ترجمة وتلخيص تقـرير مجمـوعة الأزمات الدولية حــول إرتريا2010م

طاهـرمحمدعلي

                                                                  مركز دراسات القرن الأفريقي

أصدرت مجموعة الأزمات الدولية في 21سبتمبر2010م تقريرا مطولا حول إرتريا من (37 ) صفحة بعنوان: إرتريا”دولة الحصار” وهو من أهم التقارير التي صدرت حول تطورات الأوضاع في إرتريا، وما يميز هذا التقرير عن غيره من التقارير صدوره من جهة تعتبر واحدة من أشهر مراكز الأبحاث العالمية  غير الحكومية التي تقدم  معلومات وتحاليل واستنتاجات تعتمد عليها عدد من الحكومات والمنظمات الدولية في تعاملها مع جملة من القضايا والنزاعات .

      تناول التقرير التطورات والأحداث بشيء من العمق والشمولية ، وتطرق إلى  مآلات الوضع الحالي وانعكاساته الخطيرة ليس على إرتريا فحسب بل وعلي المنطقة بأكملها ، فضلا عن تناوله السياق التاريخي للتطورات التي مرت بها إرتريا في مختلف المراحل التاريخية وتأكيده على حقائق تاريخية مهمة في التجربة الإرترية ، وحسب ما جاء في التقرير فإن إعداد هذا التقرير استغرق حوالي عشرة سنوات ، شارك فيه باحثون وخبراء في العلاقات الدولية وفي مجال حقوق الإنسان ، زار العديد منهم إرتريا خلال تلك الفترة للوقوف علي الوضع بأنفسهم ،كما أجروا العديد من اللقاءات مع أشخاص في داخل إرتريا وخارجها عايشوا تجربة الدولة الارترية الوليدة منذ الاستقلال ، فضلا عن حجم المصادر الكثيرة التي اعتمد عليها ، التقرير بعد أن قامت الجهات المختصة بدراستها وتحليلها للتأكد من صحة المعلومات والحقائق التي حوتها ، ولهذا حظي التقرير باهتمام كبير من قبل الجهات المهتمة بالشأن الارتري، إذ تم نشر ملخصات من التقرير في مواقع الكترونية واسعة الإقبال مثل موقع رويتر،وأول أفريكا، وصوت أمريكا،ومجلة الاكونوميست البريطانية  ،ووالتا  الإثيوبي وغيرها،فضلا عن المواقع الالكترونية الارترية التي أوردت أغلبها خبر صدور التقرير،وبالمقابل فإن التقرير قابلته عاصفة من الردود والانتقادات من الحزب الحاكم في ارتريا ، ومن الجهات الإعلامية التابعة له ،كما صدرت العديد من بيانات الرفض للتقرير من بعض التجمعات التابعة للجبهة الشعبية في الغرب،وقد وصف الرئيس الارتري التقرير بالعنصري ،كما وصفه وزير الإعلام الارتري في مقابلة له مع إذاعة صوت أمريكا بتأريخ23سبتمبرالمنصرم  بالمتحيز وقال أنه مليئ بالتشويهات ، وكال  الشتائم والإساءات كعادته للجهة التي أصدرت التقرير،وقد أصدر المركز الارتري للدراسات الإستراتيجية  بأسمرا في 30 من سبتمبر المنصرم  وهو مركز حكومي تقريرا بعنوان :للدفاع عن إرتريا ضد تقرير الخدعة السياسية الذي أصدرته مجموعة الأزمات الدولية ، وجاء التقرير في حوالي (20) صفحة ، حيث حاول الرد على كل ما  ورد في تقرير مجموعة الأزمات ، كما أبرز بعض ما يعتبره من إنجازات النظام في مجال التعليم والصحة وغيرها، واتهم الجهة التي أصدرت التقرير بفقدانها  المصداقية الأكاديمية،واعتمادها على انطباعات سخيفة أكثر من كونها حقائق ومعلومات،والاعتماد علي مصادر مجهولة،مما جعلها تتوصل الي ملاحظات واستنتاجات لاأساس لها في الواقع،فضلاعن اتهامها بتشويه صورة الرئيس ومحاولة إثارة الطائفية في إرتريا.

      

ولأهمية هذا التقرير سنحاول فيما يلي ترجمة ملخص أهم مضامينه وبعض التوصيات التي ختم بها .

  تناول التقرير خمسة محاور رئيسية هي:

1-    المقدمة وملخص التقرير

2-    مسيرة  إرتريا المستقلة ، والسياق التاريخي لتكوين الدولة الارترية،حرب التحرير،تحقيق السيادة والعودة إلي الحرب.

3-  التطورات التي مرت بها الجبهة الشعبية وصولا الي مرحلة الدولة العسكرية ، الثقافة السياسية لحزب الجبهة الشعبية،العسكرة في إرتريا،إرتريا دولة العقوبات ،المعارضون لسياسات الدولة الارترية.

4-  المجتمع والاقتصاد تحت الحصار،الحرب علي الاقتصاد،المجتمع تحت ضغط الدولة ،التعدد الديني والثقافي في إرتريا،دور الإرتريين في الخارج.

5-  العلاقات الخارجية  مابين المصالح والعداء،العلاقات الإقليمية والحرب الإثيوبية،الحرب كسياسة خارجية،العلاقات مع أفريقيا والغرب،الاتجاهات المستقبلية لتطورات الأحداث.

