حكاية ملتقى الحوار النسخة الأخرى

عبدالرازق كرار

مدخل :-

قد يكون في تقدير الكثيرين من أصدقائي ، أن هذا المقال جاء متأخرا بعض الشئ حيث توقعوا أن يروا روايتي للأحداث بعد نهاية فعاليات ملتقى الحوار الوطني للتغيير الديمقراطي الذي يعد واحد من أكبر الأحداث السياسية التي شهدتها الساحة الإرترية في العصر الحديث ، ومعتذرا عن هذا التأخير ولكن كان ذلك لجهة التريث لقراءة اتجاهات الأحداث وردود الفعل على هذا الحدث ومن ثم الإسهام في توضيح بعد ما أشكل على الفهم أو التحليل من خلال المعلومات التي توفرت لدي بحكم الموقع الذي شغلته في الإعداد لهذا الحدث .

وإذ لا يتوقع ممن كان في مثل موقعي أن تأتي شهادته محايدة ، لكن سأحاول جاهدا أن أتوخي الموضوعية ما أمكن ذلك ، وقد تلامس شهادتي بعد من أشواق الذين يحرقهم الشوق إلى الحقيقة ، كما أنها ربما لا ترضي بعد الذين يؤرقهم الخوف من الحقيقة(1)  وستأتي شهادتي في مقالين منفصلين الأول يتعلق بالملتقى من خلال الوصف والتحليل وتأثيرات مخرجاته على مستقبل الساحة السياسية الإرترية ، بينما يركز الجزء الثاني على حق تقرير المصير الذي أصبح الشغل الشاغل لبعض قوى الساحة السياسية والإعلامية الإرترية .

ملتقى الحوار عبر مسيرة المعارضة الإرترية :-

منذ تأسيس تجمع القوى الوطنية الإرترية في مارس 1999م ظل عقد مؤتمر وطني يناقش القضايا المصيرية ، ويأطر أكبر قوى مؤمنة بالتغيير الديمقراطي ، ويؤمن انتقال سلس للسلطة في المرحلة الانتقالية قبل تسليم السلطة إلى الشعب عبر انتخابات حرة حال إزالة أو زوال النظام واحدة من الهموم المركزية ، وقد تشكلت لجنتان لهذا الغرض كانت الأولى برئاسة المناضل ياسين محمد عبدالله الذي كان يرأس جماعة مبادرة إرترية في ذلك الوقت ، كما كانت اللجنة الأخرى برئاسة المناضل بشير اسحق السكرتير العام للحركة الفيدرالية الديمقراطية الإرترية ، وإذ لم تتهيأ الظروف للجنة الأولى ، فإن اللجنة الأخرى مستندة إلى محاولات اللجنة الأولى وضعت مجهوداتها في كتيب غير منشور حوى محاولاتها في هذا الاتجاه متضمنا القضايا التي يمكن أن يناقشها المؤتمر ، والمخرجات المتوقعة منها ، إضافة إلى ملاحق تحتوى على تجارب عدة دول أفريقية وأسيوية عقدت مؤتمرات حوار مماثلة في ظروف  قد تبتعد أو تقترب من النموذج الإرتري ، ولكن المؤتمر التوحيدي للتحالف مايو 2008م تبنى في قراراته ضرورة جعل المؤتمر حقيقة واقعة ، فقد تقرر عقد ورش فرعية في المناطق المختلفة ، تعقبها ورشة مركزية تكون بمثابة محدد لشكل المؤتمر (Pilot Project ) ، وقد كنت أحد الذين شاركوا في الإعداد للورشة ومن ثم صياغة توصياتها والتي جاءت مقسمة على أربعة محاور وهي الوحدة الوطنية ، آليات ووسائل التغيير الديمقراطي ، المرحلة الانتقالية ، ومحور رابع هو محور إجرائي يتعلق بالملتقى وتفاصيله ، والتوصيات الثلاثة الأولى هي التي  أصبحت بمثابة أجندة المؤتمر ، كما أن المحور الرابع هو ما اعتمدته اللجنة التحضيرية كموجه لخارطة الطريق في تصورها للملتقى ، غير أن أهم ما توصلت إليه الورشة هي الإجابة على سؤال جوهري عن أمكانية عقد مؤتمر حوار في ظل غياب قوى أساسية وهى الجبهة الشعبية لأنها جزء من هذا الشعب ومؤثر فاعل على مجريات الوطن ، ليس هذا وحسب بل وفي غياب شعبنا في الداخل الذي يوجد في سجن النظام ، ومعالجة لذلك قررت الورشة أن ملتقى الحوار ليس حدث وإنما صيرورة سوف تعقبه مؤتمرات ، عليه فإنه في هذه المرحلة هذا الملتقى سيعنى فقط بالقوى التي تؤمن بالتغيير الديمقراطي وتعمل له ، وتم إضافة عبارة ( للتغيير الديمقراطي ) إلى الاسم مما يحسم الجدل حول المغزى المتعارف عليه لملتقى الحوار ومدى تقاربه مع الملتقى المتوقع.

