بمناسبة مرور أربعة عشر عاما على استقلال إرتريا

                            إرتريا وارتهان استقلالها للمشروع الطائفي

بقلم/ محمد عثمان علي خير

 الأمين العام لاتحاد الكتاب  والصحفيين الإرتريين 

 

تمر الذكري الرابعة عشرة علي إعلان استقلال إرتريا في 24/ 5/ 1993 تحت إشراف الأمم المتحدة، لكي يشهد العالم علي جسارة وتضحيات وإرادة الشعب الإرتري، الذي لم يكتفي بإلحاق الهزيمة العسكرية وطرد جيش الاحتلال الإثيوبي عام 1991م، ولكنه أراد أن يشهد العالم، ومؤسساته الدولية علي الهزيمة السياسية والعسكرية والقانونية للاحتلال الإثيوبي الذي تجاوز باحتلاله لإرتريا قرارات الأمم المتحدة، التي نصت عام 1952م علي قيام دولة فيدرالية بين إثيوبيا وإرتريا، مع احتفاظ كل دولة بعلمها وكافة شاراتها التي تدل علي خصوصية كل دولة وهويتها الثقافية والحضارية مع ارتباطاهما بنظام مركزي ممثل في الخارجية والدفاع، مع تشكيل حكومة خاصة بالدولة في إرتريا، ولكن ضرب الإثيوبيين عرض الحائط بكل تلك القوانين والقرارات فأراد شعبنا أن يلقنهم الدرس ويلزمهم بقرارات الأمم المتحدة وتكون شاهدا علي قيام الدولة الإرترية المستقلة عام 1993م، وأمام الرأي العام العالمي ومشاركة مؤسساته الدولية في ذلك اليوم، ولذلك كان انتصار شعبنا عظيما ومناسبا مع تلك التضحيات الباهظة التي قدمها في معركة التحرير، التي امتدت ثلاثين عاما وانتهت بتلك الملحمة في 24/5/1993م، وتطلع شعبنا إلي مرحلة جديدة بآفاقها الواسعة والكل كان يدرك بأن إرتريا قد دخلت الآن في مرحلة أكثر صعوبة وتعقيد، بحكم اختلاف المهمات والمشاريع والأسس التي تقوم عليها الدولة المستقلة، والتي علي أساسها ستبدأ مرحلة (البناء والتعمير)، وفتح الطريق واسعا أمام إرتريا الدولة الحديثة، التي تعكس طموحات وآمال كل فئات وطوائف وأقاليم شعبنا المختلفة، وكان يفترض أن تتجه قيادة (الجبهة الشعبية) بقيادة أفورقي والرتل الطائفي الذي يقود قاطرته المشحونة بكل المعدات ومواد التدمير لكل الثوابت الوطنية، التي قامت عليها الثورة الإرترية، عبر مراحلها المختلفة، والتي سمحت للمشروع الطائفي أن يمر من خلال أحد محطاتها المظلمة، أن تقوم هذه الحكومة بالإعداد لمشروع وطني يعكس حرصها ومشاركة كل الفئات والقوي السياسية والفصائل الإرترية المختلفة بالدعوة لمؤتمر (مصالحة وطنية) في (اسمرا) تنبثق منه حكومة وطنية، من الطبيعي كان سيكون النصيب الأوفر (للجبهة الشعبية) فيها، بحكم دورها في أداء الفصل الأخير من حسم الصراع لصالح القضية المركزية، ودخولها للعاصمة الإرترية لوحدها منفردة، بعد أن قامت بتصفية وإلحاق الأضرار البالغة بالفصائل الأخرى من عام 1981 – 1988، عبر حملاتها العسكرية التي جهزت لذلك الدور الانفرادي، وتمكين المشروع الطائفي في الدولة الإرترية المستقلة.