  •   المحور الأول  تحدث التقرير عن السياق التاريخي لتكوين الدولة الارترية،و تناول بالتفصيل الموقع الاستراتيجي لإرتريا وأطماع القوي الكبرى منذ عشرات العقود للهيمنة علي إرتريا من أجل استغلال موقعها  ،وفي مرحلة تقرير المصير اشارالتقرير الي تباين الأطراف الارترية حول الانضمام إلي إثيوبيا ،والي موقف مسلمي إرتريا التاريخي ودورهم في التصدي لمبدأ الانضمام والمطالبة بحق الاستقلال الفوري لإرتريا ،وتحدث التقرير عن تأسيس المسلمين وبعض الناشطين الشيوعيين لحركة التحرير الارترية في عام 1958م ،فضلا عن تأسيس جبهة التحرير الارترية في مطلع الستينات ،وتطرق أيضا إلي انضمام أبناء المرتفعات إلى جبهة التحرير الإرترية في نهاية الستينات ومن ضمنهم أفورقي ،وتناول التقرير الخلافات التي كانت تدور داخل جبهة التحرير الارترية،وشكاوي أبناء المرتفعات المسحيين حينها من استهدافهم داخل الجبهة، كما تناول الانشقاقات التي وقعت داخل الجبهة في تلك الفترة ،وقال أنه بالرغم من أن الجبهة الشعبية التي برزت في الساحة في منتصف السبعينات كانت تضم كافة أبناء القوميات الارترية من المسلمين والمسحيين ،إلا إن القيادة كانت تحت سيطرة أبناء المرتفعات الناطقين بالغة التجرنية والتي كان يقودها إسياس ،وأورد التقرير وقوع الحرب الأهلية بين طرفي الثورة في الفترة مابين 1972-1974م،وإن تلك الحرب لم يتم دراستها وتقيمها ولم يعلم دوافعها ومن يتحمل مسؤوليتها،وقد تركت في نفوس الارتريين جراحات غائرة يصعب التئامها ويستعصي برؤها ،كما تناول التقرير بالتفصيل أوجه التعاون التي كانت بين الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا وجبهة تحرير تقراي،وتطرق التقرير الي حالة التوتر التي كانت تسود تلك العلاقات خاصة في منتصف الثمانينات حول القضايا الإستراتيجية العسكرية المشتركة،وقضايا الاثنيات والمواطنة ،لكن سرعان ماكان يتم تجاوز تلك  الخلافات ،وخاصة في نهاية الثمانينات إذ تمكن الطرفان عبر تنسيق كامل من خوض سلسلة معارك ضد النظام الإثيوبي  كان نتائجها إنهيارنظام الدرق وتسلمهما القيادة في كلا البلدين.
  • مرحلة ما بعد الاستقلال: خيبت الجبهة الشعبية أمال الشعب الإرتري الذي كان يتطلع الي الحرية والاستقرار والرفاهية بعد فترة طويلة من النضال ،وذلك بنقضها للعهود التي وعدت بها الشعب الارتري في مؤتمرها الثاني الذي عقد عام 1987م ،وأكدت فيه علي التزامها بمبدأ التداول السلمي للسلطة وإجراء انتخابات ،وإدارة شئون البلاد وفق دستور إرتري تشارك في إعداده كافة قطاعات الشعب الارتري ، ففي عام 1993م وبعد نتيجة الاستفتاء التي وصلت  99.8 % لصالح الاستقلال ،استغل إسياس الدعم الشعبي لصالحه إذ تم تعيينه رئيسا للدولة والحزب ،كما تم في نفس العام  تكوين المجلس الوطني الذي باشر عمله في العام التالي،وفي المؤتمر التنظيمي الوحيد الذي عقد في عام 1994م تم تقديم تعهدات جديدة للشعب الارتري ،كما تم تحويل اسم التنظيم الي الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة،وفي عام 1997م تم إجازة مسودة الدستور الارتري،و تم تشكيل لجنة للأحزاب والإعداد للانتخابات،إلا إن إسياس انقلب علي تلك اللجنة و سرعان ماتراجع التنظيم عن تعاهدا ته حيث اتسعت مساحة الاستبداد السياسي وتعميق جذور النظام العسكري ،وتشديد الإجراءات علي المواطنين الارتريين،وقمع الحريات ،واستخدام العنف والاعتقال القسري لكل من يخالفهم الرأي، وملء السجون منذ وقت مبكر بالمعتقلين السياسيين ،وبرجال الدين،والصحفيين،وبكل من ينتقد سياسات النظام،ومنذ ذلك الوقت بدأت السلطة تتمركز وبشكل متدرج تحت هيمنة رجل واحد،وتهميش الوزراء والمجلس الوطني.
  • الثقافة السياسية للحزب الحاكم في إرتريا: جاء في التقرير أن الدولة العسكرية القائمة في إرتريا حاليا قد دامت فترة إنشاء جذورها لعقود طويلة قبل فترة التحرير،وأن أعمال العنف الداخلية التي ظلت تشهدها الجبهة الشعبية منذ وجودها كانت مؤشر بأن التنظيم  سيصبح أكبر سلطوية وتعصبا  لمن يخالفه  في الرأي ،ولهذا تعامله مع منتقديه  حتى  من الحزب  كان أكثر عنفا ودموية ،وإن ماحدث في سبتمبر2001م كان بمثابة تكرار لممارسات حدثت قبل ثلاثون عاما أي في عام 1973م حيث تم تصفية مجموعة “منكع” وهي المجموعة التي حذرت من تحول قيادة التنظيم إلي سلطة دكتاتورية ،وطالبت بمناقشة قضايا التنظيم بكل شفافية ووضوح ، إلا إن القيادة التي كانت تهيمن علي التنظيم برئاسة إسياس اتهمت تلك المجموعة بالتطرف والرجعية وقد تم إعدامهم ،ومنذ ذلك لم تكن ظاهرة معارضة داخلية في التنظيم إلا بعد الحرب الارترية الإثيوبية والخسائر الكبيرة التي أصيب بها الطرف الارتري.

وأشار التقرير بأن تنظيم الجبهة الشعبية ظل يدار طوال فترة الثورة عبر التنظيم السري (EPRF ) وإن وجود ذلك الكيان لم يكن معلوما لغالبية المناضلين وقيادات الجبهة الشعبية،ولم يتم الإفساح عنه إلا في المؤتمر الثالث للجبهة الشعبية الذي عقد 1994م ،حين أعلن إسياس انتهاء دور التنظيم السري ،ومع ذلك فإن الجدل حول ذلك التنظيم السري مازال مستمرا،والسؤال المطروح هل فعلا تم تجميده؟ أم تم تغيير صيغة عمل أخري له  ،ولاسيما إن ثقافة ذلك التنظيم مازالت قائمة ،لأنه ومنذ منتصف التسعينات فإن القرارات المصيرية في البلاد يتخذها الرئيس وحده بدون استشارة مجلس الوزراء او العودة الي المجلس الوطني المجمد ،وإن الدولة اليوم يسيطر عليها أفراد مناصبهم غير معلومة لدي المواطن الارتري ،ويحتمون بصلاحيات وهيمنة الرئيس علي الدولة.