الظروف التي تم فيها التحضير :-

  • مما لاشك فيه أن التحضير للمؤتمر تم في ظل ظروف بالغة التعقيد في ساحة المعارضة الإرترية ، وقد جاء توقيت الملتقى في دورة صراع تيارات المعارضة ، حيث درجت أن تتكرر دورة الصراع اللعين كل سنتين أو ثلاث ( 2002ـ 2005ـ 2007) وفي كل مرة تجد هذه التيارات سببا لتجديد ذات الصراع المتكرر ، وقد كان هذه المرة مؤتمر بروكسل القشة التي كشفت عورة هذه التحالفات الهشة بين قوى المعارضة ، وقد انعكست هذه  الأزمة على مواقف القوى السياسية ، حيث أتخذ حزب الشعب موقفه بمقاطعة الملتقى لأسباب نشرها في بياناته التوضيحية ، بيد أن الأمر لم يتوقف على مقاطعته ولكنه قرر العمل بكل شراسة من اجل الحيلولة دون انعقاده ، أو على الأقل نزع الشرعية عنه ، وقد استخدم في ذلك كل الوسائل المتاحة .
  • بيد أن الأمر لم يتوقف على مواقف حزب الشعب بل أخذت الحملة ضد الملتقى مستوى انعدمت فيه أدني درجات الموضوعية من قبل مواقع وكتاب يفترض فيهم مستوى عالي من المسئولية الأخلاقية وبلغت هذه الحلمة ذروتها عندما كتب موقع (shakat.com ) في كلمته التحريرية بعنوان إرتريا بين مطرقة الهقدف وسندان التحالف بتاريخ 30 يونيو ما يلى : (السؤال الذي يطرح نفسه ويبحث عن الإجابة هو: لماذا الحكام التقراويون في إثيوبيا يقومون وبالتحديد في هذه المرحلة بتبني ورعاية تحرك يقوم على استعداء قومية تغرنيا في إريتريا؟ )(2) والتحرك المقصود هو ملتقى الحوار ، والكلمة المعبرة عن فريق تحرير الموقع تجزم أن الملتقى يقوم على استعداء التغرنية ، وهي هنا تجزم أن التحالف ، اللجنة التحضيرية ، اللجان الفرعية للتحضير ، كل من يؤيد أو قرر ان يشارك في الملتقى يعمل ضد قومية التغرنية ، والموقع لا يستغرب أو يتساءل عن ذلك فعند الموقع ذلك أمر مسلم به ولا يستدعي التساؤل ، ولكن الذي يستدعي التساؤل هم فقط موقف الحكام التغراويون الذين يحكمون أثيوبيا ، ومبعث التساؤل وفق روح الكلمة التحريرية إنهم بحكم الثقافة والدين واللغة يجب أن يكونوا في الموقع المعاكس . وكانت هذه اللغة هي أساس الحملة الشرسة ضد الملتقى لدرجة انه تم تثريب أرقام وهمية عن حضور الملتقى تفترض أن نسبة المسيحيين في المؤتمر هي أقل من 14% ، وتجاوزت الحملة الوسائط الإعلامية وبدأت العمل خلال العلاقات الاجتماعية والاتصالات المباشرة تخزيلاً وترهيباً في حضور الملتقى .
  • انعقاد مؤتمر القوميات في تاريخ قريب من الملتقى ، وهو ما ألقى بظلال كثيفة على التوقيت والأهداف  ، ومدى الترابط بين  الحدثين ، وهذا ألقى على اللجنة التحضيرية أعباء إضافية في طمأنة المشاركين المتوقعين تجاه ذلك ، كما أن الذين لهم رغبه في إفشال الملتقى  جعلوا يربطون بين الحدثين بصورة زادت من مشقة مهمة اللجنة التحضيرية .

