جانب عمر جابر الحقيقة والصواب في “الحركة الطلابية الارترية المسيرة والمسار”

بقلم/ بشير إسحاق

كوني احد الذين ساهموا في جزء من تاريخ الحركة الطلابية الارترية‘ تابعت ما كتبه الأخ عمر جابر‘ في موقع النهضة الالكتروني‘ بعنوان الحركة الطلابية الارترية المسيرة والمسار‘ وكنت قد قرأت قبله كتاب – عروبة اريترية حقائق ووثائق–  للكاتب والصحفي الأخ محمد عثمان علي خير (الذي أهداني نسخة من كتابه وأرسلها إلي مشكورا)‘ تطرق فيه لتاريخ الحركة الطلابية الارترية في المهجر ودورها في مرحلة الكفاح المسلح للاستقلال‘ وبالرغم من أنني والأخ عمر جابر كنا حينها في طرف‘ والأخ محمد عثمان علي خير في الطرف الآخر المنافس لنا‘ في ذلك الصراع الذي دار بين البعثيين والشيوعيين الارتريين في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي‘ وكانت ساحته الرئيسية الاتحاد العام لطلبة ارتريا‘ إلا أنني قد وجدت الصدق في نقل وسرد الأحداث عن الحركة الطلابية في كتاب الأخ محمد عثمان علي خير‘ كما عاصرها وساهم في صنعها‘ في حين لم أجد ذلك في المقالات التي كتبها الأخ عمر جابر‘ بالذات في الحلقة الأخيرة التي اسماها – الطبعة الخاصة.

ومع إنني لا أريد أن انشر جزء مهم من مذكراتي الخاصة قبل حينها‘ وأبوح ببعض المعلومات التي اعرفها بصفة دقيقة ومفصلة عن ذلك الصراع‘ وكيف تحول اتحاد الطلاب كساحة له‘ ودور بعض القوي الصديقة للثورة الارترية فيه‘ ومع أنني أيضا كارها الانصراف بعيدا عن هموم الحاضر والمستقبل‘ ولكن أجد نفسي مضطرا لتفنيد ما ذهب إليه عمر جابر‘ لأنه زج باسمي فيما سرد وبطريقة مقصودة لا تخلو من محاولة ممارسة ما يعرف باغتيال الشخصية‘ وذلك لغرض في نفسه يعلمه هو‘ ولم يترك لي خيارا آخر غير الرد‘ بالذات بعد الزيارة الناجحة التي قمنا بها لأهلنا وأحبابنا في استراليا‘ وحاولنا فيها مد جسور المودة والصداقة مع الجميع‘ بما فيهم تجاه عمر جابر‘ وحاولنا طي صفحة ماض ولي بكل سلبياته وايجابياته‘ وتجاوزه لإيجاد مستقبل أفضل لنا جميعا ولمن بعدنا.

وكان خلاصة ما أراد قوله عمر جابر للقراء في تلك الحلقة‘ وتدوينه كتاريخ للحركة الطلابية‘ هو – أن إبراهيم توتيل بمفرده‘ دون بقية قيادة الجبهة هو صاحب قرار سحب الثقة عما كان يسمي بالاتحاد الموحد‘ وان هذا القرار كان حدثا منفصلا عن بقية الأحداث في الساحة‘ جاء لإشباع رغبة توتيل فقط‘ وأنني – بشير إسحاق – عينني توتيل في اللجنة التحضيرية ومن ثم رئيسا للاتحاد‘ وبعد ذلك فقد الاتحاد حرية المبادرة والقدرة علي التعبير عن هموم ومصالح الطلاب وانه – عمر جابر – كان دوما حريصا علي وحدة واستقلالية الاتحاد‘ والذي تحقق عظيم الانجازات للحركة الطلابية الارترية تحت قيادته.

وإنني هنا لست بصدد الدفاع عن إبراهيم توتيل فهو حي يرزق قادر الدفاع عن نفسه‘ وله ما له وعليه ما عليه في فترة معينة من تاريخنا الوطني‘ لكنني أجد لزاما علي أن أصحح  الخطأ في سرد التاريخ في حدث اعرفه أكثر من غيري‘ وساهمت فيه بل وصنعته‘ وسوف استعين بالاستدلال بالحقائق والأحداث التي أوردها الأخ محمد عثمان علي خير‘ علي وجه المقارنة‘ لتصحيح الشطط الذي وقع فيه عمر جابر‘ ولدحض المعلومة المغلوطة التي أوردها.   

وقبل الدخول في الموضوع هناك حقيقة لا بد من التأكيد عليها‘ وهي نتيجة لنسبة الأمية العالية بين المسلمين في ارتريا‘ وأيضا نتيجة للقمع الذي عانوه داخل البلاد‘ بعد ارتباط ارتريا مع إثيوبيا وإخلالها بالدستور الفيدرالي‘ والاعتداء علي الحقوق الوطنية الارترية‘ فقد عولوا كثيرا علي أبناؤهم الطلاب في مصر وغيرها من الدول العربية في لعب دور قيادي سياسي يؤدي إلي الخلاص من الاحتلال الإثيوبي‘ وكانت قلوب الطلاب في تلك البلاد أيضا معلقة بوطنهم ومعانات شعبهم‘ بالذات من كان منهم في مصر‘ وبعد وصول زعماء سياسيين ذو خبرة في العمل السياسي مثل الزعيم إدريس محمد آدم رحمه الله إلي القاهرة‘ وجد الطلاب فيهم الخبرة والقدوة والقيادة فالتفوا حولهم‘ وكانت النتيجة هي تأسيس جبهة التحير الارترية‘ وصار الطلاب هم القادة والفدائيين الأوائل والضباط الذين تدربوا والتحقوا بالميدان‘ (سعيد حسين‘ وبليناي‘ وعبد الله إدريس‘ وغيرهم) وكان ارتباط الطلاب بالعمل العسكري والسياسي لجبهة التحرير الارترية في الداخل والخارج ارتباطا عضويا مباشرا‘ ولم تكن علاقتهم علاقة منظمة نقابية بحكومة أو حزبا سياسيا وطنيا‘ أن استقلالية الجبهة عن الطلاب أو استقلالية الطلاب عن الجبهة كان ترفا سياسيا لم يكن له وجودا في الواقع العملي في مرحلة الكفاح المسلح لحركة التحرر الوطني الارترية‘ وان التحدث اليوم عن نقابات ومنظمات جماهيرية مستقلة‘ بعيدة عن الهم العام‘ مشغولة بهموم وبرامج ذاتية غير انجاز الاستقلال‘ ما هو إلا إدعاء لخدمة أغراض سياسية في الوقت الحاضر.