وإن الدولة والتنظيم يدار من مكتب الرئيس ،وإن معظم الوزارات أيضا تدار بأفراد مقربين من مكتب الرئيس غير الوزراء المعنيين،وإن هؤلاء يرفعون تقاريرهم مباشرة إلي مكتب الرئيس ،ويمكن القول بأن إرتريا اليوم أصبحت إقطاعية في يد الرئيس ومجموعة من العسكريين والأمنيين ،وإن البلاد منذ انتهاء الحرب الارترية الإثيوبية تم تقسيمها الي خمسة مناطق عسكرية يترأسها جنرالات يتمتعون بصلاحية واسعة ومرتبطون مباشرة بمكتب الرئيس ،حيث يتم تجاهل وزير الدفاع وصلاحيته ،أما جهاز الأمن القوي الارتري فيترأسه شخص يعمل في مكتب الرئيس ،ويعتبر مجموعات الجنرالات الخمسة والمسئولين الكبار في جهاز الأمن الارتري من اقوي الشخصيات في الدولة بعض الرئيس ،وكثيرماتحدث منافسات بين هؤلاء القيادات بسبب تضارب مصالحهم إلا إن قربهم من الرئيس يحول دائما دون وقوع صدامات بينهم.

  • نهج عسكرة المجتمع الارتري وانعكاساته السلبية: تعتبر إرتريا اليوم من أكثرا لدول عسكرة في العالم ،حيث تصل نسبة العسكريين 10%،كما أنها البلد الوحيد الذي دخل في حروب مع كافة جيرانه في خلال عشرة سنوات الأولي من الاستقلال،وكان الهدف من برنامج الخدمة العسكرية الإجبارية الذي بدأ منذ أكثر من عقد ونص على بناء قوة عسكرية للتصدي لأعداء إرتريا ،والمساهمة في بناء الأجيال وتعزيز الحس الوطني والمحافظة علي الروح النضالية للشعب الإرتري ،والمساهمة في بناء الدولة الارترية الحديثة، والتغلب علي الحواجز الإقليمية والعرقية والدينية وضمان لاستقرار الدولة الارترية ،ولكن الخدمة اليوم انعكست سلبا علي الدولة الارترية ،وأصبحت عواقبها وخيمة علي الشعب الارتري، وأن الحكومة الارترية فشلت حتى توفير الاحتياجات الحياتية لهؤلاء الشباب الذين تحتجزهم في الخدمة ،وبالرغم أنهم يتم استغلالهم للعمل في مشاريع خاصة لصالح التنظيم وبعض القيادات  العسكرية والسياسية  (مثل بناء المنازل والقطاعات الاقتصادية ) إلا إنهم مقابل ذلك لم يتحصلو إلا علي حوالي 20دولار شهريا. ويشير التقرير أن تدفق أموال هائلة لشراء الأسلحة الحربية،والاحتفاظ بعدد ضخم من الجيش لايمكن أن يمنع انهيار الأوضاع في إرتريا،وأن ميئات الألاف  من القوة المنتجة المحاصرة في الخدمة العسكرية غير قادرة للمساهمة في نمو الاقتصاد الارتري.
  • إرتريا نموذج للمجتمع العسكري: إن المواطنة في إرتريا اليوم أصبحت مقابل أداء الخدمة العسكرية الإجبارية التي تمتد الي أجل غير مسمي،وإنها لم تصبح واجب وطني بقدرما أصبحت ثمن يدفعه المواطن مقابل العيش والبقاء في إرتريا،كما أصبحت أداة لابتزاز المواطنين الارتريين من قبل الحكومة الارترية،ولهذا أصبحت إرتريا اليوم أقل استقرار،وإن هذه الخدمة بشكلها الحالي أصبحت كارثة ومستنقعا للمشاكل البلاد الكثيرة،وإن إستمراريتها بوضعها الحالي محفز لإنهيارالأوضاع في إرتريا،وإن الاقتصاد  الارتري غير مؤهل لاستيعاب هذه الطاقات في المرحلة الحالية،وإن حالة  الغضب والقلق علي المستقبل من قبل الشباب الذين يتواجدون في صفوف الجيش الارتري ،سوف لاتستمرطويلا وخاصة مع حالة استمرارية التدهور الاقتصادي،وقد يكون الشباب اليائس والمحبط علي نحو متزايد قوة التغييرالمفاجيئ القادم في إرتريا.
  • انتشار الجريمة والفساد في أوساط الشباب:بالرغم من حالة الاقتصاد الارتري اليائس ،الا إن مستوي الجريمة مازال منخفضا في أوساط الشباب ، ومع ذلك فإن حالة الإصابة بالصدمة والاكتئاب والاضطرابات النفسية مابين الشباب منتشرة ،وذلك بسبب النظرة المتشائمة للمستقبل ،ولهذا  حلم الشباب اليوم في إرتريا أصبح كيف يمكنهم الخروج من إرتريا ،إلا إن عشرات الألف من الشباب الذين يتمكنون من الهروب إلي دول الجوار يقبعون في مخيمات اللاجئين ويعيشون ظروف مذرية هناك ،وذلك بالرغم أن أغلبهم من جيل التسعينات إلا أنهم لايسمح لهم بمواصلة التعليم حتى بعض وصولهم إلي أوروبا وأمريكا الشمالية،وأشار التقرير بأن استمرارية اللجوء من مختلف قطاعات الشعب الارتري سيفقد البلاد عنصر الشباب فضلا عن كونه نزيف للمهارات ،لكن علي مايبدو أن الحكومة الارترية غير معنية بذلك ولا تعطي أي اهتمام للآثار المترتبة علي البلد بفقدها ميئات الألاف من الشباب ،وإذا  كانت معنية بذلك لقامت بخطوات تجاه معالجة الأوضاع في الداخل لإيقاف مسلسل الهروب من البلاد.