المهام الأساسية للجنة التحضيرية :-

على الرغم من مهام التحضيرية مقسمة عبر لجان رئيسية وفرعية ولكن أبرز المهام يمكن تلخيصها في الأتي :-

1/ عقد الملتقى في توقيته المحدد ، حيث مثل ذلك تحدي كبير للجنة التحضيرية ، ليس لقداسة التوقيت ، ولكن لأن معظم الحضور المتوقع قد ضبط توقيت إجازته وفق الإعلانات المتتالية بأن الملتقى سيكون في نهاية يوليو ، وعلى الرغم من صعوبة الاتصالات ووسائط التواصل من مقر الملتقى ولكن اللجنة التحضيرية استطاعت أن تعقد الملتقى في توقيته ، ومعلوم أن الكثيرين قد راهنوا على استحالة ذلك خاصة أن اللجنة التحضيرية أتبعت منهجية التركيز في العمل وعدم الرد على الأخبار المغلوطة التي درجت بعض الأطراف على ترويجها عبر الوسائط خاصة غرف البالتوك .

2/ الوثائق التي يجب أن يناقشها الملتقى ، وهي العناوين المعروفة والمنشورة ، الوحدة الوطنية ، آليات التغيير ، المرحلة الانتقالية ، ومن ثم الميثاق الوطني ، وقد استجابت تنظيمات ومنظمات وأفراد لنداءات اللجنة التحضيرية للمساهمة الفكرية في هذه العناوين ، وإذا أختار البعض الكتابة حول قضية واحدة اختارت جهات أخرى الكتابة في كافة العناوين ، بيد أن تلك المصادر لم تكن الوحيدة في صياغة الأوراق ، بل تم الوقوف على كافة الآراء المنشورة المتعلقة بهذه القضايا ، وإذ كانت بعض الكتابات موجهة مباشرة إلى مخاطبة ذات القضايا ، فإن كتابات أخرى تناولتها أو أشارت إليها بصورة غير مباشرة ، كما اعتمدت اللجنة على التراث الفكري الكبير للتنظيمات والمنظمات الإرترية وغير الإرترية ، كما كانت للوثيقة القيمة التي أعدها كل من الدكتور تسفاطين مدهاني والأستاذ اسماعيل مع اللجنة المنبثقة من مهرجان كاسل 2004م  حظا مقدرا في هذا المضمار ، ولأن المسودات الأساسية للأوراق تمت صياغتها باللغة العربية فإن القضية الأخرى كانت قضية الترجمة التي حرصت اللجنة أن تكون بالغتين التجرنية والإنجليزية ، خاصة وأن قوائم المشاركين احتوت على عدد مقدر من الشباب الذي لم تعد واحدة من اللغتين الإرتريتين لغته الرئيسية ، وإذ وجدت الترجمة الى الإنجليزية رضا المتعاملين بها ، فإنه ثار لغط كثيف حول الترجمة للتغرنية ، والحقيقة أن الرجل الذي اشرف على الترجمة هو من أمهر المترجمين حيث ظل يعمل في هذه المهنة لربع قرن أو يزيد ، ولأن الرجل خبير في ذلك فقد انتهج ترجمة المضمون وليس الترجمة الحرفية في المداخل الاستهلالية لورقة الوحدة الوطنية وهي التي تتعلق بالتاريخ والجغرافيا الطبيعية والجغرافيا الحضرية ، مفترضا أن النقاش سوف يتركز على لبّ الورقة ، ولكن لأن معظم الورش انتهجت مناقشة الأوراق فقرة فقرة ، فإنها لم تجد تطابق الفقرات رغم تطابق المضمون ، وهو ما جعل بعض الورش تعتمد العربية وتلجأ للترجمة المباشرة ، وهذه من القضايا التي يجب أن يحسب لها في المستقبل .

