بين 1994 و 2014 اعتقال الوالد قسرا ووفاة الولد غرقا


لا أدري كيف سأخبر كعلمي الحبيب عبد الرحيم عبد القادر سعيد .. أن أبنه الذي تركه طفلا يحبو في شهر التاسع، قد توفي غرقا وهو غض طري لم يتجاوز 20 ربيعا، هي المدة التي انتظر فيها رؤية والده أمامه بدل الصورة، أنه أصغر الأبناء التسعة وأكثرهم حرمانا من أبيه، فقد كبر ليتعرف عن أبيه من بين الحكايات والصور .. وكم كانت صعبة على الأسرة تلك الأيام المرة التي لا يمكن نسيان طعمها، فقد تكرر مشاعر الأسى لتلك الأيام التي تلت اعتقال الأب، بخبر فاجعة غرق الابن في البحر وهو يهم للوصول إلى أوروبا في يوليو 2014.
رغم مرور 22 عاما على الاعتقال القسري لأستاذي عبد الرحيم ، ما زلت أذكر تفاصيل تلك الليلة وما سبقها وما تلاها من ليال حالكات، كنت كغيري من طلاب مدرسة الأمل – الجالية العربية – أكن احتراما وتقديرا لمعلمي، ولم أكن أدرك معنى أن راتبه قد أوقف قبل اعتقاله بشهر، ولكن عندما كبرت علمت كيف أن الظلم يتشارك فيه ضعفاء النفوس من أقرب الناس، وكيف أن الظالم يقرب منه الفاسدين ويبعد أو يخفي الشرفاء من أمام الناس، ولا سيما إذا كان معلما وقدوة للأجيال التي تبصر الدنيا من خلاله، وتتلقى الهدى والرشاد بين يديه لتصلح البلاد والعباد بإذن الله.
إنها ليلة 5 ديسمبر 1994 التي شهدت حملة اعتقالات قسرية، شملت جميع أنحاء إرتريا وأخفت مجموعة كبيرة من شرفائها وأعيانها، فبعدما انتهى معلمي من التدريس في نفس اليوم وقد كان حاضرا عندما اعتقل صديقه الأستاذ عبد الرحمن ضيف الله، وما كان يدري انها هو ضمن القائمة وكذلك الأستاذ محمد ياسين، حيث هم الثلاثة تم اعتقالهم في نفس الوقت من نفس المدرسة، فرج الله عنهم جميعا وبقية مغيبي الضمير في بلادنا الحبيبة.

فأستاذي عبد الرحيم من مواليد 1943م وحاصل على دبلوم التربية من معهد تأهيل المعلمين في أديس أبابا، وكان معلما مجدا في عمله معلما بمدرسة الأمل – الجالية – العربية، إضافة الى نشاطه المجتمعي والدعوي كعضو في اللجنة التنفيذية لمدرسة عمر بن الخطاب لتحفيظ القرآن في حي ” قزاباندا ” بأسمرا، وللعلم فقد اعتقلت مجموعات أخرى من الشباب النشط في مسجد عمر بن الخطاب، أهمها عام 2005 عندما اعتقل 5 أشخاص من بينهم امرأة.

لقد سألت الأسرة عن أبيها المختطف في كل مراكز الشرطة لكن الرد واحد: ليس عندنا سجين بهذا الاسم وكفى، وعند السؤال عن أين يمكن أن نبحث وأنتم الجهة المسؤولة عنا، يأتي الجواب غير بعيد من الأول: لا ندري وابتعدوا من هنا الآن، وفي ذلك الحين كانت أكبر بنات العائلة في آخر سنة في الثانوية العامة، وأصغر الأبناء التسعة كما أسفلت كان رضيعا وهو الذي توفي غرقا عندما أراد الذهاب الي أوروبا عن طريق ليبيا فرارا من بؤس العيش وعدم الأمان في البلد، ألا رحمه الله وجعل الجنة مثواه.

بقلم: محمد برهان

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=41437

نشرت بواسطة في أبريل 2 2017 في صفحة الأخبار, سجناء الرأي. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010