حزب جديد بتفكير جديد

الأخوة والأخوات/ يسعدني كثيراً أن أتقدم اليكم بموضوعي الذي هو تحت عنوان (حزب جديد بتفكير جديد )، ومكمن سعادتي هو أنني على ثقة تامة أنكم سوف لن تتلقوا مقالي تلقياً سلبياً، إنما سوف تثرونه بإسهاماتكم التي أثق تماماً في قدراتها العالية وتناولها المبدع، سواء كان ذلك تصويباً، تعديلاً أو تطويراً للموضوع.

 

إن موضوع (حزب جديد بتفكير جديد ) يذكرني بمقولةٍ للعالم / ايلبرت انشتاين، حيث قال في إحدى المناسبات: ( إن المشكلات التي تواجهنا اليوم، لن نستطيع حلها بذات مستوى التفكير الذي كان سائداً لدينا حين صنعنا تلك المشكلات أو جابهتنا )، وأنا في الحقيقة أتفق مع هذه الفكرة العبقرية بنسبة مئة بالمئة، فعندما نتلمس الطريق الي حل مشكلاتنا الراهنة، فإننا ما لم نتحرر من قيود تجاربنا السابقة وما تمخض عنها من آثار سلبية، ثم نطور ونصنع أفكاراً جديدة، فسوف لن نكون بمأمن من أن ندخل في متاهة لن نجد منها مخرجاً بحال من الأحوال.

 

إن ما نشأ وتطوَّر خلال مرحلة الكفاح المسلح من أساليب للتفكير أو للتنظيم ( التأطير )، لعب في عصره دوراً تاريخياً هاماً، وعلى ما شاب تلك المرحلة من إيجابياتٍ أو سلبيات، أوصلتنا في نهاية المطاف الي هدفنا الأول، أي تحرير أرضنا، بيد أن ظروف اليوم قد تغيرت، فما استجدَّ بعد التحرير من مشكلات وبيئة سياسية جديدة، لن نتمكن من حلها أو التعامل معها بنفس أساليب التفكير والتنظيم التي مضى زمانها وسبق أن استخدمناها في مرحلة كفاحنا التحرري.

 

كما نعلم جميعاً فإن السياسة الارترية نمت وترعرعت في خضمِّ المرحلة التحررية وفي أحضان السلاح، وبالتالي يجب ألا ننسى أن تلك الظروف قد تركت على طرق تفكيرنا أثقل الآثار، لذلك فإن أساليبنا في التفكير، التنظيم ( التأطير )، نظام عملنا، لقاءاتنا ( علاقاتنا )، حل نزاعاتنا يجب أن تخضع للدراسة والتدقيق من حين الي آخر، إننا بحاجة الي أن نراجع أنفسنا بدقة لنتأكد من خلوِّنا من جرثومة أننا ما نزال أسرَى مرجعية القانون والتفكير العسكري الذي ترسخ لدينا في غفلةٍ من الزمان.

 

في القانون العسكري إذا انتصر طرف فإن الطرف الأخر لا بد أن يكون قد انهزم، أي إن انتصار طرف يعني بالضرورة انهزام الاخر، كما أن المكسب هنا يعني خسارة الآخر، وإذا حدث أن توازنت القوة بين الطرفين وتعادل الطرفان مكسباً وخسارة، عندئذٍ تحدث المساومات وتعقد الصفقات، ويتم التوصل الي الحلول الوسط المرضية للطرفين، حيث يحدث حالة من الاستقرار المؤقت، ولكن يحدث الكثير من التحركات والكل داخل حصانة الهدنة المؤقتة هذه، وبالتالي نجد الكل يسعى الي تغيير الأوضاع لصالحه عبر إعادة ترتيب وتوفيق أوضاعه الداخلية، يجري ذلك كله من أجل إعادة الأوضاع الي وضع المنتصر والمهزوم، علي أنني لست هنا لتلقينكم دروساً في العلم العسكري، بل أقصد التركيز علي أن نكون حذرين من ألا تصطبغ حياتنا السياسية بهذا اللون من التفكير، يجب أن نتحقق جيداً من ألا يكون هذا القانون العسكري هو السائد لدى كلٍّ من تنظيماتنا على حدة، أو داخل معسكر المعارضة عموماً، يجب أن نناضل لنطور تفكيراً جديداً يناقض هذا التفكير، لنتمكن من ثم من استرداد الثقة ببعضنا البعض، والتي كان التفكير السابق قد هدم جسورها بيننا، ولننتقل بعد ذلك الي خلق الأجواء الملائمة للوصول الي أعلى شكلٍ من أشكال الائتلاف الحزبي والعمل المشترك.

