حقوق المسلمين في إرتريا

( بين مطرقة النظام وسندان المعارضة )
     إن المتتبع للتاريخ القريب لإرتريا ، يجد بوضوح وجلاء أن كيان إرتريا كشعب ودولة واحدة بحدودها السياسية المعروفة يعود الفضل لمسلمي إرتريا في الحفاظ عليه . ففي فترة تقرير المصير عقب الحرب العالمية الثانية وإحالة القضية الإرترية ضمن موروثات المستعمرات الإيطالية إلي دول الحلفاء المنتصرة في تلك الحرب ، في تلك الفترة إنقسم الشعب الإرتري علي أساس طائفي واضح ، أغلبية مسلمة بأحزابها السياسية تطالب بالاستقلال الناجز لإرتريا ، وأغلبية مسيحية تطالب وتسعي للإنضمام إلي إثيوبيا .
      وفي هذه العجالة لا نريد أن نعرج علي الدور الذي لعبه كل من الجانبين كل في معسكره ، ولكن المآلات الأخيرة للاستقلال الإرتري لم تكن لتكون لولا تلك التضحيات التي قدمها مسلمو إرتريا ، فإن الرقاب الطاهرة التي أختارت طريق الثورة بقيادة القائد الشهيد عواتي انما كانت مكملة لمسيرة بدأها شيخ الشهداء عبدالقادر كبيري وبقية العقد من شهداء المسلمين الذين ذبحتهم عصابات إثيوبيا بالتعاون مع عملاءها من مسيحي ارتريا في ذلك الوقت .
    إن أبسط مبادئ الإنصاف كان يقتضي أن يجد مسلمي إرتريا كل تقدير وإكبار لقاء دورهم في تكوين شخصية الدولة الإرترية ، إلا أن جزاؤهم كان الجحود والنكران من النظام الصليبي الجاسم علي صدر شعبنا .
    والمشكلة كذلك لا تكمن في موقف نظام الجبهة الشعبية وفقا لنهجها الطائفي من مسلمي إرتريا ، إنما في السياسة الثابتة والواضحة من كل التنظيمات والتجمعات السياسية التي تمثل مسيحي إرتريا وسعيهم الدؤؤب لتهميش دور المسلمين التاريخي ومحاولة الالتفاف علي دورهم الوطني وطمس حقوقهم المشروعة ، فتبادل الأدوار بين مسيحي النظام وأولئك الذين في صف المعارضة ، هذا التبادل للأدوار ينكشف بشكل جلي وواضح وتبرز معالمه يوما بعد يوم .
      وفقا لما سبق ذكره فإن الواجب يحتم علينا تناول هذه المسألة وطرح الحقائق للرأي العام عامة وإيقاظ همة مسلمي إرتريا للانتباه لما يحاك لهم ، والمطالبة بحقوقنا دون مواربة أو استحياء ، فالقوم قد استغلوا فينا قيم التسامح التي نتحلي بها وعملنا الدائم للحفاظ علي وحدة الشعب الإرتري أرضا وكيانا والتنازل عن كثير من حقوقنا لتحقيق هذا الهدف .
      أما وقد بلغ السيل الزبي فإن الصفوف يجب أن تتمايز ولن يستقر وطن وأحد جناحيه مهيض ، فإرتريا تضم بين جناحيها المسيحية والإسلام تحت مظلة الإحترام المتبادل بين الشريكين ، وتساوي الحقوق بين مكونات المجتمع الواحد ، ولكن ما نشاهده وأصبح واضحا لكل ذي لب وعيان أن الحاقدين من الصليبين قد رموا شركائهم في الوطن من المسلمين عن قوس واحدة .
       ففي الداخل يعمل النظام علي محو كل ما له علاقة بالشخصية الإسلامية في إرتريا ، من منع اللغة العربية وتهميش دورها الحيوي في التعليم والتعمية علي هذا بما يسمي ببرنامج التعليم ( بلغة الأم ) والتمرير من خلال هذا البرنامج الكسيح في التعليم ( اللغة التغرينية ) حيث أصبحت ومن خلال مقومات السلطة التي تملكها لغة للتخاطب الإعلامي والتعامل الرسمي في دواوين الدولة وإظهار المجتمع الإرتري وكأنه مجمع عليها ومتقبل لها دون غيرها من اللغات ويساعده ( أي النظام ) في تمرير هذه السياسة وجود زعانف تحمل أسماء إسلامية ليس لها دور سوي تمثيل دور ( الغشيم النافع ) يلوون ألسنتهم بالتجرينية وتمر من خلالهم مخططات تغرنة المجتمع .