3/ المشاركين : بالتأكيد فإن كل حدث يكتسب أهميته من الحضور ، والجهات التي يمثلونها ، وحجم الحضور في الساحة السياسية ، ولهذا فإن حجم الحضور كما ونوعا كان هما شاغلا للجنة التحضيرية ، إذ لا يزال البعض يشكك في ثقل الحضور الكمي والنوعي ، ولكن أجد أن ذلك التشكيك  يجاوز الموضوعية ، حيث لم يلتزم معايير موضوعية بقدر ما يجنح إلى افتراضات ذهنية  وحتى أضع القارئ في صورة الحضور ومن ثم أترك له التقييم ، فأنه من المفيد أن أذكر أن شعار وهدف هذا الملتقى كان (KEDAN Plus ) بمعنى التحالف مضافا إليه قوى جديدة بدماء جديدة ورؤى جديدة ، وقياسا على هذا الهدف المرتجي ، فإن التقييم أيضا يجب أن يلتزم بمكونات الساحة السياسية والمدنية الموجودة وليس المتمناه ، وعليه فإن الحضور كان على النحو التالي

1/ العدد الكلى بلغ 354 عضوا .

2/ التنظيمات السياسية المكونة للتحالف شارك منها (10) تنظيمات من جملة (11).

3/ التنظيمات السياسية خارج التحالف شارك منها (15) تنظيم من جملة (16) وغاب التنظيم السادس عشر نتيجة خطأ فني وليس موقف سياسي .

4/الوسائط الإعلامية التي شاركت هي ، تقوربا ، عونا ، النهضة ، اسمرينو ، فرجت ، عنسبا ، راديو اسنا ، راديو ارينا ، راديو وقحتا ،مجلة الصدى (مقالح) كما شاركت كافة الأجهزة الإعلامية للتنظيمات السياسية هذا إضافة إلى عدد كبير من الصحفيين بما فيهم رابطة الصحفيين الإرتريين في المهجر .

5/ المنظمات المدنية التي شاركت هي شبكة المنظمات المدينة في أوروبا (NECS ) التضامن العالمي ( EGS ) وهذه أكبر كتلتين لتجمع المنظمات المدنية الإرترية ، هذا غير المنظمات المدنية الغير عضوة في هذه التجمعات التى شاركت بصفتها الاعتبارية من السويد ، السودان ، إثيوبيا ، الخليج  ، هولندا ، بريطانيا .

6/ شاركت الجاليات التي جاءت من مختلف أنحاء العالم من خلال اللجان الجماهيرية لدعم الملتقى ، وقد جاءت المشاركات من النرويج ، السويد ، هولندا ، بريطانيا ، سويسرا ، ألمانيا ، أمريكا ، كندا ، استراليا ، نيوزلندا ، الخليج ، السودان ، إثيوبيا ، اليمن ، جيبوتي .