وأشار التقرير بانتشار حالة الفساد في الوسط الحكومي خاصة بين كبار ضباط الجيش وقيادات المناطق العسكرية وتورط هؤلاء في أنشطة غير مشروعة منها ابتزاز الموطنين الارتريين ،وتهريب الشباب إلي دول الجوار مقابل الحصول علي مبالغ مالية كبيرة،إقامة سجون خاصة بهم وممارسة التعذيب والتعامل بوحشية مع المعتقلين  ،كما يعمل هؤلاء في احتكار تجارة الوقود،ومواد البناء الشحيحة أصلا،واحتكار المواد الغذائية ،والمتاجرة بالمشروبات الغازية والكحول ،فضلا عن استخدام المجندين لمشار يعهم الخاصة في أعمال البناء والمرافق الاقتصادية المختلفة .

*  المجتمع والاقتصاد تحت الإجراءات الحكومية المشددة: وحول الاقتصاد الارتري تحدث التقرير عن صعوبات للحصول علي بيانات دقيقة بسبب سرية ملفات ومستندات القطاع الاقتصادي بالدولة،وعدم تمتع تلك الجهات بعلاقات بالمؤسسات المالية الدولية ،ومع ذلك تناول التقرير السياسات الاقتصادية الفاشلة للنظام الارتري ،والتي كانت سببا في انتشار حالة الفقر والجوع التي يعاني منها اليوم المواطن الارتري،وبسبب تزايد مستويات الفقر في إرتريا فإن الجزء الأكبر من المواطنين في الداخل أصبحوا يعتمدون علي دعم أقاربهم بالخارج لتسيير حياتهم اليومية،حيث يقوم هؤلاء بتحويل الأموال عبر قنوات سرية بعيدا عن سيطرة المؤسسات المالية التابعة للحزب الحاكم ،وذلك بسبب انخفاض سعر الصرف عبر تلك القنوات،ويتم  تداول تلك الأموال في السوق السوداء رغم المخاطر التي تواجه العاملين فيها، وتحدث التقرير عن هيمنة الحزب الحاكم علي القطاع الخاص من المؤسسات التجارية والصناعية والخدمات المالية والنقل وشركات البناء،وحتى الشركات الأجنبية التي تخاطر بالعمل في مجال التعدين في إرتريا يتم الضغط عليها لإدخال أفراد من الحزب الحاكم كشركاء ،وأن رفض مثل هذه المقترحات يصعب من مهمة الحصول علي تعاقد مع تلك الجهات.

 ويري التقرير بأن مبدأ الاعتماد علي الذات الذي يغرد به الحزب الحاكم ينبع من سوء تقدير للوضع ،ويتعارض  مع الواقع الاقتصادي لإرتريا،وإن ذلك انعكاس لعدم الثقة التي يشعر بهاو النظام تجاه الأطراف الأخرى،وإن رفض المعونات الخارجية والتعامل مع المنظمات الدولية والإغاثة يقوم بها النظام كوسيلة لمعاقبة والسيطرة علي المواطنين الارتريين

وأشار التقرير إلي غياب رؤية للنظام الارتري لتحسين وضعية الاقتصاد الارتري،وأن تدفق الأموال الهائلة لشراء الأسلحة والمعدات الحربية والاحتفاظ بأعداد ضخمة من الجيش ،يعرقل مسيرة نمو الاقتصاد،وإن ميئات الآلاف من القوة المنتجة المحاصرة في الخدمة العسكرية غير قادرة علي المساهمة في تحسين وضع الاقتصاد الارتري فضلا عن حالة الهروب غير المسبوقة مما جعل البلاد تفقد القوي البشرية المنتجة في المجتمع ،وأورد التقرير بأن إرتريا منذ خلافها مع إثيوبيا افتقدت ثلثي  سوق التصدير لمنتجاتها ،وإن إغلاق ذلك السوق أمام منتجاتها كان مدمرالإقتصادها ،ولاسيما بعد فشل الدولة في إيجاد سوق للتصدير تلك المنتجات ،ويعتبر السودان حاليا السوق الأولي حاليا للصادرات الارترية،ومع تدهور علاقات النظام الخارجية تعتبر حاليا الأمارات والسعودية بالإضافة الي إيطاليا مجموعة البلاد الرئيسية التي تصدر إلي إرتريا الاحتياجات الأساسية.

كما يتمتع النظام بروابط تجارية ، وعلاقات دبلوماسية ،ويتحصل علي قروض مالية كبيرة من كل من قطر وليبيا والصين  فضلا عن الدعم السياسي والدبلوماسي.

وتوقع التقرير بأن إنتاج الذهب والمتوقع أن يبدأ نهاية 2010م من شأنه أن يحسن مستوي تدفق العملة الأجنبية إلي البلاد  ،لكن في ظل السياسات الحالية من المرجح  أن تستخدم عائدات ذلك الإنتاج في مجال التسليح ،وقد يكون ذلك بداية مرحلة للدخول في صراعات جديدة في المنطقة.

  • التعدد الديني والثقافي في إرتريا:تناول التقرير بشكل مفصل التنوع الثقافي والعرقي الموجود في إرتريا ،والمجموعات الاثنية  التي تسكن في المنخفضات والمرتفعات الارترية،والتداخل اللغوي الموجود مابين تلك المجموعات فضلا عن الترابط الاقتصادي لتلك المناطق.
  • وأشار التقرير الي وجود فجوة بين المسلمين والمسحيين في إرتريا،وحمل مسؤولية ذلك للتجربة السياسية التي تمر بها إرتريا ،وتحدث عن وجود منافسة تقليدية مابين  أقاليم الحماسيين واكلي قزاي وسراي حول الزعامة في المرتفعات ،ولكن لم يؤدي ذلك الي حدوث مواجهات بين الأطراف علي الأقل منذ القرن التاسع عشر.

ويجزم معدو التقرير بأن المشروع العلماني الذي تدعي الحكومة الارترية تطبيقه في حكم البلاد وصل الي مرحلة الانهيار،لأنه فشل في المساواة بين كافة مكونات المجتمع الارتري ،فضلا عن اضطهاده للأديان بقسوة ،وإن تعامل الحكومة بازدراء تجاه الطوائف الدينية يدفع الشباب إلي التطرف ،وإن سياسية مصادرة الأراضي التي تقوم بها الحكومة خاصة في غرب إرتريا  ستزيد من إمكانية حدوث صراعات مستقبلا داخل التجمعات الارترية التي تسكن في تلك المناطق ،وبالتحديد من الممكن أن يحدث توتر مابين التجرنية والكوناما ومجموعات  التقري التي تسكن في غرب إرتريا.

