حوار مع المناضل الكبير أحمــــد ســـــويرا

حول مسيرته النضالية الممتدة لأكثر من نصف قرن

أجرى الحوار : صالح إسماعيل 

22.08.2005

يستشرف الإرتريون بعد أيام الذكري الرابعة والأربعون لإنطلاقة الكفاح المسلح في الفاتح من سبتمبر من عام 1961 م . وفي هذه المناسبة الغالية والعزيزة ، دعونا ألا نتحدث عن خيبات إرتريا ومعاناة إنسانها في ظل الاستقلال المنقوص والحرية المفقودة بفعل سيطرة عصابة جائرة على مقاليد السلطة بعد التحرير وإلى اليوم … بل دعونا نتصفح معا شريط الذكريات في رحاب العطاء الوطني مع واحد من المناضلين من جيل الآباء … جيل قدم دون حسابات سلطوية أو مادية ، منهم من مضي ، ومنهم من ينتظر … ذلك ليس فقط من باب الوفاء لأهل العطاء ، بل كذلك وفوق ذلك لنستلهم من مسيرته النضالية دروسا نحن في أمس الحاجة إليها لمجابهة تحديات الواقع الإرتري وأزماته المتطاولة والمتفاقمة .

مقـدمة :ـ  

       انتقل وهو في بداية العقد الثاني من عمره من مسقط رأسه بقرية سويرا بإقليم أكلي قوزاي إلي مدينة أسمرا مدفوعا بالولع لحياة المدينة ، عمل في بعض الأشغال الهامشية ولكنه سرعان ما أحس بالإستغلال وبوطأة الظلم خاصة بعد أن عمل في إحدي المقاهي ، حيث كان العمل فيها يبدأ عند الساعة الرابعة صباحا ويستمر إلي منتصف الليل دون انقطاع ، دفعه هذا الشعور إلي استنهاض همم عمال المقاهي الذين فوضوه في تبني قضيتهم . واستطاع من خلال رفع الأمر إلي مكتب العمل في الحصول علي مكاسب هامة لعمال المقاهي في مقدمتها تخفيض ساعات العمل إلي ثمان ساعات .

وعلى الرغم من أنه جاء من عمق الريف ولكنه كان مشحونا بالوطنية بما فيه الكفاية ليسجل مواقف علي جانب من الأهمية . سجل مبكرا رفضه للاحتلال من خلال مواقف عديدة . وفي السودان سعي مع آخرين في تكوين جمعيات ذات طابع وبعد اجتماعي وسياسي تضم كافة الإرتريين ، ثم انضم إلى حركة تحرير إرتريا فور تكوينها ، وعمل في إطارها إلى آخر عهدها ، ثم انضم لاحقا إلى جبهة التحرير الإرترية . وبعد التحرير ، أصيب بخيبة أمل كبيرة شأنه شأن كل الإرتريين من سلوك النظام الإرتري الذي عمل منذ البداية إلى إقصاء الآخرين  ، فآثر المنفي على العودة إلى إرتريا في ظل سياسة الإقصاء وكبت الحريات التي انتهجها النظام الدكتاتوري. 

يستدرجك نحو السياسة والهم الوطني كلما التقيت به ، ولا مكان في حديثه للحظوظ الشخصية ، أو حسرة علي حظ فات ، أو ضجر من نوائب الدهر ، مفطور علي حب بلاده من شعر رأسه إلي أخمس قدميه ، لا يقادر الولاء عنده سقف الإنتماء الوطني ، وما دونه إنتماءات تمثل تفاصيل قدرية لا ينكرها ولكنه لا يعبأ بها ولا تشغله عن انتمائه الكبير.      

رجل في العقد السابع من عمره قضي معظمه في رحاب القضية الوطنية يقدم لها جهده ووقته ، يتمتع بذاكرة ذهبية وقلب يعشق الحرية والحياة . لم ينل الزمن من عزمه وعظيمته ولا من آماله وطموحاته وإن ترك بسماته علي جسده .

إنه المناضل الكبير أحمد سويرا الذي نستنطقه في الحوار السردي التالي لنرصد معه ومن خلاله جانبا من المواقف والمحطاته النضالية للرجل ، والتي امتدت لنحو ستة عقود.

قد يلحظ البعض في طيات الحوار السردي هذا بعض الإيغال وتناول التفاصيل الصغيرة التي تبدو من الوهلة الأولي مملة أو غير مهمة ، ولكن في رأي بأن التفاصيل الصغيرة هذه تكتسي أهمية تفوق في أحيان كثيرة الأحداث التي تبدو من الوهلة الأولي كبيرة ، وذلك لما ترسمه هذه التفاصيل من إشارات ودلالات وطنية بالغة الأهمية لجيل اليوم في هذا الوقت العصيب من تاريخ بلادنا …. وأيا كان موقفنا من هذه التفاصيل ، فهي في النهاية تمثل دور سويرا المواطن تجاه بلاده وقضاياها والتي يجب أن تنال منا جميعا التقدير والعرفان .

وإلى أولى حلقات حوار…شــــريــط… الـــــذكــــريات  

 

   

أحمد سويرا .. وبدياته

 مع رفض الظلم والاستع

1. السيرة الذاتية ؟

الاسم ، أحمد إسماعيل أحمدين ، لقبت بسويرا منذ أيام دراستي بالخلوة ، من مواليد 1937 م بمنطقة سويرا بإقليم أكلي قوزاي ، انتقلت في صبايا إلي أسمرا وبالتحديد في عام 1949م .

هاجرت في منتصف عام 1954 إلي السودان . التحقت بحركة تحرير إرتريا في عام 1958 م ، ثم في مراحل لاحقة بجبهة التحرير الإرترية. 

2. ما هي دوافعك وراء الانتقال إلي أسمرا في تلك السن المبكرة ، وكيف وجدت أسمرا ؟ 

بالطبع لايوجد سبب بعينه دفعني للتوجه إلي أسمرا سوي التطلع ربما إلي حياة المدينة . أما أسمرا في ذلك الوقت أبرز ما فيها أنها كانت تعج بنشاط سياسي لم أكن ملما بتفاصيله بحكم صغر سني  ، غير أن الذي أذكره في هذا الشأن هو إغتيال الزعيم الوطني الكبير عبد القادر كبيري في عام 1949 م ، من قبل عصابات حزب الوحدة ” الأندنت ” وهو يتأهب للسفر إلي نيويورك لحضور مداولات الجمعية العامة للأمم المتحدة حول القضية الإرترية لعرض وجهة نظر الشعب الإرتري الذي كان يرنو في معظمه إلي الاستقلال .

3. ما هي أهم الأحداث والمحطات العالقة بذاكرتك عن فترة وجودك بأسمرا؟  

هناك عدد من المحطات والأحداث في أسمرا مازالت عالقة بذاكرتي منها ، بعد قدومي إلي أسمرا عملت في عدد من الأعمال ، وكان آخرها العمل في مقهي كان العمل فيه يبدأ عادة عند الساعة الرابعة صباحا ويستمر إلي الثانية عشرة ليلا وبأجر زهيد . ولكن هذا الوضع أشعرني بالظلم ، فتحركت من ثم في أوساط عمال المقاهي سرا أحثهم على ضرورة التحرك بغية رفع الظلم عن كاهلنا دون التفريط في العمل ، ولقي ذلك تجاوبا من (147) شخصا من عمال المقاهي .

ذهبت بداية إلي محامي يدعي ” هبتوم أريا ”  بغرض استشارته في الأمر ، إلا أنه اعتذر متعللا بأن أصحاب الشأن ـ يعني العمال ـ غير مدركين لحقوقهم ، وربما خاف من أن يتهم بالتحريض من قبل السلطات . ثم ذهبت بعد ذلك إلي مكتب العمل وكان يعمل فيه بعض أصدقائي من صغار الموظفين أمثال موسي أحمد ، وعقباي ، وطاهر الذين تعاطفوا مع القضية مما حدا بهم إلي رفع مذكرة بشأنها للجهات المسئولة ، أكدوا لي بعدها بأن القضية ستجد حلا مناسبا وإن كان المتوقع أن يتأخر الرد لبعض الوقت .

بعد ذلك قمت بدعوة كل العمال الذين سبق وشاورتهم في الأمر إلي اجتماع علني في الفناء الخلفي لبار قريبة أحد الزملاء ويدعي ” سقاي ” الملقب بـ ” شونكانتا ” الواقع بجوار ” فندق أبرا ” ، فشرحت لهم نتائج اتصالاتي وما تمخض عنها ، وعقب الاجتماع عاد الجميع إلي مواقع عملهم إلي حين إشعار آخر .

وبعد فترة من تقديم المذكرة ، وبناء عليها شكل مكتب العمل لجنة ميدانية تقوم بدراسة المسألة من خلال عقد لقاءات مع أصحاب المقاهي والعمال لمعرفة نوع القضايا والمشاكل التي تواجه العمال. ثم رفعت اللجنة تقريرها للجهات المعنية ، وعلى ضوئه أصدر مكتب العمل لائحة تحدد ساعات العمل بثماني ساعات ، مع إلزام أصحاب المقاهي بتحسين أجور العمال ، وحق العامل في الحصول على الإجازة الأسبوعية . كما ألزمت اللائحة العامل بضرورة إخطار صاحب العمل قبل خمسة عشرة يوما من نيته في ترك العمل .

ومن المواقف التي أذكرها أيضا ، في أول زيارة للإمبراطور هيلي سيلاسي عقب قيام الحكم الفيدرالي بين إرتريا وأثيوبيا ، وبعد انفضاض حشود المرحبين والمناوئين لزيارته إقترحت علي زميل لي يدعي ” أحمد كوربيا ” ونحن في طريق عودتنا إلي منازلنا التوجه إلي مسجد أسمرا العتيق وإنزال العلم الأثيوبي من فوق مئذنته ، غير أن أحمد كوربيا أشار علي بتناول وجبة العشاء أولا في مطعم ” بازرعا ” ، إلا أنني ألحيت عليه القيام بهذه الخطوة قبل أي شيئ ، فتوجهت إلي مسجد أسمرا ، وطلبت من راعي المسجد الشيخ طه العفري مفتاح المسجد حتي يتسني لي الصعود إلي مئذنته وإنزال العلم الأثيوبي ، إلا أنه رفض ذلك قائلا: أن هذه مسئولية ، وأن لجنة الاستقبال هي التي وضعت العلم هناك ، وليس لأحد من بعدها الحق في إنزاله . وفي مقابل تشدد الحارس اهتديت إلي وسيلة بديلة ، حيث دخلت إلي المعهد الديني الإسلامي الملاصق للمسجد ومن هناك تسلقت إلي أن وصلت المئذنة فأنزلت العلم ، ومن هناك توجهت إلي منزلي ” بقزا برهانو ” وفور وصولي قمت بإحراق العلم الأثيوبي .

