جرثومة القائد “الرمز” مفسدة للعقول

بقلم : حامد عبدالله

بداية الاستئناف صعبة، وما نحاول خوض الاستئناف فيه كان أمراً يتعلق بالمفاهيم الثقافية البحتة؛ أكثر منه عن تناول حالة بعينها، وقطعاً لم أبيت فى نيتى استهداف شخصاً بعينه، أو النيل من فئة بعينها كما يتصور بعضنا، فيختطف الموضوع بنية مبيتة بعيداً عن مراميه ومقاصده! كل ما استهدفناه كان مناقشة مفهوم القيادة فى وعينا الثقافي وعلاقته بالرموز الوطنية المعبرة عن القيم الكلية، وهو ليس بالأمر البسيط، أنه موضوع معقد تتشابك فيه الموروثات الثقافية القديمة بالمفاهيم الحديثة الوافدة أو الوليدة من رحم التطور المجتمعى.! وكثيراً ما يحتدم نزاع يتسم أحياناً بالعنف بين موروث قديم يتشبث بمواقعه، ويخوض معركة بقائه الاخيرة، وبين الوليد أو الوافد الجديد الذى يندفع بقوة وحماس ليحتل مكانه المناسب فى المجتمع، بعد ان يزيل الرواسب القديمة من وعي الناس، ويزيح مراكز القوة القديمة فى النظام الاجتماعي القائم من طريقه! ولسبب موضوعي بحت، وأنا أهم الخوض في تفاصيل الموضوع؛ لأجلي الحقائق، ولأفند ما أمكنني الفروق بين الأشياء الملتبسة في وعينا العام. أود أن أبدأ من “بركة” مهبط الثورة، وحاضنتها منذ بداية الانطلاق الاولى.. والثورة بطبيعتها معنية بالتغيير؛ تغيير المجتمع فى بنياته الأساسية؛ في اقتصاده،  وثقافته .. وفى رؤاه السياسية وفى المقدمة منها كيفية إدارة شؤونه العامة، وطريقة اختيار قادته على كافة المستويات.. وهى معنية أيضاً بزعزعة ما أستقر فى العقول بالتوارث من مفاهيم بالية ثَبُتَ بالتجربة زيفها؛ كتقديس ما لايجوز تقديسه؛ فالقائد كان قائداً روحياً أو مدنياً لا يجوز تقديسه، والاعتقاد بقدسيته يعيق التقدم، فالولي أو الشيخ أو القس.. مهما كانت تقوته أو زهده، وكان حيّاً أو ميتاً لا ينبغي تقديسه، ولا يستحق التقرب إليه ليعطينا ما لا يملك من النعم، كالصحة والذرية .. والمال! ومن المسيء أن نشد الرحال الى أضرحة الأولياء لمجرد التبرك بحفنة من تراب “نعفر” بها وجوهنا!

والقائد المدني الذي ينبغي أن ينصاع لإرادتنا من المعيب أن نكسيه جلباب القداسة الزائفة، ونتوهم أنه يملك قدرة خارقة تمكنه من تحقيق أحلامنا وأمنياتنا فى الحياة بضربة سحرية منه.. ومن مظاهر تقديس القائد أن نصبغ عليه ألقاباً ترفع درجته فوق مستوى البشر، ونضفي عليه هالة تحول بينه وبين نقد الناس لأدائه الوظيفي !

كان ومازال أهلنا فى إرتريا يشدون الرحال لزيارة أوليائهم ومشايخهم بالوراثة، وهو أمر مسلم به وجرت عليه العادة، ولا يدعو أبداً الى الدهشة، ما يزعج المرء حقاً أن يجد أناس من بيننا يرتادون الغرف “الإلكترونية ” للحوار أو اللهو.. وفى أدمغتهم مفاهيم من تركة الماضي، فمن يقدس القائد ويستنفر بعصبية بدائية للدفاع عن القدسية المزعومة، فانه لا يختلف كثيراً عن المواطن الذى يشد الرحال الى مواطن أوليائه أو أضرحتهم للتبرك؟!