7/ شاركت شخصيات بصفاتها الشخصية تحت شريحة الكتاب والمثقفين ، كما اعتذر الكثيرون وأرسلوا رسائل تضامن وابدوا استعدادهم للعمل بما يكلفون به في المستقبل .

8/ شاركت القطاعات الجماهيرية حيث شهد الملتقى حضورا مقدرا للمرأة ، الشباب ، اللاجئين ، الرعيل ، القيادات الدينية والأهلية .

كل المكونات الاجتماعية والدينية الفكرية والقومية التي تمثل الشعب الإرتري كانت بشكل أو آخر حاضرة في الملتقى ، ولأنه لا توجد معايير أخرى غير الكيانات السياسية والمدنية والإعلامية الموجودة فأنني أستطيع أن أوكد أن عدد المنظمات الغائبة لم يتجاوز 5% من جملة المنظمات والتنظيمات الموجودة على الساحة ، ولكن عادة سوف يأتي من يدعي أن الغائبين هم الحقيقيين وأن الآخرين ربما مزيفين أو من الدرجة الثانية ، أو ربما سيأتي من يدعي أن هؤلاء من وزن الريشة بينما لم يأتي الذين هم من العيار الثقيل وطالما كل ذلك إدعاءات فلا داعي للخوض فيها .

ظواهر كانت مثار جدل في الملتقى :-

محاضرة البروفيسور الكندي :-

واحدة من القضايا التي كانت ولا تزال تثير الجدل هي المحاضرة التي قدمها البروفيسور جوزيف ماغنت ، والرجل من أعلام القانون الدستوري ليس على مستوى كندا وحسب بل على مستوى العالم ، وكسبه إلى جانب نضالنا ضد الدكتاتور اسياس أفورقي يعتبر مكسب كبير ، وبدعوة من بعض الشباب الناشط في التنظيم الديمقراطي لعفر البحر الأحمر شارك الرجل في مؤتمر شعب العفر ، الذي سبق المؤتمر ، وتصادف وجود الرجل وأعطي كلمة في الجلسة الافتتاحية باعتباره مناصرا للمعارضة ضد النظام  وكانت كلمته قوية تعبر عن وقفة صلبة مع قضية المعارضة ، ولأن الافتتاح استمر أكثر من خمسة ساعات قررت اللجنة التحضيرية أن يتم رفع الجلسة على أن تتم مواصلة الجلسة في اليوم الثاني ، ذلك أن هنالك وفود لها كلمات حمّلتها لها الجهات التي تمثلها ولابد من تقديمها ، وفي هذا الإطار جاء الاقتراح أن البروفيسور له محاضرة لا تتجاوز (45) دقيقة ، ولم ترى التحضيرية ما يمنع خاصة وأن الكلمة التي قدمها في الافتتاح كانت كلمة قوية بحق ، وقال البروفيسور ما أراد أن يقول ، وإذ أوضحت اللجنة التحضيرية أن ما قاله البروفيسور يعبر عن وجهة نظره ، ولكنها رأت أن وعي المؤتمرين أكبر من يتم توجيههم في غير ما يريدون ، وسواء قدم البروفيسور محاضرته في الملتقى أم لم يقدمها فالحقيقة التي يجب أن تكون واضحة أنه يعمل لهذا المشروع وعلينا أن نكون واعيين بذلك ونحدد السبل المثلى للتعاطي مع مثل هذه القضايا ، إذ لم تعد قضايا الشعوب والدول ملك لأصحابها في عصر العولمة والتضامن العالمي .