وفي اليوم التالي علمت لجنة الإستقبال بالأمر ، وبينما أنا جالس بجوار عمارة ” أحمد باحبيش ” الحضرمي اليمني ، أحكي للأخ المرحوم ” عمر علي قافو ” عن تلك القصة ، مر علينا بالصدفة أعضاء لجنة الاستقبال وهم أحمد حيوتي ، فيتوراري حقوص ، وبلاتا نقاش محمد عمدة سوق أسمرا أنذاك ، لمحني الأخير وأشار إلي بسبابته طالبا المثول أمامه ، واعتبرت ذلك إهانة واستفزازا منه فرفضت القيام إليه ، إلا أن المرحوم قافو طلب مني التوجه إليه مؤكدا أن بلاتا نقاش لن يمسني بسوء ، فقمت إليه ، وبادرني بسؤال ماذا فعلت بالأمس؟؟؟ أجبته أنزلت العلم الأثيوبي من فوق مئذنة المسجد . ثم سألني مستنكرا ، ألا تعلم أن ذلك يمثل خرقا للقانون؟!!! ولم ينتظر إجابتي ، بل أضاف قائلا ، أنك تريد إساءة العلاقة بيننا وبين أهلك ، ولولا صغر سنك ومعرفة أهلك ” كنا نوديك أنقليرا ” وأنقليرا كلمة إيطالية ـ وتعني بالعربية العامية ” دهية ” وطبعا كان تهديدا مع وقف التنفيذ للإعتبارات التي ذكرها هو ، وبعدها انصرف كل منا إلي حال سبيله .

وفي سياق متصل كنت أقوم بتحريض من هم في سني بالتوجه إلي معسكر الجيش الأثيوبي في أسمرا رافعين العلم الإرتري ، وكنا نقوم بقذفهم بالحجارة وتوجيه السباب والشتائم إليهم ، كما كنا نقوم بتمزيق صور الإمبراطو هيلي سيلاسي المعلقة في الأماكن العامة .

 

يواصل سويرا سرد مواقفه الشخصية المناهضة للمستعمر التي جاء على ذكر جانب منها في الحلقة الأولى ، فيقول هناك أيضا مسيرة الأربعة ( أربعة أشخاص ) التي قمنا بها بمناسبة المولد النبوي الشريف والتي كان الدافع إليها شعورنا بأن دعاة الاستقلال قد فتر حماسهم في مقابل سيطرة النفوذ الأثيوبي وحزب ” أندنت ” الموالي لهم ، فرأينا إزاء ذلك استغلال مناسبة المولد النبوي الشريف والقيام بمسيرة في شوارع أسمرا من أجل استنهاض همم الوطنيين . ولأجل القيام بذلك استئجارنا طبلين ” دفين ” أما الميكرفون فحصلنا عليه من زميل لي يدعي عثمان كان يعمل في الدعاية للعروض السينمائية بسينما أسمرا .

بدأنا نجوب شوارع أسمرا حاملين علم إرتريا ، وعلى إيقاع الطبلين ندعو عبر الميكرفون المواطنين وأصحاب المحلات التجارية إلي ترك شئونهم وغلق محلاتهم والتوجه فورا إلي ساحة مسجد أسمرا لحضور حولية المولد النبوي الشريف ، وفي الوقت نفسه نتوعد الذين يتقاعسون عن الحضور بفرض غرامة مالية تبلغ (84) أربعة وثمانون دولار أثيوبي ، وسحب الرخصة التجارية خلال خمسة عشر يوما . وفي خاتمة الإعلان نقول بصوت منخفض ـ إمضاء وزير الداخلية محمد سعيد فكي على ـ وزير داخلية الحكومة الفيدرالية الإرترية وقتئذ . وفي هذا الأثناء استوقفنا شاويش شرطة ومعه شرطي آخر اسمه عبد الله محمود أعرفه معرفة غير وطيدة ، وسألني الأخير من الذي أمركم القيام بهذا ؟!! وأجبته لا أحد سوي شعورنا . ثم أضاف ما تقومون به هو من شأن الجهات الدينية وليس من شأنكم . وقلت له لاعلم لنا بذلك ، فمضيا ومضينا ، وصلنا إلى ساحة المسجد ، وفي بداية الحفل أذكر أن ” الشيخ عثمان أبرا ” من عائلة أبرا المشهورة في أسمرا حملني أمام الملأ وخاطب الحضور قائلا: أن هذا الصبي ومن معه قاموا انطلاقا من غيرتهم الدينية بهذا الجهد المقدر . ومن جانبه تعهد الشيخ عثمان للحضور بأنه سيبذل مساعي حثيثة من أجل أن يأخذ الاحتفال بمناسبة المولد النبوي الشريف مستقبلا طابعا رسميا .

ومن الأحداث التي أذكرها عن هذه الفترة أيضا ، كان يتم الاحتفال عادة بذكري قيام الحكم الفيدرالي برفع الأعلام الإرترية والأثيوبية علي واجهات المحلات التجارية وشرفات المنازل ، فضلا علي أبنية المؤسسات الرسمية . وحدث أني كنت أسير في أحد شوارع أسمرأ في إحدي تلك المناسبات ولمحت من بعيد العلم الأثيوبي والهندي يرفرف على شرفة منزل رئيس الجالية الهندية ويدعي ” شتو هاج فيلال ” تحركت نحوه وسألته أين العلم الإرتري؟!! فأجابني باستفزاز ” نحن نعرف العلم الأثيوبي والهندي فقط ”  فما كان مني إلا أن قذفته بحجر توارى على إثره ـ هاج فيلال ـ خلف باب منزله ، واتجهت أنا نحو مركز الشرطة لتدوين بلاغ ضده ، إلا أن الشرطة لم تعر الأمر أي اهتمام ، فتوجهت من هناك على الفور لمقابلة الأخ المرحوم محمود حسين أحمد ، وأنا عازم على كتابة منشور تحذيري باللغتين العربية والإنجليزية للجاليات المقيمة في إرتريا وخاصة الجالية الهندية ، وطلبت من الأخ محمود كتابة ما أملي عليه فاستجاب لذلك ، وأبرز ما جاء في ذلك المنشور تذكير الجاليات المقيمة بأنها مقيمة في إرتريا وليس في أثيوبيا ، وبالتالي عليها مراعاة أحاسيس الإرتريين ومشاعرهم الوطنية ، ومحذرين في الوقت نفسه بالقول ( وإلا سترون ماذا سيحدث لكم ) وذيلنا المنشور بعبارة ” أحرار إرتريا ” وعند الساعة الرابعة صباحا قمنا بوضع المنشور المكتوب بالإنجليزية في مكان بارز في قلب الحي الأفرنجي والمكتوب بالعربية في مدخل الأحياء الشعبية ، وفي الصباح اضطلع المارة علي المنشور وتناقلوا أخباره إلي أن قامت الشرطة بنزعه. 

وفي سياق متصل كان شباب حزب الوحدة ” الأندنت ” يحاولون استفزازنا ، وخاصة في المناسبات الإجتماعية والعامة ، فقررنا إزاء هذا الوضع في اجتماع عقدناه بهذا الخصوص في حي ” قزا برهانو ” القيام برد مماثل لأي استفزاز يبدر منهم ، مع التأكيد علي ضرورة أن نشكل حضورا مماثلا لهم في المناسبات الخاصة والعامة .

وأذكر أيضا ، كنت أسير ذات يوم في أحد طرقات أسمرا برفقة زميلي يوسف أدم ، وقابلنا بالصدفة أحد عناصر الشرطة من أنصار حزب الوحدة ، واتهمني بأنني اعتديت بالضرب دون سبب على صاحب عربة ” كارو ” في شارع كذا ، ورديت عليه لم يبدر مني ذلك ولم يحدث أصلا شجار بيني وبين أي أحد حتي أضربه ، وفي أثناء تجاذب الحديث رميت أرضا بصورة متخفية العصا التي كانت بطرفي تجنبا للمساءلة باعتبار أن حملها داخل المدينة كان محظورا ، وعندما سمع الشرطي صوت إرتطام العصا بالأرض أمرني برفعها ، فنكرت أنها لي ، ورفعها بنفسه ، ولأنني لا أجيد التجرينية كنت أتحدث معه بالعربية . علي كل ساقني إلي مركز الشرطة ، وحرر في مواجهتي بلاغ في ثلاثة قضايا ، هي ضرب صاحب عربة كارو ، وحمل العصا ، والحديث معه بلغة أجنبية ، ويقصد بها ـ  اللغة العربية ـ وبعد أن مكثت في مركز الشرطة بعض الوقت جاء شاويش المركز ، واضطلع على القضايا المحررة ضدي ، واستوقفته قضية اللغة الأجنبية دون القضيتان الأخريتان ، وسأل عن الشرطي الذي قيد البلاغ ضدي ، وقيل له فلان ، ثم قام باستدعائه وسأله باستنكار بعد اتهامه بالجهل والغباء ، كيف تقول عن اللغة العربية لغة أجنبية وهي لغة رسمية بجانب التجرينية في إرتريا بنص الدستور؟!! ثم أخلي سبيلي بعدها.

ومن المواقف التي ما زلت أذكرها عن فترة إقامتي في أسمرا ، المسيرة العفوية التي قمنا بها ذات مساء عقب صلاة المغرب والتي توجهنا بها من حي ” قزا برهانو ” نحو وسط المدينة مرددين شعارات معادية لحكومة تلابايرو ، والحكومة الأثيوبية وحزب الوحدة  ” الأندنت ” وأثناء المسيرة قامت الشرطة باعتراضنا ، تسلل علي إثرها من كانوا في المسيرة ، وقبض علي وعلي اثنين من زملائي ، وتم اقتيادنا إلي مركز الشرطة بتهمة الإزعاج وإثارة الشغب ، واستجوبنا من قبل ملازم المركز ، ومن الأسئلة التي وجهها لي لماذا هذا الإزعاج ؟ وقلت له ليس هذا إزعاج ، بل هو تحية للعلم والشعب الإرتري ، بعد ذلك أمر الملازم الشرطي الذي اقتادنا إلي مركز الشرطة بالإنصراف ، ثم عبر لي بعد ذلك ملازم المركز عن ارتياحه لما قمنا به مؤكدا علي أنه عمل وطني مشروع ، ثم سألني عن سكني ، وكتعبير عن ارتياحه قرر إيصالي إلي منزلي قائلا ” أنني سأقوم بإيصالك بعربتي ولو كنت في ” عدي قعداد ” وهي قرية علي مسافة غير يسيرة جنوب أسمرا ، شكرت له ذلك ، وأوضحت له أنني أسكن في حي مجاور لمركز الشرطة.

ومجمل هذه المواقف عرضتني لمضيقات واستدعاءات متكررة من قبل الشرطة ، اضطررتني في نهاية المطاف اتخاذ قرار مغادرة أسمرا في منتصف عام 1954 م .