قبل انطلاق ثورتنا الوطنية المجيدة بقيادة فارسنا البطل “عواتي” كان في “بركة “، وفى كل أقاليم بلادنا يتم تنصيب القائد بالوراثة؛ تنتقل القيادة من الأب الى الابن.. وتظل محصورة فى ذريته .. فـ “دجلل ” لم يجيء إلى سدة الحكم -العمودية- عن طريق اختيار “الرعية”، وإنما أخذ السلطة من سلفه “غلابة ” واحتفظ بها بالقوة “الغالبة “، وجعلها حكراً على ذريته يتوارثونها فيما بينهم الى آخر “دجلل” إغتاله أحد رعاياه فى وضح النهار[1]! وما سرى تاريخياً في طريقة اختيار”الدجلل” فى” بركة “، وكيفية استمرارها فى ذريته، ينطبق مع فروق طفيفة، على حكام بقية الاقاليم والنواحي في بلادنا ، فـ  “كنتيباي ” في الساحل الشمالي، وفى ” سنحيت” وفي أقاليم الهضبة، هو “كنتيباي” بالوراثة !. و”الشوم” أو “النايب”ِ فى أكلي قوزاي أو سمهر .. و” السلطان” فى دنكاليا هم الأُخر  “شيم”  أو ” نواب” أو “سلاطين”  بالوراثة أيضاً !.

من حُسن الصدف،  كان قادة الحركة الوطنية الحديثة؛ قادة الاحزاب السياسية من بداية نشوئها، ثم قادة فصائل الثورة الارترية كانوا –أغلبهم– ينحدرون من عامة الناس؛ فالقائد “عواتى” لم يكن من عائلة ” الدجلل ” الحاكمة تاريخياً في “بركة” . ولم يصل الى قمة هرم قيادة جيش التحرير الارتري بالوراثة، وإنما كلف من زملائه ليكون  قائداً عليهم بالاختيار، وهم لم يكونوا من قبيلته أو إقليمه وحده .. وأستمد مشروعيته باعتباره يجسد إرادة الشعب الارتري كله،  ويمثل رغبته فى الحرية من الاستعمار الاجنبي؛  وهي مشروعية يطلق عليها المشروعية الثورية؛  وقد أخذت بها شعوب غيرنا يومئذ.. ولم يكن تكليفه بأمر القيادة إلى مدى عمره كله بحكم طبيعة الثورة التى تحمل أهداف التغيير الشامل، وبالتالي لا تسمح بأبدية القيادة فى شخص القائد المكلف مهما كانت موهبته القيادية أو علو درجة نقائه الثوري. ومن باب الأولى أن تمنع انتقال القيادة الى ذريته بالوراثة !. والقائد “عواتى” لم يمهله الأجل، ولم يطل بقاءه على رأس القيادة أكثر من سنتين على وجه التقريب! ولو أمد الله فى عمره وقدر له أن يحضر المؤتمر الوطني الأول لجبهة التحرير الارترية؛  لنافسه أكثر من مناضل من زملائه فى مركز القيادة؛  ولخضع أمر اختياره مجدداً إلى آلية المبدأ الديمقراطي الداعي إلى المنافسة الحرة بين وجوه متعددة، وبالإحتكام الى ما تفرزه إرادة الناخبين الحرة عن طريق الاقتراع المباشر بالتصويت فى صندوق شفاف ثم فرز الأصوات الصحيحة بنزاهة وحياد .. وكالعادة المتبعة فمن يحظى بأغلبية الأصوات تؤول إليه القيادة حكماً. أياً كان الحائز بالاغلبية .. فاحتمال فوز “عواتي” – في ظني– على منافسيه فى اللعبة الديمقراطية كان احتمالاً راجحاً؛  لسمعته الوطنية الطيبة ؛ ولكنه ليس حكماً قاطعاً بطبيعة الحال !!!

كما أسلفنا، كان اختيار القائد –العمدة-  يتم بالوراثة فى العهود السابقة، ولم يسمح “للرعية” بأي شكل من الأشكال أن يبدوا رأياً فيه، وكان يستحيل عليهم أن يراقبوا أداء عمله العام، ويحاسبوه ان تجاوز حدوده؛ وبالأساس حدوده كانت مفتوحة على مصراعيها، ومسؤولياته غير محددة بحدود، ويداه طليقتان بلا قيد أو شرط .. وحقه  مفتوح بأن يمتلك كل ما تقع عليه يداه .. وبالطبع ، كان الحلم فى المنام بخلعه يعد جرماً يستحق العقاب الأليم[2] !!!!

