حجي جابر: الكتابة عن إريتريا ورطة!

الروائي الارتري حجي جابر (العربى الجديد)

الروائي الارتري حجي جابر (العربى الجديد)

ليلاس سويدان
قليل من الروائيين من يحصل على جائزة مهمة عن عمله الروائي الأول، وفي فترة وجيزة يقف في المقدمة إلى جانب الأسماء الروائية المعروفة. فعلها الروائي الإريتري حجي جابر بعد أن حصل على جائزة الشارقة للإبداع عن رواية «سمراويت»، التي تلتها روايتان هما «مرسى فاطمة» و «لعبة المغزل». يعمل حجي جابر في الصحافة، التي يرى أنه ساعدته على الانتقال بسهولة إلى عالم السرد كما قال «مع التسليم بالمسافة التي تفصل المجالين»، ويشتغل، كما يقول، على مشروع وصفه بقوله: «إريتريا البلد والإنسان والشجر وحجارة الطريق. إريتريا المنزوية في بقعة قصيّة معتمة، رغم كل القرب». حول الرواية والتجريب والجوائز وإرتيريا القريبة البعيدة كان لنا معه هذا الحوار.
◗ في «لعبة المغزل» الكل يعبث بالتاريخ والحدث ويكتب عنه حكايته الخاصة. الرواية كيف يمكن أن تكتب التاريخ وهي تراوح بين الواقعي المشكوك فيه والمتخيل، وهل الرواية تاريخ كما يقال؟
ـ باعتقادي أنّ الرواية ليست معنية بكتابة التأريخ، وأزعم أنّ الروائي لم يحمل على عاتقه يوما هذه المهمة العسيرة. الرواية تسير على حوافّ التأريخ تلتقط منه قضايا الإنسان الهامشية التي لا يلتفتُ لها عادة المؤرخون المهجوسون بأخبار الانتصارات والهزائم الكبرى. التأريخ تلفته أخبار الجموع، بينما تغوص الرواية حتى تصل إلى الإنسان الفرد بهمومه وآماله وآلامه.
التأريخ يتوقف عند الحدث، بينما تنطلق منه الرواية لتصل إلى مغزاه الإنساني، إلى وجوهه المتعددة. الرواية تعيد تعريف معاني الانتصار والهزيمة، الموت والحياة، الاقتراب والبعد والمكان والزمان.
التأريخ أبطاله هم القادة وصانعو الأمجاد، بينما يختلف الأمر في عالم الرواية ليصبح البطل هو كل من يقود النص مهما بدا هامشياً وتافهاً في الحياة الواقعية.
إذاً الرواية لا تكتب التأريخ وإنما تقدّم قراءة جديدة له من زوايا إنسانية ووجدانية، لم تمنحها كتب التأريخ ما تستحقه من التفات.

جهد استقصائي
◗ بذلت جهدا صحفيا استقصائيا لتجويد رواية «مرسى فاطمة» كما قلت في احد حواراتك. المعرفة والرواية كيف يمكن أن تتكئا كلا منهما على الأخرى؟
ـ ثمة فرق بين الأمرين برأيي، ليس بالضرورة أن تُقدّم الرواية أجوبة ومعارف بشكلها المباشر بشكل نصي. قد تُثير الأسئلة عوض ذلك. ما تفعله الرواية بشكل أو بآخر هو التحرك في مساحة التصورات والوجدان. حين أكتب الرواية فأنا أتعلّم ولا أتعالم. ليست مهمتي أن أقدّم المعرفة للقارئ بقدر ما أبحث عنها معه. ما حدث في «مرسى فاطمة» من جهد استقصائي وجمع للشهادات، إنما كان لإتقان الإيهام الذي هو أحد أهم أعمدة النص الروائي. كان ضرورياً للغاية ألا يجد القارئ ثغرة في وصفي لأماكن يعرفها واخترتها أنا كمسرح لشخوصي.

