جهود الأحزب الإرترية في فترة تقرير المصير

  الحلقة الثالثة  :- (إن الذين لا يذكرون الماضي مكتوب عليهم أن يخوضوا التجربة مرة أخرى )

بقلم :- عبد الإله الشيخ

abdoalalah@hotmail.com

يجدر بنا في هذه الحلقة وقبل الحديث عن نشأة الكفاح المسلح أن نلقي الضوء علي الفترة التي سبقت ميلاد الثورة المسلحة كخلفية عن الأوضاع التي كانت تعيشها الساحة الإرترية حينها .

بعد توقيع إيطاليا إتفاقية الصلح مع الدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية في 10/2/1947م تنازلت عن حقها في مستعمراتها في القارة الإفريقية (إرتريا والصومال وليبيا )وتبعا لذلك أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يقضي بتكليف الدول الكبرى  الأربعة :-  بريطانية – فرنسا – أمريكا – الأتحاد السوفيتي لبحث مصير تلك المستعمرات في خلال عام وفي حالة عجزها عن الوصول إلى قرار قاطع ترفع تلك الدول الأمر إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة .

وقد أحالت الدول الأربعة الأمر إلي نواب وزراء خارجيتها الذين شكلوا بدورهم لجنة تحقيق رباعية لكل منطقة في 20 /10/1947م لدراسة الجوانب الإقتصادية والسياسية والتاريخية لتلك البلدان .

ووصلت الجنة الرباعية إلى إرتريا في 12 /11/1947 م وباشرت مهامها واستمرت إلي 13/11/1948م وقدمت في يونيو1948م تقريرها إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة وقد جائت نتائج التقريرمتباينة تبعاً لأطماع تلك الدول  وقدتضمن التقرير المقترحات التالية :-

* قدم مندوب بريطانيا مشروع تقسيم إرتريا بين السودان وإثيوبيا ،  

* ومندوب الأتحاد السوفيتي طرح إبقاء إرتريا تحت وصاية دولية جماعية.

* بينما إقترح مندوب فرنسا أن تبقي إرتريا تحت الوصايةالأيطالية. 

* وأيد مندوب أمريكا الإقتراح الفرنسي .

وبعد تداول الجمعية العامة للأمم المتحدة المقترحات واستعراضها لتقرير اللجان قررت سماع أراء الأحزاب السياسية في أرتريا  بدءاً من 20 /4/1949 م وأعيد ملف القضية الإرترية إلي أروقة الأمم المتحدة في 15/9/1949م وشكلت لذلك لجنة خماسية تتكون من خمسة دول هي :-  ( بورما وإتحاد جنوب إفريقيا وباكستان وجويتمالا والنرويج) في 21/11/1949 م وبعد أن قضت لجنة التحقيق الخماسية في إرتريا زهاء الشهرين في الفترة من 14/2/1950م الي 6 /4/1950 م وإختلفت أراء اللجنة كما إختلفت اللجنة الرباعية التي سبق ذكرها وبعد مناقشة توصيات اللجنة الخماسية بشأن القضية الإرترية تبنت الجمعية العامة القرار رقم 390/أ/5 في /2/12/1950م القاضي بربط إرتربا في أتحاد فيدرالي مع إثوبيا وتم تنفيذه في 5/9/1950م تحت إشراف مندوب الأمم  لمتحدة الدكتور/ إنزي ماتينزو البوليفي الجنسية .

لقد كان للمؤامرات الداخلية التي تولي كبرها العملاء وأذيال المستعمر من أنصار الأندنت الذي كان تتألف عضويته من المسيحين ، والأطماع الخارجية عاملاً كبيراً في تمييع القضية الإرترية وتذويبها وتصفيتها لصالح القوى الإستعمارية الكبري والمتحالفين معها وعموماً يمكن القول أن أكبر العوامل التي أضرت بالقضية كانت تتمثل في  أطماع الإدارة الأنجليزية والمصالح الأمريكية في المنطقة  وتأمر هيلي سلاسي وإستمالته للعنصر المسيحي الإرتري الذي رهن نفسه للمستعمر كل تلك العوامل مجتمعة  قد وقفت ضد إرادة الشعب الإرتري وبالتالي تسببت في حرمانه من حقه المشروع في الحرية والإستقلال .