لا أدعي، وليس بمقدور غيري أن يدعي بأننا قد انتقلنا بوعينا كلياً فى مفاهيمنا عما كان سائداً من وعي في أذهان أسلافنا القدامى، في كثير من المفاهيم التى تمس جوانب حياتنا. فان عقدنا مقارنة أمينة بالرصد الدقيق عن حالة وعي أجدادنا وعن وعينا قد لا نجد فروقاً جوهرية خاصة فى أمور القيادة ، فالتشبث بوحدانية القائد “الرمز”  والاعتقاد الراسخ بتفرده بالموهبة، والإلهام .. عن بقية المواطنين، وسعينا الدؤوب لاصباغ الالقاب والرموز عليه بهدف اعطائه هالة من القداسة الزائفة، وأن نلتمس أعذاراً واهية تمنحه مشروعية الاستمرار الأبدي في موقعه القيادي وتحصنه من أية مساءلة واجبة فى أداء عمله .. هذه الرؤية لا تختلف عملياً عما كان سائداً فى عصور “العمودية” الوراثية !!

مازلنا نراوح مكاننا، ولم نحرز تقدماً حقيقياً يميزنا عن أحوال أسلافنا، وما اكتسبناه فى ممارستنا العملية لمفهوم القيادة الحديث شيئاً ليس ذي بال، ومحدود جداً وينحصر فى الاجراءات الشكلية فقط! فلم يحدث فى تأريخنا المعاصر أن عزلنا قائداً تجاوز حدوده بالجرم المشهود أو بقصور واضح في كفاءته واستبدلناه دون ان ينهار الفصيل الذي يقوده،  ويمحى من الخريطة السياسية تماماً. فقادتنا يظلون في مواقعهم حتى وهم فى حالة عجز عضوي تام يمنعهم من ممارسة مهامهم، ولم نستطع بالسلم إزاحتهم، واستبدالهم إلا بعد مماتهم.. ونظل نقدسهم بعد الممات وكأنهم يقودننا “بالبركة ” من قبورهم !!

أَلَم يرتكب “افورقي” بحقنا جرائم شنيعة يوميا .. وبسوء قيادته أنهار الوطن كله.. وبالأصل نحن لم ننتخبه حتي بالطرق الشكلية المتعارف عليها في الانظمة المستبدة، فقد تم اختياره بطريقة اختيار “البابا” وعلى وجه الدقة؛ فقد دُعيت هيئة تفتقد المشروعية وطُلب من أعضائها أن يختاروا رئيسا من بين الحاضرين؛ فاختاروا “أفورقي” بالإجماع !! ولست أدري ما إذا أعلنوا النتيجة “ببخ” دخان أبيض كما يفعل المجلس المقدس في اختيار “البابا”[3] ؟!! المهم من تلك الساعة، وبتلك الكيفية المريبة في الانتخاب؛ فهو رئيس علينا أو على الرأي القائل: “قائد رمز” لاتباعه يقدسونه بأشد ما يكون التقديس، وهم مستعدون أن يفدوه بأرواحهم؛ ليظل يقتلنا ويهيننا وليس مهما عندهم أن يتهاوى الوطن ويضيع !!. وقادة جبهة التحرير الذين انتخبوا في المؤتمر الثاني وظلوا على رأس القيادة بعد ان انتهت مشروعيتهم الدستورية؛ وتشظى التنظيم الذي كان يملأ الساحة واصبح اثرا بعد العين! ولم نستطع ان نوجه اليهم سؤالا وطنيا مشروعا عن قصورهم أو عن جرائمهم؟ أَلَيس ضياع الجبهة جريمة وطنية تستوجب العقاب الشديد!؟؟ وبدلا من المحاسبة والعقاب مازلنا ننعتهم بنعوت القادة الرموز!!!!!