ولكن تابعنا شعارات وتصريحات قائد (الجبهة الشعبية) وأبواقه بعد دخولهم إلي (اسمرا)، وإنكارهم لدور الفصائل الأخرى، وتلخيص كل نضالات وتضحيات شعبنا خلال الثلاثين عاما في ذلك المشروع الطائفي الذي تسلل إلي جسم وقلب ومفاصل الثورة الإرترية، تحت شعارات وطنية زائفة وعبر توظيف التناقضات والخلافات الثانوية بين قوي الثورة الإرترية آنذاك، وطالب (أفورقي) عودة الفصائل إلي إرتريا بأسمائهم المجردة حتى يتمكنوا من العيش في إرتريا، وهم مثل بقايا الإرتريين اللذين كانوا يعيشون تحت مظلة الاستعمار الإثيوبي، ولا فرق بينهم في تصور (أفورقي) ومن معه من اللذين أصابهم الغرور والنابع من عقدة التعالي، التي يعاني منها باستمرار التيار الطائفي في إرتريا، وعبر مراحله التاريخية المختلفة، ولكن ومع بروز هذه المواقف الشاذة والتصورات المغلوطة، فإن القوى الوطنية وقطاعات واسعة من الشعب الإرتري، قررت أن تمنح الفرصة الكافية لهذه الحكومة لتركيز مؤسسات الدولة الإرترية المستقلة، وعدم فتح المجال لاستفزازات التيار الطائفي الذي كان يقصد بهذه التصرفات جر الإرتريين في حروب داخلية من شأنها أن تكون سببا في ضياع استقلال إرتريا، والبعض من الفصائل قرر التعالي علي جراحاته من تنظيم (الجبهة الشعبية) وقبل بحل تنظيماته مثل (التنظيم الموحد)، وعادوا إلي وطنهم بعدد كبير من قياداتهم وكوادرهم الفعالة، ولكن كانت نهاية البعض منهم الزج بهم في المعتقلات من عام 1994م، ولا ننسي هنا مذبحة معلمي اللغة العربية (250)، والتي ستكون نتائجها وآثارها المستقبلية مدمرة لقيادة (الجبهة الشعبية)، والتيار الطائفي الذي يشجع علي مثل هذه الجرائم الخطيرة، التي تحمل في طياتها بذور حرب أهلية مدمرة في إرتريا، والأيام سوف تثبت ما أقول، ولا أعرف إلي أين سيهرب (أفورقي – ونيازكي) وكل أجهزتهم الأمنية، التي أشرفت علي هذه المذبحة الكبرى في 24/2/2003م، والآن يمكننا أن نتساءل، ماذا حققت (الجبهة الشعبية) منذ أن انفردت بالسلطة الكاملة في الدولة الإرترية عام 1993م بعد إعلان استقلال إرتريا، وهيمنت علي كل إمكانيات وموارد الدولة الإرترية ؟ دعونا نقدم نماذج من هذه الإخفاقات التي تقف شاهدا علي الفشل الذريع لقيادة (الجبهة الشعبية) للدولة الإرترية.