 

من المؤكد أن الحزب الجديد يستدعي وجود تفكيرٍ جديد وهذا بدوره يتطلب وعياً سياسياً جديداً يلائمه، ولا شك أن مناقشاتنا الراهنة مما يساعد على خلق ذلك الوعي، وإجراء مثل هذه المناقشات الحرة في كل مواقعنا سوف يساعدنا على تفحـُّــص مشكلاتنا بأساليب جادة وجديدة.

ولكي ننتقل بكل الجد الي بيئة واعية وجديدة، يجب في المقام الأول أن نتخلص من تجريم الآخرين وتقديم الحديث عنهم على الحديث عن أنفسنا، وأن نعد ذلك تقليداً بالياً قد أكل عليه الدهر وشرب، وعليه يجب أن نركز في منتدانا هذا على الحديث عن قصورنا الذاتي، أفراداً كنا، تنظيمات أو جمعيات، وذلك للبحث عن معالجات ناجعة لذلك القصور وتلمس المخرج منه ومن كل نواقصنا، على أن ننتقل من ذلك الي تطوير تفكير جديد يمكــــِّـــننا من جمع وتقديم الآراء التي تساعدنا على اكتشاف أشكال تنظيمية جديدة.

 

أيها الأخوة والأخوات:

إننا في داخل جبهة التحرير الارترية/ المجلس الثوري، عندما نلقي نظرة علي أهداف شعبنا الكبرى التي تنتظر منا الإنجاز، نجد أن إطارنا التنظيمي الراهن في غاية الضيق عنها، أي إننا بحاجة الي مواعين تنظيمية وأطر نضالية أوسع، صحيح أننا نرى الكثير من الزملاء الذين لهم آراء مماثلة لآرائنا يقومون بذات الأعمال والنشاطات التي نمارسها نحن ولكن في أطر تنظيمية أخرى، بيد أننا لا ندرك حقيقة الأسباب التي تجعلنا نستهلك الجهد والوقت في القيام بذات النشاطات في أطر تنظيمية مختلفة، نحن من جانبنا على استعداد لحل هذه المشكلة بأسرع ما يمكن، وجاهزون للتحاور والتفاهم، ليس ذلك فحسب، بل نعمل داخل تنظيمنا دائبين على أن يكون تنظيمنا جاهزاً وملائماً للتوحـُّــد والانتقال الي إطار تنظيمي أوسع، كما نبحث وندقق كثيراً في أساليب تفكيرنا كي تتلاءم مع أقصى مستويات الانسجام والتأطــــُّــــر والثقة المتبادلة.

 

 أيها الأخوة والأخوات:

إننا في داخل جبهة التحرير الارترية/ المجلس الثوري، عندما نقيــِّــم أوضاعنا الماضية والحالية وننظر الي الأمام فإن سياسة الطريق الثالث هي التي نراها مناسبةً لنا، وبالفعل هناك بعض الأخوة الذين أثاروا من قبل موضوع سياسة الطريق الثالث، بيد أن طرحهم يختلف قليلاً عن ما نود طرحه الآن، فهم يصفون تجربة نضال الجبهة والشعبية ( جبهة التحرير الارترية والجبهة الشعبية لتحرير ارتريا ) بالسلبية ويدعون الي اتخاذ خيار ثالث يلغي تلك التجربة، نحن أيضاً نرى أن نضال الجبهة والشعبية قد انقضى عهده، بل نعد النضال بروح الجبهة والشعبية في المرحلة الراهنة سباحةً في بحر التفكير البالي، بيد أن ذلك لا يعني نفي أية قيمة عن نضالات الجبهة والشعبية، فسوف تبقى بطولات الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا التي سطرتها ضد الاحتلال الأجنبي في الساحل ومصوع وأماكن ومواقع ارترية أخرى سجلاً تاريخياً رائعاً وتجربةً نضالية تشرفنا جميعاً، وكذلك الحال مع بطولات الجبهة في تقوربا ومرب وسمبل، وسيذكر الجميع الي الأبد وبكل الإجلال أولئك الذين ضحوا في تلك البطولات بحياتهم، بأعمارهم، بأموالهم أو ممتلكاتهم. إن ما لا نريد أن نحتفظ به أو نحافظ عليه هو الجانب السلبي من ذلك السجل التاريخي، ذلك أن هذا الشق من التجربة هو الذي يجعلنا نقضي حياتنا في المكايدة والتنافس غير الشريف، والمرحلة الحالية تتطلب اتخاذ طريق سياسي جديد لا هو بالجبهة ولا هو بالشعبية، هذا الطريق الثالث في الوقت الذي يحترم فيه الجوانب الإيجابية والبطولية في تاريخ كل التنظيمات الارترية، يحرص على تصحيح العلاقات السلبية التي كانت سائدة بين تلك التنظيمات وترتيبها بشكلٍ جديد، أسلوب التفكير الجديد في الحقيقة لا يقتصر على ما تقدم آنفاً فقط.