4. إلي أين غادرت أسمرا ، وما هي أهم وقائع هذه المرحلة ؟

فكرة مغادرة أسمرا نحو السودان ومنها إلي مصر كان يشاطرني فيها الأخ المرحوم محمود حسين أحمد ، والذي توفي بلندن قبل أربع سنوات ، وعلي الرغم من أن القرار يعود سببه في المقام الأول إلي المضايقات والإستدعاءات المتكررة التي تعرضنا لها من قبل الشرطة ، ولكن أيضا كانت هناك داوافع أخري للمغادرة ، من بينها الذهاب إلي مصر بغرض الدراسة ، وعكس المظالم التي يتعرض لها الشعب الإرتري إلي الشعب السوداني من خلال إذاعة أمدرمان فيما إذا أتيحت لنا فرصة في ذلك .

بعد اتخاذ قرار المغادرة واجهتنا مشكلة تأمين تكاليف الرحلة ، ولكن استطعنا التغلب عليها من خلال الاتصال بأحد التجار السودانيين الذي كانت لي معه معرفة سابقة ويدعي  ” عثمان عمر ” والمعروف في أسمرا (بتاجر بصل) ، فأمن لنا تكاليف السفر إلي تسني عن طريق أحد معارفه من المتعهدين الإيطاليين الذي كان يقوم بترحيل عربات الحكومة الإرترية التي تم بيعها للحكومة السودانية ، بجانب إعطائنا مبلغا من المال وعنوان أحد أقاربه في كسلا ويدعي ” محمد أحمد حسن ” . 

وبعد أسبوع من وصولنا إلي تسني افترقت مع زميلي محمود حسين أحمد ، حيث واصل هو رحلته نحو كسلا ، وفضلت أنا البقاء في تسني لبعض الوقت بغرض العمل والحصول على بعض المال ومواصلة الرحلة لاحقا .

ألتقيت في تسني ببعض الشباب الذين كنت أعرفهم في أسمرا ، وعملت لبعض الوقت  في مقهي  تركته فيما بعد نتيجة مشكلة حدثت بيني وبين مجموعة من أبناء الفلاتة .

بقيت في تسني مدة ثلاثة أشهر وتزامن وجودي فيها مع زيارة الإمبراطورهيلي سيلاسي للمديرية الغربية بما فيها مدينة تسني ، وأذكر أن الإدارات الأهلية والمدنية بالمديرية قامت بحشد جماهيري واسع من مختلف مناطق المديرية بغرض استقبال الإمبراطور ، كما قامت بتزيين المدينة بأعلام الفيدرالية (الإرتري والأثيوبي).

وفي هذه الأجواء واتساقا مع نشاطاتي السابقة في أسمرا رأيت ضرورة تنظيم مسيرة مناهضة لزيارة الإمبراطور إلي تسني ، واتصلت ببعض الزملاء الذين أعرف مسبقا مواقفهم في هذا الشأن . وعقدنا اجتماعا تشاوريا في منزل الأخ يوسف محمد سليمان ـ المعروف بيوسف فورستالي والذي كان في حينه موظفا بقسم الغابات في تسني . ومن العناصر التي حضرت الاجتماع بالإضافة لشخصي والأخ يوسف محمد ، الأخ عمر أحمد وكان يعمل موظفا في مكتب التلفونات بتسني ، والأخ عثمان إدريس ، والأخ أحمد حيش ، واثنان آخران لا أذكرهم الآن ، على العموم كنا ستة أشخاص باستثناء يوسف محمد سليمان الذي لا يستطيع الظهور معنا في الأماكن العامة بحكم طبيعة عمله ولكنه سيراقب الموقف من بعيد .

تقرر في الاجتماع القيام بإنزال الأعلام الأثيوبية من جميع المحلات والمؤسسات الحكومية ليلة قدوم الإمبراطور ، وتسيير مسيرة مناهضة لزيارته . وانيطت بي والأخ عمر أحمد مهمة إنزال الأعلام الأثيوبية من المحلات التجارية والمؤسسات العامة ، وقمنا بإنزالها من معظم المواقع التي تمكنا من الوصول إليها في منتصف ليلة قدوم الإمبراطور إلي تسني . وفي الصباح انطلقنا حسب الخطة حاملين العلم الإرتري نحو حشود المستقبلين التي تحركت نحو المطار ، وكان على رأسهم مفتش تسني المدعو ” صالح محمد حنيت”.    

وفي المسيرة كنا نردد  ” صلوا على النبي صلوا .. النور يا محمد نبي صلوا ” ، وهو مقطع من نشيد شباب حزب الرابطة الإسلامية . وكان النساء يتجاوبن بالزغاريد عندما يعانق مسامعهم هذا المقطع . كما كنا نشرح للمواطنين خصوصا وأن معظمهم يجهل طبيعة الحشد الذي يشارك فيه ، بأن الإمبراطور هيلي سيلاسي الذي يستقبلونه هو عدو الدين وعدو إرتريا .

وبينما نحن على هذا الحال جاءني ” محمد رداي ”  شقيق رئيس البرلمان الإرتري آنذاك ” على رداي ” ، وكان يعمل نائبا لمفتش تسني ، وسألني من المسئول عن هذا العمل ؟ أجبته أنا المسئول ، ومن الذي كلفك بهذا ؟ قلت له لم يكلفني أحد ، كم عددكم ؟ أجبته عددنا ستة . أين العلم الثاني ؟ ويقصد به العلم الأثيوبي ، أجبته لا يهمنا العلم الثاني ، بل الذي يهمنا هو العلم الإرتري . بعدها قال لي أنت درويش!!! قلت له لست درويشا ، ولا يحمل الدرويش علم بلاده . بعدها استدعي ضابط شرطة وسلمني إليه ، والضابط كرر نفس أسئلة نائب المفتش ، وأضاف عليها سؤال من أين أنت؟ قلت له من تسني ، قال لي مستنكرا أنا من مواليد تسني وأعرف كل الناس هنا ولا أعرفك ؟!!

بدأ الضابط حديثه معي بشيئ من التعنيف ، ولكن سرعان ما لان موقفه وتنحي بي جانبا ، وسألني ماسمك ؟ قلت له أحمد سويرا . ثما صارحني قائلا أنا مثلك لدي شعور وطني ولكن موقعي الوظيفي لا يسمح لي باتخاذ موقف مماثل لموقفك ، وأضاف لن أقوم باعتقالكم حسب التوجيهات التي صدرت إلي ، ولكن عليكم العودة إلي الصفوف الخلفية.  

ونحن في داخل الجماهير المحشتدة لمحني الرائد محمد ناصر الذي كان يشرف على الاستقبال وأنا أحمل العلم الإرتري دون العلم الأثيوبي فاستفزه ذلك فأمر كاتب شرطة تسني آنذاك موسي محمد هاشم والذي أصبح فيما بعد عضو القيادة العامة في جبهة التحرير الإرترية القبض علي وقال له ” خذ هذا المجنون إلي حيث يوجد المجانين ” ويقصد به السجن . كنت قد تعرفت علي موسي محمد هاشم فترة وجودي في تسني ، وهو الآخر عبر عن مشاطرته لي نفس المشاعر الوطنية ولكنه استدرك بالقول أن موقعه الوظيفي أيضا يحول دون التعبير عنها ، ثم طلب مني أن أتواري من أنظار الرائد … وقبيل هبوط طائرة الإمبرطور بقليل لمحني الرائد محمد ناصر للمرة الثانية وعندها لم يتمالك نفسه ، فاشتبك معي بالأيدي ونزع من يدي العود الذي كنت أحمل عليه العلم ، وخرجت من الإشتباك وفي يدي العلم دون ساريته ، ولحظة الاشتباك كنت أقول له ـ أليست تسني إرترية ؟!!! سأبعث ببرقية للبرلمان الإرتري أوضح فيها بأن الرائد محمد ناصر يمنع رفع العلم الإرتري ، وبما أنه كان منهمكا في تنظيم الاستقبال وتأمين موكب الإمبراطور ، لم يلق بالا لحديثي ، كما أنه ربما لم يأبه بوعيدي . وبعد ذلك جاءني شاب يمني يدعي حسين علي أحمد ، إبن قاضي محكمة تسني القروية ، وتربطه مع على رداي ” رئيس البرلمان الإرتري آنذاك ” علاقة مصاهرة وهو يحمل زجاجة برتقال ، وغصن شجرة لوضع العلم عليه ، حيث كان يتابع عن قرب ما جري بيني وبين الرائد محمد ناصر ، وذلك تعبيرا عن تضامنه معي .

عموما وجد هذا الحدث صدى في أوساط العديد من سكان المدينة ، حتي فكر بعض الشباب الانتقام من الرائد ، إلا أننا أسنيناهم عن ذلك وأقنعناهم بأن صراعنا مع أثيوبيا ، وأن الرائد محمد ناصر ماهو إلا مجرد موظف لديها ليس إلا .

وصل خبر موقف الرائد محمد ناصر معنا إلي بعض الزعماء الوطنيين في أسمرا مثل الشيخ قاض على عمر ، والنائب عمر سليمان ، حيث نشرت الخبر بحيثياته جريدة ” صوت إرتريا ” المستقلة التي كان يرأسها الأخ محمد صالح محمود ، واتصل هؤلاء الزعماء بالرائد محمد ناصر وأبلغوه احتجاجهم علي موقفه ، إلا أنه أنكر اعتراضه على رفع العلم الإرتري. 

بعد زيارة الإمبراطور إلي تسني والمسيرة المناوئة التي اشتركت فيها صار وضعي مكشوفا في تسني هي الأخري ، فقررت التوجه إلي كسلا .

 

 

5. متي هاجرت إلي السودان ، وكيف كانت الرحلة ، وما هي أهم الأحداث التي ما تزال عالقة بذاكرتك عنها ؟

توجهت إلي السودان وبالتحديد إلي مدينة كسلا تقريبا في مايو 1954م بصحبة رجل يدعي أحمد سليمان ، وفي كسلا قابلت أحد شباب الرابطة الإسلامية الإرترية وهو المرحوم أحمد علي عبدالله الذي مكثت معه أسبوعا توجهت بعده إلي أروما حيث يقيم بعض معارفي ومن بينهم صديقي محمود حسين أحمد والذي كان معي في رحلتي من أسمرا إلي تسني وسبقني إلى السودان .

وبعد وصولي إلي أروما بأسبوع عملت في شركة الأشغال العامة في تزييت مواسير المياه . وبعد فترة من عملي أصبحت عضوا في نقابة غير معترف بها لعمال مصلحة الأشغال العامة ، والتي تقدمت بعد تكوينها ببعض مطالب العمال إلى مدير الشركة ، غير أن المدير بدلا من الاستجابة للمطالب فصل النقابة من العمل ، وبالطبع كنت واحدا منهم فشملني الفصل .

بعد ذلك غادرت إلي بوتسودان وعملت هناك في شركة ” لافياز ” لحلج القطن ، وعلى نمط التحرك النقابي الذي قمت به في أروما اشتركت أيضا في تشكيل نقابة لعمال الشركة وتم اختياري نائبا لسكرتير النقابة . قامت النقابة برفع مذكرة تتضمن عددا من المطالب إلي مدير الشركة ، وعلي إثرها قام المدير بفصل جميع العمال ، واحتجاجا علي الفصل التعسفي اعتصمنا جميعا في حديقة مديرية بورتسودان لعدة أيام ، ولكن دون جدوي .