بالنسبة للمجال السياسي

تعرضت الجبهة الشعبية نفسها منذ عام 1995م إلي مرحلة تصفية داخلية شاملة، حيث قرر التيار الطائفي ارتهان الدولة الإرترية للمشروع الطائفي، فقام بتصفية سياسية وجسدية واسعة في الجانب العسكري والسياسي، بدأت بالقيادات العليا مثل (رمضان محمد نور) وهو من القيادات، التي فتحت الطريق أمام بروز التيار الطائفي بقيادة (أفورقي)، مع احترامنا وتقديرنا لدوره التاريخي في الثورة الإرترية في المجالات الأخرى، والزج بالقيادات العسكرية التي قادت عملية التحرير في السجون، وإبعادها لإخلاء المؤسسات العسكرية والأمنية والإدارية (للجبهة الشعبية) من العناصر الوطنية لصالح التيار الطائفي، وبذلك تحول تنظيم (الشعبية) إلي مؤسسات خاصة (بأفورقي) وتياره الطائفي ونجحوا في ارتهان الدولة برمتها لمتطلبات هذا المشروع الطائفي البغيض، ولذلك فقدت الدولة هيبتها في كل المجالات الداخلية والخارجية، وغابت عنها معظم مقومات الدولة الحديثة والحضارية، دولة لا يحكمها منهجا سياسيا محدد وتفتقد إلي فلسفة سياسية يشع منها النور، الذي يقود الدولة والمجتمع إلي بر الأمان، دولة بلا موازنة ثابتة ولا يحكمها قانون يجسد المساواة والعدالة ويحمي حقوق الإنسان، وكل شيء يمر عبر تعليمات وتوجيهات (أفورقي) الذي يحكم إرتريا بلا رقيب ولا مسألة، يتخذ أخطر القرارات التي تدع البلاد والعباد في حروب وأزمات داخلية وخارجية، وبذلك تحولت إرتريا إلي سجن كبير للشعب الإرتري، محكومة بقوانين الغاب،  ومن هنا يتضح لدينا بأن تنظيم الجبهة الشعبية، يفتقد إلي القبول الجماهيري، ولا يتمتع بأي احترام من قبل الشعب، بسبب ذلك الخوف الذي يحكم هذه العلاقة ويحول دون تعبير الجماهير عن موقفها ورفضها لتنظيم (الجبهة الشعبية)، الذي أساء للتعايش الوطني السلمي والتآخي بين كافة طوائف وفئات شعبنا، والحمد لله أن إرتريا في تاريخها القديم والحديث لم تتعرض إلي حروب داخلية بين طوائفها الدينية والسياسية، وهذا ما راهن عليه التنظيم الطائفي خلال (13)الثلاثة عشر عاما منذ إعلان الاستقلال عام 1993م، ولكنه فشل فشلا ذريعا، حيث قرر الطرف المسلم الذي صودرت جميع حقوقه، وتم تهميشه في سياسة إرتريا الداخلية والخارجية، التعامل مع هذا المخطط الإجرامي ببرودة عقل ولهيب الإيمان بإرتريا دولة التعايش والقانون والسلام، وستثبت الأيام أن الخيار الناضج والواعي كان في مصلحة ترسيخ الدولة المستقلة، وحماية حقوق وتطلعات الأجيال الصاعدة.

 إن نظام (أفورقي) الذي ولد في لحظة لعنة سياسية أصابت الساحة الإرترية، بسبب تلك الخلافات والنزاعات غير المبررة وطنيا، قد شوهت استقلال إرتريا ولا بد من رحيله، لإبراز الوجه المشرق للشعب الإرتري.

إن المشهد السياسي في إرتريا في ظل هيمنة التيار الطائفي والآخذة الآن في التراجع والضعف يعبر عن صورة مظلمة في هذه المرحلة، التي يمر بها الشعب الإرتري بقواه السياسية المختلفة، ولكن نعتقد أن رياح التغير الآن تغزو النظام من داخله، وكان أقواها ذلك التمرد الذي قامت به مجموعة (الخمسة عشرة)، التي زعمت أنها تحمل مشاريع الإصلاح، وتحدت هيمنة (أفورقي) وسياساته الانفرادية، التي جردت هذه المجموعة من صلاحيات كانت محددة، وتطلعت إلي أخذ دور أوسع من خلال دعوتها الإصلاحية، وسنظل نتعامل مع شعارات هذه المجموعة بحذر، لأن هذه المجموعة هي التي تبنت كل السياسات المدمرة للتعايش الوطني، وكانت الجدار الواقي للتيار الطائفي خلال عقدين من الزمن، صحيح أننا مع التغير داخل (الجبهة الشعبية)، ومع أي تيار وطني وديمقراطي يتصدى ويرفض سياسات الهيمنة السياسية والثقافية والدينية، وينحاز لحقوق الجماهير الإرترية المغتصبة، ويساهم في وضع إرتريا في المسار الطبيعي، الذي يوحد كل قواها ويوظف مواردها للبناء والتقدم، ويقدم إرتريا لدول الجوار وللعالم الخارجي بصورة حضارية تعبر حقا عن سماحة واصالة الشعب الإرتري، المتطلع دوما للأفاق الرحبة.