  • وقد تحدث التقرير عن استياء مسلمي إرتريا من النظام الحاكم ،وقد حذر من اندلاع أعمال عنف تجاه النظام خاصة من أبناء المسلمين الذين يشعرون بظلم من النظام

وخاصة إذا تعرض هؤلاء الشباب للتعبئة مع وجود تلك المبررات

ومن المظالم التي يعاني منها المسلمون في إرتريا تحدث التقرير عن تدخل الدولة في شئون المؤسسات الإسلامية،وقضية تحويل ملكية الأراضي  وما قد ينتج عنها من مخاطر في المستقبل،والهيمنة الاقتصادية لأبناء المرتفعات المسحيين علي السهول الغربية ، وتجنيد الفتيات المسلمات في صفوف الجيش ،فضلا عن رفض الحكومة الاعتراف باللغة العربية كلغة رسمية في الدولة  ،وعدم وجود تمثيل يتناسب ونسبة المسلمين السكانية في المناصب العليا في الدولة العسكرية منها والمدنية.

  • الإرتريون في الخارج ودورهم : تحدث التقرير عن دور كبير للإرتريين في الخارج  في إنشاء إرتريا الحديثة ،وذلك من خلال تقديهم للدعم المادي والمعنوي  للحكومة الارترية ،وأشار التقرير إلي وجود إرتريين يتمتعون بمستوي عالي من التعليم وامتلاك المهارات والمهن التي بحاجة إليها الدولة الارترية،وقد عاد عدد كبير من هؤلاء  بعد الاستقلال  للمساهمة في بناء وطنهم إلا إن عدم إشراكهم واستبعادهم في مؤسسات الدولة الحديثة من قبل الحزب الحاكم بحجة عدم مشاركتهم في النضال خيب أمالهم وبددت أحلامهم،ولهذا سرعان ماعادوا من حيث  قدمو ،وإن العديد منهم كان يريدون استثمار أموالهم في  مختلف المجالات الاقتصادية،إلا إن هيمنة الحزب الحاكم في تلك القطاعات حالت دون قيامهم بذلك.

ويتعرض الإرتريون في الخارج إلي ابتزاز من الهيئات الدبلوماسية التابعة للحكومة الارترية لدفع مبالغ مالية مقابل الحصول علي الخدمات كمواطنين ،ويصعب عليهم الحصول علي أي خدمة إذا لم يوفو بكل مايطلب منهم من قبل النظام، وبالرغم أن غالبية المواطنين الارتريين في الخارج هم مناهضون لسياسات النظام ، إلا إنهم يحاولون عدم الإفساح عن مواقفهم الرافضة للسياسات النظام خوفا من أن لايتعرض أسرهم لعمليات انتقامية من قبل فلول الأمن الارتري  ،ولاسيما مع انتشار مخبرين للنظام في أوساط الجالية الارترية يعملون لصالح النظام.

  • العلاقات الإقليمية للحزب الحاكم:ورد في التقرير بأن الجبهة الشعبية منذ وجودها ككيان كانت تميل نحو العزلة ،عكس جبهة التحرير الارترية التي كانت تتمتع بعلاقات جيدة مع العالم العربي منذ وجودها،وكانت تتلقي الدعم من سوريا ومصر وغيرها من البلدان العربية،وجأت الجبهة الشعبية التي كان يهيمن عليها أبناء التجرنية رافضة لذلك التواصل،واختارت العزلة وراء الجبال ،وشرعت في بناء دولتها العسكرية،وقد أقامت علاقات تعاونية مع حركات التحرير الوطني المناظرة لها مثل حركة تحريرتجراي،وجبهة تحريرا رومو،كما أنشأت قسم للعلاقات الخارجية،وأوكلت إليه مهمة التواصل مع الصحافة الدولية،والمنظمات الداعمة في الغرب،وترتيب الزيارات إلي المناطق المحررة لشخصيات دولية ،وكان لديها تمثيل فعال في أوروبا وأمريكا الشمالية.

وعن علاقات النظام الارتري الخارجية  في مرحلة مابعد الاستقلال  ذكر التقرير أن الجبهة الشعبية جعلت من العزلة التي كانت تعيشها في مرحلة النضال فلسفة سياسية لعلاقاتها الخارجية  وأن تلك الثقافة العسكرية  فشلت في بناء علاقات تعاون بنائه مع دول الجوار،ولهذا كانت السمة الأبرز في تعاملاتها الخارجية انعدام الثقة ،و أصبحت السياسة الخارجية عبارة عن ردود أفعال ومغامرات مسلحة لتحقيق أهداف سياسية علي حساب الدبلوماسية التقليدية ،وبسبب استبعاد الخيار الدبلوماسي في معالجة القضايا توترت العلاقات بين إرتريا وكافة دول الجوار ،فقطعت العلاقات الدبلوماسية مع السودان ،ومن ثم دخلت إرتريا حرب حدودية مع اليمن عام1996م ،كما توترت العلاقات مع جيبوتي عامي1996م و1998م ،وصولا إلي مرحلة اندلاع  الحرب  في 2008م .

ومن القضايا الأساسية التي تناولها التقرير بشكل مفصل العلاقات الارترية الإثيوبية ،وأشار بأن إثيوبيا كانت أكبر شريك اقتصادي واستراتيجي لإرتريا بعد الاستقلال ،وقد وقع البلدان عدد(24)اتفاقية وبرتوكول في 1993م،وكان هناك تنسيق وتعاون وطيد بين البلدين في العديد من المجالات من ضمنها الدفاع ،والأمن،والأسواق المصرفية،إلا إن تلك العلاقات بدأت تتأزم بشكل تدريجي منذ عام1995م ،وصولا الي مرحلة اندلاع الحرب بين الطرفين وبشكل مفاجئ1998م.

و جاء في التقرير بأن الحرب مع إثيوبيا  كانت مدمرة لإرتريا اقتصاديا وسياسيا ،فضلا عن الفشل العسكري والاستخباراتي ،كما نتج عنها انقسام داخلي في المؤسسة الحاكمة،ووضعت البلاد في حالة حرب دائمة ،وهو وضع لاتستطيع إرتريا أن تتحمله اقتصاديا واجتماعيا.