ومن الأحداث التي أذكرها في فترة إقامتي بمدينة بورتسودان ، اجتماع حي ” ديم كوريا ” الذي حضره معظم الإرتريين هناك بغرض التفاكر حول دورهم في قضية الاستقلال . حيث قرر المجتمعون كتابة رسالة إلي الزعماء الوطنيين في داخل إرتريا يؤكدون فيها لهم استعدادهم للعمل من أجل استقلال إرتريا وأنهم يتطلعون إلى خروج الزعماء من إرتريا لتبني الخيار الملائم لتحقيق الاستقلال الوطني ، حمل تلك الرسالة إلي إرتريا الأخ ” محمود قاضي ” شقيق القاضي المعروف ” محمد عمر قاضي ” .

وفي عام 1956 رافقت الأخ ” عمر قونحتا ” إلي مدينة ” عطبرة ” ومنها إلي مدينة ” كريمة ”  لزيارة الأخ ” إبراهيم علاوي ” . وبعد يومين من تلك الزيارة عدت وحدي من كريمة إلي عطبرة ، فوجدت في عطبرة طوابير من السودانيين تقف أمام مكاتب تسجيل المتطوعين للمشاركة في صد العدوان الثلاثي الغادر الذي تقوم به بريطانيا وفرنسا وإسرائيل علي مصر ، فقررت التطوع ومن ثم ذهبت إلي مكتب مراقبة المتطوعين وكان فيه شخص يدعي ” إبراهيم السعودي ” ، وسلمته مكتوب يتضمن اسمي ، وهويتي ، ورغبتي في التطوع . ورد علي إبراهيم السعودي بالقول أن ” من حق إخوتنا الإرتريين مشاركة السودانيين في الدفاع عن مصر”  ثم أعطاني رقم  التسجيل” 16 “.

ولكن قبيل إتمام عملية التسجيل وصل خبر يفيد بتوقف العدوان الثلاثي على مصر إثر غليان الشارع العربي وتهديد القادة السوفيت بضرب عواصم الدول الثلاث إن لم توقف عدوانها.

توجهت بعد ذلك إلي الخرطوم ، وبعد وصولي بفترة سعيت مع بعض الإخوان لإقامة جمعية ترعي شئون الإرتريين في الخرطوم . واجتمع لهذا الغرض في منزل المرحوم “عابدين الأمين ” رائد في المخابرات السودانية الذي كان يستأجره بعض الإرتريين نحو (80) ثمانين شخصا ، وفي بداية اللقاء أثير جدل حول اسم الجمعية ، فبينما يري معظم الحضور أن يطلق عليها اسم ” الجمعية الخيرية لأبناء إرتريا ” تري قلة منهم أن يطلق عليها اسم ” الجمعية الخيرية الأثيوبية ” ، إلا أن المسألة حسمت في الأخير عن طريق التصويت ، حيث صوت (72) شخصا لصالح الاقتراح الأول ، بينما صوت (08) أشخاص لصالح الاقتراح الثاني الذي سقط .

انتخب لرئاسة الجمعية المرحوم دكتور جعفر أبوبكر ، والذي عين بعد استقلال إرتريا مديرا لجامعة أسمرا ، حيث كان يدرس في ذلك الوقت في معهد عبد المنعم محمد ، ومن أعضاء اللجنة الذين أذكرهم  بالإضافة إلي شخصي الإخوان جعفر على أسد ، ومحمود حسين أحمد ، وعبد العليم نور حسين .

صحيح أن تكوين الجمعية كان الهدف منه التصدي لمسائل ذات طابع اجتماعي خاصة وأن معظم المنضوين فيها وبحكم تدني مستوى وعيهم السياسي لا يرغبون أن يتضمن أهداف الجمعية نشاط ذات طابع سياسي ، إلا أننا استطعنا أن نضمن بند صرف في اللائحة يقضي بـ( استقبال ومساعدة الإرتريين الهاربين نتيجة مضايقات الاستعمار الأثيوبي ) وكان هذا البند مدخلا استعنا به فيما بعد .

وبعد قيام الجمعية الخيرية بفترة ، قدم من إرتريا الأخوان محمد برهان حسن ، وسلمون ، وهم في طريقهم إلي مصر ، وقصة مجيئهم هي أنهم علما من خلال وسائل الإعلام  بوجود البترول في منطقة إمبيرمي شمال ميناء مصوع ، وفور سماعهما الخبر ، قررا التسلل سرا إلي الموقع المذكور ، فوصلا إليه وأخذا عينة من تربة الموقع ثم عادا إلي أسمرا متخفين ، ومن هناك توجها إلي السودان بغية السفر إلي مصر ووصلا إلي كسلا وقابلهم شرطي سجون من أصل إرتري يدعي عبد الله إدريس عرف عنه تعاونه مع القادمين الجدد من الإرتريين ، واصطحبهم عبدالله إدريس إلي الخرطوم ، حيث اتصلوا بنا عند وصولهم ، وشرحوا لنا دوافع مجيئهم ورغبتهم للسفر إلي مصر لمقابلة القيادة المصرية لطلب الدعم منها لإعلان الثورة من أجل تحرير إرتريا من قبضة أثيوبيا مع إحاطتها ـ أي القيادة المصرية ـ  بوجود البترول الذي يحملون عينة من تربة الموقع الذي ظهر فيه . ومن جانبنا قدمنا لهم مبلغ (09) جنيه سوداني من خزينة الجمعية ، وكان هذا الموقف بداية النهاية للجمعية المذكورة نظرا لاحتجاج بعض أعضائها علي المبلغ الذي تم دفعه لمحمد برهان وسلمون باعتباره حسب رأيهم صرف على بند سياسي لم يكن أصلا ضمن بنود الصرف المتفق عليها في اللائحة .

سافر الإثنان إلي مصر ، وقابلا كلا من علي صبري والرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات أعضاء قيادة ثورة 23 يوليو المصرية ، وشرحا لهما طبيعة زيارتهما لمصر . إلا أن القياديان المصريان بعد التأكيد لهما على نبل الهدف والشعور الوطني العالي للأخوين نصحاهم بالعودة إلي إرتريا وتعبئة الجماهير الإرترية وحشدها خلف القضية الوطنية حتي تكون سندا للثورة ، وعندما تبرز الثورة للوجود أكدا لهم بأن مصر وغيرها سيقفون بجانب الثورة .

 وعملا بهذه النصيحة عادا إلي إرتريا ، انضم بعدها محمد برهان إلي حركة تحرير إرتريا ، كما تعرض للإعتقال . أما سلمون لم أسمع عنه أي شيئ بعد عودته من مصر .

وفي حوالي عام 1957م ، وبعض انفضاض الجمعية السابقة ، اجتمعنا حوالي تسعة أشخاص في منزل الأخ ” علي سعيد علق ” بالخرطوم (3) بهدف تكوين جمعية ذات طابع سياسي ، فكان ميلاد ” جمعية شباب تحرير إرتريا ” برئاسة المرحوم محمود حسين أحمد .

وفي تلك الفترة أيضا وصل الزعيمان إبراهيم سلطان وإدريس محمد آدم إلي الخرطوم في طريقهم إلي مصر نتيجة تدهور الأوضاع السياسية في إرتريا . كان وصولهما محاط بسرية تامة خشية معرفة المخابرات الأثيوبية بهما . استضيفا في الخرطوم في دار شخص يمني يدعي عبده ربه متزوج من إرترية .

أبلغنا بوصولهما الأخ جعفر على أسد ، كما قام بتمهيد اللقاء بيننا ، فذهبنا لمقابلتهما أنا والأخوان محمود حسين ، صالح سراج ، وعبد العليم نور حسين ، وبعد التعريف ، شرع الزعيمان في شرح الظروف السياسية التي دفعتهم للخروج من إرتريا ونيتهم في التوجه إلي مصر لإطلاع القيادة المصرية علي الأوضاع السياسية في إرتريا.

وأذكر أن المرحوم إبراهيم سلطان بعد تناوله لمجمل الأوضاع السياسية ومتطلبات المرحلة علي الصعيد الإرتري ، اختتم حديثه بالقول ” عليكم السعي من أجل توحيد كافة الإرتريين حتي نتمكن جميعا من الدفاع عن حقوقنا الوطنية ”

أما المرحوم إدريس محمد آدم ، فبعد أن أمن على حديث إبراهيم سلطان أضاف قائلا : ” إذا ما تعثرت الوحدة بين المسلمين والمسيحيين فإننا سنضطر إلي إقامة دولة إسلامية على الحدود السودانية الإرترية “.

إلا أن هذا الطرح وجد تحفظا من قبل كل الحضور ، فحاول المرحوم إدريس محمد آدم التخفيف من وقع ذلك على الحضور بالتركيز على أنه ليس خيارا ولكنه اضطرارا فيما إذا تعثرت مساعي الوصول إلي الوحدة بين الطرفين .

أذكر هذا من باب التوثيق للتاريخ ، ولا يجب أن يفصل هذا الموقف من سياقه التاريخي الذي كان يتميز بالتباين الحاد بين مواقف حزب الوحدة ذات الأغلبية المسيحية الذي كان يدعو ويدافع عن الوحدة مع أثيوبيا ، وحزب الرابطة الإسلامية الذي كان مناوئا للوحدة مع أثيوبيا ويدعو ويدافع عن استقلال إرتريا . وبالتالي فإن موقف المرحوم إدريس محمد أدم هذا ينطلق من تلك الخلفية حيث لا يري غضاضة في حال تعذر الوحدة وردم الهوة بين الطرفين إعلان دولة إرترية في المناطق المحاذية للسودان . وأن ما يمكن استخلاصه بجلاء عن هذا الموقف ، هو أن المرحوم إدريس محمد أدم كان متشبثا بإستقلال إرتريا ولو كان ذلك علي جزء منها.

وأذكر أيضا ، أنه قد تناهي إلينا في تلك الفترة خبر إنزال العلم الإرتري عبر الإذاعات ، وقررنا الاتصال بوكالة الأنباء الأفريقية بالخرطوم ، وكلف لتلك المهمة محمود حسين وعبد الله ديجول وشخصي . كان مدير الوكالة في تلك الفترة الأستاذ عبد الكريم المهدي ، وبعد التعريف بأنفسنا أوضحنا له بأننا نود التأكد من خبر إنزال العلم الإرتري الذي تناقلته الإذاعات بالأمس ، كانت إفادته ليس للوكالة علم بهذا الخبر ، وأردف قائلا ، ولكن إذا صح هذا فإن الأمر لا يعني الإخوة الإرتريين وحدهم ، بل يعنينا أيضا ، فاتصل مباشرة بالسفير الأثيوبي بالخرطوم المدعو ” ملس عندوم ” شقيق الجنرال ” آمان  عندوم ” مستفسرا عن خبر إنزال العلم الإرتري ، إلا أن السفير رد عليه بصورة تنم عن تجاهله للمسألة قائلا ، أن آخر خبر أمامه يقرأه الآن هو خبر مباراة الفريق القومي الأثيوبي ضد نظيره الأكراني بالأمس .