حاول الأخ عمر جابر تصوير الاتحاد العام لطلبة ارتريا تحت قيادته‘ اتحادا مستقلا عن الثورة الارترية وعن صراعات السلطة بين أقطابها المعروفة حينذاك‘ والمعروف لدي الجميع هو أن أقطاب الجبهة حينذاك كان لهما تأثير مباشر علي الطلاب من خلال الانتماءات المعروفة‘ وارتباط عمر جابر بقلايدوس‘ أو ارتباط عثمان ابوبكر بسبي لم يكن سرا علي احد‘ وفي ذلك يقول الأخ محمد عثمان علي خير في كتابه – عروبة اريترية حقائق ووثائق:- “وفي ظل هذا المناخ نشأ وضع سياسي خطير في الساحة الوطنية عام 1970 أدي إلي انشقاق جبهة التحرير الارترية التنظيم السياسي الأم‘ حيث تشكلت قوات التحرير الشعبية … وانعكس هذا الانشقاق علي الساحة الطلابية بردات فعل‘ … حيث اصطف الطلاب وراء المنشقين وأصبحوا أداة تعبر عن ذلك الانشقاق (وكان قطبي هذين الأداتين هما عمر جابر من طرف الجبهة‘ وعثمان أبوبكر من طرف قوات التحرير الشعبية)‘ بدلا من أن يكونوا عنصرا مميزا في رؤيته وموقفه الوطني (ص 224)‘… وتمخضت عن تلك الضبابية السياسية التي أحاطت بالجماهير الطلابية‘ انشقاق الاتحاد العام لطلبة ارتريا‘ إلي طرفين‘ طرف تابع لقوات التحرير الشعبية وطرف تابع للمجلس الثوري ومقره بغداد (وهذا الاتحاد التابع للمجلس الثوري وليس المستقل كما زعم عمر‘ كان رئيسه عمر جابر)‘… وبانطلاقة شرارة الحرب الأهلية بين قوي الثورة الارترية ذاتها‘ احتدم الصراع في الساحة الطلابية‘ واخذ يعكس المواقف الحادة بين طرفي  جبهة التحرير الارترية (ص 225)”‘ ولا ادري أين كانت حينها استقلالية الاتحاد عن فصائل الثورة التي يتحدث عنها عمر جابر ويبكي علي فقدانها لاحقا بعد المؤتمر الرابع الذي انعقد في مدينة اغوردات المحررة.

 كما وصف عمر جابر وحدة شقي الاتحاد التابع لكل من الجبهة والشعبية‘ في 1976‘ بأنها كانت مبادرة طلابية خالصة‘ ذات دفع ذاتي مستقل‘ نابعة من إرادة طلابية خالصة‘ بعيدة عن عوامل المنافسة والمناورة داخل فصائل الثورة‘ وهذا فيه كثير من المبالغة وتضخيم الذات‘ ومحاولة قياس العقلية التي كانت سائدة حينها بمقاييس اليوم هي نوع من لي عنق الحقيقة‘ والتجمل بعقلية اليوم. 

وفي اعتقادي كان هناك عاملين أساسيين اثنين أديا إلي وحدة الاتحادين التابعين لكل من الجبهة وقوات التحرير الشعبية:

العامل الأول: التقارب بين سبي والجبهة‘ بعد إحساس سبي باضمحلال نفوذه داخل قوات التحرير الشعبية‘ وتهميش أتباعه فيها‘ هذا من جانب‘ ومن جانب آخر إحساس بعض قيادات الجبهة  بالخطر جراء اختلال الموازين الاجتماعية‘ ومن ثم السياسية داخل الجبهة‘ بعد التدفق الذي حصل إليها من الهضبة الارترية‘ ومن ثم توقيع اتفاقية الخرطوم في العام 1975 بين عثمان سبي وجبهة التحرير‘ وما تلي ذلك من رفض ما كان يسمي اللجنة الإدارية للاتفاقية وبروز مجموعة اساياس واستيلائهم علي قوات التحرير الشعبية علنا وبشكل كامل‘ ونتيجة لهذه الأحداث تنامي إحساس الشارع الإسلامي الارتري كافة بالخطر من هذا التيار الجديد وارتفاع الحس الوحدوي لديهم‘  كنتيجة مباشرة لذلك.

العامل الثاني: تنامي التيار الماركسي في جبهة التحرير‘ ممثلا في حزب العمل‘ ومحاولته الانفراد بقيادة الجبهة‘ وتهميش وتصفية نفوذ القوي التقليدية التي كان لها فضل السبق في المراحل الأولي للثورة‘ وكرد فعل لهذا‘ تنامت مقاومة القوة التقليدية ذات الأصول الريفية لهيمنة ونفوذ القوي التحديثية المتمركسة‘ ومحاولة البحث عن إيجاد فكر بديل يكون بمثابة سلاح نظري لمقارعة الفكر الماركسي‘ وكذلك البحث عن وعاء تنظيمي يؤطر تلك المقاومة ويوجهها.

وجاءت الفرصة لهذا التيار في الاتحاد العام لطلبة ارتريا – جناح جبهة التحرير الارترية – حيث اختلف عمر جابر وسراج موسي عبده في قيادة الاتحاد‘ التابع للمجلس الثوري‘ ودعوة عمر جابر للمؤتمر الثالث للاتحاد بغية التخلص من سراج ومن يتبعه في قيادة الاتحاد‘ وقد كان هذا الخلاف يتركز حول اتهام سراج لعمر جابر ومجموعته في مسائل  مالية‘ وبالفعل غاب عن المؤتمر الثالث المسئول المالي (رحمه الله)‘ المحسوب علي عمر جابر‘ حيث اختبأ في بيروت‘ وبذلك لم تقدم التنفيذية تقرير مالي في ذاك المؤتمر‘ ونتيجة لهذه الخلافات تحالف كل طرف منهم علي حدا (عمر وسراج) خفية مع الطرف ألبعثي‘ حسب ما أورده محمد عثمان علي خير: “وكانت النتيجة سقوط العناصر الرئيسية من الشيوعيين‘ مثل عمر جابر وسراج موسي عبده‘ ونجح التيار القومي علي حساب ذلك الانقسام‘ … وكانت النتيجة مؤلمة بالنسبة لجناح عمر جابر (ص 231)…وتم إسقاط رؤوس التيار الشيوعي من الساحة الطلابية والي الأبد‘ وأبعدت تلك الأصوات (ص 248)”.

واعتقد‘ بأنه كان هناك أيضا عامل أساسي ومهم أدي إلي فوز البعثيين وسقوط الشيوعيين‘ مع امتلاكهم الأغلبية الميكانيكية‘ حيث كان البعثيون يحملون برنامجا سياسيا وهدفا واضحا يلتفون حوله ويريدون تحقيقه‘ وكان لهم دافع وهاجس حقيقي وهو خوفهم من تهميش عروبة ارتريا وتقويض أركانها في جبهة التحرير الارترية‘ في حين كانت منافسة الطرف الآخر لهم تنبع من طموحات شخصية وتحقيق تطلعات ذاتية‘ أدت بهم إلي تحالفات تآمرية ضد بعضهم البعض‘ تبددت علي إثرها أحلامهم الذاتية الضيقة‘ حيث لعبها البعثيون بذكاء وحنكة سياسية يستحقون عليها الإعجاب.