وإن استمرارية سوء العلاقات مع إثيوبيا ينبع من سوء تقدير للوضع من قبل النظام الارتري ،ولهذا يجب العمل لإيجاد حل للازمة،وإنشاء علاقة نفعية متبادلة بين إرتريا وإثيوبيا،علما إن إثيوبيا كانت وجهة ثلاث أرباع من صادرات الدولة الارترية،وإن حالة البؤس التي يعيشها الحزب الحاكم في إرتريا نتيجة للاستمرارية الازمة مع إثيوبيا.

  • الحرب كنهج للسياسة الخارجية:وكبديل للحوار الدبلوماسي انتشرت في المنطقة الحروب والنزاعات،وتخوض غمار تلك الحروب مجموعات مسلحة توجد في العديد من دول منطقة القرن الإفريقي ،وليست إرتريا وحدها من يغذي هذه الحروب للحرب عنها بالوكالة للتحقيق أهداف سياسية من ورائها، ولكنها تعتبرمن الذين يقدمون دعما كبير في هذه الحروب وخاصة الموجهة منها ضد إثيوبيا ومصالحها،ويبحث اسياس من وراء هذه النزاعات عن دور إقليمي له في منطقة القرن الإفريقي لكي يحقق طموحاته لزعامة المنطقة،ولهذا النظام الارتري متورط في العديد من الصراعات الموجودة في المنطقة،ومن المجموعات التي تتلقي دعما من النظام الارتري جبهة تحرير أرومو، وجبهة الأوغاد ين،فضلا عن الدعم الذي قدمته إرتريا للمعارضة السودانية الشمالية منها والجنوبية،كما إن إرتريا من أوائل الدول التي قدمت دعما ماديا ولوجستيا للمجموعات المسلحة في دارفور،وقد تم رصد وجود مراقبين إرتريين في دارفور في بداية اندلاع الأزمة،وكانت أسمرا المقر الرئيسي لكثير من معارضي دارفور،وكان هدف ارتريا من تقديم ذلك الدعم كما أشرنا البحث عن هيمنة إقليمية وتحسين شروط الحوار مع النظام السوداني ،كما قامت إرتريا بالضغط علي مؤتمر البيجا ،والأسود الحرة (الرشايدة) للتوقيع علي اتفاقية سلام مع النظام السوداني مقابل حصول إرتريا علي الوقود وضمانات أمنية من الحكومة السودانية.

إلا إن تأثير إرتريا علي ملف دارفور تراجع كثيرا،وإن المجموعات الدار فورية أوجدت داعمين آخرين لها ، إلا إن  مايقلق المجتمع الدولي  كثيرا حاليا هو دعم النظام الارتري للمجموعات الإسلامية المسلحة في الصومال ،وقد دفع ذلك إدارة بوش بالتهديد لتصنيف إرتريا ضمن الدول الراعية للإرهاب فضلا عن دعم أمريكا لمشروع القرار الذي قدمته يوغندا مدعومة من إثيوبيا وأقره مجلس الآمن الدولي في ديسمبر2009م، والذي تم بناء عليه فرض عقوبات علي إرتريا، والعارف بطبيعة النظام الارتري  من الصعب أ ن يتخيل بأن إرتريا تقدم دعما  للجماعات الإسلامية المسلحة بالصومال وذلك عندما نأخذ في الحسبان الإجراءات التي قام بها النظام ضد  الإسلاميين في إرتريا ،لكن يجب أن يفهم الدعم الذي يقدم إلي الصوماليين بأن لديه أهداف غير مباشرة ،هي حرب موجهة ضد إثيوبيا ومصالحها وميدانها الصومال ،وليست  في أي حال من الأحوال من أجل تمكين المشروع الإسلامي في الصومال.

علاقات ارتريا  مع الدول الإفريقية والغرب:إن تصرفات النظام غير المسؤولة تجاه دول الجوار أثرت سلبا علي علاقاته الإفريقية ،فإرتريا جمدت عضويتها في منظمة إيقاد منذ عام 2007م بدعوى هيمنة الجانب الإثيوبي عليها،كما إن علاقاتها أيضا بالاتحاد الإفريقي يشوبها التوتر وعدم الثقة في غالب الأحيان  ،و يغيب الرئيس الارتري  عن معظم اجتماعات الاتحاد الإفريقي  الذي يوجد مقره الرئيسي في أديس أبابا وتعتقد إرتريا إن إثيوبيا تعمل من أجل تحقيق أهداف سياسية ومصالحها الخاصة من خلال استغلال وجود الاتحاد في أراضيها،وهناك فهم سائد داخل الحزب الحاكم في إرتريا بأن الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة لم يقدما أي دعم لاتريا في مرحلة النضال بل العكس أنهما كان يقفان  ضد نضال الثورة الارترية.

ويقلل الرئيس إسياس في مقابلاته الصحفية من الإصلاحات السياسية التي تمت في كينيا وزمبابوي ويعتبرها بأنها مجرد مسكنات للمتبرعين ،وإنه يجادل بقوة بأن نموذجه للحكم أكثر مصداقية وواقعية من النماذج الأخرى الموجودة في القارة والتي تميل للتجارب الديمقراطية الغربية،كما أنه يحتقر علاقة الدول الإفريقية مع الغرب ويعتبرها علاقة تبعية وليست علاقة مصالح متبادلة .

أما علاقة النظام الارتري مع الغرب فإنها تمر بأزمة منذ فترة وذلك منذ أن دخل النظام في صراعات مع رعايا تلك الدول  الذين  كانوا ينشطون في مختلف المنظمات غير الحكومية في نهاية التسعينات في إرتريا ،وتدعي الحكومة الارترية  بأن تلك المنظمات تنتهك سيادتها ،وأنها ترحب بأي دعم خارجي شريطة أن يكون عبر مؤسساتها الخاصة،وانطلاقا من مبدأ عدم الثقة بالأخر، قامت إرتريا منذ عام 1998م بطرد العديد من المنظمات غير الحكومية،إلا أنها وبعض تدهور الوضع الغذائي في البلاد دعت العديد من تلك المنظمات للعودة ، إلا إن تلك العلاقات تدهورت الي مستوي أن كثير من تلك المنظمات غير الحكومية قطعت أي علاقة لها مع الحكومة الارترية ،وتقول الحكومة الارترية بأنها ليست من حيث المبدأ ضد المنظمات الغربية، إلا أنها تختلف مع تلك المنظمات في أسلوب عملها، إلا أن علاقة النظام متدهورة وسلبية جدا مع المنظمات المهتمة بقضايا حقوق الإنسان مثل العفو الدولية،وهيومن رايتس ووتش،حيث ممنوع دخول أفراد تلك المنظمات الي إرتريا.