   أما في مجال الإعلام فقد عمد النظام الطائفي لابراز كل ما يتعلق بتراث الطائفة المسيحية بداية من السيطرة علي وسائل الإعلام المقروءة والمسموع والمرئي منها ونشر ثقافة التجرينية ، ومحاربة وإبعاد كل العناصر الكفؤة من المسلمين بل واغتيال العديد منها أو الزج بهم في غياهب السجون ، وذرا للرماد في العيون يتفضلون علينا بنصف ساعة للغة العربية لإظهار دورها ثانويا لايستحق أكثر مما أتيح لها .
    والناظر لإعلام الشعبية يلحظ تلك الإشارات الخبيثة التي يوحي بها من خلال عرض فنون القوميات الإرترية كل علي حدة وبزي كل قومية التقليدي ، ولكن في حالة عرض فنون التجرينية يظهرون كل هذه القوميات وبأزيائها التقليدية وهي تشارك في هذه الفقرة للإيحاء بأن كل هذه القوميات تنسجم وجدانيا مع التجرينية وبذلك تترسخ وتترسب بمرور الوقت في العقل الجمعي للإرتريين أن عامل الوحدة لهذا   الشعب إنما يتمثل في تقمص التجرنية والذوبان فيها، ولكن هيهات   .
أما في مجال صبغ إرتريا بالطابع المسيحي فإن النظام قد عمل وبمنهجية واضحة لتكريس هذه الصورة بعدة طرق وأساليب نذكر منها للأمثلة :
أولا/ منعه عودة اللاجئين الإرتريين المقيمين في معسكرات اللاجئين في السودان ، وذلك بوضع عدة عراقيل أمامهم مثل :
              1/ عدم إرجاع اللاجئ إلي موطنه الأصلي ومنطقته التي لجأ منها .
              2/ عدم الإيفاء بالتزامات التي توفرها الأمم المتحدة للاجئ العائد .
              3/ إتباع السياسة التعليمية التي أشرنا إليها والمتمركزة في محاربة اللغة العربية وتعلمها وبالنتيجة  أدت هذه السياسة  إلي عزوف اللاجئين المسلمين من العودة للوطن خوفا علي مستقبل أبنائهم .
ونتيجة لهذا فإن مناطق المسلمين أصبحت نهبا للمسيحيين الذين سهل النظام عمليات توطينهم في مناطق وأراضي المسلمين .
ثانيا / تسهيل كل الإجراءات للكنائس لبناء دورها في مدن المسلمين بل وإختيار واجهات المدن والمناطق المرتفعة لبناء الكنائس وإبراز الصلبان فيبدو لكل زائر لإرتريا أن هذه البلاد مواطن مسيحية ، فكل المدن الإسلامية تقريبا ، كرن ، نقفة ، عيلا برعد ، قندع ، مصوع ، ومناطق دنكاليا النائية ن كل هذه المدن أصبح الزائر لها يجد بصمات العمل الصليبي واضحا وجليا فيها .
وبالتوازي مع هذه السياسة التوسعية للكنيسة والمدعومة من النظام فإن كل العراقيل توضع أمام المسلمين لبناء دور عبادتهم بل وتصادر منهم أراض ظلت وقفا لمساجدهم في عهود الاستعمار المتعاقبة مثل أرض مسجد كرن الكبير ، بل وأكثر من ذلك تهديم مساجد للمسلمين في بعض المدن مثل مندفرا ومصوع .
ثالثا/ إغلاق المعاهد الإسلامية ومحاربتها وإعتقال الشيوخ والعلماء المسلمين ، ولا يعرف حتي اليوم مكان وأسباب إعتقالهم .
رابعا/ منع المسلمين من يوم عطلتهم الجمعة وهي يوم تؤدي فيها عبادة مخصوصة يستوجب فيها إيقاف العمل والتجارة (( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر الله وذروا البيع )) يجبر مسلمي إرتريا علي أداء العمل في يوم عيدهم الأسبوعي ، في الوقت الذي تكون يوم العطلة الأحد وهو يوم المسيحيين .
خامسا/ كتابة تاريخ الثورة الإرترية وعرضه من خلال البرامج التليفزيونية مبرزين أدوارا وهمية أو مضخمة للمسيحيين في الثورة الإرترية ، بل إن بعض العروض التمثيلية بالكامل لا تتحدث إلا عن أسماء وشخوص مسيحية صرفة قامت بكل العمليات الفدائية والثورية سواء كان ذلك في المدن أو الميدان القتالي .
سادسا / حرمان المسلمين من فرص الابتعاث للدراسة في الخارج والمثال الصارخ تلك البعثة الدراسية إلي جنوب أفريقيا لم يكن فيها من بين أربعمائة وخمسون طالبا مبتعثا سوي أربعة فقط من المسلمين والبقية كلهم من المسيحيين .