وهكذا استولي البعثيون علي قيادة الاتحاد‘ جناح الجبهة‘ وكسبوا موقع قدم متين ضد حزب العمل وتحالف القوى المهيمنة علي مقاليد جبهة التحرير الارترية‘ ومن البديهيات السياسية والمنطقية جدا أن يقوم البعثيون خاصة والعروبيين والقوة التقليدية عامة‘ بتدعيم هذا الموقع المتقدم في الصراع‘ وترسيخ هذا المكسب الجديد لمواجهة خصومهم الشيوعيين‘ وتوطيد أقدامهم في الساحة الطلابية‘ بل وفي الساحة الارترية عموما انطلاقا من هذا الحصن‘ والمدعوم من قوي إقليمية صديقة‘ لها وزنها وأهدافها المعلومة والمفهومة لتوجيه الثورة الارترية حسب وجهتها وإحكام قبضتها عليها‘ وهكذا انطلق الاتحاد باستقدام أعداد كبيرة من الطلاب من السودان لتامين موقعه بغالبية مضمونة في العراق‘ مقر الاتحاد ومصدر قوته‘ ثم انطلق للتوحد مع قوي أخري‘ في قوات التحرير الشعبية‘ تشاطره العداء تجاه الجبهة وحزب العمل علي اقل تقدير.

واري بان الأخ محمد عثمان علي خير يؤيد ما ذهبت إليه‘ بقوله:

” لقد وضعت هذه التطورات‘(يقصد هيمنة حزب العمل علي الجبهة وتصرفاته وتنكيله بخصومه السياسيين) وبهذا الحجم الكبير من الانحراف‘ عن المسار الوطني للثورة الارترية‘ الحركة الطلابية‘ في مواجهة مباشرة مع القوي الماركسية داخل الحركة الطلابية وخارجها‘ (ص 227)… وقد تحول فرع الاتحاد في بغداد إلي واجهة إدارة الصراع ضد التيار الماركسي (أعجب ماذا يقول الأخ عمر في ذلك الكلام الواضح والصريح؟)‘ الذي استحوذ علي قيادة الجبهة والاتحاد معا‘ وأصبحت لهذه المواجهة آثارها البعيدة‘ في مجمل أوضاع الحركة الطلابية بشكل عام‘ (ص 229).

ويحاول عمر جابر آن يصور ذاته مؤيدا بل ومساهما متحمسا في تلك الوحدة الطلابية‘ ولكنه يفعل ذلك تلميحا وليس تصريحا‘ وفي هذا الصدد يقول محمد عثمان علي خير:

” وبعد أن فقد التيار الشيوعي في الاتحاد‘ العوامل التي كانت تمكنه من الاستئثار بقيادة الاتحاد دوما‘ وفشله في الدعوة إلي مؤتمر رابع‘ لعرقلة انعقاد المؤتمر التوحيدي‘ أصبح تركيز هذا التيار(بقيادة عمر جابر) علي … تجميد مشروع وحدة الحركة الطلابية‘ والعمل علي إعادة النظر في الميثاق المطروح‘ وانه يستحيل كما يزعمون تحقيق هذه الوحدة الطلابية‘ قبل أن يتم التقارب بين فصيلي الانشقاق جبهة التحرير الارترية وقوات التحرير الشعبية‘ وقاموا بعمل دعائي إعلامي‘ يحول دون نجاح قيادة الاتحاد (البعثية) الجديدة‘ من السير في استكمال الخطوات الوحدوية‘ وتحديد موعد المؤتمر‘…(ص 240) “.

وبدون شك فإن قيام الوحدة بين الاتحادين كان ثمرة لوصول المجموعة الطلابية البعثية لقيادة الاتحاد – جناح بغداد – وتقارب هذه المجموعة مع مجموعة قوات التحرير الشعبية المبني علي معاداة حزب العمل كان منطقيا ومفهوما‘ وذلك بالرغم من معارضة العناصر الماركسية في الاتحاد التابع للجبهة‘ وبالإضافة إلي هذا الظرف الذاتي الجديد تمت الوحدة بين الاتحادين بدفع وتشجيع وتمويل من المرحوم عثمان سبي والعراق‘ وكل منهم لهدف يريد تحقيقه.

ومن السذاجة جدا اعتبار الاتحاد الجديد (الاتحاد الموحد) مجرد منظمة جماهيرية طلابية محايدة بلا أسنان‘ “تعمل علي ( تجميل الصورة ) العامة” كما يدعي اليوم عمر جابر‘ وعدم حياد الاتحاد المعلن‘ وتحوله جهارا نهارا إلي مركز انطلاق لمحاربة  الجبهة‘ يسعي لإسقاط ما كان قائما فيها‘ بل يعمل مع خصومها والمتربصين بها لتدميرها وتخريبها وتشويه سمعتها وعزلها عن أصدقائها‘ وتجفيف مصادر دعمها وتحريض جماهيرها للانفضاض من حولها‘ ورشوة جنودها لإصدار بيانات وتوجيه سلاحهم ضدها‘ لا يجهله عمر جابر ابدآ‘ كما انه يعلم أن الحرب هي الحرب والجنود المخلصين يدافعون عن حصونهم فيقتلون ويقتلون‘ أن عمر جابر لا يجهل كل ذلك ولا يكذب‘ ولكنني احسب انه يتجمل ويتسربل بعقلية ما بعد الاستقلال وقيام الدولة الارترية ذات السيادة‘ وذلك ولو علي حساب لي عنق الحقيقة وتزوير التاريخ.

يقول الأخ عمر جابر في طبعته الخاصة‘ (ولا اعلم لماذا سماها خاصة):

“تم عقد المؤتمر التوحيدي في بغداد عام 1976م وخرج الاتحاد الموحد …. ولكن تلك التجربة لم تفهم من قبل قيادة جبهة التحرير الإريترية” لا اعلم لماذا يقول عمر هذا الكلام! لكن أحيانا ينتابني شعور بان عمر جابر‘ رغم اعتقادنا بقربه من مواقع اتخاذ القرار في جبهة التحرير‘ فانه حقا لا يملك معلومات عميقة ودقيقة عما كان يجري في مركز الجبهة‘ وقد وصلت إلي هذا الاستنتاج بعد قراءتي لما كتبه عن حزب العمل من معلومات عامة وسطحية‘ ثم مرة أخري معلوماته السطحية في هذا الموضوع المعقد والشائك‘ وذي أبعاد كثيرة ومتشابكة مثل قرار سحب الثقة عن الاتحاد الموحد.