كلمة رئيس اللجنة التحضيرية :-

ضمن كلمته في جلسة اختيار السكرتارية تحدث رئيس اللجنة التحضيرية المناضل بشير اسحق وجاء ضمن حديثه أن ( أن المنظمات المدنية إذا كانت تعتقد أن التحالف قد أنتهي وأنها جاءت لتحل محله أو وراثته فإنها مخطئة ، وإذا كان القوى السياسية والتحالف تعتقد أنها صاحبة الأمر وأن هذه المنظمات ما هي إلا مكملاً ديكورياً أيضاً فهي مخطئة ، ذلك أن المنظمات المدنية هي في الأصل تجمعات لمناضلين لا ينتمون لتنظيمات سياسية ، وعليه فإن هذا الملتقى هو شراكة كاملة بين الجميع ، وستكون مخرجاته كذلك ، ولكنه ربما نتيجة الجو الضاغط في الجلسة لم يستطع أن يبلورها بالشكل المطلوب ، ولكن بعض أن وضح له من قبل بعض قيادات المنظمات المدنية أنه على الرغم من سلامة ما قصد في كلمته ، ولكنها فهمت في السياق الخاطئ ، وما كان منه إلا أن أعتلى المنصة وقال إذا فهم من حديثي غير ما أردت فأعتذر عنه ، ولم يرى الملتقى أن ذلك أمر يستحق التوقف عنده فعند الغالبية كانت الرسالة المقصودة واضحة من البداية .

اختيار السكرتارية :-

جرت العادة أن تقدم اللجنة التحضيرية في معظم المؤتمرات  السياسية مقترحا لسكرتارية المؤتمر ، وهي من مهامها العرفية الأصيلة التي تبحثها ضمن المهام المكلفة ، بعد ذلك على المؤتمر أن يقبلها أو يرفضها أو يعدلها ، ولكن في اللجنة التحضيرية كان هنالك أتفاق على قضيتين هما:

أ/ الممارسة الديمقراطية الكاملة بمعنى رفع أي شكل من الوصاية أو التوجيه لدفة الملتقى أو قراراته من قبل اللجنة التحضيرية .

ب/ الشفافية الكاملة وذلك بان تكون كل الجلسات علنية ومفتوحة للإعلام بحيث يحكم المجتمع الإرتري لها أو عليها .

وفي هذا الإطار اتفقت اللجنة التحضيرية على مقترح سكرتارية من أشخاص محددين ، ولكنها رأت أن تطرح مقترح السكرتارية على مرحلتين بدلاً من مرحلة واحدة ، وهى ما إذا كان الملتقى يقبل أن تأتي التحضيرية بسكرتارية أو يفضل لأن يختارها بنفسه ، ولأن الرأي الغالب من خلال المداخلات كان باختيار السكرتارية من قبل المؤتمر سحبت اللجنة التحضيرية مقترحها ، وهي أسعد ما تكون بهذا السحب إذ أرادت تأكيد الحق الديمقراطي الكامل للملتقى .أما جعل الجلسات مفتوحة فهو ما تم فعلا رغم وجود مقترحات بتحديد الجهات التي يحق لها التوثيق ، وكانت الفكرة أنه ليس هنالك ما نخشى من قوله في النور ، وإذا كان هنالك شخص أو جهة لها ما تخشى من قولها علنا فيفضل أن لا تقوله .

جدلية نجاح وفشل الملتقى :-

تذكرني هذه الجدلية خاصة وأنا أقرأ للذين يتحدثون عن فشل كلى أو جزئي للملتقى بقصة في الأدب الشعبي العربي عن شخصية (أشعب ) وهي شخصية توصف بالنهم وحب الأكل مرتبطة بالطمع في ذات الوقت ، ومما يحكى عن أشعب أنه تعرض لمضايقة من بعض الأطفال فأراد أن يصرفهم فذكر لهم أن في منزل فلان بن فلان وليمة فأسرع الأطفال ميممين شطر المنزل الموصوف ، ولما رأى أشعب لهفتهم وسرعتهم قال في نفسه ربما كنت صادقا ثم تبعهم ، والشاهد أن البعض أطلق فرية فشل الملتقى لتنطلي على الآخرين ثم صدقها بنفسه .