لماذا –إذن- قداسة القائد ” الرمز” راسخة في وعينا ؟ من أين تسربت إلينا جرثومة القائد “الرمز” المُفسدة للعقول ؟! هل لأن مجتمعنا يقدس شيوخه بالوراثة وبالتقاليد، وبالتالي نقلنا هذه القداسة الى قداسة القائد “الرمز” .. أم هناك سبب آخر أقوى من ارثنا الثقافي المقدس للمشايخ وأولياء الله الصالحين ؟؟

لا أستبعد بقاء رواسب قديمة من ثقافة الماضي تكمن في قاع عقولنا وفى اللحظة المناسبة تستيقظ لتوجه سلوكنا وتثير فينا الغرائز البدائية كالعصبية العشائرية وحمية”العزوة”!

والثابت تأريخيا أننا تعرضنا الى حملة دعائية مكثفة طوال سنوات عمرنا، وأخذنا جرعات كافية لتشويه وعينا، وإعطاب آلية التفكير الطبيعي في عقولنا، وكان هدف الحملات الدعائية المكثفة التى وقعنا تحت تأثيرها المباشر خلق طغاة من الحكام، وترسيخ جذور الاستبداد فى المنطقة من حولنا .. فقد ساد خلال الاربعين أو الخمسين عاماً الماضية خطاباً اعلاميّا ودعائيّا مؤثرا يرمي إلى تشويه وعي المواطن، وصناعة دكتاتور “مؤله”! وبموازاة الخطاب الإعلامي والدعائي، أُعدّت مناهج تعليمية من شأنها غرس قداسة ” القائد ..” فى عقول الناشئة، فعدد غير قليل منا ردد فى طفولته برياض الاطفال :” أبوكم مَن..؟ قائدكم مَن ..؟ فارسكم مَن ..؟حارسكم مَن..؟! ومَن عاش بالعراق رأى الجداريات الضخمة بصور القائد “الضرورة ” تملأ الساحات والميادين العامة على امتداد خريطة العراق، وهى ترهق ميزانيته العامة! واستمع مراراً الى أناشيد المدح المفرط للقائد “الملهم”! وشاهد حشودا من الشعراء والكتاب والفنانين فيما يشبه محج سنوي يتبارون في تقديس “سيف العرب” وباني مجد العراق.. وغير قليل من الناس أنطرب لأيقونة: “إلى الأبد إلى الأبد حافظ الأسد” وبإمكاننا أن نقرأ الآن : “سيبقى حافظ الأسد القائد الرمز، هو رمزنا وعزنا، ومجدنا .. وأبونا “[4]! ولا ننسى ” المجاهد الاكبر” الذى حكم تونس بالحديد والنار وظل قابعاً فى السلطة الى ما بعد أن بلغ من العمر أرذله فأزاحه من العرش خلفه “بن علي” ورماه في مصحة عقلية لدار العجزة بعد أن ذهب عقله بالخرف كليا.. وخلفه “بن علي” لم يكن خيراً منه فقد تفوق عليه فى السوء والفساد..!

الأخ العقيد، والقائد “الرمز” والقائد الأممي،..، وملك ملوك أفريقيا كان على قدر عظيم من السوء والعنجهية يصعب على الذاكرة السليمة أن تنساه، وتنسى هلوساته الماجنة، وقد بلغ به جنون العظمة أن تلويحه أصبعه تحرك الملايين من اتباعه، ومقليده فى قارات العالم لتدافع عن ذاته المقدسة، ولتحمي سلطته المغتصبة أصلاً  ليرثها من بعده أبناءه بالتتابع[5]..!

هؤلاء القادة “الرموز” كانوا من عامة الناس فى بداية عهودهم. وبالتدريج تحولوا الى “أنصاف آلهة ” يقدسون باسفاف يهدر كرامة الإنسان! وعملوا بمنهجية؛ بمنظومة اعلامية وتربوية مشفوعة باستخدام القوة المفرطة ليطوعوا إرادة الشعوب المقهورة،  واستطاعوا أن يحدثوا شروخا مدمرة فى العقول! وحولوا الرجال والنساء الى “أرجوزات” راقصة تملأ الساحات والميادين العامة فى مهرجانات بيعة “القائد “الرمز” وإعادة بيعته المكررة دورياً .. فى تزاحم مهين يثير الاشمئزاز ..!!