=================

أحمد سويرا وإنضوائه

في الحركة السياسية الإرترية

 

6. كيف كانت بداياتك مع العمل السياسي المنظم وما هي أبرز محطاته؟

كانت بداياتي مع العمل السياسي المنظم في إطار حركة تحرير إرتريا في عام 1958م . فعلي الرغم من أن الحكم الفيدرالي في الأصل لم يكن في الأساس تعبيرا عن رغبة الشعب الإرتري بقدر مكان نزولا عند رغبة الجهات الطامعة في إرتريا ومنها أثيوبيا بالطبع ، إلا أن الإمبرطور ونتيجة الرغبة الجامحة في الهيمنة الكلية علي إرتريا سعي لتقويض الحكم الفيدرالي نفسه ، فعمد وقبل مضي أعوام قليلة على تطبيقه إلي إلغاء كل ما يرمز إليه ، من علم وشارات شرطة وإجراءات أخري تصب في نفس الاتجاه . وكانت تلك الإجراءات هي القشة التي قصمت ظهر البعير ، وألبت الشارع الإرتري الذي قام بالمظاهرات المناهضة لتلك الخطوات في جميع المدن الإرترية معبرا عن استنكاره لانتهاك الإمبراطور نصوص وروح القرار الفيدرالي رويدا رويدا.

ولا أجافي الحقيقة إن قلت أن قيام حركة تحرير إرتريا في 02/11/1958م بمدينة بورتسودان كان أيضا بمثابة الرد على تلك الانتهاكات من جهة ، ومن جهة أخري كانت تعبيرا عن  اضمحلال العلاقة الفيدرالية مع أثيوبيا ، وتجديدا لأشواق الإرتريين القديمة في الإستقلال الوطني. 

ومن بين المؤسسين لحركة تحرير إرتريا محمد سعيد ناود ، عثمان محمد عثمان ، طاهر إبراهيم فداب ، إدريس محمد حسن ، حسن حاج إدريس ، عبد القادر إسماعيل ، عمر قونحتا ، وتولدي قرزقيهر ، محمد حسن عثمان ، يسين عقدا ،  وآخرين ، وأختير لرئاستها محمد سعيد ناود .

وكانت أهداف الحركة تتلخص في إنهاء الوجود الأثيوبي ، وإعلان استقلال إرتريا ، وذلك من خلال تعبئة سرية للجماهير ونشر الوعي في أوساطها ، والتغلغل في مؤسسات الحكومة الفيدرالية وعلى رأسها الشرطة الإرترية ، ومن ثم القيام بمظاهرات في كل المدن الإرترية ، تمهيدا لانتفاضة تتقدمها الشرطة للإستيلاء علي السلطة وإعلان الاستقلال .

وإذا ما تعثرت هذه المحاولة تتحرك الشرطة نحو الريف علي اعتبار أن الشعب قد وعي بقضيته وسوف يقوم باحتضان عناصرها الذين سيشكلوا نواة الثورة المسلحة . 

لم تكن لجمعية ” شباب تحرير إرتريا ” بالخرطوم التي أشرت إليها في الحلقة الماضية علاقة بحركة تحرير إرتريا عند التأسيس ، ولكن كانت لدي مؤسسي الحركة معلومات حول نشاطات الجمعية ، ولذا كلفت الحركة عقب قيامها عضو قيادتها الأخ المرحوم طاهر إبراهيم فداب بالسفر إلي الخرطوم للقاء أعضاء الجمعية وشرح أهداف الحركة ومطالبتهم بالانضمام إليها. وبحكم تهيئهم المسبق انضوى أعضاء الجمعية في الحركة في أول لقاء جمعهم بوفد الحركة الممثل في الأخ طاهر فداب ، والذي سلمني عقب اللقاء وثائق الحركة التي كانت بحوزته .

وتجدر الإشارة هنا إلي أن نشاط الحركة في ذلك الوقت كان محاطا بالسرية نظرا للعلاقة الوطيدة التي كانت بين نظامي الفريق إبراهيم عبود في السودان وهيلي سلاسي في أثيوبيا في تلك الفترة .   

تبنت الحركة أربع مراحل لتحقيق أهدافها ، وهي التأسيس ، الإنتشار والتوسع ، التركيز ، والتنفيذ ، وفي تقديري فإن الحركة نجحت في المراحل الثلاثة الأولي ، بينما تعثرت المرحلة الرابعة ، وهي التنفيذ والتي تقرر أن تتم من خلال انتفاضة قوات البوليس الإرتري ، حيث تم إجهاضها نتيجة تسرب المعلومات عن تلك الخطة مسبقا ، وذلك عدا قوة بوليس مدينة مصوع التي تمكنت من الاستيلاء على السلاح والتوجه به نحو الريف ، ولكنها وقعت هي الأخري في كمين نصب لها من قبل الجيش الأثيوبي ، فدارت بين الطرفين معركة قتل فيها الشهيد قمحي إدريس ، فيما تمكن الشهيدان عمر ناصر شوم ، ومحمد سعيد شمسي من اختراق حصار العدو بسلام والإلتجاء إلي جيش التحرير.

وبخصوص الخلاف بين الحركة والجبهة وما جري بين الطرفين فيمكن القول بأن الحركة كانت تري بأن الانتصار على العدو لا يتحقق إلا من خلال الوحدة ، ولا تتحقق الوحدة إلا بنشر الوعي وتعبئة الجماهير وتبصيرها بأهداف الثورة .

بينما الجبهة كانت تري تحقيق الوحدة من خلال الكفاح المسلح باعتباره أداة الثورة ووحدتها في آن معا . وبالتالي كانت تدعو إلي ضرورة انخراط الحركة فيها على قاعدة ” الساحة لا تتحمل أكثر من تنظيم ” دون الاعتبار لبرنامجها ورؤيتها ودون حوار ، ويمكن تشبيه موقف الجبهة آنذاك من الحركة بموقف الجبهة الشعبية اليوم من قوي المعارضة الإرترية.

كانت قيادة الحركة تقوم بتعبئة الجماهير الإرترية في الداخل والخارج من أجل الضغط على قيادة جبهة التحرير الإرترية لحملها على الحوار مع الحركة ، وفي تلك الظروف رأت قيادة الحركة ضرورة أن تقوم عناصرها التي تعمل في مجال تعبئة الجماهيرية في منطقتي الساحل وسمهر بحمل السلاح بصورة سرية حتي تحمي نفسها من أي اعتداء .

وأما القول بأن الحركة كانت تملك جيشا فهذا يفتقر إلي الصحة ، حيث لم يختلف الإرتريون يوما أن الكفاح المسلح الإرتري بدأ في الفاتح من سبتمبر من عام 1961 م بقيادة الشهيد حامد إدريس عواتي وعلي يد جبهة التحرير الإرترية ، وأما ما يسمي بجيش الحركة فلا يخرج عن السياق الذي أشرت إليه آنفا .

أعود إلي نقطة الحوار الذي كانت تدعو إليه الحركة مع جبهة التحرير الإرترية لأوضح حادثة بعينها تبين بجلاء موقف الحركة والجبهة من الحوار . ففي الوقت الذي قرر فيه المجلس الأعلي ـ القيادة السياسية للجبهة ـ تصفية عناصر الحركة ، سافرت من بورتسودان إلي كسلا حاملا رسالة من قيادة الحركة إلي المجلس الأعلى تدعو فيها إلي الحوار بين الطرفين وعدم الاحتكام إلي القوة لحل الخلافات .

وفي هذا الصدد اتصلت بعد وصولي إلي كسلا من خلال لجنة الحركة ببعض أعضاء الجبهة مثل ” صالح محمد إدريس ـ الملقب بأبوعجاج ـ  ومحمد أحمد إدريس ومحمد آدم أمير ، الذين تربطهم علاقات اجتماعية ببعض أعضاء لجنة الحركة ، وشرحت لهم دوافع مجيئ إلي كسلا ، وطلبت مساعدتهم لمقابلة المجلس الأعلي ، إلا أنهم تعللوا بأنهم عسكريين ليس بمقدورهم القيام بمهمة سياسية ، وإنما يمكنهم احتواء قرار التصفية الذي أصدره المجلس الأعلي داخل جيش التحرير عند التنفيذ فيما إذا تمكنوا من معرفة عدد عناصر الحركة والشارات التي يحملونها ونوع السلاح الذي بحوزتهم . إلا أنني أوضحت لهم أنني لست مفوضا عسكريا لمدهم بتلك المعلومات ، وفوق ذلك أنني مكلف فقط بمهمة سياسية من قبل جهة سياسية .

وفي ذات السياق اتصلت بالأخ عمر سوبا الذي جاء لتوه من الميدان ، إلا أنه اعتذر هو الآخر بحجة أنه جاء من الميدان في مهمة محددة لا تسمح له القيام بغيرها . وفي نهاية لقائي به سلمته منشور حركي يتضمن موقفها حول مسألة الوحدة  ليطلع عليه ويطلع عليه الآخرين. 

ثم اتصلت أيضا ببعض عناصر الجبهة أمثال آدم برولي ، أحمد دين إبراهيم ، وسليمان الملقب ” أبانمرو ” إلا أن هؤلاء وجدتهم أكثر تحمسا من غيرهم على تصفية عناصر الحركة على خلفية الاشاعة المبثوثة بأن قيادة الحركة سرقت سلاح الجبهة ، وهي الذريعة التي استند عليها المجلس الأعلي لاتخاذ قرار التصفية .

ونظرا لسيطرة تلك الدعاية المسمومة ضد قيادة الحركة ، فإن محاولاتي المتعددة لم تسفر عن مقابلة المجلس الأعلى ، إلي أن شاءت الصدف وجمعني الطريق بالشهيدين عثمان صالح سبي وإدريس قلايدوس ومعهم شخص ثالث لا أعرفه ، في طريقهم للغداء بأحد المطاعم ، فبادرتهم على الفور بأنني قادم من بورتسودان حاملا رسالة من قيادة الحركة للمجلس الأعلى ، ورد علي الشهيد عثمان سبي بالقول ” ماذا يجمع بيننا ؟!! ” قلت له ما يجمع بيننا هو إرتريا ونضلاتها ، ثم رد على مرة أخري ” قفوا في حدودكم ولا تخربوا الثورة ، وعليكم أن تتحركوا بأدب ” ورفض استلام الرسالة.

وهكذا تبدد الحوار بين الطرفين ونفذ قرار التصفية ضد عناصر الحركة بتاريخ 15/07/1965 م ، بمنطقة ” عيلا طعدا ” في الساحل الشمالي ، استشهد فيها كلا من محي الدين علي ، إدريس مركاب ، علي مركاب ، ومحمد صالح علي. 