الجانب الاقتصادي

تطلع الشعب الإرتري منذ إعلان استقلال إرتريا عام 1993م، إلي الحكومة الإرترية المؤقتة بقيادة (أفورقي)، بأنها سوف سوف تركز هذه الحكومة بشكل أساسي في إعادة وتعمير إرتريا، التي تعرضت إلي دمار اقتصادي، بسبب حرب التحرير التي امتدت ثلاثين عاما، بالرغم أن إرتريا كانت ولازالت تتمتع بنوع من البنية التحتية القائمة بشكل حديث وطرق المواصلات المعبدة والجيدة التي تغطي معظم مساحة إرتريا، إلي جانب الكادر شبه المؤهل الذي استفاد من عوامل وجود الاستعمار الإيطالي والبريطاني، والتي أهلته لإدارة مرافق الدولة بمختلف جوانبها بصورة متقدمة، ويكفي أن الغرفة التجارية في إرتريا نشأت منذ عام 1947م، وهذا ما لم يكن قائما في كثير من الدول الإفريقية والعربية المجاورة، وضمن هذه الأرضية والاستعداد في تجاوب إمكانيات الإرتريين في عملية (البناء والتعمير)، فإن نظام الحكم اتجه بكل ثقله في تركيز مشروعه الطائفي وهيمنته علي الدولة ومؤسساتها المختلفة، مما أدي إلي توقف وصرف النظر عن الجانب الاقتصادي، وترك الشعب يعاني، وتتفاقم حياته المعيشية، وفتح الباب أمام تجار (الشنطه) واحتكر التصدير والاستيراد علي شركة (البحر الأحمر) الخاضعة للتيار الطائفي ومخططاته في نهب واستنزاف ثروات إرتريا، وأصبح الحال في إرتريا أسوء من فترة الاستعمار، من خلال ما أظهره عجز النظام في وضع خطط اقتصادية، وتنمية موارد الدولة وتوظيفها في النهوض بالاقتصاد الإرتري، واعتمد علي المساعدات الخارجية والمنح، التي قدمت من البنك الدولي والسوق الأوروبية المشتركة، التي حاولت أن تتعامل بجدية مع برنامج للتنمية، كما أنه لم يتجاوب مع المشاريع السعودية للنهوض بالاقتصاد الإرتري منذ عام 1995م، وقامت المملكة بتمويل مقدر لمحطة كهرباء (حرقيقو) (62) مليون دولار أمريكي، بمساهمة من دولة الإمارات وقامت المملكة أيضا بتمويل مشاريع إنشاء طرق ومشاريع زراعية، وقدمت خمسة ملاين دولار لإعادة تعمير المساجد والمعاهد الدينية، ومن أجل تحسين المواسم الزراعية قدمت (15) ألف طن من الأسمدة، ولا زال رجال الأعمال والمستثمرين والشركات في السعودية ودول الخليج تبدى استعدادها لربط إرتريا بالدائرة الاقتصادية العربية، إلا أن النظام عرقل جهودها، كما أن دول مثل (استراليا – والسويد – وبريطانيا) وبعض المؤسسات الأمريكية حاولت أن تتبني بعض المشاريع في الزراعة وتنقيب البترول وبعض المعادن، مثل الذهب الذي أكتشف بكميات كبيرة إقليم (بركة – والقاش) في منطقة (بيشه – وأوقاروا – وهدمدمي)، كما أن الإقليم ملئ بالأحجار الكريمة مثل (المرمر – والرخام)، والتي تستوردها ايطاليا وبعد الدول الأوروبية منذ فترة، كما يتميز الإقليم بكميات تجارية كبيرة من (الصمغ العربي) علي امتداد (بادمبي – وأم حجر – وقلوج)، كما حاولت دولة الإمارات وقطر والكويت، علي اعتماد