بقعة ضوء
◗ إريتريا المعزولة المنزوية في بقعة قصية كما وصفتها، هي مشروعك الروائي، كيف ترى الكتابة من «خارج المكان»؟ وإلى أي مدى يمكن اعتبار منطقة كتاباتك وخصوصيتها بالنسبة للقارئ العربي نقطة في مصلحتك كروائي؟
ـ عادة ما أكرّر أنّ الكتابة عن إريتريا هي ورطة في حد ذاتها. إذ يصعب الشروع في الكتابة عن منطقة معتمة كإريتريا من دون محاولة التمهيد لقارىء بعيد عنها وجدانياً ومعلوماتياً رغم أنّه يسكن الجوار القريب جداً. وإذا فعلتُ ذلك إلى أي مدى يخصم ذلك من الفنّ الذي ليس كتاباً في الجغرافيا حتى يقدّم نبذة عن عدد السكان والمساحة والمناخ.
لكن من جهة أخرى، كما ورد في سؤالك، كوني أكتب في إريتريا، فأنا أملك ميزة لا يملكها من يكتب عن أماكن معروفة منزوعة الدهشة والرغبة في الاكتشاف. كثيرون قرأوني بحثاً عن بقعة الضوء التي يتيحها أي حديث عن إريتريا فما بالنا لو كان نصّا أدبياً.

الحكم للقارئ
◗ تحدثت عن التجريب في الرواية وقلت ان الميراث الكلاسيكي يقف عثرة في طريقه إضافة لروائيين يخشون اقتحام عالمه ونقاد وقراء ما زالوا تحت سطوته ولكن كثيرا ما تحدثت إلى روائيين وصفوا رواياتهم بالتجريبية! هل تعتقد أن مفهوم التجريب في الرواية يحتاج الى إعادة تعريف؟
ـ للروائي أن يُعرّف ويقيّم عمله كما شاء، لكني لا أجد شيئاً يعتدّ به كتعريف القارىء وتقييمه لأعمالنا. نحن قد نظنّ أننا نُقدّم شيئاً جميلاً ومختلفاً، وقد يكون ذلك صحيحاً بدرجة ما، لكنّ الحكم النهائي برأيي هو للقارىء. هو وحده من سيشعر على أكمل وجه بمستوى التجريب والمغامرة في أيّ نص. لكِ أن تتصفحي الجودريدز على سبيل المثال لتعرفي إلى أي مدى تحفل الأعمال الروائية بالتجريب من عدمه. وبالطبع أنا أتحدث عن مستوى من القرّاء على درجة رفيعة من الوعي، وهم كثر. ومع هذا فحديثي عن ضآلة التجريب لم يكن في إطار التعميم، ثمة محاولات عربية جيدة، لم تستسلم للميراث الكلاسيكي لدى شريحة نافذة من النقّاد والقراء على حد سواء.

عن الجوائز
◗ ساهمت جائزة الشارقة التي حصلت عليها عن روايتك «سمراويت» على اختصار الطريق لك كروائي، ولكن ألا ترى أن جوائز الرواية حولت بعض الروائيين العرب إلى مجرد «صيادي جوائز» وأصبح انتعاش كتابة الرواية فقاعة أدبية لا أكثر؟
ـ برأيي أنّ الإشكال في مكان آخر؛ فوسائل تقدير الأدباء في الوطن العربي محدودة وتكاد تنحصر بشكل أساسي في الجوائز، ولهذا يأخذ هذا الشكل من التقدير الاهتمام كلّه ويدفع البعض لفعل أي شيء مقابله. لو كانت لدينا وفرة في طرق تقدير الكتّاب لعادت الجوائز إلى مكانتها الطبيعية كإحدى الوسائل. في أماكن أخرى على سبيل المثال يكفي أن يكتب عنك ملحق أدبي فتسلّط عليك الأضواء بكثافة، أو تقبل مكتبة عريقة بإقامة حفل توقيع ليكون ذلك سبباً لاصفاف خلق كثير أمام طاولتك، أو يناقش قسم الأدب في جامعة ما روايتك بحضورك فيفتح ذلك أبواباً لا حصر لها من الانتشار. طالما بقي كل ذلك معطلا، ستظل الجوائز هي الأهم، وهي الطريق الوحيدة للوصول، ومن أجل ذلك سنرى من يكتب لها ويعيش ينتظرها.

239335110

نقلاً عن : “عين ميديا

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=37470

نشرت بواسطة في يوليو 14 2016 في صفحة الصفحة الثقافية. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010