بالطبع كان تنفيذ قرار التصفية مجرد خطوة استمرت بعدها الحركة كتنظيم سياسي حتي انعقاد مؤتمرها التداولي بمدينة بورتسودان في مارس 1970 م في ظروف تاريخية دقيقية كانت تمر بها الثورة الإرترية جراء الخلافات التي بدأت تغيم على سماء الجبهة في الوقت الذي ضيق فيه العدو الأثيوبي الخناق على الشعب والثورة من خلال حرق القري والمزارع وقتل المواطنين الأبرياء العزل وتدمير ممتلكاتهم وتسميم آبار المياه ، فضلا على الخلاف القائم أصلا بين الحركة والجبهة.

وإزاء هذا الوضع ولمعالجة الخلافات ومواجهة الظروف الدقيقة التي تمر بها الساحة الإرترية قرر المؤتمر التداولي المشار إليه ، التوسط بين الفرقاء في جبهة التحرير الإرترية تمهيدا لحل الخلاف القائم بين حركة تحرير إرتريا وجبهة التحرير الإرترية في مرحلة لاحقة بغية توحيد أداة الثورة حتي تتمكن من مواجهة التحديات التي تواجهها والوقوف في وجه العدو .

غير أن قرار الحركة في هذا الشأن رغم موضوعيته وأهميته لم يكتب له النجاح نتيجة استفحال الخلافات بين أطراف الجبهة بصورة استعصت معها على الحل .

وفي سياق الاختلاف والإئتلاف الذي وصم الحراك السياسي للثورة الإرترية في تلك المرحلة جرت لقاءات بين قيادة الحركة والأمانة العامة التي كان يرأسها عثمان صالح سبي تمخض عنها التوصل إلي مرحلة التنسيق بين الطرفين .

 وفي خضم ذلك عقدت الأمانة العامة مؤتمر ” سدحوعيلا ” الذي ابنثقت عنه قوات التحرير الشعبية بزعامة المرحوم عثمان صالح سبي ، ودعى مؤتمر ـ سدحوعيلا ـ قيادة الحركة إلي لعب دورها في عملية الوحدة ، واستجابة لذلك أصدر رئبيس حركة تحرير إرتريا محمد سعيد ناود بيانا يدعو فيه إلي الوحدة مع قوات التحرير الشعبية ، إلا أنه لم يستشر في ذلك أعضاء قيادة الحركة وقواعدها . وأحدث ذلك فوضي في كيان الحركة نجم عنه انصراف كيفي من الحركة ، البعض توجه تلقائيا نحو قوات التحرير الشعبية والبعض الآخر نحو الجبهة . أما أنا بقيت مدة من الزمن أعمل بشكل مستقل ، وأسعي في أوساط الجماهير من أجل انجاز الوحدة.

ولما تقرر عقد المؤتمر الوطني العام الأول لجبهة التحرير الإرترية التقينا أنا والأخوان عمر عبد الله ، وإبراهيم أمريكاني بكل من الأستاذ محمد عمر يحي وحروي تدلا بايرو وسعيد صابر حيث عرضوا علينا المشاركة في المؤتمر ، إلا أننا عبرنا لهم عن دعمنا للمؤتمر دون المشاركة فيه مع تأكيدنا لهم ببذل جهودنا من أجل تهئية القاعدة الجماهيرية لقبول نتائج المؤتمر .

وعقب اختتام أعمال المؤتمر اطلعت علي الوثائق الأساسية والقرارات التي اتخذها المؤتمر، فوجدت أنها تستجيب لقناعاتي ، فأصدرت بيانا نشر في مجلة النضال لسان حال جبهة التحرر الإرترية في ذلك الحين ، أعلنت فيه عن انضمامي للجبهة ، بينما انضم الأخوان عمر عبد الله وإبراهيم أمريكاني إلي قوات التحرير الشعبية .

وفيما يتعلق بحركة تحرير إرتريا فيمكن القول بأن بيان محمد سعيد ناود الذي أعلن فيه انضمام الحركة لقوات التحرير الشعبية كان الحلقة الأخيرة في نشاطها كتنظيم سياسي. 

 

 

أما عن أسباب ودوافع الحرب الأهلية الاولي التي نشبت بين جبهة التحرير الإرترية وقوات التحرير الشعبية في مارس من عام 1972م ، فيمكن القول بأن الجبهة وجهت الدعوة لقيادة قوات التحرير الشعبية للمشاركة في المؤتمر الوطني العام الأول غير أنها لم تستجب لتلك الدعوة ، فاتخذ المؤتمر قرارا بإمهالها مدة أربعة أشهر للإنصياع لقرار الوحدة وإلا يتم مواجهتها عسكريا بعد انقضاء المهلة ، مضت المهلة دون استجابة قيادة قوات التحرير الشعبية للقرار فتم مواجهتها عسكريا.

وحول تقييم القرار يجدر القول بأن من الطبيعي أن يكون لكل مرحلة ظروفا خاصة تؤثر في اتخاذ قرار ما قد يثبت خطأه فيما بعد ، وهذا ينطبق علي هذا القرار ، والدليل على ذلك تراجع الجبهة نفسها عنه في المؤتمر الوطني العام الثاني وتبنيها مبدأ الحوار لحل الخلافات بينها وقوات التحرير الشعبية . 

كما أشرت سابقا التحقت بجبهة التحرير الإرترية عقب المؤتمر الأول وعملت عضوا في إدارة مكتب الخرطوم مسئولا عن مكتب الشئون الجماهيرية ، واستمريت في هذا الموقع حتي نكسة الجبهة في عام 1981م.

وإبان الأزمة الداخلية عقب دخول الجبهة الأراضي السودانية وقفت مع خطوة 25 مارس 1982م ، وذلك ليس من منطلق إيماني بأنها كانت خطوة تصحيحية كما روج لها آنذاك ، ولكن لإيماني العميق بأهمية عودة جيش التحرير إلي داخل الأراضي الإرترية ، ولتقديري بأن القضايا الخلافية الأخري يمكن تجاوزها خصوصا وأن أصحاب الخطوة كانوا يدعون إلي عقد المؤتمر الوطني العام الثالث للجبهة تقوم بالتحضير له والمشاركة فيه كل أطراف الجبهة . 

وفي تلك الأجواء عقد جناح 25 مارس ما أطلق عليه المؤتمر الوطني العام الثالث لجبهة التحرير الإرترية ودون مشاركة الأطراف الأخري ، وفي داخل المؤتمر برز تيار قوي يدعو إلي الحوار مع جبهة التحرير الإرترية (التيار العام ) وإلي إطلاق سراح المعتقلين .

 وفي نهاية المؤتمر قابلت مع آخرين الأخ عبدالله إدريس شفاه الله ، وطلبت منه تكوين وفد قيادي لمقابلة الأخ أحمد محمد ناصر وأعضاء القيادة الآخرين المحتجزين ، وأكد لنا أنهم شكلوا وفدا قياديا لهذه الغاية.

وفي تلك الفترة تم توقيع إتفاقية ثلاثية عرفت باتفاقية ” جدة ” بين جبهة التحرير الإرترية (جناح 25 مارس ) ، اللجنة الثورية ، وقوات التحرير الشعبية ، وتقرر عقد سمنار مشترك بين كوادر التنظيمات الثلاثة بمنطقة ” همبوريب ” بإشراف قيادات التنظيمات الثلاثة بغية بلورة الاتفاقية والتعريف بأهمية دور الكادر في إرسائها .

وتمهيدا للسمنار المشترك عقد تنظيمنا اجتماعا لكادر التنظيم بكسلا بهدف إطلاعه علي حيثيات الاتفاقية ومضمونها ، وفي إطار شرح التحديات التي تواجه الوحدة ذكر بأن هناك معلومات واردة من عدة مصادر تفيد بأن كوادر تنظيم جبهة التحرير الإرترية  ( التيار العام) عقدوا  لقاءات سرية مع العدو الأثيوبي في كل من حمرة ، قندر ، ألمانيا ، وإيطاليا . ومن جانبي أبديت تحفظا علي المعلومة ، وطلبت توضيحا فيما إذا كانت هذه مواقف فردية أم مواقف تنظيمية ؟ وأردفت بالقول إذا كانت هذه مواقف فردية فهناك الكثير من المتساقطين عرفتهم العديد من ثورات العالم ، وإذا كان ذلك موقفا تنظيميا فهذا بالطبع يستدعي عدم السكوت عليه . كانت إجابة المعنيين سيكون الرد علي ملاحظاتي عقب اختتام السمنار المشترك .

وبعد عودتنا من السمنار عقد اجتماع بهذا الخصوص لم أدع إليه أو بالأحري استبعدت عنه ، وعلمت فيما بعد ، أن الاجتماع قرر عدم الخوض في المسألة وضرورة صرف النظر عنها.

وحسب تحليلي فإن الأمر لا يعدو عن كونه محاولة للتنصل عن الحوار مع التيار العام الذي كنا ندعو إليه في حينه .

وما يجب أن أعيد التأكيد عليه هنا هو أن موقفي ذاك ينطلق من رغبتي في استمرارية بندقية الجبهة مرفوعة في مواجهة العدو ، والعمل على تجاوز الأزمة السياسية داخلها من خلال عقد الموتمر الوطني العام الثالث الذي تحضر له وتشارك فيه كل أطراف الجبهة كما روج له آنذاك .

ولكن ثبت لي وللآخرين فيما بعد ، وبالممارسة العملية أن ما كنا نسمعه في هذا الصدد لم يكن سوى شعارات براقة ، وأن البون شاسع بين الطرح والتطبيق .  

 

مواقف السودان الشعبي والرسمي

من كفاح الشعب الإرتري 

 

7. كيف كان موقف السودان الرسمي والشعبي من القضية الإرترية؟  

بداية يجب التأكيد بأن موقف الشعب السوداني هو إلي جانب القضية الإرترية في كل المراحل ، أما الأنظمة فقد وقفت معها في أحيان وضدها في أحيان أخري تبعا لما تمليه العلاقات السياسية مع أو ضد النظام الاثيوبي .

وأذكر في هذا الصدد أن قيام حركة تحرير إرتريا في 02/11/1958م تزامن مع الإنقلاب العسكري للفريق إبراهيم عبود في السودان في 17/11/1958م ، أي لا يفصل بين الحدثين سوي أسبوعين . والمعروف أن نظام عبود قد ارتبط بعلاقات وطيدة مع الإمبراطور الأثيوبي هيلي سلاسي ، مما انعكس ذلك سلبا علي علاقته بالثورة الإرترية .

وتتويجا لتلك العلاقة الوطيدة سلم نظام عبود سبعة من مناضلي حركة تحرير إرتريا إلي الحكومة الأثيوبية وهم ، سليمان أبوبكر ، محمد سرور حسن ، محمد شفه أحمد دين ، أحمد محمد عمر ، قاسم إبراهيم نعمان ، محمد على قافو ، ومحمد دين محمد سعيد . حيث تم القبض علي السبعة بالإضافة إلى شخصي بتاريخ 27/09/1963 م ، وتم احتجازنا في سجن القسم الجنوبي بالخرطوم لمدة عشرة أيام ، بذل أثناءها أعضاء جمعية الصداقة السودانية الإرترية من أمثال الأستاذ المحامي مرغني النصري والشيخ الزبير عبد المحمود إمام مسجد الخرطوم (3) من جماعة أنصار السنة المحمدية وآخرين جهودا متواصلة حتي تمكنوا من إطلاق سراحنا بكفالة مالية .

