.. حيث سنتقدم مع كل حلقة خطوة نحو تحديد أكثر وضوحاً لمعرفة السبب وراء تخلف الإرادة الإرترية عن بلوغها الهدف المرصود.. منذ فجر التأريخ ..وخير الكلام في هذا الشأن ماقل ودل .. الى اللقاء.

 

.

بقلم أبوعادل : عمر محمد صالح

abu.adill4@gmail.com

 

 

إنقاذ النفس قبل إنقاذ الوطن مشرط التغيير الديمقراطي »(1)

abu adel

بقلم أبوعادل : عمر محمد صالح abu.adill4@gmail.com الى متى نخدع أنفسنا ونملي عليها مالا تؤمن به أو تعتقده من الشعارات الوطنية…

سبتمبر 7 2015 /  المزيد 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=35379

نشرت بواسطة في سبتمبر 13 2015 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010