وفي مطلع التسعينات كان يشار الي إرتريا بأنها أقوي حليف للغرب في المنطقة،وحينها كانت العلاقات في أعلي مستوياتها مع الولايات المتحدة ،وخاصة البنتاجون كان ينظر الي إرتريا بالدول الحليفة لأمريكا في منطقة مليئة بالعدائيات ،وإن الرئيس بيل كلنتون كان يري في الرئيسان اسياس افورقي وملس زيناوي بقيادات انبعاث  نهضة أفريقيا.

وبعد الاستقلال كانت إسرائيل تعتبر إرتريا دولة  علمانية غير عربية و ذو بنية عسكرية جيدة تتمتع بعلاقة صداقة بإسرائيل ولهذا عملت في بناء شراكة معها في منطقة القرن الإفريقي،وقد تعززت تلك العلاقات عندما سافراسياس أفورقي الي إسرائيل في عام1993م لتلقي العلاج ،وقد تمكن أثناء تلك الزيارة من إجراء العديد من اللقاءات الهامة مع مسؤولين إسرائيليين .

ويمكن القول أن قيادة الحزب الحاكم معجبة بتجربة إسرائيل التاريخية وموقعها الجغرافي،وتري فيها دولة عسكرية قوية ،فضلا عن قوتها الأمنية والاقتصادية بالإضافة الي برنامج خدمتها العسكرية حيث استطاعت أن تبني نفسها في كافة المجالات بالرغم من تطويقها  من كافة الاتجاهات بدول عربية وإسلامية تعتبر عدوا تقليديا لها،وبالإضافة الي وجود الدبلوماسي المتبادل بين البلدين منذ مطلع التسعينات وقع البلدان العديد من الاتفاقيات في منتصف التسعينات،وقد تعززت تلك العلاقات بدعم أمريكي لإرتريا،وكان إسياس في تلك الفترة  يرفض تحسين العلاقات مع العالم العربي وإقامة أي شراكة معهم،كما رفض الانضمام الي الجامعة العربية وظل يقلل من شأنها ،وأوضح بكل صراحة بأنه سيقاوم أي محاولة لتعريب البحر الأحمر،وبالتعاون مع إرتريا أقامت إسرائيل قاعدة بحرية وضمنت وجود عسكري لها في المنطقة في تلك الفترة.

وجاء في التقرير أن العلاقة مع إسرائيل تراجعت لبعض الوقت خلال الحرب الارترية الإثيوبية ،بسبب الاتهام الارتري للولايات المتحدة وإسرائيل بالإنحيازالي الجانب الإثيوبي ،إلا إن إسرائيل مازالت تعتبر إرتريا صديقة لها،ويقدر الغرب لإرتريا ماقامت به من تعاون مع الولايات المتحدة عقب أحداث الحادي عشرمن سبتمبر،فضلا عن انضمامها علي التحالف الدولي الذي دعم الحرب علي العراق ،ولكن سرعان ماتوترت العلاقات خاصة مع أمريكا عندما قابلت العرض الارتري باستعداده لاستضافة قاعدة عسكرية أمريكية في بلده بنوع من التردد والحذر ومن ثم رفض العرض الارتري ،وبرر البنتاجون ذلك بأن إرتريا لم تكن  البيئة الأكثر استقرار في المنطقة ،فضلا عن وجود غلق أمريكي بشأن سجل حقوق الإنسان في إرتريا،ودفع ذلك بوزارة الدفاع الأمريكية باختيار جيبوتي لاستضافة  القاعدة  الأمريكية في المنطقة  ،واعتبار إثيوبي الحليف الأول للتعاون معها في الحرب علي الإرهاب في المنطقة.

وتتهم إرتريا حاليا الولايات المتحدة بعدم بذلها جهدا لإقناع إثيوبيا بالالتزام بقرار ترسيم الحدود مع إرتريا،فضلا عن ماتعتبره تأييد واشنطن لإثيوبيا لغزو الصومال في عام2006م ،وقد وصلت هذه العلاقات الي مستوي منحدر جدا حيث يتم توجيه الإساءات للولايات المتحدة علنا من قبل مسئولين إرتريين فضلا عن الشتائم التي توجه في المسيرات الشعبية  ضد الإدارة الأمريكية والتي تنظمها مجموعات تابعة للنظام في الغرب،وتبدي الولايات المتحدة استيائها من النظام الارتري لإستمراريته لفترة طويلة في اعتقال موظفين من السفارة الأمريكية  من أصول إرترية بتهمة  التحريض علي الفتنة والتجسس لصالح الولايات المتحدة ،وقد دفع ذلك واشنطن لاتخاذ إجراءات ضد الحكومة الارترية منها إغلاق قنصلياتها في كل من أوكلندا وكلفورنيا،وكانا يعتبران من أهم شريان تدفق الأموال للحزب الحاكم ،بالإضافة إلي تهديد إرتريا لضمها للدول الراعية للإرهاب،إلا إن وصول إدارة أوباما خفض من حدة التعامل مع النظام الارتري ،وكانت هناك جهود لإيجاد سبيل لتحسين العلاقات مع إرتريا،وأن مسئولين أمريكيين ومن ضمنهم وزارة الخارجية الأمريكية مازلو يوجهون التحذيرات حول سلوكها في الصومال.

لكن بالمقابل فإن الحكومة الارترية مازالت تتمتع بعلاقة جيدة نسبيا مع بعض الدول الأوروبية مثل إيطاليا وألمانيا،والدول الأسكندافية ،وبالرغم أن الاتحاد الأوروبي مازال يعتبر من أكثر الداعمين لإرتريا إلا أنه في صدام مستمر مع النظام بسبب أوضاع حقوق الإنسان في إرتريا والتدخل الارتري في الشأن الصومالي.