وفي نفس اليوم الذي أطلق سراحنا فيه عقدنا اجتماعا سريا لأعضاء الحركة بهدف تقييم الموقف ووضع خطط لحماية أعضائها إلا أن المخابرات الأثيوبية كانت تراقب الوضع عن كثب ، فمارست ضغوطا علي السلطات السودانية من أجل إعادتنا إلي السجن ، وأفلحت في ذلك ، حيث اعتقلنا في اليوم التالي للمرة الثانية ، ووضعنا في سجن المديرية بالخرطوم ، ثم نقلنا منه إلي سجن أمدرمان .

والخطة الموضوعة من قبل جهاز الأمن السوداني والمخابرات الأثيوبية تقتضي بإجراء محاكمة صورية تسلم علي إثرها المجموعة إلي الجانب الأثيوبي . وأجريت المحاكمة الصورية بتاريخ 16/10/1963 م أمام قاضي يدعى ” يحي عمران ” ، فحكم بابعادهم وتسليمهم إلي الجيش الأثيوبي على الحدود السودانية الإرترية بمنطقة أديبرا ، نقلوا بعدها إلي سجن ” ألم بقا ” المشهور بأديس أبابا لقضاء حكم المؤبد فيه .

أما أنا علي الرغم من أني كنت مع أؤلئك السبعة ، ولكن فصلت منهم باعتباري كنت مقيما بصفة قانونية ولدي إقامة سارية المفعول ، فاضطرت السلطات المعنية إلي استبقائي في السجن إلي أن تفرغ من إجراءات سحب الإقامة .

وهناك مجموعة أخري من أعضاء الحركة كانوا أيضا ضمن المقبوض عليهم وهم ، محمد تلكي ، محمد شفه عبد الله ، وإبراهيم علي ، إلا أنهم احتجوا بأنهم سودانيون ، وقامت الحركة بمساعي بالتنسيق مع زعماء قبائل الساحل أفضت إلي الإفراج عنهم .  

وبعد استكمال إجراءات سحب الإقامة تقرر إبعادي ، ولذا تم اقتيادي بتاريخ 27/10/1963 م ، من سجن أمدرمان إلي محطة السكة حديد في حراسة ثلاثة من عناصر الشرطة الذين استطحبوني إلي كسلا وتسليمي إلي شرطة مديرية كسلا.

توثقت علاقتي أثناء الرحلة بعنصرين منهم ويدعيان عبد الحميد وعبد القادر وأبديا تعاطفا معي ، فحاولت استقلال ذلك وطلبت منهم إطلاعي على فحوي الرسالة التي بحوزتهم بخصوصي ، إلا أنهما اعتذرا عن ذلك بحجة أنها رسالة رسمية موجهة إلي ـ كمندان ـ بوليس كسلا.

بعد رحلة طويلة وشاقة وصلنا كسلا ، وسلمت أنا والرسالة إلي الكمندان وأودعت في السجن .

 ولحسن حظي ، وحسب الاستنتاج الذي توصلت إليه من قرائن عدة ، أن مصوغ إبعادي الموضح في الرسالة هو ربما الإقامة في السودان بصورة غير قانونية ـ أو أن الكمندان لم يعمل بفحوي الرسالة.

وأيا كان فقد تم إبعادي في أوائل شهر أكتوبر 1963 م ضمن فوج من المبعدين بسبب التواجد غير الشرعي في السودان ، وسلمنا إلي السلطات الأثيوبية على الحدود الإرترية السودانية نقلنا بعدها إلى تسني. 

وفي تسني وبعد إجراء التحريات الأولية طلب مني الضابط الأثيوبي إحضار ضامن إلي اليوم التالي ، ولكن مخافة استدراج عناصر الحركة الذين أعرفهم في تسني ، قلت له لا أعرف هنا شخصا يضمنني وحينها قال لي من أين دخلت إلي السودان ؟ أجبته من جهة طوكر . وفي هذا الأثناء تدخل أخ يدعي نقاش كان معي ضمن المبعدين وبيننا معرفة سابقة في الخرطوم ، فطلب من قريبه الذي جاء لضمانه أن يقوم بضماني أيضا، فاستجاب لذلك وخرجنا سويا حتي موعد اليوم التالي.

وفي اليوم التالي ، وحسب توجيه مسئول التحري في مركز الشرطة في اليوم السابق ذهبت إلي مكتب الأمن الذي تحري بدوره معي ، وفي خاتمته طلب مني التوقيع على تعهد بعدم العودة إلي السودان  مرة أخري وأخلي سبيلي.

 

 

وبعد ثلاثة أيام من وصولي استدعاني فرع الحركة في تسني وأبلغني بضرورة المغادرة فورا ، وذلك بناء على المعلومات التي وردت إليه من فرع الحركة بأسمرا والتي تفيد بأن المخابرات الأثيوبية قد تسربت إليها معلومات تفيد بأنك ضمن مجموعة السبعة الذين أرسلوا إلى سجن ” ألم بقا ” بأديس أبابا ، وهي الآن بصدد تكليف عناصرها بالتحرك إلي تسني للقبض عليك .

وبناء علي ذلك غادرت تسني في نفس اليوم عند الساعة السادسة مساء إلي كسلا برفقة شخص اسمه علي إبراهيم ، ووصلنا كسلا عند الساعة الثامنة صباحا ، ونزلت بمقر لجنة الحركة هناك.

وفي كسلا عقدت اجتماعا بأعضاء لجنة وفرع الحركة لشرح ملابسات الاعتقالات التي جرت لأعضاء الحركة بالخرطوم وظروف تسليمهم إلي العدو الأثيوبي بالإضافة إلي الظروف التي أحاطت بعودتي . من جهة أخري أبرقت لجنة الحركة بكسلا القيادة بخبر عودتي ، وفي غضون  ثلاثة أيام وصل إلي كسلا من بورتسودان المناضل حسن حاج إدريس عضو القيادة ، وأفادني بأن القيادة طلبت حضوري إلي مقرها ببورتسودان ، فذهبت وقابلت القيادة ، فأخطرتني بقرار انتدابي إلي جيبوتي وذلك خشية أن أتعرض للإعتقال مرة أخري من قبل السلطات السودانية ، ولكني اعترضت على ذلك من ناحية لأنه سيكون علي حساب فرص النشاط المتاحة في السودان خلاف جيبوتي ، ومن ناحية أخري لوجود إمكانية تفادي القبض علي من قبل السلطات السودانية ، وعلى هذا الأساس تم تفريغي للإشراف على فروع السودان.             

ولكن الشعب السوداني علي الرغم من موقف نظام عبود ظل مساندا للقضية الإرترية وما قيام جمعية الصداقة الإرترية السودانية في تلك الفترة إلا وجها من أوجه ذلك الموقف المؤازر لحق الشعب الإرتري .

وعند قيام ثورة أكتوبر 1964 م ، تجذر وتنامي هذا التأييد وبلغ أوجه في اجتماع ـ جمعية الصداقة الإرترية السودانية ـ بحديقة القرشي بالخرطوم ـ  والذي اتخذ فيه قرار عقد مؤتمر لمناقشة وبلورة الوسائل الكفيلة بدعم الثورة الإرترية.

لفد تم عقد المؤتمر في داخليات معهد الخرطوم الفني بالحلة الجديدة ـ جامعة التكنولوجيا حاليا ـ بمشاركة معظم الأحزاب السودانية والنقابات والهيئات والأكاديميين وأساتذة الجامعات السودانية.

 ومن أبرز الشخصيات التي أشرفت على الإعداد للمؤتمر وربما أسقطت ذاكرتي أسماء بعضهم ولكن ممن أتذكرهم الأستاذ المحامي مرغني النصري عضو رأس الدولة في عهد الديمقراطية الثالثة إبريل ( 1985 م ) ، بابكر كرار المحامي ، صالح محمود إسماعيل صاحب جريدة أكتوبر المناصرة بقوة للقضية الإرترية ، والعديد من الشخصيات العامة .

وأهم القرارات التي اتخذها المؤتمر: ـ

1.   تحويل جمعية الصداقة الإرترية السودانية إلي الجبهة القومية السودانية للدفاع عن قضية الشعب الإرتري .

2.   السعي من أجل توحيد حركة تحرير إرتريا وجبهة التحرير الإرترية . 

3.   تسيير موكب جماهيري تضامني مع قضية الشعب الإرتري وتسليم مذكرة لرئاسة الوزراء وللسفارة الأثيوبية بالخرطوم .

4.   العمل علي قيام ركن إذاعي باسم ” صوت إرتريا ” في السودان .

5.   فتح الحدود بين إرتريا والسودان لاستقبال جرحي حرب التحرير ومعالجتهم في المستشفيات السودانية ، وفتح عيادات اسعافية علي الحدود .

6.   تنظيم أسبوع دائم لإرتريا في السودان بغية بلورة القضية الأرترية في أوساط المجتمع السوداني واستقطاب الدعم المادي لها .

7.   مطالبة حكومة أكتوبر بتبني القضية الإرترية في المحافل الإقليمية والدولية.

8.   دعوة الأحزاب والنقابات السودانية بدعم القضية الإرترية إعلاميا وسياسيا واقتصاديا.

9.   دعوة الأحزاب والنقابات السودانية لنقل القضية الإرترية لدى رصفائهم علي المستوي الإقليمي والدولي لكسب تأييدهم ودعمهم لها.

وفيما يتعلق بالموكب الجماهيري الذي تقرر القيام به ، فقد انطلق من ميدان عبد المنعم بالخرطوم إلي رئاسة مجلس الورزاء ، وهناك سلم مذكرة تطالب حكومة أكتوبر بدعم الثورة الإتررية إلي وزير الإعلام الشاعر خلف الله بابكر الذي كان في استقبال الموكب والذي أكد في كلمته علي ماجاء في المذكرة قائلا ( أن السودان المستقل ضمانته إرتريا المستقلة ، وأن الحرية لنا ولسوانا). 

ثم انطلق الموكب نحو السفارة الأثيوبية ، وفي أثناء ذلك حاولت بعض عناصر المخابرات الأثيوبية المندسة إثارة الشغب ، ولكن تم الرد علي تلك المحاولات التخريبية بشعار ( إلي السفارة بلا تخريب ) . وصل الموكب إلي السفارة التي كانت تحت حراسة مشددة ، وحاول الموكب تسليم المذكرة إلي المدعو صالح محمد حنيت مفتش تسني سابقا وسفير أثيوبيا في الخرطوم آنذاك ، ولكنه رفض استلامها.

الجدير بالذكر أن مراسل إذاعة لندن آنذاك قدر الموكب بـ (50.000) شخص ، ولكنه في الحقيقة كان يتجاوز هذا الرقم بكثير . 