 

فكما تلاحظون جميعاً هذه الأيام، بدأ يبرز على مسرح السياسة الارترية العديد من الرؤى المتطرفة، وكثيراً ما نجد أنفسنا في حاجة ماسة الي الطريق الثالث عندما نريد معالجة تلك المشكلات الناجمة عن تلك الآراء وتخطـِّــيها والتقدم الي الأمام، فلمعالجة بعض الميول السياسية من نوع الاسلام، المسيحية وما الي ذلك، نجد الطريق الثالث يسعفنا بالسياسة الوطنية العلمانية، وعندما تبرز مشكلة الحكم، وأن يكون مركزياً أم لا مركزياً، يمنحنا الطريق الثالث المخرج المتمثل في اتباع الحكم اللا مركزي في إطار ارتريا المحافظة على وحدتها، لحل إشكالية صراع الأجيال الشابة والمعمـِّــرة في العمل السياسي أيضاً نجد أن الطريق الأمثل يتمثل في الدمج والانسجام بين الجيلين في ذلك العمل، أما فيما يتعلق بالاتجاهات الاشتراكية أو الرأسمالية في الاقتصاد السياسي، فالطريق الثالث هو تقبــُّــل النظام الاقتصادي الرأسمالي كأمر لا بديل عنه والنضال بعد ذلك بقوة لتحسين ظروف قطاعاتنا المتضررة، هذه مجمل أفكاري في هذا المجال، ولكن أرجوا أن تسمحوا لي بإيضاحها أكثر بشيء من التفصيل.

 

1-  لنناضل من أجل إنجاز مبدأ النصر، النصر، النصر

إن المرحلة الحالية تتطلب التحرر من روح وتفكير المرحلة التحررية والتركيز أكثر على قضايا السلام والعدل والديمقراطية، وأن تخضع علاقاتنا الداخلية في معسكر المعارضة الوطنية لقانون أو مبدأ النصر، النصر، النصر، وهذا في التطبيق العملي يعني أن ننتصر نحن وأن ينتصر زميلنا أيضاً، بل أن ننتصر جميعاً بانتصار وتقوية العلاقة بيننا والآخر، ذلك أن انتصارنا وانهزام زميلنا أو العكس يعني خسارتنا جميعاً، وكل اتفاق ندخله بنصف إرادة وعبر مساومات خوفاً من الخسارة فسوف يكون اتفاقاً شكلياً فقط وسرعان ما ينفرط دون أن يمكــِّــننا من إنجاز عملٍ ذي بال سواء من الناحية الفكرية أو التطبيقية، إننا ما لم نكن جادين وعاملين بكل مبدئية علي إنفاذ ما اتفقنا عليه، قد نقوم بتعديل أو تغيير اتفاقية المساومة والعمل من ثم على تغيير الشروط لصالحنا وبالتالي تسجيل نصر على الطرف الآخر، من الممكن جداً أن يحدث ذلك، وهذا عين الوقوع أسرى بعض تقاليد مرحلة الكفاح المسلح.     