ونجاح كل مشروع أو حدث تقاس إلى الأهداف الموضوعة ، ثم ينظر إلى العقبات والظروف التي أنعقد فيها ووفق ذلك  يقاس حجم الانحراف عن الخط البياني ، ولكن أن تحكم بفشل مشروع هكذا خبط عشواء فليس من المنطق أو الموضوعية في شئ .

وعليه فإن أبرز أهداف الملتقى هي مناقشة القضايا التي تتعلق بالوحدة الوطنية ، وآليات التغيير ، ومن ثم المرحلة الانتقالية ، من قبل تجمع إرتري يمثل كافة مكونات الشعب الإرتري الشعب الإرتري السياسية ، والفكرية ، القومية ، والدينية ، والإقليمية ، على أن يعتمد مبدأ النقاش الصراحة والشفافية الكاملة ، ولأنه كان معروف سلفا أن هذه القضايا التي تتعلق بصيرورة شعوب وأمم لا يمكن أن تحل في ملتقى واحد فإنه على الأقل يجب البدء في ذلك المشوار وعليه فالنتائج كانت كالتالي :-

1/ لا أحد ينكر أن هذا أكبر تجمع إرتري من كافة المكونات المذكورة في التاريخ الإرتري الحديث ، وهذا في حد ذاته إنجاز يسجل في دفتر التاريخ .

2/ النقاش حول القضايا الساخنة ( الدين ، القوميات ، العمل المسلح ، المظالم ) استغرقت أكثر وقت الملتقى في نقاش مفتوح وصريح وشفاف وهو موثق ، بل أن النقاش وصل إلى تفاهمات كبيرة بين هذه المكونات ، وحدث تصحيح للمفاهيم المشوشة التي كان البعض يحكم من خلالها ، وهذا النقاش سيكون أرضية صلبة للوثائق في المؤتمر القادم .

3/ رأى المجتمعون أن الوحدة الوطنية ، يجب أن تبدأ من خلال الاتفاق والعمل الجماعي بين قوى التغيير الديمقراطي ، التي بدأت العمل في هذا الملتقى ، وكان المجتمعون من المسئولية أن لا يتناسوا أن هنالك قوى غائبة عن هذا الملتقى بغض النظر عن حجمها ، ولم ينجروا إلى ردود الفعل أو الاتهامات ، بل طالبوا بضرورة مشاركة هذه القوى في الشأن الوطني من خلال المشاركة الكاملة في المؤتمر القادم على أن يكون حضوره (KEDAN- Plus- Plus ).

4/ أمن المجتمعون على تحديث آليات التغيير الديمقراطي ، وأضافوا في الأوراق الكثير من المقترحات العملية والخلاقة ، في كافة الأصعدة وحتى لا تكون هذه المقترحات حبر على ورق تم الاتفاق على الآليات التي يمكن أن يتم بها تنفيذ تلك المقترحات .

5/ أمن المجتمعون على أن المرحلة الانتقالية هي من الحساسية بمكان ، وعليه لا بد من الاستعداد لها من خلال تشريعات وآليات مؤقتة إلى أن يتم تسليم السلطة للشعب ، لذا فإنه على المؤتمر أن القادم أن ينتخب مجلس وطني يكون مظلة جامعة للمعارضة بمفهومها الواسع (قوى التغيير الديمقراطي ) ، ويكون بصلاحيات لأن يملأ الفراغ إذا حدث التغيير المنشود .

6/ كون الملتقى آلية لمتابعة هذه المهام سميت بالمفوضية الوطنية بصلاحيات سياسية وفنية للعمل ، هذه المفوضية مشكلة من كافة القوى التي شاركت في الملتقى (KEDAN Plus ) ، تكون مهمتها لعب دور سياسي وتحضيري خلال هذا العام حتى ينعقد المؤتمر .