سابعا / تعمد أهمال التنمية في مناطق المسلمين التي تضررت من فترة الكفاح المسلح وكانت من بداية الثورة منطلقا لعملياتها ومرتكزا لخلفياتها ، فاليم الساحل مثلا كان معقلا حصينا للجبهة الشعبية ، ولذلك كان من المنطق والحق أن يكافأ بتركيز تنمية تحتية فيه تعوضه بعض ما فقده وهو كثير ، ولكن الشعبية جعلت منه زاوية منسية بل وألغت شخصيته الإعتبارية وضمته إلي إقليم البحر الأحمر تحت مسمي جديد نتج عنه إهمال ممنهج ونسيان متعمد ، وهذا المثل ينسحب علي بقية الأقاليم الإسلامية فهي لا تعمر الا بالقدر الذي يعمل علي تركز العنصر المسيحي فيها .
ثامنا / تعمد نشر الفساد والرزيلة والتركيز علي إصباغ المجتمع بكل ألوان الإنحلال والتفسخ تاسعا / تقطيع أواصر العلاقات الإرترية مع محيطها العربي والإسلامي وإساءت العلاقات مع الامتدادات الطبيعية لعلاقات الجوار والدم والدين التي تربط مسلمي إرتريا مع جيرانهم .
       أما إذا انتقلنا بالحديث عن المعارضة والتي يفترض أن تنصف المظلوم فإننا نجد دورا آخر يلعبه الطائفيون ليكملوا بذلك حلقة التآمر علي الهوية الإسلامية والعربية في إرتريا .
ففي عام 1996م رفض ذوي النوازع الطائفية المتسترين خلف الأقنعة العلمانية اليسارية ، الانضمام لما كان يسمي وقتها ( بالتحالف الوطني ) بحجة وجود تنظيم إسلامي في التحالف ، ولكن نتيجة للواقع الحي الذي تمثله التنظيمات الإسلامية الإرترية والثقل الجماهيري والشعبي الذي تتمتع بها والذي استحال معه تجاوزها لم يجدوا بدا من الالتحاق بركب التحالف الارتري بعد أن وسع وعائه ليشملهم فيما سمي بالتجمع ، الذي أقر ميثاقه الضامن لحقوق كل الفئات الارترية ن ناصا في مادة خاصة بأن من حق المسلمين في إرتريا التحاكم إلي شريعتهم .
    ان بند الشريعة   في ميثاق التحالف الديمقراطي مثل هاجسا يؤرق مضجع ذوي التوجهات الطائفية المسيحية وكذلك للكومبارس من أبناء المسلمين الذين يعملون دون دراية في مشروع الطائفية المسيحية ، ظلت الشريعة لهولاء ولأولئك هاجسا حيث أخذوا يبذلون في كل دورة للتحالف الديمقراطي مجهودا محموما لإلغائها معللين أن هذا يؤدي لعواقب تقسيم الشعب الإرتري علي أساس طائفي ( وكأن وجود مسيحيين في إرتريا يمنع مسلميها أن يكونوا مسلمين ) لأنه وببساطة إذا تنازل المسلمون عن شريعتهم فلا يكونوا مسلمين ووفقا لهذا المنظور نناقش هذا الأمر ونقول بأن الدين يمثل مكونا طبيعيا ضامنا لوحدة الشعب ، والاعتراف بحقوق الأديان صمام أمان لهذه الوحدة .
     إن الوضع الارتري بحاجة لتوقيع ميثاق شرف بين أطياف العمل السياسي يتخلي فيه أصحاب النظرة الاستعلائية عن كبريائهم الزائف ، فإن المسلمين رقم ومعادلة صعبة في حسابات السياسة الإرترية يصعب تجاوزها ، وقد دلت أحداث التاريخ أن المحرك الأساس والذي لعب الدور المحوري لتكوين خريطة الوطن الإرتري هم المسلمون ، وإن ضعفوا الأن لعوامل عدة ومتداخلة فإن هذا ليس من طبيعة الأشياء والصدف والطوارئ لا تقوي علي الصيرورة والنظام والمياه إن غيرت مساراتها جبرا فإنها ترجع يوما لمجاريها ( وسوف تصفو الأيام بعد كدرتها —– وكل دور إذا ما تم ينقلب ) .
إننا ومن موقع الحرص علي إستقرار بلادنا ولكي ينعم الجميع بالأمان تحت مظلة مجتمع الكفاية والعدل نتوجه صادقين لاصحاب الضمائر الحية وذوي العقول النيرة من المسيحيين ، في داخل النظام أو في المعارضة أن ينتبهوا إلي خطورة هذا المسلك ويأخذوا علي يد إخوانهم وإلا فإن عواقب الامور لن تكون في صالح الجميع وعلي الباغي تدور الدوائر (( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ))
                                                       وليد مصطفي    
 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7502

نشرت بواسطة في يونيو 4 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010