          

بيد أن مبدأ النصر، النصر، النصر يمكن أن يقدم لنا حلولاً أفضل من حلول المساومة، فأنت عندما تقرر العمل بهذا المبدأ يجب أن تعمل وأنت تفكر في انتصار الكل، أي أن تنتصر أنت وينتصر في ذات الوقت زميلك وتحققان معاً نصراً مشتركاً أكبر، أما مبدأ المساومة فلا يتقيد إلا بميزان القوة، فإذا حدث تغيير في هذا الميزان تسقط اتفاقية المساومة بشكل تلقائي، على أن ذلك لا يعني أن مبدأ النصر، النصر، النصر لا يقيم وزناً لموازين القوة، فالقوة ليست بالثروة التي توهب هكذا مجاناً وبلا تعب أو اجتهادات ذكية، والضعف يدل على نقصٍ في القدرات المادية أو المعنوية للطرف الضعيف، وقد يكون من عوامل الضعف التقصير والتفريط في الحصول على عناصر القوة الذاتية أو الموضوعية، مبدأ النصر، النصر، النصر بدوره يسمح لمن حصل على القوة بجهده وجدِّه واجتهاده أن يستمتع بثمار ذلك الجهد، ولكن مبدأنا هذا يعتبــــِـــر أن منطق العدالة هو المرجعية وليس منطق القوة وما يترتب عليه من مكاسب، مبدأ النصر، النصر، النصر يمكـــِّــــنك من العمل المشترك وبناء الثقة المشتركة والتقارب وصولاً الي أعلى شكلٍ وحدوي، مع السماح لك بالتعرُّف الدائم على كل العناصر الوفية والمخلصة في العمل العام، ولا يعني ـ أي هذا المبدأ ـ الرجوع الي الوراء، الي أجواء عدم الثقة والتمزُّق والتقوقع.

 

2-  النصر يبدأ بأنفسنا:ـ                 

مبدأ النصر، النصر، النصر يجب أن يبدأ بانتصارك على نفسك، تنظيمك، جمعيتك، أما ما كان سائداً في تجربتنا السابقة فهو أمرٌ محزن، فقد كان معظم الانقسامات في الثورة الارترية، يحدث عند التوجه نحو وحدة أشمل وأكبر، كان الأمر أقرب الي خسارة ما باليد للحصول على ما في الغيب، لذلك يجب أن نتعلم من أخطائنا، يجب أن نكون على استعداد لأن نبدأ بحل المشكلات داخل تنظيماتنا، جمعياتنا بكل الجد والمسئولية، وحلنا لمشكلاتنا الداخلية ونجاحنا في ذلك يعني تأهـُّـــلنا للوصول الي نجاحاتٍ وانتصاراتٍ أكبر، وعندما نصل الي أوضاع داخلية مريحة ومطمئنة، بالتأكيد سوف نتمكن من التأهــــُّـــل لعمل وحدوي أكبر.

 

بالإضافة الي ذلك، فإن بدء الانتصار بالانتصار على النفس يعني الخروج والتحرر من عاداتنا السلبية السابقة، إن ما كنا نمارسه في السابق من عادة تضخيم أخطاء الآخرين، يعني عدم التركيز على قصورنا ونواقصنا، وبالتالي عدم الاعتناء بمعالجتها المعالجة المطلوبة، كما يعني أيضاً اعتقادنا بأن كشف أخطاء الآخرين يعني أننا نحتكر الصواب، وهذا التكتيك قد أدخلنا الي سلسلة من المكايدات المنهكة لنا جميعاً، حيث كانت آذاننا في شغلٍ عن الاستماع الي بعضنا البعض، كان الكل يقول ما يريد ولا استعداد له للاستماع الي ما يريده الآخرون، أما اليوم فنحن في عصرٍ يتطلب منا أن ندقق ونراجع تفكيرنا المرة تلو الأخرى، مبدأ النصر، النصر، النصر يطلب منا إذا أردنا أن نكون من حواريِّي التغيير أن نبدأ بخلق البيئة الملائمة لتقبــُّـــل التغيير في أنفسنا أولاً، كذلك عندما نهدف الي تحقيق النصر المشترك يجب أيضاً أن نناضل بقوة لخلق البيئة الملائمة لذلك في أنفسنا وتنظيماتنا في المقام الأول، إنه مبدأ يتطلب أن ننجح ونساعد زملاءنا على النجاح لنحصد معاً قدراً أكبر من النصر والنجاح.