7/ لم يترك الملتقى هذه المهمة مفتوحة بل حدد لها سقف زمني هو عام واحد لإنجاز المهمة ، كما تعاهد جميع الحضور على مساعدة المفوضية في إنجاز أعمالها كل وفق استطاعته وفي مكان تواجده .

وليرجع الذين صدقوا فرية فشل المؤتمر إلى تعريف الاجتماع الناجح سيجدون أن سماته هي : تقييمه وتقويمه للماضي ، اتخاذه قرارات  ، تكوين آليات للتنفيذ ، تقييد التنفيذ بمدى زمني معين ، وهو ما تم في ملتقى الحوار الوطني .أما على الذين راهنوا على عدم انعقاده منذ البداية أو غياب مكون من مكونات المجتمع عن حضوره ، ثم على حدوث خلافات عاصفة داخله تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه  ومن ثم انفضاضه ، أو الذين توقعوا أن يكون حفلة سمر وتعارف فببساطة كل ذلك لم يحدث وعليهم أن يروا الحقيقة لا ما يتوهمون ، أما إذا كان مقياس فشلهم هو قصور في ترجمة بعض الأوراق ، عدم أمكانية تغيير حجوزات الطيران فلا أزيد إلا أن أقول أن ذلك ليس من الموضوعية في شيء ، بقيت قضية تقرير المصير ، وتلك سوف أخصص لها مقالة منفصلة .

  • حاشية ختامية:-

إن لم تكن من حسنات ملتقى الحوار إلا أن اخرج الأستاذ حمد كلو (أبو أكرم )  عن صمته فذلك وحده يكفى لنجاح الملتقى ، وأبو أكرم ممن نتوقع منه أن يكتب الكثير عن تاريخ يكاد يضيع أو يزّور ، وقد أثبت الرجل من خلال مقالاته عن الملتقى أنه لا تنقصه الملكة بفتح الميم ( حتى لا نتسبب في مشكلات مع إليزابيث ) ولا القدرة في الكتابة ، ورغم الملاحظات حول مقالاته عن الملتقى ولكن مقبولة منك يا أبو أكرم ، بيد أنني أود أن أتساءل أن كان يحق لي ذلك فأنت قد ذكرت أن الذين يملكون مفاتيح الحلول قد غيبوا عمدا عن الملتقى (3) ، ولأني لا أتوقع من أبو أكرم أن يكون من الذين يلقون بالقول جزافا أو على عواهنه ، فأني أسألك بمعزة أكرم لديك ، ومعزة كل رفقائك في الحركة والثورة والدولة أن تذهب باسمي واسم كل الشعب الإرتري إلى هؤلاء الذين يملكون مفاتيح الحلول الضائعة ، وترجوهم أن يستخدموا هذه المفاتيح لندخل الفردوس المفقود ، أو لا يكفي خمسون عاما في صحراء التيه ( أكثر من بني إسرائيل ) عاشها شعبنا لينال رأفة وشفقة هؤلاء الذين يملكون المفاتيح حتى يفتحوا لنا أبواب الوطن ، وإذا كان هؤلاء يملكون المفاتيح فما لهم وملتقى الحوار أو التحالف أو غيره ، هذى يميني أبايعهم طالما رأى أبو أكرم تلك المفاتيح بأم عينيه وشهد عليها وظني بك وبهم خيرا ، وهذا سوف يقصر آلام شعبنا دون شك .

للتواصل مع الكاتب : Razig2002@yahoo.com

1/ العبارة مقتبسة من عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في مقطوعته النثرية ( المعذبون في الأرض ) إلى الذين يحرقهم الشوق إلى العدل ، وإلى الذين يؤرقهم الخوف من العدل .

2/http://www.shakat.com/index.php?option=com_content&task=view&id=612&Itemid=37

3/http://www.shakat.com/index.php?option=com_content&task=view&id=785&Itemid=7

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=9373

نشرت بواسطة في سبتمبر 28 2010 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010