ونذكرهنا أولئك المتزمتون الذين يحاولون عبثاً تجريم المسلمين من أبناء إرتريا  بالمواقف التالية ، وللقارئ الكريم بعد ذلك أن يوازن ويتولى هو الحكم من خلال المواقف والحيثيات :-  

أولا موقف الرابطة الأسلامية

أ /كونت تشكيلات شبابية في كل المدن الإرترية وكانت تلك الفرق تجوب شوارع المدن الكبرى في إرتريا في صفوف متراصة وتقدم عروضاً عسكرية يرددون خلالها الأهازيج الوطنية والأناشيد الحماسية  التي تدعوا إلي الإستقلال الوطني والتحلي بالأخلاق الفاضلة وقد كان لتلك الفرق وأناشيدها  دور مؤثر في شحذ الهمم ورفع المعنويات لدي المواطنين (الوطنيين) دعاة مشروع الإستقلال.

ب/أنفتحت الرابطة علي كل الأحزاب المعارضة لمشروع الوحدة مع اثيوبيا وأوجد ذلك الإنفتاح أرضية للتعاون ، كما ساعد ذلك لاحقاً في تشكيل الكتلة الإستقلالية التي جمعت بالإضافة إلي الربطة الحزب التقدمي الحر،  والحزب الموالي لإيطاليا .

ج/أوجدت الربطة منحاً دراسية وبعثات تعليمية خارجية في كل من إيطاليا ومصرولبنان والسودان كما فتحت عدد من مؤسسات التعليم الخاصة (المدارس والمعاهد والخلاوي) في المدن الإرترية الكبري .

المجال الدبلوماسي

ففي مجال الإتصال بالعالم الخارجي نذكر :-

* أغتيل الشهيد /عبدالقادر كبيري من قبل عملاء إثيوبيا من فرق الشفتا التابعة لحزب الأندنت وهويتأهب لعرض القضية الإرترية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك .

*التقي وفد الرابطة الإسلامية برئاسة الشيخ / إبراهيم سلطان السكرتير العام للرابطة وعضوية السيد /محمد عثمان حيوتي والحاج /إبراهيم محمد علي في القاهرة بالدكتور /عبدالرحمن عزام الأمين العام لجامعة الدول العربية وطالبوه بأن تتبنى الجامعة القضية الإرترية وتساند عدالتها ومشروعية إستقلالها .

*مثل وفد الربطة أمام الجنة السياسية للأمم المتحدة في 20/4/1949م وعرض مذكرة إحتوت علي معلومات مفادها أن الرابطة تمثل أقلبية السكان الذين يبلغ تعدادهم 2250000 نسمة حسب إحصائية اللجنة الرباعية التي أوفدتها الأمم المتحدة وتبلغ نسبة المسلمين 75%من مجموع السكان ، وأن إرتريا لم تكن علي الإطلاق جزءاً من أثيوبيا في يوم من الأيام ، وإذ نفذ مقترح ضم إرتريا إلي أثيوبيا فإن ذلك سيكون مخالفاً ومعارضاً لمبادئ وميثاق الأمم المتحدة، وأن الرابطة الإسلامية ترفض بشدة ضم إرتريا إلي أثيوبيا أو تقسيمها ويشارك الرابطة في هذ الموقف أربع أحزاب سياسية  إرترية ، وأن رغبة إستقلال إرتريا هو مطلب أكثرمن 80%من السكان . وقد رد الشيخ / سلطان ومرافقوه  علي كل الأسئلة و الأستفسارت التي طرحتها اللجنة السياسية ومندوب إثيوبيا في الأمم المتحدة  .

مواقف حزب (الأندنت)

أما حزب (الأندنت)الإتحاد مع أثيوبيا وقوامه من المسحيين فقد تأسس في 1941م برئاسة أتو /تدلابايرو  وقد كانت أهم أهدافه تتمثل في

 (1) الوحدة مع إثيوبيا من غير شروط .

 (2) رفض أي وصاية أجنبية أخرى .