 

إننا في تجارب الأمس السالبة، كنا إذا شهدنا نجاحاً لغيرنا نسبةً لقصورنا الذاتي كنا نعيق ذلك النجاح بدلاً من أن نعده نجاحاً مشتركاً لكلينا ونقوم بمساندته وتعزيزه، لقد كان ذلك تستراً بشعار العمل العام والقيام في ذات الوقت بكل ما ينافي ذلك العمل، إن العمل المشترك لن يتأتَّى بالتذاكي على بعضنا البعض ولا بالتخابث والتآمر، إنه فقط يتأتي عبر النية الصادقة لبناء الثقة المشتركة، لذلك يجب أن نناضل بقوة لخلق الثقة بالذات، ثم بعد ذلك نناضل بقوة أيضاً لكي تكون أساليب تفكيرنا، عملنا، علاقاتنا باعثةً على الثقة ومبنية على المصداقية، ثم نعمل بدأب على مساعدة زملائنا ومنحهم الثقة، وإذا اتبعنا هذه الطريقة الموضوعية فإن الثقة المشتركة لا محالة سوف تبنى وتتقوَّى، وهذا فقط هو الطريق الي الثقة المشتركة ولا طريق غيره.

 

الأخوة والأخوات:

إذا أردنا التغيير يجب أن نستعد لذلك بإجراء التغيير في ذاتنا أولاً، وذات الشرط ينطبق على أمانينا في الوحدة والنجاح، على أن نتعقب بعد ذلك نوايانا الحسنة بالتطبيق العملي.

 

3-  لنؤطر قدراتنا من أجل النجاح والنصر الأكبر

إن النجاح الأول هو نجاحنا في معالجة قصورنا الذاتي، الثاني هو قدرتنا على مساعدة زملائنا في الوصول الي النجاح أيضاً، أما الثالث والأكبر فهو النضال معاً لإنجاز الهدف المشترك، إذا نجحنا في معالجة قصورنا الذاتي فإن ذلك يعني أننا قد وضعنا أقدامنا على سـُــلـــَّــــم النجاح الأكبر، وبهذا نكون قد قطعنا نصف المشوار، وكل من نجح في معالجة قصوره الذاتي، فرداً، تنظيماً، كان أو مجموعة فقد نجح في خلق الظروف الملائمة للنضال المشترك.

 

نحن الذين نمتلك برامج متماثلة، ونعمل في أطر منفصلة يجب أن ننتبه الي أننا بذلك نهدر طاقاتنا في غير طائل، قد نتهيـــَّـــب الانتقال من دوائرنا الضيقة التي نراها مناسبةً لنا الي الأطر الأكبر والأوسع، بيد أن تقوقع الكل على إطاره غير المجدي نفعاً والبقاء حيث هو مخافة التغيير لن يقود أحداً الي النجاح أو النصر، لذا يجب أن نحارب هذا الخوف والتهيــــُّــب غير المبرر سواء على المستوى الشخصي أو التنظيمي، علماً أن أمر هذه المحاربة عاجل لا يقبل التأجيل، لذلك وابتداءاً من هذه اللحظة يجب أن نبدأ بمحاسبة أنفسنا وتنظيماتنا، ولنناضل من ثم لتهيئة أنفسنا وتنظيماتنا للدخول في أوسع وأعلى إطار تنظيمي، ولنعالج بالحوار وبأسرع ما يمكن كل المشكلات المعيقة لذلك، لنسعى الي الدخول في عمل يبعث على الثقة ولنعط شعبنا الثقة والأمل.

 

إنني أناشد منتدى 2007م أن تكون رسالته الكبرى هي توجيه النداء للتنظيمات ذات البرامج المتماثلة الي اتخاذ خطوة عملية عاجلة نحو الوحدة، إذ إن إهدار الوقت يعتبر إسهاماً في إطالة أمد معاناة شعبنا، كل التنظيمات القادرة على الاندماج معاً خلال هذا العام مدعوة الى الاندماج الفوري في حزبٍ واحد، أما التنظيمات غير المؤهلة لذلك فعليها أن تنخرط في أعلى قدر من النشاط التنسيقي مع الآخرين.