الجبهة وحزب العمل كانوا يعرفون تماما ما يمثله الاتحاد الموحد بشكل دقيق ومفصل‘ كانوا يفهمون ثقله المحلي والإقليمي‘ كانوا يفهمون قدراته ومكامن ضعفه‘ لم يكن اتحادا طلابيا‘ كما فهمه عمر جابر أو حاول بعد ثلاثين عاما أن يجعل منه كذلك‘ وإذا كانت الأمور قد اختلطت علي البعض منا بعامل الزمن وتآكل الذاكرة فلنقرأ سويا ما يقوله الأستاذ محمد عثمان علي خير:

(لاحظ أن الأخ محمد عثمان يتحدث أحيانا بــ”نحن” قد فعلنا كذا وكذا للاتحاد‘ ويتعامل مع قيادة الاتحاد كطرف ثالث مفعول به‘ مع انه كان واحدا من قيادات الاتحاد‘ بدون ذكر من يقصد بنحن‘ هل هي قيادة حزب البعث‘ أم مكتب الطلاب القومي‘ أم هو سبي ومن كان معه‘ أم مجموعة تعمل لحساب قوي دولية أو إقليمية متنفذة‘ أم جهة أخري لا نعلمها‘ علي كل حال يقول الأستاذ محمد عثمان):

بعد تكوين الاتحاد الموحد “ركزنا بشكل خاص أن يكون مقر مكتب الإعلام في بغداد‘…. ووفرنا الدعم المادي الكافي لقيادة الاتحاد بهذا الاتجاه (ص251) …. ولهذا قررنا أن نستخدم الإعلام‘ وبكل الوسائل المتاحة‘ علي تدمير خطط حزب العمل الشيوعي في الجبهة‘ ودخلنا في مواجهة مباشرة مع قيادة الجبهة وضمن النقاط التالية:

– التركيز علي البرنامج الشيوعي للمجلس الثوري وتعرية علاقاتهم مع الدول والأحزاب الشيوعية‘ المعادية لعروبة ارتريا‘ ومتابعة نشاطاتهم واتصالاتهم ….

– تسليط الأضواء علي الإرهاب الفكري والسياسي الذي تمارسه قيادة المجلس الثوري…

– تعبئة الاتحادات والمنظمات العربية والقومية‘ ودفعها للتصدي لنشاطهم في الدول العربية‘ وهذا ما عانوا منه في سوريا وليبيا‘ وتراجعت علاقاتهم بمرور الوقت مع هذه الدول ‘ أمام هذه الحملات الإعلامية ‘ التي حولت الاتحاد الموحد إلي مركز في توجيه ودعم القوي الوطنية في الساحة الارترية‘

– وجرت اتصالات عديدة مع القيادة (يقصد عناصر في مواقع قيادية في الجبهة) العسكرية والسياسية في جبهة التحرير الارترية‘ وقمنا بدعمها وتحريضها علي إسقاط قيادة حزب العمل الشيوعي‘ وقد لعب إعلام الاتحاد آنذاك‘ عبر مجلة فجر الوحدة (التي كانت تصدر من بغداد)‘ دورا خطيرا في تحجيم قيادة حزب العمل وتقزيمها وتحويلها إلي مهزلة سياسية في الساحة الارترية (253) …. حتى خرجوا من الساحة الداخلية صاغرين وأذلاء في عام 1981(ص254)” انتهي كلام محمد عثمان علي خير.

عجبت بأن محمد عثمان علي خير‘ بعد ثلاثين عاما‘ وبعد أن حصد الجميع الزلة والمهانة نتيجة لما حصل‘ لا زال شامتا علي ما جري للجبهة‘ ولكن الأعجب من ذلك هو ما يقوله عمر جابر ‘ حيث يقول:

“وأذكر أنني تحدثت مطولاً مع  ( إبراهيم  توتيل ) من ( دمشق ) عبر جهاز الإرسال‘ وكان معي صالح إياي مدير مكتب العلاقات الخارجية للجبهة.

قلت له :

“الوحدة الطلابية ليست موجهة ضد أي تنظيم ولا هي خسارة لأحد – أنها خطوة تعمل علي ( تجميل الصورة ) العامة إمام الآخرين وتخلق أرضية مشتركة للعمل المستقبلي علي مستوى التنظيمات السياسية”.

أولا أنني اشك بصحة هذه الرواية القائلة بان عمر تحدث أصلا إلي توتيل وبصحبته صالح إياي (رحمه الله)‘ لأنني عرفت المرحوم الأخ صالح إياي عن قرب والذي كان أكثر قيادة الجبهة حماسا لسحب الثقة عن الاتحاد الموحد‘ وقدم لنا في اللجنة التحضيرية كل العون والدعم الممكن عندما وصلنا إلي دمشق‘ ومنها حينما تعذر علينا أنا والأخ صالح وللو (الطيار صالح ابن الشهيد وللو الذي يعمل حاليا في السلاح الجوي الارتري‘ وهو حي يرزق وليس بميت مثل شهود عمر جابر) السفر إلي بغداد عن طريق المطار للإشراف علي اختيار ممثلي فرع بغداد للمؤتمر الرابع‘ وفر لنا الأخ صالح إياي سيارة تاكسي خاصة كان يعرف سائقها ويثق به‘ والذي أخذنا عبر الصحراء إلي بغداد‘ حيث قمنا بمهمتنا بدون أن تكتشف السلطات أمرنا‘ وعاد بنا السائق إلي دمشق سالمين.

ولا استغرب أن يزج عمر جابر بالمرحوم صالح إياي في قبره‘ الذي لا يستطيع منه الرد علي من تقول عليه‘ في هذا الموضوع‘ وهو الذي لم يتردد في الاستدلال بشهادة مفتعلة من عنده منسوبة للأخ عبد القادر هبتيس‘ الذي يعيش قريبا منه يمشي علي رجليه في استراليا‘ بل في نفس المدينة التي يعيش فيها صاحبنا‘  صنع منه – شاهد ملك – بدون علمه‘ ونسب إليه قولا لم يقله‘ واعتبره مصدر رئيسي لمعلوماته وبني عليها استنتاجاته التي هي من وسواس نفسه ولا تمت إلي الحقيقة في شيء‘ وبارك الله الأخ عبد القادر هبتيس حيث تبرأ من هذه الشهادة فورا‘ وردها لصاحبها‘ (انظر رد الأخ هبتيس في موقع النهضة بتاريخ 14/10/2005‘ وفي نهاية هذا المقال)  وان هذا لهو دليل ساطع علي شطط  ما ذهب إليه عمر جابر‘ الذي جانبه الحق حينما كتب في موضوع لا يعرف عنه شيء‘ أراد أن يقذف به آخرين ويمارس فيهم هوايته المعروفة – اغتيال الشخصية- وما كنا نريد أن يرمي الرجل بنفسه في هذا الموقف الذي لا يحسد عليه‘ يستشهد بالأموات زورا في قبورهم وينسب علي الأحياء قولا لم يقولوه فيكشف أمره‘ ولكنني أقول حسبي الله ونعم الوكيل‘ ولا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وبغض النظر عن حكمنا علي تلك الأحداث وعلي نتائجها اليوم‘ فبعكس ما زعمه عمر جابر‘ إن الاتحاد الموحد لم يكن “لتجميل الصورة العامة” أبدا‘ كما شهد علي ذلك محمد عثمان علي خير‘ بل كان آلة حرب مسلطة علي الجبهة‘ وحصان طروادة لاختراقها‘ وكانت معركة حامية الوطيس بين اتجاهين سياسيين متصارعين متنافسين‘ كانت معركة تجري علي ساحة فكرية أيدلوجية‘ وكان الاتحاد الموحد سلاحا أساسيا من أسلحة المعركة وأداة من أدواتها‘ وساحة مهمة من ساحاتها‘ وكان في كل جانب رجال صادقون‘ آمنوا ببرامجهم ومشروعاتهم‘ وقاتلوا من اجلها. 

