حدث في التاريخ الإرتري ومناسبة للذكرى ولكن…!!!

بقلم: أبو همد حريراي

 

من أروع البطولات التاريخية التي سجلها شعبنا الإرتري بدماء أبنائه بطولة تحرير الأرض الإرترية المقدسة من دنس الاستعمار البغيض الذي اهلك الأرض وأنهك الإنسان الإرتري ماديا وبشريا في حروب طالة الأخضر واليابس لمدة ثلاثين عاما من الكفاح المسلح ولم يعرف أبناء إرتريا في طيلة هذه المدة الكلل والمملل عن النصر وكانت أعناق الشعب الإرتري تشرئبّ وترتفع مع كل صوت يصرخ ضد الطغاة الذين اغتصبوا الأرض ودنسوا العرض وكنّا في ذلكم الحين أعزّة بثورتنا الجسورة التي وضعنا فيها كل المستحيل ووهبناها فلذات أكبادنا نبتغى بذلك عزّة الوطن وصون العرض والأهل ونحلم كغيرنا من شعوب العالم بيوم يسمى يوم الاستقلال ولكن ما أن انجلى الاستعمار وانقشع الظلام بدماء أبنائنا وبناتنا وبعرق آبائنا وأجدادنا وظننا أن الوطن تحرر وأن الاستقلال قد أتى وأن يوم الحرية الذي حدّثنا به أجيالنا قد أتى ولكن جلب معه أحداث أخرى لم تكن في الحسبان .

حدث يختلف من حيث المضمون والمعنى ويترك في النفس الكثير من المعاني لأنه يحمل في طياته أجمل ذكريات المناضلين الشرفاء الذين سقطوا في ساحة الشرف من أجل الوطن والإنسان عواتي وجنجر ودنقير وهنقلا وحسب وكبوب وكرجاج …..الخ أسماء خلّدها الوطن في رماله وأحجاره في تلاله وسهوله ووديانه ومسميات خلدنها في دفاترنا وأوراقنا وسيكتبها غدا جيل أمتزج الغضب والحب في ذاكرته ومن أجلهم يجب أن تخلد كل الأسماء في ذاكرة الشعب الإرتري لأنها كانت حقيقة مروعة للعدوا ودرعا للوطن وعونا المواطن الذي كان يرها بعين الكبرياء والشهامة أبطال كان يرى فيهم كل الحاضر والماضي الغابر والمستقبل الذي كان ينتظره ليسمه يوم استقلال .

ولكن ….!!! أي استقلال كسبه الشعب الإرتري ؟ وأي وطن كان يحلم به المواطن الإرتري ؟ في وطنه مهضوم الهوية ومسلوب الإرادة ومكمم الأفواه وفي مهجره يسمى بأسواء المسميات وجودا – اللاجئ- المشرد – الطريد –اللقيط –وهلمو جرّ وكلها ورثناها من شر نظامنا الذي سودناه على وطننا وهذا المسير مالم يكن له تغير وتغيّر حقيقي فالآلام ستتوالى والجراحات لاتندمل بالأمل المتخيل أو بالتباكي على صفحات الماضي وذكريات الشهداء التي نكنّ لها كلّ تقديرنا واحترامنا ونرى فيها كبرياء شعبنا الذي يترقب استقلالا حقيقيا وليس استقلالا مزيفا تعلوه صيحات من الرقص وأصوات من الطلقات النارية بهذه المناسبة النارية في ذاتها ولكنها لن تداوي كل الجراحات الأليمة إذا لم تخطوا خطواتها السليمة إلى الأمام .

حدث يحدّثنا عن شواهد مضت منها العديد من الذكريات ونحاول أن نستعيد فيها ذاكرة الشعب لنغني له لإرتريا يادرة البحر ولاتندم على الدرب قادم من أجل بلادي ، وأغنيات بعدها يتسم بالهدوء لطبيعة أهلها وطبيعة مسكنهم الطيب وبعدها يتسم بالصخب والضجيج لطبيعة الحركات التي تتبعها ولا يحسّ أهلها بالفتور حتى لو طال الليل يزمجرون في حركات وأصوات من يتأملها يظن أن بأهلها حالة من الهذيان ولكنه أي هذيان فرح ونشوة يمتزج معه الألم ليتحول هو الآخر إلى أصوات هذا ما استخلصناه من تجربة الأعياد ولم تغيير الاحتفالات بالرغم ما لها وما فيها من نشوة الفرح من حالة البؤس والفقر والتشرد والبرد والحر والإساءة والسجون والقيود وكثير ة هي المعاناة فهل الحدث جدّد شيء في ذكرنا وذاكرتنا نأمل أن نرى احتفالات شعبنا بيوم نصره الحقيقي على ذاته وعلى سلطاته وعلى قوى الشر التي هيمنة عليه منذ أن تولت عصابة أفورقي نظام اسمرا لم يعرف الشعب للحرية طعم ولا للوطن طعم ونحن نقول هذا نيابة عن ألوف البائسين الذي لا يصل إليهم صوت الصخب ولا صوت الطرب الذي يتمتع به البعض بمناسبة الذكري الرابعة عشر لعيد استقلالنا المجيد .