 

4-  من الذي يقودنا؟

في الثورة الارترية كانت معضلتنا الكبرى ذات علاقة بمسألة القيادة، ونسبةً لأننا لم نجد بعد الحل الأمثل لهذه المشكلة فنحن ما نزال نعاني من آثارها الضارة، للإجابة علي سؤال من يكون القائد، أنا شخصياً أختار الإجابة المختصرة والتي تفيد بأن القيادة يجب أن تكون من نصيب الكفء، إذ إننا ما لم نضع على قمة المسئولية قادة ذوي كفاءة، فإن نضالنا لن ينتصر أو يبلغ مرامه، إننا بحاجة ماسة لقادة ذوي كفاءة لمعالجة كل المشكلات والنواقص النابعة من أساليب التفكير، العمل، العلاقات البينية وغيرها من المسائل، علماً أن اللا مبالاة تجاه هذه القضية الحساسة تعتبر لا مبالاة تجاه قضيتنا النضالية.

 

من أوصلونا الي هذه المرحلة من قادتنا السابقين، بكل إيجابياتهم وسلبياتهم، بالطبع يستحقون منا كل الإشادة والتقدير، لتحملهم مسئولية القيام بأعباء القيادة في أدق وأحلك الظروف، كما أن ذلك لا يعني أن دورهم قد استنفد صلاحيته، إذا كانوا ما يزالون مستعدين للعطاء بما يتلاءم وتغيــــُّـــرات المرحلة الراهنة، أما من يقللون من شأنهم وتضحياتهم الجسيمة لمجرد كبر سنهم، فأولئك في قرارة أنفسهم لا يفعلون ذلك حباً في التغيير.                  

              

إن القادة الجدد يجب أن يحترموا القادة القدامى والمخضرمين، لا أن يستهينوا بما بذلوا من تضحيات في زمنٍ عزت فيه التضحية، وإذا ما انغمسوا في ذلك فهم بدورهم يغرقون في بحر المزايدات والمكايدات، إن قولنا بضرورة إيجاد قادة كفوئين لا يعني بالضرورة أن يقتصر الأمر على القدامى أو الجدد، بل الأمر يعني كل الأجيال، ولا شرط لدينا سوى الكفاءة والقدرة على التأقلم مع ظروف ومتطلبات المرحلة الراهنة والسير بنا الي الأمام.                

                                                           

متطلبات المرحلة القيادية الآن هي أن يكون القادة قادرين على تنسيق كل الطاقات الوطنية وتوجيهها الوجهة الصحيحة، يجب أن يكونوا قادرين على الاستفادة من كل فرصة تتاح أمامهم عالمياً، اقليمياً ومحلياً، مواكبين للعصر، مستعدين للتعلــــُّــــم والأخذ من الآخرين وبذل خبراتهم في كل ما بإمكانهم البذل فيه.   

 

بعض الأخوة قد يــُــبدون تحفظاً على القول بضرورة أن تراعَى الكفاءة في تولِّي المناصب القيادية متخوفين من أن يضر ذلك بالتمثيل الاجتماعي في توزيع المناصب القيادية. هنا يجب أن نتساءل لأي العاملـَــيــْــن يجب أن تعطى الأولوية؟ للكفاءة أم للتمثيل الاجتماعي؟ إذا اخترنا الأخير، فسوف لن نأمن شر الوقوع في الأخطاء القديمة، أو الانزلاق الي مستنقع الأمراض والنعرات التنظيمية، الطائفية والجهوية، إذ سنضطر عند استخدامنا لهذا الخيار أن نساند شخصاً ما لتولي المسئولية القيادية فقط لانتمائه التنظيمي، الطائفي أو الجهوي بغض النظر عن كفاءته أو عدم كفاءته، وبالتالي نكون قد تورطنا في وضع قادة عديمي الكفاءة على قمة هرمنا القيادي، للخروج من هذا المأزق، يجب أن نعطي الأولوية للكفاءة مع مراعاة التمثيل الاجتماعي، وحتى عند اختيارنا للأشخاص لتمثيل تنظيماتهم، طوائفهم الدينية، قبائلهم أو جهاتهم الاقليمية يجب أيضاً أن نراعي الكفاءة في الشخص المختار، أي ضرورة أن يكون ذلك الشخص أهلاً لتحمل مسئوليات المنصب القيادي المـُـناط  به، إننا بحاجة الي قياديين أكفاء يعكسون تنوعنا الاجتماعي، وإذا استطعنا الحصول على قادة من هذا الطراز يعملون معاً بانسجام وتناسق، فسوف يمكننا اجتثاث معضلة القيادة التي ظللنا نعاني منها حتى الآن من جذورها.