وأنا هنا أتساءل مع من كان يعمل عمر جابر حينها‘ وأين كان يقف أثناء تلك المعركة؟  هل  كان يصلي مع علي ويأكل مع معاوية!ّ!!

أما أنا فكنت أصلي وأكل مع عليٌ فقط‘ فلم أكن محايدا‘ كنت أدافع بشرف وأمانة عن تنظيم انتمي إليه‘ كجندي في الجبهة وعضو في الحزب‘ وكنت أدافع عن قيادة بايعتها بيعة رجل‘ وتواثقت معها ميثاق شرف ودم‘ وأنا عندما أعاهد وأبايع أظل وفيا لعهدي وجنديا أمينا يسقط دون ما عاهد عليه‘ فالعهود والمواثيق عندي لا تباع‘ لا بالدولار ولا بالدينار‘ وأنا هكذا دائما وسوف أظل كذلك إنشاء الله‘ علما بأنني كنت ملتزما ولكني لم أكن يوما مملوكا لأحد‘ واعرف جيدا الحدود بين الالتزام والعبودية‘ ولم أطأطئ راسي لأحد غير الله‘ حيث أنني أؤمن أن رزقي يأتيني من عند الله‘ وبعكس من يلهث وراء اللقمة بأي ثمن فلم أجوع يوما والحمد لله.

وفي بعض الأحيان تجد الأخ عمر جابر يناقض نفسه حيث يقول:

“وكان رئيس المكتب السياسي ( إبراهيم توتيل ) مشرفاً علي المنظمات الجماهيرية‘  وبعد الوحدة الطلابية يبدو أنه رأي في تلك الوحدة تقليصاً لنفوذه” وهذا اعتراف بأنه كان لإبراهيم توتيل نفوذ علي الاتحاد الذي كان علي رأسه عمر جابر قبل الوحدة‘ ولم يكن علي الإطلاق اتحادا مستقلا‘ وتقلص هذا النفوذ بعد قيام الاتحاد الموحد‘ مما اغضب توتيل.

فإذا كانت هذه هي الحقيقة في نظر عمر جابر‘ بأنه أصلا لم يوجد اتحاد مستقل بل كان تحت نفوذ إبراهيم توتيل فلماذا إذًا يتباكي علي استقلالية لم يكن لها وجود أصلا‘ حيث يقول:”أ صبح الاتحاد الجديد يدور في فلك المكتب السياسي الذي حاول استخدامه في صراعه مع مكاتب جبهة التحرير الأخرى‘ فقد حرية المبادرة والقدرة علي التعبير عن هموم ومصالح الطلاب”.

لو قال بان المكتب السياسي استخدم الاتحاد في الساحة الخارجية لمقارعة خصومه ومنافسيه في المنظمات والأحزاب لاعتبرت ذلك منطقيا‘ ولكن كيف استخدم المكتب السياسي أو توتيل تحديدا‘ الاتحاد ضد مكاتب الجبهة الأخرى؟ هل كان يملك الاتحاد كتائب عسكرية ومليشيات يقارع بها المكتب العسكري مثلا‘ أم كان يملك مفاتيح مصادر تمويل وتموين تلك المكاتب فحجبها عنها‘ أم كان يملك صوتا داخل اللجنة التنفيذية يرجح بها صوت توتيل؟

أما حديثه عن فقدان الاتحاد حرية المبادرة والقدرة علي التعبير عن مصالح الطلاب فما هي المقاييس التي اعتمدها للوصول إلي هذه النتيجة غير المنصفة؟ ومنذ متى كان للأخ عمر انجازا يذكر لمصلحة الطلاب حتى يتحدث هكذا؟ علي كم من المنح تحصل‘ وكم من الفروع أسس‘ وكم كان عدد الطلاب الأعضاء في الاتحاد الذي ترأسه‘ غير ذلك العدد الذي يقل عن أصابع اليد الواحدة في كل من بغداد ودمشق والقاهرة؟ وما هي المبادرات التي قام بها في الساحة السياسية الارترية؟ هل مصالح الطلاب وقدرتهم علي المبادرة تكمن في تنقل قيادتهم من فندق لآخر وتسديد الهزائم لموظفي المكاتب الخارجية للجبهة علي طاولة الورق؟ عجيب هو الرجل! وغريب هو منطقه!

في اعتقادي أن صيرورة  المجتمعات البشرية تتكون من منظومة من القيم‘ ويتم ترتيب هذه القيم حسب حاجة الناس لكل منها في حقبة زمنية معينة‘ ويمكن إعادة ترتيب هذه القيم حسب المستجدات والحاجات في المجتمع‘ وكانت القيمة الأولي في ترتيب القيم‘ في فترة الكفاح المسلح من اجل الاستقلال الوطني‘ هي طرد المحتل من البلاد وتوجيه كل الطاقات من اجل تحقيق هذا الغرض‘ ولقد كانت مصلحة الطلاب الكبرى وقيمتهم الأولي تتمثل في توجيه كل طاقاتهم لتحرير البلاد من الاحتلال الإثيوبي‘ هذه كانت معاييرنا‘ أما المعايير التي يعتمدها عمر جابر في كتاباته هي معايير ذاتية‘ نابعة من إحباطا ته وإجهاض طموحاته‘ فبعد سقوطه في المؤتمر الثالث الذي سبق الوحدة‘ علي يد القوي القومية‘ ثم سقوطه مكررا في المؤتمر التوحيدي علي يدي كل الاتجاهات السياسية مجتمعة‘ ثم  تجاهله من قبل القاعدة الطلابية أثناء وبعد مؤتمر اغوردات ويقينه بان الاتحاد لن يعود تحت قيادته هذه المرة أيضا‘ وتحقيق الاتحاد بعد ذلك  انجازات وطنية رائعة والتحامه بقضايا الشعب‘ كل ذلك وضع غمامة من عدم الموضوعية والغيرة علي أعين عمر‘ وتولد لديه بغض غير مبرر لكل من تولي قيادة الاتحاد من بعده‘ ويبدو انه لم يتخلص من ذلك حتى الآن بالرغم من مضي ربع قرن ويزيد‘ وبالرغم من أن المكتب السياسي للجبهة الذي كان المرحوم الزين ياسين مديرا له‘ والذي يتحدث عنه اليوم عمر بهذه الطريقة‘ قد حاول معالجة أزمته الخاصة وتعويضه بوظيفة شبيهة بموقعه المفقود في الاتحاد‘ حيث تم تعيينه في قيادة – اتحاد الشباب الديمقراطي‘ وقبل عمر هذا التعيين بسرور بالغ‘ ولم يكن هذا الاتحاد أكثر من خيمة منصوبة أسفل الوادي الذي كان عليه المكتب السياسي للجبهة‘ بلا قواعد ولا مؤتمر ولا جمهور‘ وكان الأخ عمر يعيش بين دمشق وبيروت باسم هذا الاتحاد‘ إلي أن جاءت 25 مارس وصار من أتباعها وحامل أماناتها‘ ثم تبع قوات التحرير الشعبية –التنظيم الموحد- بقيادة سبي‘ وذلك قبل أن يلتحق بالجبهة الشعبية فور دخول قواتها إلي أسمرة.