الجهات التي دعمته :-

حكومة الإمبراطور/ هيلي سلاسي التي قدمت له الدعم المادي الكبير عن طريق القنصلية الإثيوبية بأسمرا كما قامت بتوجيه سياساته ورعاية وسائله المختلفة من أجل تحقيق الأهداف المشتركة المرجوة .

ومن تلك الوسائل :-

أ- دعم العصابات الإرهابية المعروفة ( بالشفتا) بالمال والسلاح وتحديد وتأمين مقرات لها للجوء اليها والتخفي فيها في الحدود الإثيوبية ( بعدي أبو ) بإقليم التجراي .

ب- وجهت الكنائس في إرتريا وعلى رأسها بطريك الكنيسة الأرثوذوكسية ( التوهدو) الأب مرقوص فقد كان له دور فعال في توجيه رجال الدين المسيحي في إرتريا لصالح مشروع ضم إرتريا الى إثيوبيا الأم .

ج – وجد الحزب تأييداً منقطع النظير من قبل الأغلبية العظمى من المسيحيين ومناصرة ملحوظة من قادة الرأي فيهم .

نشاطات الحزب على المستوى المحلي :-

1/ كان الحزب يمارس عملاً سياسياً منظماً من خلال الندوات والمحاضرات الدورية في داره بأسمرا ومقراته في مدن وقرى المرتفعات الإرترية .

2/ قام الأساقفة في الكنائس بحث المسيحيين في أيام الأعياد والمناسبات الدينية المختلفة لتأييد الحزب ودعمه بالمال وفي اللقاءات الخاصة في الكنيسة  كان القساوسة يهددون المسيحيين ممن لم يلتحقوا بالحزب أوأولئك الذين يعترضوا سبيله من الوطنيين بحرمانه من تعميد أبنائه أو عقد القران له أو إقامة القداس على موتاه .

3/ كانت العمليات الإرهابية والقتل عن طريق العصابات المسلحة أنجح الوسائل للتخلص من المعارضين للحزب أو إجبارهم لتأييد حزب الآندنت وتخريب وتدمير مناجم الذهب الخاصة بالشركات والأفراد والإغارة على المزارع والمتاجر ونهب الماشية واستهداف الثروة الحيوانية الخاصة بالمسلمين وقتل رعاتها ومهاجمة القرى الآمنة وإلقاء القنابل على التجمعات المسلمة وقد أسفرت تلك الحوادث عن مقتل أكثر من 21 شخص من رجالات الرابطة البارزين كما خلفت أعداداً كبيرة من الجرحى ، ولم تكن الإدارة البريطانية حريصة على تعقب الشفتا أو القيام بإجراءات أمنية تحد من خطرهم .

وقد ذكرالكاتب / رجب حراز في معرض تناوله للقضية الإرترية في فترة تقرير المصير ( أن حركة الآندنت لم تكن ترتبط بالقانون بل إتخذت مثلها الأعلى نجاح الحركة ( الصهيونية ) الإرهابية في أرض فلسطين وبناء (دولة إسرائيل) ، ونجاح حركة المقاومة الإندنوسية والإثيوبية اللتان قاومتا المستعمرين حتى تحقق التحرير لبلديهما ) .

كما أورد السير كندي تريفاسكيس السكرتير السياسي للإدارة البريطانية ( أن الحركة الإرهابية في إرتريا أنشأها (حزب الأندنت ) لجذب إنتباه الدول الكبرى عند تداولها للقضية الإرترية والتأثير عليها وعلى الرأي العام العالمي بإظهار قوة الإتحاديين وتصميمهم على تحقيق أهدافهم بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة )

الرؤى السياسية لحزب الأندنت  :-

*مثل أمام اللجنة السياسية للأمم المتحدة رئيس الحزب / تدلا بايرو في26/4/ 1946م بنيويورك وقال :- ( أن حزبه يعمل لتحقيق أماني الشعب الإرتري بأجمعه ويتمتع بعضوية تزيد على 700,000 مواطن ، وأن إرتريا كانت تؤلف أهم الأجزاء لإثيوبيا منذ آلاف السنين ، وأن المقاطعات الثلاثة (أكلي قوزاي وسراي وحماسين ) تشتمل على 56% من السكان ، وأن الرابطة الإسلامية لاتمثل رغبات أغلبية الشعب الإرتري ، وأن لإرتريا مصالح إقتصادية بجانب روابطها العرقية واللغوية والدينية مع إثيوبيا)  .