آلة الدولة الحديثة التى عملت بتكامل منظم صنعت لهؤلاء القادة جاذبية لا تقاوم، وخلقت أتباعاً من المقلدين يتماهون فى شخصياتهم، ويتخذونهم قدوة ، ويدعون لهم بطول العمر، ويحلمون أن يكون لهم قائداً شبيهاً بهم! وما نلمسه هذه الأيام من نرفزة عصبية زائدة ربما ناتج عن تأثر “المتنرفزين” بهؤلاء الرموز من القادة !!

أليس واجباً وطنياً ان ننبه الغافل، ونحذر القاصد، لنمنع استنساخ قادة فى ارتريا يشبهون القادة “الرموز” الذين عددنا بعض أسمائهم وبعض صفاتهم ..!؟؟

هل الاعتراض العابر فى زحمة “الدردشة” في غرفة الكترونية على استعمال مصطلح بسيط: “الرمز”[6] درجت الأنظمة المستبدة وحدها تلصقه بقادتها يثير كل هذه الضجة العارمة ؟ لماذا الاستنفار الهائج والنرفزة المتلفة للاعصاب !؟. ماذا تعني كلمة “رمز” لغوياً لتثير فى بعضنا الغضب ؟!. وهل يجوز ان نتخذ قادتنا رموزاً وطنية ؟. وما “رمز ” الدولة الطبيعية أية دولة في العالم !؟

هذه أسئلة بسيطة ورغم بساطتها، يبدو لي تشغل بال بعضنا أكثر من انشغالهم بقضايانا  الأساسية؛ وهى قضية الحرية والديمقراطية .. والعدالة الاجتماعية ..  وطالما يلح بعض أخواننا أن يجعلوها محور اهتمامهم.. ويريدون أن يختبروا شجاعتنا المطعونة في رأيهم..ما إذا نتجرأ بالإجابة على ما يعتبرونه سؤال التحدي: هل تعتبر القائد… رمزاً وطنياً ؟؟

يمكننى بكل بساطة وهدوء أن أجيب على السؤال .. فليهدؤوا سائلي من روعهم !!!

فى الاسطر السابقة ناقشنا مفهوم القيادة .. ولا بأس أن نناقش سوياً قرينه: ” الرمز ” ثم ندمجهما: “القائد الرمز” بعد التفكيك الذى أجريناه بغرض التحليل !!

فى قاموس المعانى نجد: “الرمز ” تعنى الايماءة والاشارة و”يرمز” إلى الشيء بالعلامة؛  “فيرمز” إلى الوطن بالعَلم و”يرمز” إلى السّلم بغصن الزيتون .

والعَلم :  العلامة والأثر .

والعَلم:  الفصل بين الأرضيين.

والعَلم:  رسم في الثوب.

والعَلم:  سيد القوم.

والراية واللواء مرادفان لمعنى العلم ؛ واللواء: عَلَم الجيش وسمي باللواء ؛ لانه يلوى لكبره فلا ينشر إلا عند الحاجة .

ما يهمنا من هذا التعريف اللغوي السالف للعَلم فى موضوعنا: ثلاث معاني وهى:

إن العَلَم ” يَرْمُزُ ” الى الوطن، ويفصل بين الاراضى، ويميز الدول عن بعضها، وينفي صفة التطابق بينها. والعَلم “رمز” السيادة والاستقلال الوطني. والأمم منذ فجر التأريخ خاضت حروب مصائرها تحت راية العَلم، فرسول الله ( ص) كانت له راية بيضاء يرفعها جيشه فى الغزوات والحروب .. وكان يحرص (ص) ان يحمل الراية الاشجع، والاخلص من صحابته الكرام، فقد أوصى فى غزوة ” مؤته[7]” أن يحمل الراية الصحابى الجليل ” ثابت بن حارث” ولما استشهد تلقفها منه جعفر “الطيار ” بيمينه ولما قطعت يده اليمنى حملها بشماله. ولما قطعت شماله حضنها فى صدره بعضديه النازفين دماً حتى أستشهد.. ولم يترك رسول الله (ص) وصحابته تسقط الراية من أيديهم؛ لأن سقوطها يعنى الهزيمة .. وكان لكل قبيلة فى الجاهلية رايتها تحملها فى حلها وترحالها لتفصل أراضيها ومراعيها عن أراضي ومراعي القبائل الأخرى ..!. ويعتبر المصريون القدماء أقدم أمة أستخدمت الرايات والاعلام ” كرمز ” وطنى لها ” يرمز ” الى الأمة المصرية، حيث توجد فى المعابد المصرية نقوش تبين استخدامهم لرايات وأعلام مصرية في الاحتفالات والحروب. والعلم هو “الرمز” الوطني الوحيد المجمع على رمزيته لكافة دول العالم منذ القدم. ويتضمن رموزاً دينية مقدسة أو علامات ثقافية ذات قيمة عالية .. فاذا ألقينا نظرة الى العلم الملكي المصري من 1923 الى 1958؛ لنتعرف على مداليل رموزه نجده:

  • هو يُعرُف بالعَلم الأهلي، وهو العلم الأخضر ذو الهلال والنجوم الثلاث، وقد اعتمد فى 10، ديسمبر1923 بعد تصريح 28 فبراير 1922 وتحول مصر إلى مملكة حرة مستقلة[8].
  • اللون الأخضر “يرمز” إلى الخضرة، والى الإسلام الذي تدين به الأغلبية من المصريين. بينما النجوم الثلاث تشير الى الاجزاء المكونة للمملكة المصرية وهى: مصر والنوبة والسودان أو الاديان الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية. والعَلم المصري قد خضع الى تغيرات كثيرة .. ولكنه بقى “رمزاً” لسيادة مصر واستقلالها.. وبجانب العلم هناك رموز وطنية مصرية تبلغ خمسة عشر رمزاً تشمل: “العقاب . ومفتاح الحياة . ولوتس “نبات”. وعين حورس. وهلال ونجمة .؛..، وعجلة مدفع.” ولم أجد في قائمة الرموز الوطنية المصرية :” فرعونا أو ملكاً أو رئيساً او قائداً او عالماً.. فنانا، ومصر فى تأريخها وحاضرها حافلة بشخصيات عظيمة أسهمت فى الحياة العامة اسهاماً مقدراً كبيراً.. ومع ذلك لم يتخذ واحد من هؤلاء “رمزاً ” وطنياً مخلداً مثل ما أتخذ: “عين حورس– عين القمر أو عين رع- ،..، ومفتاح الحياة أو عنخ ” وهو رمز الحياة الابدية !!

وإذا انتقلنا من مصر الى الولايات المتحدةة الامريكية نقرأ: “خلال الحرب الأهلية الأمريكية مثل هذا العَلم الوطنية الامريكية ضد المطالبين بانسحاب ولايات الجنوب حيث انه أصبح ” الرمز ” الوطني “الوحيد ” بعد ان فاز ابرهام لينكولن وقاد الولايات الى الوحدة.. والعلم الامريكي هو أول عَلم وضع فوق سطح القمر ..”مما يعطى دلالة واضحة بأن سيادة أمريكا تمتد إلى القمر أيضاً ؟! وبجانب العلم توجد لأمريكا رموز وطنية هي[9]:

  • العم ريموس : شخصية خيالية .
  • العم سام : لقب و “رمز” شعبي يطلق على الولايات المتحدة الأمريكية .
  • بالله نؤمن “شعار”: تم اختياره شعاراً للولايات المتحدة الأمريكية سنة 1956 .
  • ختم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية: نلفت الانتباه الى ان “الرمز” الوطني ليس الرئيس وانما ختمه.. لماذا ؟؟!

بعد هذا الاقتباس الموجز نسأل سؤالاً وجيها يسترعي الانتباه: أين قادة الولايات المتحدة الامريكية العظماء فى قائمة رموزها الوطنية؟ وأين مبدعيها ؟! وأين علمائها الافذاذ الذين أسهموا اسهاماً مشهوداً فى تغيير وجه العالم، واسعدوا البشرية –مع غيرهم– باكتشافاتهم العلمية الحاسمة .. لماذا لا نجدهم رموزاً وطنية لبلادهم؟؟؟

أردت ان أعطي أمثلة قاطعة؛ لأبين أن القائد مهما كان شأنه، ومهما كانت مكانته فى النفوس، ومهما عظم دوره الوطني.. شيء ، و “الرمز” الوطني شيء مختلف تماماً. وبهذا الحد نكتفي من الاستعراض .. ونجييب على السؤال : ما “رمزنا ” الوطني ؟؟ أو ما “رموزنا الوطنية ؟؟؟