أما بالنسبة للاتحاد العام لطلبة ارتريا فقد كانت تلك الفترة بعد المؤتمر الرابع المنعقد في اغوردات‘ من انصع فترات تاريخ الحركة الطلابية‘ حيث التحم الطلاب بالجنود صفا في الميدان‘ وبالفلاحين والرعاة في الأراضي المحررة‘ وطافت جموعهم  المدن والقرى حاملة مشاعل العلم من دنكاليا حتى بركة‘ وفي تلك الفترة لم تخلو أي مدرسة في الأراضي المحررة ومناطق اللاجئين بالسودان من طالب/ معلم أتي طوعا ليسهم في رفع الأمية والجهل عن أهله وإخوته‘ وكانت قياداتهم تتقدم صفوفهم بذلا وعطاء وتضحية‘ بدلا من قضاء العمر في  معارك لعب الورق (الكوتشينة) التي لا تنتهي ابدآ في دمشق ومقاهي بغداد‘ واجترار النميمة في فنادق بيروت‘ والانتظار حتى يحقق الجنود الغبش الانتصار لكي يتولي هؤلاء السفارات والوزارات.

 

وكانت بعض الانجازات التي حققها الاتحاد بعد المؤتمر الرابع تتلخص في الآتي:

– تنظيم طلاب السودان في كنف الاتحاد وإقامة فروع في كل المدن والقرى السودانية ابتداء من عقيق‘ وعدوبنا‘ وقرورا‘ علي الحدود مع ارتريا إلي الدمازين  والنيل الأبيض وغيرها من الأماكن النائية التي لم يخطر بقيادة الاتحاد قبل المؤتمر الرابع أن تعرف بوجودها ناهيك عن زيارتها وإقامة فروع للاتحاد فيها 

– تنظيم طلاب الداخل‘ وبالذات طلاب العاصمة أسمرة‘ في خلايا تابعة للاتحاد وإدماجهم في نشاطاته وإشراكهم في مؤتمراته‘ وإقامة مقر لطلاب المدن القابعة تحت إثيوبيا في كل من عرزا ومندفرا.

– إيجاد وتوزيع المنح الدراسية لأول مرة من خلال الفروع بعيدا عن المحسوبية والفساد الذي كان سائدا من قبل‘ حيث استفاد منها أبناء الشهداء وأبناء الفقراء

والمتفوقون من الطلاب

– تسجيل خمسة وخمسون طالبا دفعة واحدة للذهاب إلي التدريب العسكري والالتحاق بجيش التحرير وذلك حينما اجتاحت القوات الإثيوبية مدينة أم حجر في العام 1977‘ وقد تم تسجيلهم بواسطة أعضاء اللجنة التنفيذية الأخ ياسين محمد عبد الله والأخ عبد الرحمن توتيل.

– إرسال دفعة من أعضاءه لدورة في الطيران العسكري ما زال البعض منهم في الخدمة في السلاح الجوي الارتري

– تنفيذ برنامج الخدمة الوطنية بشكل واقعي ومبرمج‘ وبشكل مكثف ودوري‘ وذلك بالتنسيق مع مكتب التعليم التابع لمكتب الشؤون الاجتماعية‘ (ومن أعجب المسائل أن هذا كان الجانب الوحيد الذي كان ينسق فيه الاتحاد مع الجبهة‘ أما غير ذلك فلم يكن للجبهة أي تدخل في شؤون الاتحاد).

صور الأخ عمر جابر وكأن اتخاذ القرار بسحب الثقة من الاتحاد تم بعد أن استيقظ  توتيل ذات صباح وأحس بان نفوذه قد تقلص نتيجة لقيام الوحدة الطلابية‘ ومن ثم اصدر القرار المعلوم‘ أليس هذا الهراء تبسيطا ساذجا لما كانت تواجهه الجبهة حينها‘ إن لم يكن دعاية رخيصة‘ واستخفافا برجالات قيادة جبهة التحرير كافة؟ هل كانت قيادة الجبهة ما عدا توتيل أصفارا‘ لا قول ولا فعل ولا تأثير لهم؟ تنابلة وسذج يسيرهم شخص واحد كيف شاء!! أليس هذا اهانة  للمكتب السياسي للحزب‘ صاحب القرار (الذي كان يشتمل علي معظم أعضاء اللجنة التنفيذية للجبهة من ضمن عضويته)‘ أليس هذا أيضا اهانة لكل جبهة التحرير الارترية ومؤسساتها الديمقراطية؟ (يرحمك الله يا أبا هشام‘ يا أميننا العام‘ لقد ذهبت قبل أن تحكي ما جري‘ وعافاك الله يا أبا إبراهيم).

ربما يكون كلاما مثل هذا شائعا ومقبولا حينما يأتي من العامة في الشارع السياسي الارتري‘ ولكنه يكون مغرضا وخبيثا حينما يأتي من شخص يفترض انه عضو في حزب العمل وقريب جدا من مركز القرار فيه‘  وأنا هنا لا أريد أن ادخل في سرد أحداث ومعلومات لم يحن وقتها بالنسبة لي‘ ولكنني أريد أن أقول بأنه مهما قيل عن جبهة التحرير وعن قيادتها اليوم‘ من قبيل رميها بما كان بها وما لم يكن بها لأنها فشلت‘ فإنها كانت قيادة جماعية‘ ولم توجد فيها أصلا ثقافة الانفراد بالقرار وممارسة الديكتاتورية‘ ابتدءا برئيسها السيد محمد احمد ناصر‘ قواه الله ومد في عمره‘ إلي أصغر مسئول في وحدة من وحداتها‘ بل بالعكس مما يقال كان هناك إفراط  في فهم الديمقراطية والعمل الجماعي‘ أدي إلي تفريط  في الانجاز والحفاظ علي امن التنظيم وسلامته‘ ومن يقول غير ذلك فهو مغالي ومكابر.

أنا هنا لا أريد أن ابدوا مدافعا عن جرائم الاعتقالات والتعذيب والتهميش والإبعاد التي مورست في داخل الجبهة‘ ولا عن الأخطاء السياسية الجمة التي ارتكبت فيها‘ والصراعات غير المبررة والمنافسات والمزايدات التي تمت بين قيادتها‘ ولا عن سوء الإدارة والترهل والمحسوبية التي رافقت مسيرتها‘ ولا عن الفساد الأخلاقي والمالي والتنظيمي الذي نخر في عظامها حتى أفرغها من مضمونها وأسقطها صريعة أمام أعدائها‘ بل ولا التخريب المتعمد الذي أصابها من داخلها وجعلها مخترقة مقلعة أبوابها‘ بدون حارس‘ يدخلها من يشاء ويخرج منها من يشاء.