ويمكن أن نخلص من تلك المواقف الى الحقائق التالية :-

1/ أن المسلمين وبعض الوطنين من المسيحيين المطالبين بالإستقلال الفوري وضعوا أمام أحد الخيارين  تقسيم إرتريا ، أو ضمها الى إثيوبيا .

أما خيار الإستقلال فقد أُجهض نتيجة لدسائس العنصر المسيحي الإرتري وإرتمائه في أحضان إثيوبيا ، بالاضافة الى الأطماع الدولية التي كانت تري في إستقلال إرتريا إضراراً بمصالحها في المنطقة .

2/ اللجنتان الرباعية والخماسية التين شكلتهما الأمم المتحدة قد إعتمدتا في تقصيها للحقائق على مصادر الإدارة البريطانية والموظفين المسيحيين العاملين في تلك الإدارة ، كما أن توصيات تلك اللجان لم تأخذ في الإعتبار رغبات وآراء أغلبية الشعب الإرتري المطالب بالإستقلال .

3/ إن قرار ربط إرتريا بالتاج الإثيوبي في إتحاد فيدرالي كان في ظاهره حلاً وسطاً بين دعاة الإستقلال ودعاة الوحدة مع إثيوبيا ولكن في حقيقته كان إشارة خفية الى إثيوبيا لتتحين الفرصة المناسبة لإبتلاع إرتريا لأنه أسقط مبدأ تشكيل الحكومة الفدرالية من الدولتين بالتساوي وأكتفى بالنص عليه في الورق كما لم ينص على المرجعية التي طالبت بها الرابطة الإسلامية في حال نقض إثيوبيا لأي بند من بنود الإتحاد الفدرالي أن تكون الأمم المتحدة هي المسؤولة عن تصحيح أي تجاوزات قد تحدث .

4/ لقد نجحت إثيوبيا في تحقيق ما كانت ترمي اليه بإستيلائها على  إرتريا بعد إلغائها لكل بنود القانون الفدرالي حتى تمكنت في 14/11/1962بواسطة عميلها الذليل / أسفها ولدي ميكائيل رئيس آخر حكومة إرترية في العهد الفدرالي  ليعلن بملئ فيه ( عودة إرتريا الى حضن أمها إثيوبيا لتكون المقاطعة الرابعة عشرة ) مردداً نفس عبارات سيده وولي نعمته هيلي سلاسي عند إعلانه إلغاء الإتحاد الفدرالي حيث قال :- ( من الآن فصاعداً لن يكون في هذه المنطقة سوى أمة إثيوبية واحدة ونعلن هنا عن إلغاء الإتحاد الفدرالي الذي فرضته الظروف على إرادة الشعب الإثيوبي الموحد ) .

5/ لم يقف المسلمون مكتوفي الأيدي إزاء محاولات إثيوبيا وعملاؤها ممارسة تقويض الإتفاق وخرق اللوائح والقوانين المنظمة لها فقد أوفدوا المحامي / محمد عمر قاضي الى نيويورك ليقدم مذكرة شكوى تضمنت جرائم إثيوبيا وممارساتها وتدخلاتها المستمرة في الشؤون الإرترية وتحديها لإرادة الشعب الإرتري التواق للحرية والإنعتاق غير أن الأمم المتحدة تجاهلت تلك المذكرة ولم تعرها إهتماما يذكر ، لكن أصداءها كانت قوية في الداخل حيث أحدثت ضجة كبرى وأزعجت الأمبراطور وتضايق مما أحتوته المذكرة فاستخدم دهاءه وخبث عملائه فبعث له برسالة يعلن له فيها أنه سيعالج القضية وتعهد له فيها بالأمان وما أن عاد القاضي الى إرتريا حتى زج به في السجن أسوة بالوطنيين الذين عارضوا سياساته .

في الحلقة القادمة نواصل ،،،،،،،،

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6647

نشرت بواسطة في يوليو 9 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010