مناسبة لها في نفوسنا ما يملأ إرتريا إشراقا وبهجة ومناسبة لها في نفوسنا ما إن عبرنا به ظننا أننا لم نوفيها حقها كما ينبغي ولكن ….. ولكن ….ولكن …..كيف نسميها هذه المناسبة ونحن نرى كل يوم عبر الحدود شريدا جديدا وطريدا فريدا إن نجا من الموت على يد العصابة الحاكمة في إرتريا لن ينجوا من كلمات المستقبلين له في الوطن الآخر وإن نجا منهم فلن ينجوا من حالة البؤس التي تلازمه وهو بعيد عن وطنه وأهله بعد أن أفنى كلّ عمره في سبيل وطن تتجاذبه تيارات لا يعرف أين سيستقرّ بها المقام وهنا نحكى عن حال المواطن وبلسانه القائل آه ياوطن …آه ياوطن يا ليت لم يحكموك!! فهل بعد هذا من ألم أو جراح عندما يبكي المواطن من أبناء وطنه وقد سالت دماء ودموع أهله في تربة ذلك الوطن تكون العزة جحيما وتكون الذكرى أليمة ويكون الحدث مؤلما فهل من المعقول أن يبكي الإنسان يوم الاحتفال بعيد ميلاده ؟؟

حدث يأتي في ظرف دولي وإقليمي شديد الخطورة على العالم كله بعد سيطرت القطب الواحد الذي ألغى كل معايير القيم الإنسانية وأراد أن يصيغ الحياة وفق معاييره هو وكما يريد هو : فساق إلى الأوطان زبانيتة من أسافل القوم لو بيع أحدهم بنفقة واحدة لما سويها ولكن السوق اليوم هو سوق عالمية معولمة في كل شيء حتى حب الوطن دخل في بورصة العولمة فمن أراد أن يشتريه لابدّ أن يمرّ على السوق الغربية وإلاّ ستحدث له مضاربة وسيكون هو الخاسر في نهاية المطاف كما ذكر لي أحد الأصدقاء حين تجاذبنا الحديث عن الوطن قال: أنتم متخلفون مازلتم تتحدثوا عن الرعيل وعن جبهة التحرير وعن الأسرة المحافظة والبنت الملتزمة والبيت الذي يتكون من أسرة يضبطها الرجل أين أنتم ؟؟؟ في وهم وفي تخلف وفي جهل !! فرددت عليه إن الذي حدث في إرتريا يقال له (( منكُور )) ونحن إذا كنا نتحدث عن عواتي وجنجر وكبوب وغيرهم من الأبطال الشرفاء هذا قدرنا فيما كنا نؤمن به أما ما جرت به عادة هذه الأيام من حب الشوارع وكشف السيقان ولبس الجنزي وتفكيك البيت فهذا لايمثل سوى حدث عابر مثل أحداث الاحتفالات التي تقيمها الحكومة الإرترية تظنّ أن الشعب الإرتري يحتفل بفرحة الاستقلال وهو يحتفل بكراهية الاستعمار فما كان الحدث إلاّ ذكرى وما كانت الذكرى إلاّ أليمة وحزينة لأنها لم تكمل الفرحة في نفوس المواطنين ولا في روح الوطن الذي توشح بالدماء الذكية الطاهرة .

حدث يأتي في ظرف دولي ملأ فيه صوت الديمقراطية العالم كله ونحن في مرحلة أقرب ما تكون إلى مرحلة ستالين أو مرحلة من ورثنا النظام الدرق الذي حشر الشعوب المحب للحرية في زنزانات الموت حتى فقدت حياتها ولكن شعبنا لن يموت فانتفضنا ونفضنا غبار الظلام ودفعنا في سبيل الوطن أغلى ما دفعنا ولن نقول خسرنا بحساب الزمن وإن كنا خسرنا بحساب الرقم فالوطن كان عندنا أغلى من أي شيء والوطن سيظل عندنا مقدس كقداسة النفوس التي بين جنبات حاملها ولن نبخل بها في سبيل الحرية التي رسمنا لها خطا الموت ومن ظنّ أن الوطن سيبقى في المجموعة المتسلطة قد جانبه الصواب ويحتفل اليوم بعيد …..وليس بعيد الاستقلال استقلالنا هو استعلاؤنا ولن يكون بعيدا مادام الدم ينزف والمسير مرير فلن يكون التحرك طويل ومن يظن أن الشهداء أصبحوا ماضيا نقول لهم إن شهداء الثورة الإرترية تتجدد دماؤهم في نفوس ذويهم ومحبيهم يوما بعد يوم وأن السجون التي امتلأت بشرفاء الوطن ستكون يوما رمادا ولن نبقي فيها إلاّ من كان أهلا لها وأن الشعب الإرتري سيعود إلي وطنه ودياره عزيزا مكرما وليس شريدا مسلما فلتصدق كل القوى الوطنية ولتصدق كل الأقلام مع ذاتها ومع مسيرتها النضالية حتى يتحرر الوطن ونحتفل بعيد الاستقلال…..

homdhriry@yahoo.com


روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6102

نشرت بواسطة في مايو 26 2005 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010