ولكن ومنذ أن انحصر ت الجبهة في معسكرات في السودان‘ وبالذات بعد راساي‘ ظهر تيار يلقي بكل الفساد الأخلاقي إلي مكتب الشؤون الاجتماعية ومسئوله – إبراهيم محمد علي‘ ويحمل كل الممارسات السياسية الخاطئة والتي لم تحظي بمساندة جماهيرية واسعة للمكتب السياسي- ولإبراهيم توتيل بالذات‘ وكل جرائم الاعتقالات والتعذيب يتم الرمي بها علي مقبرة الشهيد ملاكي تخلي‘ وكل الهزائم العسكرية يتم الرجم بها عبد الله إدريس محمد (شفاه الله)‘ والي آخره‘ وهذا هو الاتجاه الذي ذهب إليه عمر جابر كما ذهب أليه العامة والسذج من الناس‘ وأنا ومنذ أن ظهر هذا الاتجاه رفضته‘ ولا زلت ارفضه‘ انه اتجاه كسول إن لم نقل عليه بأنه جبان‘ لأنه من السهل جدا رمي كل الإخفاقات علي كبش فداء معين نختاره لنلقي عليه كل قاذوراتنا‘ ننزع عنه ملابسه لنستر بها عوراتنا وسوءاتنا‘ ولكنه من الصعب ومن المضني جدا أن نقف أمام الملأ ونعترف بأن المسؤولية كانت جماعية‘ ونتحمل قسطنا وقسمتنا من الأعمال الجماعية غير الموفقة التي شاركنا فيها بأيدينا‘ أو بألسنتنا‘ أو بقلوبنا‘ أو بصمتنا وعدم مواجهتنا لها في حينها- وأي من ذلك والله لا يعفينا من المسؤولية ولا يبرر لنا لكي نرمي شركاءنا بالأمس كلما رماهم الآخرون – بل يجب أن نأخذ منها العبر والدروس والحكمة حتى لا نكررها أو يكررها الذي من بعدنا‘ ونطلب التوبة والمغفرة من الله عز وجل قبل أن نطلبها من الناس أولا.

وقيادة الجبهة كانت شلة متماسكة متجانسة‘ وصلت إلي السلطة جزئيا في المؤتمر الوطني الأول وانتزعتها من غيرها كليا في المؤتمر الثاني‘ ومارست ما مارسته بنشوة جماعية تحسد عليها‘ وتبخترت وتمخترت‘وحينما بدأت أعمالها وبرامجها يصيبها الخلل وتكثر بها الإعطاب والعلل‘ وتمددت الجبهة وكبرت فوق طاقاتها القيادية والإدارية المحدودة‘ وسمحت للمرحوم سبي ببناء تنظيم في خلفيتها الجغرافية وفي داخل حصونها المنيعة‘ يدغدغها في خاصرتها ويفقدها توازنها‘ ويشتد عود الطائفية السياسية في الشعبية وتتمكن من زرع الجبهة بجواسيسها وعملاءها ومجنديها‘ حينها فقط صارت تلك الشلة التي كان يبدو عليها التماسك والجلد‘ صارت تتناحر وتتلاكم وتتآمر علي بعضها البعض‘ ثم ترنحت وسقطت‘ وصارت المسألة (الفأس من سرقو؟  بخيت سرقو‘ لا‘  مسعود سرقوا‘ بل سعيد سرقو‘ لا بل سعد سرقو).

وأنا واخوي عمر جابر وغيرنا‘ وان بالغت لقلت ثلاثة أرباع الشعب الارتري كنا خلف هذه القيادة‘ عاهدناها بالنصرة‘ وبايعناها بالولاء‘ وساهمنا في أعمالها بالتأييد والطاعة‘ وفي كثير من الأحيان تجاوزنا أخطاءها بالصمت‘ فمن العار والشنار اليوم الاغتسال من الجنابة ورش الماء علي رأس أحد هؤلاء “الرفاق” ‘ وفي رأيي المتواضع‘ المسؤولية جماعية‘ ودم جبهة التحرير متفرق علي أيدينا جميعا‘ وحتما هناك من يتحمل قسطا منه وان أنكر‘ ولا مجال للهروب والاختباء والتنكر والتجمل‘ والغسل من هذه الجنابة باطل والصلاة غير صحيحة بهذا الطريقة‘ والحل هو تحمل مسؤولياتنا جميعا‘ كل حسب موقعه ومسؤوليته أينما كان‘ وممارسة نقد الذات وتجاوز الماضي والعبور إلي المستقبل بروح جديدة‘ ولا يحق لأحد تعيين نفسه قاضيا يحاكم الآخرين دون أن يحاكم نفسه أولا.

 وللتذكير فقط‘ فقد نسي الأخ عمر جابر بأنه عندما سقط هو من الوصول إلي قيادة الاتحاد الموحد‘ في المؤتمر التوحيدي‘ كان اسمي يتصدر القائمة ضمن العشرة الذين أحرزوا اعلي الأصوات‘ وصرت عضوا في اللجنة التنفيذية ومسئول شؤون التعليم وشؤون الثورة في السودان‘ وكان بإمكاني البقاء في بغداد والتسلق علي أكتاف القوى العروبية‘ ولكني كنت صادقا لمبدئي‘ وخضت نضالات‘ وحققت انتصارات ضد الاتجاهات المنافسة للجبهة‘ وتجرعت أيضا هزائم مريرة علي أيديهم‘ وسجون أقبية مطار القاهرة تشهد ببعض من مأساتي‘ وكثير غيرها لا يعلمها ولا يفهمها من كان خارج الحلبة.

 وهكذا تصدرت المعركة في مواجهة الاتحاد الموحد قبل وبعد سحب الثقة منه بإرادتي ورغبتي الخالصة‘ وبدفع وتأييد من قواعد الاتحاد التي كنت أمثلها‘ وبتصرفي هذا كنت اعتقد‘ بان الاتحاد الموحد كان رأس الرمح لغزو جبهة التحرير وتجريدها من استقلاليتها من قبل قوي إقليمية محمولة علي أكتاف قوة سياسية ارترية محلية‘ وبأنني كنت احمي جبهة التحرير الارترية من التمزق علي شاكلة الثورة الفلسطينية‘ كل فصيل تابع وممول ومأمور من قبل دولة عربية‘ وكنت أدافع عن استقلالية قرار تنظيمي من الاعتداء عليها مقابل حفنة من دنانير الدعم الذي يقدمه الأصدقاء‘ بل كنت أدافع عن استقلال بلادي من أن تحكم من مكتب مظلم في عاصمة من عواصم الدول العربية‘ يجلس فيه حفنة من الرجال من بلاد متفرقة.