وعلى الفور اجييب وبدون مواربة : “رمزنا” الوطني هو: “”عَلمنا..”. عَلم  إرتريا وحده ” يَرْمُز ” الى سيادتنا الوطنية .. وإلى وحدة كياننا الوطني، ويرفرف وحيداً فى ساريته بين أعلام دول العالم قاطبة؛ ليميزنا عن الآخرين وليعطي تأكيداً قاطعاً أن إرتريا دولة ذات سيادة على أرضها، وليست تابعاً لأية دولة أخرى في العالم، وهو وحده “السيد” المطلق على أرضنا ..!! وللعلم الارتري أشكال وألوان ذات دلالة “رمزية” وألوانه هي:

  • اللون الأحمر: و “يرمز” الى دم شهدائنا ، كل الشهداء من الجندي العادي إلى القائد الكبير، ومن الطفل الضحية أو المجدوب الى العبقري المتميز وكلهم فى القيمة الانسانية سواء ” فنرمز” إليهم بدرجة لونية واحدة!!
  • اللون الأصفر: وهو لون غصن الزيتون الذى يتوسط قاعدة المثلث الأوسط في العَلم، والذي “يرمز ” إلى السلام، واللون الأصفر”يرمز” إلي الثروة المعدنية وعلى رأسها المعدن الحر:الذهب! وتراب ارتريا كله ذهب وأغلى من الذهب! أما الأخضر والأزرق فيرمزان إلى ثروتنا الزراعية والبحرية[10]!!

 

أعرف أن محتوى هذا العلم الواقعي تدور حوله مناقشات مختلفة، ولم نجمع عليه، ويمكننا أن نجري فيه تغييرات تلائمنا عندما يكون ذلك فى مقدورنا!!

يكفينا “عَلمنا” رمزا وطنيا، ويكفي قادتنا “المناضل” قلادة شرف في صدورهم، ونخلدهم حبا في قلوبنا، ونطلق أسماءهم في مرافقنا الوطنية تخليدا وعرفانا!!

اتوافقني الرأي ؟؟؟؟

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع

1.عثمان أبوبكر، تاريخ إرتريا المعاصر  أرضا وشعبا.

2.محمد صالح ضرار، تاريخ قبائل الحباب والحماسين.

3.الإنترنت، جوجل، اختيار بابا الفاتيكان.

4.الإنترنت، جوجل، يونس أحمد الناصر، مقالة: لماذا يتطاول الأقزام على رموزنا الوطنية.

5.الإنترنت، جوجل، القائد الرمز، منتديات معمر القذافي.

6.موقع النهضة، ما بين الزر والمسدس.

7.الإنترنت، جوجل، غزوة مؤتة.

8.الإنترنت، الموسوعة الحرة، علم مصر.

9.الإنترنت، الموسوعة الحرة، الرموز الوطنية الأمريكية.

10.مسودة الدستور الإرتري 1997، المادة (4)- 1- العلم الوطني الإرتري

ghadam61@yahoo.com

[1] . عثمان أبوبكر، تاريخ إرتريا المعاصر  أرضا وشعبا.

[2] .محمد صالح ضرار، تاريخ قبائل الحباب والحماسين.

[3] .الإنترنت، جوجل، اختيار بابا الفاتيكان.

[4] .الإنترنت، جوجل، يونس أحمد الناصر، مقالة: لماذا يتطاول الأقزام على رموزنا الوطنية؟

[5] .الإنترنت، جوجل، القائد الرمز، منتديات معمر القذافي.

[6] .الإنترنت، موقع النهضة، ما بين الزر والمسدس.

[7] . الإنترنت، جوجل، غزوة مؤتة.

[8] .الإنترنت، جوجل، الموسوعة الحرة، علم مصر.

[9] .الإنترنت، جوجل، الموسوعة الحرة، الرموز الوطنية الأمريكية.

[10] . مسودة الدستور الإرتري 1997، المادة (4)-1-العلم الوطني الإرتري.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=39840

نشرت بواسطة في يونيو 11 2013 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010