 

5-  أي شكلٍ نختار لأسلوب أدائنا؟

   أسلوب أدائنا العملي هو الآخر لم ينجُ من الآثار الثقيلة التي تركتها مرحلة كفاحنا التحرري على مجمل أوضاعنا، فقد تعودنا في عملنا على تعاطي أسلوب الآمـِــر والمأمور، كما أن بعض مشكلاتنا في هذا المجال تعود بجذورها الي مستوى تطورنا وبعض تقاليدنا المتخلفة التي تحكمنا كمجتمع، ومع أننا قد بذلنا في تلك المرحلة جهوداً مقدرة لإدخال المركزية الديمقراطية في أدائنا وحققنا أيضاً مكاسب كبيرة في هذا الحقل، إلا أننا لم نحقق بعد تغييراً جذرياً يرضي طموحنا، لذلك لم نتخلص بعد مما تعودنا عليه من أداء.

 

ما دمنا نناضل لإجراء تغيير اجتماعي يجب أن نجري تغييراً في أسلوب أدائنا، يجب أن نحارب المتخلف من موروثاتنا الاجتماعية المتخلفة جنباً الي جنب السلبي من تقاليد مرحلة الكفاح التحرري، يجب أن نثقف قادتنا، كادرنا، قواعدنا بأساليب الأداء العصرية، على أن عون الخبراء والأكاديميين في هذا المجال مطلوب للغاية، يجب عليهم إعطاء كورسات تأهيلية عاجلة وناجعة، أما ما يجب التركيز عليه في مجال تطوير أدائنا هو العلاقة بين القائد والمقود، إذ ما لم يعالج هذا الشأن بما يدخل الحيوية الي هذه العلاقة فلن نتمكن من إنجاز عمل فعال، قد يكون أسلوب الآمر والمأمور مفيداً في العمل العسكري، أما في عملنا السياسي والتنظيمي المعاصر فلا فائدة ترجى منه، يجب أن نقيم نظاماً متطوراً يعتمد على المركزية الديمقراطية وتنبني فيه العلاقة بين القائد والمقود على أساس التفاهم، وفي الوقت الذي نرفض فيه أسلوب الإملاء يجب أيضاً أن نتنبه الي الحذر من الوقوع في الأسلوب الآخر المعيق للعمل والذي هو القول بإعلاء دور القواعد وجعلها صاحبة القرار الحاسم، حيث يجب التحديد الدقيق لأين ومتى يكون دور القواعد هو الحاسم، وما دامت القيادة منتخبة من القواعد يجب ألا يسمح بتهميش دورها وتقييد حركتها ومرونتها العملية بالتعلل بأن القواعد هي صاحبة القرار، علينا أن نكون حذرين تجاه هذا الأسلوب الذي يمكن أن يقودنا الي الفوضى واللا قانون. 

 

بما أن لأسلوب أدائنا العملي الدور الحاسم في إنجاز أهدافنا يجب أن نناضل بقوة من أجل تحديثه وتطويره باستمرار.

 

6-  لنؤسس الحزب الجديد بأسرع ما يمكن

عندما نتفحص بدقة مشكلات أساليب أدائنا العملي والقيادي في المرحلة الراهنة، يتبين لنا أن نضالنا الراهن يتطلب إدخال ترتيب جديد للعلاقات بيننا، يجب أن نعلم بلا مواربة، أننا بدون تأسيس حزب شعبي ديمقراطي مسلح بأسلوب جديد في التفكير، لن نتمكن من تأهيل قادة أكفاء، ولا تجويد أدائنا العملي، كما لن نستطيع نقل علاقاتنا الي أعلى مستوى متطور وباعث على الثقة.

إن تأسيس الحزب ضروريٌّ لقيادة نضالنا الراهن بكفاءة، والاستعداد لتكوين الحكومة التي نقيمها بعد إزالة النظام الدكتاتوري القائم، على أن يكون الحزب الجديد متحرراً من عقلية الحسابات الضيقة وأن يؤسـَّــس بشكلٍ يجعله جديراً بثقة الجميع.