لم أكن ضد عروبة ارتريا ولا إسلامها‘ ولم أكن ضد العروبة ولا شعاراتها أصلا‘ وكان أصحاب التوجه العربي في الاتحاد إخوتي في الدم والمنشأ‘ اشترك معهم في الهوية والتطلعات الثقافية والأهداف الوطنية‘ بل أشاطرهم المصير والمآل‘ فانا منهم وهم مني‘ ولكني كنت ولا زلت ضد سيطرة الأجنبي علي بلادي وعلي قرار أبناءها المستقل‘ لا يعقل أن احمل السلاح ضد حكم إثيوبيا الدولة الإفريقية الجارة‘ لأسلم بلادي لحكم دولة أخري عبر البحر أكانت عربية أم غير عربية‘ هكذا كنا نعتقد‘ هكذا كنا نفكر‘ ولهذا تصرفنا كما تصرفنا‘ والحكم اليوم علي صحة هذا الاعتقاد من عدمه هو موضوع آخر لا يتسع له المجال هنا‘ ولولا تسرع الحزب والجبهة بإصدار القرار لكانت لنا هناك معركة فاصلة من نوع آخر خاصة بنا مع الاتحاد الموحد ‘ لا يعلمها ولا يدرك أبعادها من كان بعيدا متفرجا خارج الحلبة‘ كنا ندبرها علي نار هادئة وكانت تنطلق من غرفة من داخلية جامعة الخرطوم‘ هكذا كان الحال وليس كما حاول تصويره عمر جابر بأنني أتيت للجنة التحضيرية ثم لقيادة الاتحاد خدمة لزيد أو عبيد من الناس‘ انه يبسط الأمور ويختزلها بشكل فظيع يستحق عليه الرثاء‘ وكأن الناس دمي تتحرك ببرمجة الآخرون‘ بدون احترام الذات‘ مجردة من العواطف‘ والمعتقدات‘ والأيدلوجيات‘ والتطلعات السياسية‘ والمبادرات الذاتية‘ بل وحتى الانتماءات الاجتماعية والثقافية.

وحينما كتب الأخ عمر جابر عن حزب العمل توقع الناس منه الكثير والمثير مما خفي علي عامة الناس من إسرار حزب العمل‘ ولكن النتيجة كانت‘ تمخض الجبل دهرا وولد فأرا‘ فلم يأتي بجديد ولا مثير لا يعرفه عامة الناس‘ وفي تقديري الخاص فالرجل إما يجهل كثيرا من تفاصيل ما كان يجري حينها‘ وإما لا يريد أن يقول الحقيقة لغرض في نفسه‘ واكتفي بالعموميات‘ ولم يستطع تجاوز مرارات تلك المرحلة وهو لا زال أسيرا لها‘ يلعب في مسرحها الصغير مناكفا ومقتصا وشامتا (ومن شب علي شيء شاب عليه)‘ بعد أن تجاوز الكثير من رفاقه الأمس البعيد بتقييم موضوعي للتجربة بأكملها‘ وبروح النقد الذاتي الشجاع‘ وهم رجال يتصدون اليوم لمسؤولياتهم ويتحدون الصعاب الجلل بعد أن اتضحت الصورة الكبرى أمامهم‘ وتجاوزوا الصغائر.

خلاصة:

ساهم في صناعة تاريخنا الوطني الارتري خلال العقود الثمانية الأخيرة (1942 والي يومنا هذا) رجال ونساء كثير‘ تصدوا للظلم والإلحاق الإثيوبي وأعوانه المحليين‘ ونذروا وقتهم وجهدهم بل وأرواحهم فداءا ومهرا للحرية والإنعتاق‘ كانوا ثوارا ولكنهم كانوا أيضا بشرا خطاءون‘ وكانوا ككل البشر يحملون في جوانبهم تلك النفس الأمارة بالسوء‘ وكانت التجربة السياسية الارترية قصيرة ومحدودة مما حتم علي الرواد إتباع تجربة الخطأ والصواب في العمل السياسي الثوري‘ صاغ كل من هؤلاء شيئا من هذا التاريخ وقام فيه بدور هنا وهناك سلبا وإيجابا‘ وبالطبع تختلف تلك الأدوار في حجمها وتأثيرها علي مسار تاريخنا المعاصر‘ وفي اعتقادي علينا الابتعاد عن محاكمة تلك التجربة وهؤلاء القادة الثوار بمعايير اليوم‘ والتي تمت في ظروف ومعطيات سياسية واجتماعية وسلوكية سائدة‘ بل في إطار فكري وسياسي مختلف ومبرر في زمانه ومكانه.

ومن المحزن جدا أن الكثيرين من هؤلاء ذهبوا قبل أن يدونوا لنا أو ندون عنهم أحداث هذا التاريخ ووقائعه كما حدثت‘ وتركوا المجال لمن يزور هذا التاريخ ويعيد كتابته بالشكل الذي يروق له أو يخدم تصوره للدولة التي تعكس خياراته الثقافية‘ حزنت لذهاب عثمان سبي وعثمان قلايدوس‘ الذين ما زلنا نحصد ثمن صراعاتهما ومنافساتهما السياسية في المجلس الأعلي‘ قبل أن يدون لنا كل منهم وقائع تلك الخلافات بتجرد ونقد ذاتي وتحليل موضوعي‘ كما حزنت لذهاب الزين ياسين شيخ الدين وهو يحمل أسرار جبهة التحرير الارترية وحزب العمل في جوفه‘ وذهاب العم إدريس محمد آدم الأب المؤسس ومعه الأسرار الكبرى حول مؤمرات العملاء الداخلية والإثيوبية علي سيادة ارتريا الفيدرالية‘ ثم أسرار تأسيس جبهة التحرير الارترية ونشاطاتها الأولي‘ وإبراهيم سلطان وكبيري وغيرهم ممن تركوا بصماتهم علي تاريخ هذا الوطن‘ كم كان يسرني أن اقرأ لسبي أو قلايدوس نقدا ذاتيا يعبر فيه عن ندمه علي موقف معين وقفه في لحظة تاريخية ما‘ أو بذات القدر يدافع عن موقفه بحجج مسنودة بوقائع منطقية مبررة في حينها. 

الشهادة التاريخية تستدعي الكثير من الشجاعة والتأني والتجرد ونكران الذات‘ والتغلب علي نوازع النفس الأمارة بتبرئة ذاتها وتحميل الآخرين رفاق الأمس كل الأوزار المشتركة‘ والتنصل من دورها فيه‘ الشهادة التاريخية هي أمانة يجب إيصالها إلي من يستحقها من الأجيال كاملة بدون تشويه أو رتوش يتجمل بها الكاتب ويبرئ من يريد ويدين من يكره‘ لإغراض المكايدة السياسية‘ أو لتصفية حسابات قديمة والتشفي من آخرين‘ الشهادة التاريخية مسؤولية أمام الله‘ وقبل أن تكون مسؤولية أمام الناس فهي أولا مسؤولية أمام ضمير الكاتب ذاته‘ أن تناول حدث بعينه مبتورا عن الأحداث الأخرى المرتبطة به‘ وعن أسبابه ومسبباته والظروف الذاتية والموضوعية التي كانت تحيط به‘ ومحاولة تسخيره لمحاكمة أفراد كان لهم دور فيه‘ ما هو إلا مثل محاكمة وإدانة جندي واحد شارك في حرب ما (الحرب العالمية الثانية مثلا) وتحميله وزر المعركة التي شارك فيها‘ بل وأوزار كل الحرب الشاملة‘ إن في ذلك تجني علي الناس وتشويه للتاريخ‘ ونكئا لجروح  قديمة كادت أن تندمل‘ وتأجيجا لنار الفتنة‘ إنه  عمل شائن‘ فاتقوا الله.

اللهم أعنا علي النفس الأمارة بالسوء وحسن خواتيمنا

ورمضان كريم


روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6192

نشرت بواسطة في أكتوبر 16 2005 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010