وقد أورد التقرير محاولات من جهات دولية عديدة لإستخدام ميزة الموقع الاستراتيجي لإرتريا ،وأشار في هذا الإطار الي المنافسة المحتدمة بين إيران وإسرائيل في منطقة البحر الأحمر،وإن إرتريا مازلت تلعب دورا مزدوجا ،حيث تحاول من جهة الحفاظ علي علاقاتها مع إسرائيل وفي الوقت نفسه الوصول الي أرضية مشتركة وتفاهمات مع الجانب الإيراني ،وقد استطاعت توقيع العديد من اتفاقيات التعاون في الجانب الاقتصادي والثقافي مع إيران،كما تم تبادل السفراء بين الجانبين،وبالرغم من النفي الارتري بحضور إيراني بالقرب من ميناء عصب،وتوجد توقعات بأن إيران  قد توصلت إلي اتفاق مع النظام الإرتري للاستفادة من مصفاة ميناء عصب ،ولاشك أن العلاقات مع إيران تزعج الجانب الاسرئيلي ،إلا إن إرتريا يبدوا أنها تحاول أن تستفيد من التناقضات الموجودة بين الطرفين ،وعلي كل إنها لعبة عواقبها يتوقع أن تكون خطيرة.

 

 

 

 

خلاصة التقرير:

  • منذ أكثر من عقد كان يقال بأن إرتريا تواجه بعض التحديات ومع ذلك كانت تتمتع باستقرار نسبي ،ولكن البلاد  اليوم وصلت إلي مستوي التوتر الشديد ،ومرجح لكي يتطور الوضع  إلي أزمة شاملة ،ولاسيما مع استمرارية حالة تراجع الاقتصاد الارتري وانتشار الفقر ،واستمرارية حكم النظام السلطوي الاستبدادي الفاقد للشرعية في نظر الملايين من الارتريين ،وما حالة استمرارية مسلسل الهروب إلا انعكاس لذلك الوضع المأساوي ،وإن استمرارية هذا الحال الذي أشرنا إليه ستنتج عنه أزمة أكثر خطورة  علي مستقبل البلاد،بل يمكن أن تتفاقم المشاكل الحالية والتي من شأنها أن تفتح ثغرات اجتماعية واقتصادية وسياسية.
  • لايوجد أي مؤشر من أن يقوم الحزب الحكام بأي تعديل  في  حكمه الاستبدادي،وهناك احتمال ضئيل جدا للقيام بإصلاح داخلي محدود ،ومع ذلك المرجح بأن يكثف النظام ممارسته للقمع الداخلي،واستمرار يته في التعبئة العسكرية  .
  • يمكن أن نتوقع بأن المعارضة الارترية الموجودة في المنفي  بأن تكون قوية وأكثر تماسكا بمرور الوقت،وبالتالي تشكل تهديد علي النظام ،وسنرى في المستقبل ماذا كان أعضاء التحالف المعارض قادرون للتغلب علي خلافاتهم الداخلية المتشعبة ،ويمكن أن نشير هنا أن وجود خلافات بين مجموعات إقليمية وعرقية ودينية،ووجود أصحاب مصالح فئوية قد يكون كارثة علي مستقبل الوحدة الوطنية في إرتريا.
  • إن قوة الرئيس اسياس أفورقي تكمن في وقوف القيادات العسكرية إلي جانبه،بل إن الجيش يعتبر الرهان الوحيد في ضبط الأوضاع في داخل إرتريا،بل هوالركيزة الأساسية في بنية الجبهة الشعبية، وإن الوضع سيكون أكثر تعقيدا في حالة حدوث أي تدهور في البنية العسكرية،والعسكر اليوم في إرتريا أكثر فسادا ،وضعفا متزايدا من حيث العدة والعتاد والتدريب،وأقل استعدادا للمواجهة من أي وقت مضي،فضلا عن تدني المرتبات، وسوء التغذية،وإنتشارحالة الإحباط الشديد،وكل هذه المؤشرات يمكن أن تكون من محفزات الانهيار في نهاية المطاف للبنية العسكرية للنظام.
  • وبالرغم أننا لايمكننا أن نتحدث عن اضطرابات داخلية في إرتريا علي المدى القريب،إلا إن حالة الانهيار المستمر للوضع المعيشي والأمني ،واستمرارية النظام الاستبدادي في الحكم،يجعل من حدوث التغييرأمرحتمي خاصة علي المدى الطويل،لا توجد ضمانات لاستمرارية نموذج الحكم الحالي،والمسألة مسألة وقت حسب وجهة نظر السيد/إستروفلين مدير الاتصالات في مجموعة الأزمات الدولية.
  • ومن أجل تجنب وجود دولة فاشلة جديدة في منطقة القرن الإفريقي،يجب علي الإرتريين  والمجتمع الدولي  علي حد سواء إعادة التفكير والتمعن علي الواقع،وإبداء المرونة من أجل إيجاد مخرج للأزمة الحالية،ومن الأهمية بمكان أن يشارك المجتمع الدولي إرتريا سياسيا واقتصاديا،والقيام بتقييم حقيقي للمشاكل الداخلية التي تواجه البلاد،فضلا عن الضغوط الخارجية التي تتعرض لها.
  • كما يجب علي المجتمع الدولي أن يربط المساعدات الإنمائية التي يقدمها لإرتريا،وتحسين الروابط التجارية معها،بالسير نحو عقد انتخابات وطنية طال انتظارها،وتنفيذ الدستور المجمد منذ سنوات طويلة.
  • كما أنه في الوقت نفسه من الضروري علي المجتمع الدولي أن يقوم بالضغط علي إثيوبيا لقبول قرار  ترسيم الحدود ،لأن ذلك أصبح أحد المبررات الرئيسة للنظام للاستمرار في سياساته الاستبدادية،وإن تلك الخطوة يمكن أن تكون دعما للعناصر الإصلاحية داخل النظام ،وخطوة لإبرازهم في داخل النظام والمجتمع الارتري عموما. كل هذا ضروري لمنع حدوث دولة فاشلة جديدة في منطقة القرن الإفريقي.

للتواصل:tahira@ymail.Com   

             

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=9908

نشرت بواسطة في ديسمبر 5 2010 في صفحة المنبر الحر, تقارير. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010