مشاريع سياحية بمبلغ (ثلاثمائة مليون دولار) لإقامة قرى سياحية وفنادق علي شواطئ إرتريا البحرية، حيث تمتد هذه الشواطئ (1200) كيلوا متر، وهو شاطئ بكر فيه أكثر من (360) جزيرة، تتنافس فيه الشركات العالمية الآن لإقامة مشاريع سياحية ضخمة، بحكم جمال الطبيعة، والمناخ المتنوع في هذه الجزر، ولكن كل هذا لم يجد القيادة السياسية التي تضع مصلحة البلاد والعباد فوق كل اعتبار، وتركز علي تطوير وتعزيز الموارد الطبيعية المتوفرة في الأراضي الزراعية والمعادن والثروات النفطية والمائية وغيرها، التي لازالت مهدرة مع غياب المبادرة الاقتصادية الكبيرة، التي تخفف من معانات الشعب الإرتري، وفوق كل هذا أن الحكومة فشلت إلي يومنا هذا في وضع موازنة للدولة، تقوم علي أساسها المشاريع، وتنفذ ضمنها الخطط الاقتصادية وتؤمن الوظائف، بل وتستخدم الموارد البشرية المصدر الرئيسي للقوى العاملة، لكي تساعد في عملية الإنتاج ضمن المعدات والآلات والمصانع والمباني التي يملكها المجتمع، مع غياب تام والي يومنا هذا لعملية جمع وتنظيم وتنسيق عناصر الإنتاج المختلفة واستخدامها في عمليات الإنتاج الواسعة، ونظام إرتريا أشبه بنظام (ليبيريا)، الذي ترك البلاد نهبا للعصابات الداخلية والخارجية، وحول الدولة إلي حلبة تتصارع فيه العصابات الدولية فضاعت (ليبيريا)، وتعرضت إلي عمليات نهب منظمة مما دفع شعبها للتخلص من نظام العصابات بقيادة (تايلر) عام 2003م ونفيه إلي (نجيريا)، وهذا ما تتجه إليه الأوضاع في إرتريا، ولا نفاجئ إذا انفجرت الحرب الداخلية وتكررت عملية (ليبيريا – وسيراليون) في إرتريا، وبصورة أفظع لأن النظام في إرتريا سوف يواجه بسخط شعبي لا مثيل له متى ما انطلقت الشرارة الأولي من العاصمة الإرترية (اسمرا) أو في المدن الرئيسية الإرترية، وأمام كل هذه الأوضاع السياسية والاقتصادية السيئة إلي أبعد الحدود، نرى النظام يتطاول علي دول الجوار، ويتحول إلي وكر للمعارضة للدول المجاورة، لكي يغطي أزماته المتفاقمة، ويوجه الأنظار إلي (السودان)، فقام باحتضان حركة التمرد في الجنوب، وفتح لـ””جون قرنق”” الأراضي الإرترية، للقيام بعمليات عسكرية ضد السودان من داخل الأراضي الإرترية، يهدد وحدة السودان الشقيق، الذي تربطه بالشعب الإرتري علاقات تاريخية وثقافية، بل وتداخل اجتماعي وقبلي واسع النطاق، والذي كان خير معين لمشروع تحرير إرتريا من إثيوبيا، ولكن جاءت الأقدار (بأفورقي)، الذي كان له النصيب الأكبر في الحصول علي دعم ثورة الإنقاذ الوطني منذ صعودها للحكم عام 1989م، وأمام كل هذه الأوضاع المزرية، وجد النظام في إثيوبيا فرصته لكي يعيد النظر في مشاريع توسعية نحو إرتريا، وإعادتها مرة أخري للهيمنة الإثيوبية، فانفجرت الحرب عام 1998م، والتي تصدي لها الجيش الإرتري، والحق هزيمة ما حقة بالجيش الإثيوبي، بالرغم من ظروف إرتريا