جمل هناشيش

بقلم / منصور كرار  

نحيب في الطرف الآخر علي الهاتف  من كرن

 

في يوم الأحد الماضي لبيت دعوة‘ اجلتها كثيرا‘ لزيارة احد أقربائي‘ ووجدت هناك ثلاثة آخرين‘ البعض ممن اعرفه والبعض الآخر لا اعرفه‘ كلهم تربطني بهم علاقات نسب قريبة وبعيدة‘ وحيث كانت المناسبة شبه اسرية‘ الغرض منها التواصل الاجتماعي‘ وصلة الرحم‘ تطرقنا من ضمن أحاديثنا إلي ذكر الأهل والأقرباء في ارتريا (وكذلك في السودان)‘ نتبادل عنهم المعلومات والاخبار‘ فلان مات يرحمه الله‘ وعلان اخذوه عنوة الي معسكر السخرة “ساوا”‘ واخوه الكبير جاءت اسمه من ضمن قائمة الشهداء‘ اما ود فلان مفقود‘ وود عمو فلان معوق واختهم التي كانت في الشعبية اختل عقلها وهي عبئ علي امها العجوز‘ وفلان ما شاء الله تزوج وخلف‘ وفلان ما شاء الله له تسعة اطفال وحاله المعيشي يعلم به الله‘ وبنت فلان عادت من ساوا وحسبي الله ونعم الوكيل‘ وفلان يقال انه في السجن ولكن لا يُعرف محله‘ وفلان يتهم بأنه أصبح مخبرا للهقدف حيث اصبحت الناس تتجنبه وتعف ذكر اسمه‘ واخر هرب الي السودان ومحتاج مساعدة عشان يطلع بره‘ وغير ذلك كثير. 

 

وجاء ذكر احدي النساء وهي قريبة مشتركة لي وللاسرة المضيفة‘ ولكن صاحب الدار هو أكثر مني تواصلا بها وباسرتها بحكم الجيرة التي كانت تربطهم في كرن بالاضافة الي علاقة النسب‘ وتبرع صديقي صاحب المنزل الاتصال بها في مدينة كرن حتي نحييها معا ونسأل عن صحتها واسرتها‘ قال لي “الحجة عمتك سوف تعتبرها لفة انسانية جميلة منك لو كلمتها” ووافقت مع انني لا اعرفها الا قليلا.

 

هالو …. أناتو عمتو كفوهليكم …. و…..و

مرحبابوم اوكير‘ قلاعلبوم‘ ارد امان بطحكم!

 

ثم سكتت برهة  وصارت تنتحب علي الخط‘ وبين الفينة والأخرى تردد وتقول “شفتا‘ قطاع طرق‘ ليسوا حكومة‘ أنهم يعاملوننا كما يعامل قطاع الطرق ضحاياهم (الاّ لاتو كرايي طلام تا‘ قَدّمْكوم ولاد‘ ميري ايكون‘ حسب ربي منا هليكو)” وصارت تقول بانها عاشت حكومات متعاقبة في ارتريا ابتداءا من الطليان وهي صبية الي منجستو ولم تري حكومة (كرايي- شفتا) مثل هؤلاء‘ طلب منها صاحبي ان تهدأ وتحكي لنا ما جري قبل ان ينتهي الكرت.

 

منذ سنين آخذوا ابنها الوحيد  إلي ساوا‘ ثم عمل لمدة “كلئي حول” عامين سخرة بدون مقابل‘ وعاد‘ ثم اخذوه ساوا مرة اخري قبل الحرب مع اثيوبيا‘  ومنها أرسلوه إلي الجبهة الأمامية في حرب بادمي الاولي والثانية‘ وبعد نهاية الحرب صار يأتي في اجازات قصيرة‘ وتزوج‘ وقبل ثلاثة اشهر جاءوا واخذوا زوجته وطفليها‘ الطفل الاول كان عمره عامين وسبعة اشهر والثاني ثلاثة اشهر الا قليلا‘ وزجوا بهما في سجن غير معروف‘ وقالوا انهم لن يطلقوا سراحهما الا اذا اتي زوجها وسلم نفسه لانه هرب من الخدمة وربما دخل السودان او اثيوبيا.

 

وازداد البكاء والنحيب حدة علي الهاتف‘ “كانوا يعرفون انه احمق “حوكم قلول تو دفنني‘ امعيتيي انددا ووويما‘ اب اقرو ديب قيس مطيوم دبويي‘ افو اي بدا! افو اي سكا! افو كوما حوهو وسناتو سودانو اي قيسا”! وفهمنا من بين النحيب والندب‘ ان ابنها حينما عرف باعتقال زوجته واطفاله‘ أخذته النخوة والشهامة وسلم نفسه للسلطات بالقرب من الحدود السودانية حيث كان يختبأ ويتحين الفرص للهروب عبر الحدود‘ واخذوه الي مكان غير معروف ولا يعرف أحدا مكانه‘ وتظن أمه انه لا شك قد قضي عليه‘ وسالناها ان كانوا قد اطلقوا سراح زوجته واطفاله بعد تسليمه لنفسه‘ فاجابت بنعم‘ ولكنهم ارسلوها اليها جثة بين الحياة والموت‘ “نوسا تأمر دِبُّوها‘ وليي ما حقلكو!” ثم تستدرك “مي اقل تركب شبلايت! فنقي حياي ومايت ودوّا‘ قارَتا اُمّا‘ شبل تحاسست اُمّا‘ وامرا لاتو ديب إدي منباها جل جلالو هلا” علي الاقل لو ماتت نعرف مكان قبرها.

 

“شفتا طلام مسلا ترفنا ولاد‘ شفتا طلام وبعل اكجّه حكمتا عليتريا اوكير‘ رأس الولا كارفينا”.

 

وحمدت الله تعالي‘ فقد انقطع الخط وانتهي الزمن المحدد في الكرت‘ قبل ان افقد عقلي وصوابي وتقطع احشائي اوصالا من كلامها‘ وساد مجلسنا السكون والوجوم مصحوب بالدموع والالم في الاحشاء والحزن في الوجوه‘ لقد انتهت العيزومة وجلسة الجبنة والبخور وتفقد احوال الارحام‘ بنكد وعكننة‘ ولم يبقي لأحد منا مزاجا لمواصلة الجبنة التي لم نشرب منها الا اثنين فقط‘ ولا حول ولا قوة الا بالله العظيم‘ وكان الله في عون هذا الشعب المنكوب المغلوب علي أمره. 

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6821

نشرت بواسطة في فبراير 15 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010