 

إن تأسيس الحزب الجديد يجب أن يصحبه ويدعمه الالتزام التام بمبدأ النصر، النصر، النصر السالف الذكر سواء من حيث أساليب التفكير أو من حيث أساليب الأداء التطبيقي، كذلك رفع درجة الثقة بيننا الي أعلى مستوياتها. إذا ما عملنا على معالجة وتقويم الرؤى المتطرفة الي جانب تطوير سياسة الطريق السياسي الثالث، وإذا ما استطعنا العمل بالتنسيق بين أقوالنا النظرية وأفعالنا على أرض الواقع، فلن يكون بمقدور أحد إعاقة أن نناضل سوياً مؤطـِّــرين أنفسنا جميعاً في إطار حزبٍ واحد، وإذا وجد ما يعيق من الأسباب فإنني على ثقة من قدرتنا على إيجاد المعالجة الملائمة من خلال التحاور والتشاور، وذلك لأننا اليوم أفضل بكثير مما كنا عليه بالأمس، حيث تعلمنا الكثير من تجاربنا.

 

7-  من الذين يعمل الحزب على حماية مصالحهم ؟

بعض الأخوة يتساءلون عن ما هي الطبقات الاجتماعية التي سوف يعمل الحزب المراد تكوينه على حماية مصالحها؟ ونجيبهم باختصار بأن هذا القرار متروكٌ لأعضاء الحزب المراد تأسيسه، على أننا من جانبنا نرى أن القضايا المثيرة للجدل كالأخذ بخيار اشتراكي أو رأسمالي، لم تعد اليوم ذات معنى أو جدوى، على أن نظام اقتصاد السوق قد أصبح في عالم اليوم النظام الاقتصادي الذي لا بديل له، لذلك من المسلــــَّـــــم به أن النظام الاقتصادي الذي نقيمه سوف يكون نظاماً رأسمالياً، وسوف تخلق الظروف الملائمة لتمكين رجال الأعمال الارتريين من استثمار أموالهم والعيش بحرية، وأن أية  إعاقة لهذه العملية تعتبر إعاقة لتطور الشعب الارتري، إننا نرى العمل على إتاحة الحرية للسوق والسعي داخل إطار هذا النظام الاقتصادي الي انتشال القطاعات الفقيرة من شعبنا من هوة الفقر وحماية مصالح الفقراء والدفاع عنها، علماً أنني لا أتجاهل ضرورة المعالجة التفصيلية لهذا الأمر الهام، ولكن لأنه موضوع قائم بذاته يمكن الإسهاب فيه في مناسبة أخرى تخصص له، بيد أنني أرجو أن نكون حذرين من أن لا يرتبط مفهوم محاربة الفقر والاهتمام بالفقراء بالمعنى الكلاسيكي وغير المجدي لهذا المفهوم، يجب أن نعلم أن مفهوم محاربة الفقر والاهتمام بالفقراء يعني السعي الي تضييق الفوارق الاقتصادية، مع خلق الأوضاع الملائمة لتمكين القطاعات التي تعيش في ظروف معيشية متدنية من الاعتماد على نفسها والدخول في نسيج السوق الاقتصادي واكتساب المهارات والقدرات.                                                              

 

بعد هذا الإيضاح أرجو أن تسمحوا لي بأن أختتم ما أوردته أعلاه بطريقة مختصرة ومفيدة. 

 

خاتمة:ـ

 

إن المرحلة الراهنة تتطلب منا التحرر من أسر التجربة السابقة، وأن نطور أفكاراً تتماشى وما نعيشه اليوم من أوضاع، لقد حان الوقت الذي نتسلح فيه بأفكار صائبة ومعاصرة ونؤسس حزباً ديمقراطياً شعبياً ينتهج العدالة ويشبه نظام الحكم الذي نريد إقامته، رجائي منا جميعاً، منظـَّــمين وغير منظـَّــمين، أن نشمــــِّـــرَ عن ساعد الجـــِــــد ونتحاور بأسرع ما يمكن لتأسيس حزبٍ ديمقراطي يمنح شعبنا الأمل ويعيد له الثقة.

 

لكم جزيل شكري وتقديري على حسن المتابعة والاستماع.

   

 

 

 

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7042

نشرت بواسطة في فبراير 9 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010