الاقتصادية المتهالكة، لكن النظام في إثيوبيا عاود أطماعه مجددا إلي إرتريا عام 2000م، وقام بعمليات غزو عسكرية واسعة، وجدت الدعم والرعاية من الأمريكان والصهاينة والروس والأوروبيين، كل هؤلاء قرروا مناصرة إثيوبيا باعتبارها حليف تقليدي لهم، نجحت القوات الإثيوبية في اختراق الدفاعات الإرترية في غرب إرتريا، واحتلت بعد المدن والقرى، بل وتحتل الأن (25) كيلوا متر في داخل الأراضي الإرترية ولكنها فشلت في احتلال ميناء (عصب) والدخول إلي العاصمة (اسمرا) لإسقاط النظام الطائفي، مما أدى إلي تدخل دولي نتج عنه إيقاف الحرب، وتمت اتفاقية (الجزائر) 18/6/2000، ولكن الباب مفتوح أمام حرب أخري، بسبب رفض إثيوبيا للالتزام بقرارات محكمة العدل الدولية بشأن ترسيم الحدود بين البلدين والصادرة في ابريل عام 2003 م، وكل هذا بسبب هذا النظام الذي ساهم بشكل كبير في إبراز ضعف إرتريا ومعاناتها السياسية والاقتصادية، وتحولها إلي دولة مشاغبة في القرن الإفريقي، لذلك فإن استقلال إرتريا يأتي اليوم بعد ثلاثة عشر عاما، والشعب الإرتري يمر بأدق الظروف الصعبة مع غياب معارضة سياسية وعسكرية فاعلة، ولكن هناك نار مستعرة داخل تنظيم (الجبهة الشعبية) الذي طالما حكم البلاد بالحديد والنار، وهو مرشح لأزمات وانشطارات للمشروع الطائفي الذي يهيمن علي الدولة، ونحن نتوقع حدوث مواجهة سياسية وعسكرية داخل تنظيم (الجبهة الشعبية)، والتي بدأت بوادرها بالتفاف المعارضين الجدد اللذين خرجوا من تنظيم الشعبية نفسه، بحشد قواها السياسية من السفراء والكوادر والقيادات العسكرية والمقاتلين في الدول المجاورة، ويكفي أن وزير الشباب الإرتري السيد (محي الدين شنقب) قد أعلن انضمامه للمعارضة وأصدر بيان في أمريكا معلنا رفضه للسياسات الرعناء لنظام (أفورقي)، وقد سبقه قبل ذلك وزير الدفاع الإرتري السابق (مسفون حقوص)، والباب مفتوح في هذا المجال أمام متغيرات كبرى في إرتريا، ولذلك فإن الاحتفال بعيد الاستقلال الخامس عشر في العام القادم ، سيكون في إرتريا بوجه آخر إن شاء الله تعالي، وبصورة تليق بالشعب الإرتري، حيث سيزول هذا الكابوس الثقيل ويسقط وبلا رجعة من الحكم في إرتريا، وتعود إرتريا بعلاقاتها العميقة مع محيطها العربي ، وأن غدا لناظره لقريب, مع هذا كله فإن شعبنا مطالب في الداخل والخارج، بأن يحتفل بيوم الاستقلال الوطني معبرا عن فرحته والتزامه ببناء دولته الحديثة القائمة علي الثوابت الوطنية والدفاع عن الوطن من أي غزو إثيوبي قادم، وحيث أن هذا اليوم يوم وطني لكل الشعب الإرتري، الذي صنعه بالدم والدمع، وبتلك التضحيات الكبيرة، التي مكنت إرتريا من أخذ موقعها الطبيعي في المجتمع الدولي.

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6353

نشرت بواسطة في مايو 25 2005 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010