ومن المواقف التي تعد خصما على موقف حكومة أكتوبر تجاه القضية الإرترية مصادرتها للسلاح الذي تبرعت به سوريا للثورة الإرترية والذين كان يبلغ ستة وثلاثون طنا (36 ). فبعدما أقر مجلس الوزراء بداية تمرير السلاح عاد في قراره . ويبدو أن بعض الوزراء التابعين لحزب الأمة والجنوبين كان لديهم تحفظا علي هذا الإجراء وبالتالي يقال أنهم سربوا الأمر للحكومة الأثيوبية التي شنت حملة إعلامية ودبلوماسية ضد الحكومة السودانية والسورية متهمة الحكوماتان بالتدخل في شئونها الداخلية .

ونتيجة الحملة الإعلامية والديلوماسية المسعورة التي شنتها الحكومة الأثيوبية تراجعت الحكومة السودانية من موقفها السابق بتمرير السلاح ، بل واعتقلت علي خلفية ذلك وزيران من المناصرين للقضية الإرترية هما محمد جبارة العوض والرشيد الطاهر بكر ، كما اعتقل الشهيد عثمان صالح سبي ، وتمت مصادرة السلاح ونقله إلي مخازن الجيش السوداني.  

ولكن الجماهير السودانية لم تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذا الموقف ونكوص حكومة أكتوبر من موقفها الداعم للثورة الإرترية ، بل قامت بمسيرات مناهضة رافعة شعارات ( أعيدو السلاح للثوار .. العار العار للحكومة ) ، كما أصدرت الجبهة القومية لمناصرة الشعب الإرتري بيانا تدين وتستنكر فيه مصادرة سلاح الثورة .

أما سوريا فقد عقد سفيرها بالخرطوم الدكتور حافظ المجالي مؤتمرا صحفيا نفي فيه مزاعم الحكومة الأثيوبية بتدخل سوريا في شئونها الداخلية ، ومن العبارات التي ما تزال عالقة بذاكرتي من حديث السفير السوري قوله ( كم كان يشرف سوريا بدعم القضية الإرترية ولكنها لم تفعل). 

أما علاقة نظام المشير جعفر نميرى بالثورة الإرترية لم تستقر علي حال ، حيث كان مؤازرا لها في أحيان ومناوئا لها في أحيان أخري . ففي بداية عهده كان متحالفا مع أحزاب لديها مواقف داعمة للثورة الإرترية مثل الحزب الشيوعي والقوميون فوقف معها ، حتي أنه في تلك الفترة تم تخصيص أيام بعينها في الأسبوع تلتقي فيها قيادات الثورة مع مختلف وزراء الحكومة ، فضلا عن التنسيق بين أجهزة أمن الطرفين .

وعقب الخلاف الذي نشب داخل قيادة مايو واعتقال الوزراء بابكر النور وهاشم العطا وفاروق حمدنالله ، وبعد توقيع إتفاقية أديس أبابا بين حكومة مايو والحركات الجنوبية المناوئة لها يمكنني القول بأن تلك التطورات والأحداث كانت إنقلابا في موقف نميري تجاه الثورة الإرترية وعلي حسابها ، وذلك لأنها جاءت في سياق الاستجابة لشروط الإمبراطور الأثيوبي هيلي سيلاسي التي ترمي إلي تخلي الحكومة السودانية عن دعم الثورة الإرترية وحظر نشاطها داخل أراضيها مقابل قيام الإمبراطور بالتوسط بين حكومة نميري ومعارضيها الجنوبيين .

وكان يستقل في مثل تلك المواقف المناوئة للثورة الإرترية حوادث مختلفة ، وأذكر من بينها حادثة اقتحام السفارة السعودية بالخرطوم في عام 1973 م من قبل الفدائيين الفلسطينيين واستهداف السفير الأمريكي في السودان المدعو ” مستر مور ” الذي كان يحتفي به في مقر السفارة السعودية في ذلك اليوم بمناسبة انتهاء مدة عمله بالسودان ، وكان مطلوبا من قبل الثورة الفلسطينية علي خلفية تخطيطه ومشاركته مع السلطات الأردنية في عملية ـ إربد ـ التي راح ضحيتها عشرون ألف فلسطيني في إطار ما عرف فيما بعد بأيلول الأسود . وبعد تقصي ومتابعة الفدائيين الفلسطينيين بمكان مستر مور علموا بوجوده في السودان واستقلوا تلك المناسبة لاستهدافه .

طوقت السلطات السودانية السفارة لعدة أيام ، إلي أن تدخلت القيادة الفلسطينية والجامعة العربية لفك الحصار الذي انتهي بتسليم الفدائيين أنفسهم للسلطات السودانية .

استقل نظام نميري هذه الحادثة للنيل من الإرتريين المقيمين في السودان وخاصة في المدن وزجهم في السجون بتهمة تدبير الحادثة والمشاركة فيها . وكنت شخصيا ضمن المعتقلين في سجن كوبر الذي أمضيت فيه عاما إلا عشرة أيام ، ومن بين المعتقلين في تلك الحملة أيضا محمد سعيد ناود ، وإبراهيم أمريكاني ، إسماعيل أبوسمرة ، وعمردين محمد يوسف .

والحدث الآخر في سياق المواقف السلبية لنظام نميرى تجاه الثورة الإرترية ما تعرض له الإرتريون من اعتقالات وتعذيب عقب المحاولة الإنقلابية الفاشلة التي عرفت بـ ” الغزو الليبي ” الذي قام به تحالف الجبهة الوطنية المكون من الحزب الاتحادي الديمقراطي ، والجبهة الإسلامية ، وحزب الأمة ، بحجة أن لهم صلة بالإنقلابيين . إلا أنه اتضح فيما بعد أن الإنقلاب كانت وراءه ليبيا وأثيوبيا .

 

 

  • ·      إشادة وتنويه:

الشكر الجزيل لكل المواقع التي نشرت حلقات الحوار التي أجريته مع المناضل ” سويرا ” وأخص بالشكر مواقع _*( تقوربا وعونا وأدال وفرجيت )*_   كما أجد العذر للمواقع التي حجبت ، وذلك ربما لأن مثل هذه القضايا لا تقع ضمن دائرة اهتماتها .

وأخيرا أود أن أنوه وأنا أرسل الحلقة الأخيرة إلى أنني على اتم الإستعداد لتلقي ملاحظات وتصويبات القراء الأعزاء لمجمل ماجاء في الحلقات على بريدي الإلكتروني أعلاه.

ــــــــــــــــــــــ

يواصل سويرا فيقول: وفي هذا السياق أذكر أيضا تجريد نظام نميري جيش التحرير الإرتري من سلاحه في عام 1981 م ، والذي ما تزال آثاره السلبية مجسدة إلي اليوم في الحياة السياسية الإرترية علي الرغم من مرور كل هذه السنوات .

ولكن لا يعني هذا أبدا أن نظام نميري كان ضد الثورة الإرترية بالمطلق ، بل له مواقف مؤازرة لها كما أشرت آنفا ، فبالإضافة إلي الفترات الأولي من عهده هناك أيضا مراحل كانت علاقتهما ودية ومميزة ، حيث استضاف ورعي نظام المشير نميري بعض الإتقاقيات الوحدوية بين فصائل الثورة الإرترية ، ومن بينها مؤتمر الوحدة بين جبهة التحرير الإرترية وقوات التحرير الشعبية في سبتمبر عام 1975م الذي لم يكتب له النجاح بسبب رفض اللجنة الإدارية لقوات التحرير الشعبية التي كان يرأسها أسياس أفورقي حينها ، هذا الرفض الذي كان إيذانا بالإنشقاق من قوات التحرير الشعبية وميلاد الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا فيما بعد.

أما جبهة التحرير الإرترية فقد واصلت مساعيها الوحدوية إلي أن توجت تلك المساعي بتوقيع اتفاقية 20 أكتوبر 1977 م برعاية حكومة المشير جعفر نميري مع الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا التي تمخضت عن اللجنة الإدارية كما أشرنا سابقا.

وعودا علي البدء يجب القول بأن بعض الأخطاء والتجاوزات التي كانت ترتكب في بعض الفترات ضد الإرتريين وفي مختلف العهود من بعض الأنظمة السودانية لا تنال عن المواقف الأصيلة للشعب السوداني تجاه الشعب الإرتري وقضيته ولا تقلل منها بأي حال من الأحوال ، ولا أقول ذلك من فراغ ، بل لأنني عايشت شخصيا المواقف المساندة للشعب السوداني منذ بداية القضية الإرترية وفي أطوارها المختلفة.

 

  

 الموقف العربي من القضية الإرترية

8.   كيف تقيم الموقف والدعم العربي من خلال متابعاتك لكل حقب ومراحل الثورة الإرترية ، وهل صحيح ما يقال بأن معظم ما قدم من دعم عربي ذهب لجيوب بعض القادة وكان خصما على القضية ؟ 

علاقة العرب بإرتريا موغلة في القدم ، حيث هاجر إليها العرب منذ ما قبل الإسلام وبعده ، ونقلوا معهم وخاصة القادمين من جنوب الجزيرة العربية خبرات زراعية ونشاطات تجارية  إلى إرتريا ، كما تزاوجوا مع سكانها الأصليين ، فتوثقت عرى العلائق الاجتماعية والعرقية بين الشعبين.

ثم أن الدين المسيحي والإسلامي دخل إلي إرتريا عن طريق العرب ، وكما هو معروف فإن الهجرة الأولى للمسلمين كانت إلى إرتريا عبر ميناء مصوع ، وأن الإسلام دخلها حتى قبل المدينة المنورة ، ومايزال مسجد الصحابة في مصوع شاهدا على تلك الهجرة المبكرة .

هذه الخلفية كانت ضرورية ليس من أجل السياق التاريخي الذي يجب أن ننظر به للعلاقة الإرترية العربية ، ومن ثم نقيم موقفهم تجاه قضية الشعب الإرتري إبان ثورته من أجل الإستقلال أو حتى من قبل ذلك . 

وعودا على البدء واتساقا مع ماجاء في سؤالك أقول أن العرب قدموا الكثير للقضية الإرترية وفي مختلف المجالات ، وإذا كان لابد من الإشارة إلى ذلك دونك مدرسة الجالية العربية في أسمرا التي أنشأتها الجاليات العربية وخاصة من أهل اليمن ، كذلك مصر التي لعبت دور الريادة في مجال احتضان أبناء إرتريا في مدارسها وجامعاتها وخاصة في الأزهر الشريف ، ومصر هي الدولة العربية الأولى التي أرسلت بعثة تعليمية إلى إرتريا في أربعينيات القرن الماضي برئاسة الشيخ ” على قرابي ”  في عهد الملك فاروق ، ثم تولى بعده رئاسة البعثة الشيخ ” محمود الدمرداش ” .

ويجدر بنا الإشارة أيضا إلى أن خريجي المدارس والجامعات المصرية خاصة والعربية عامة كانوا أبرز حملة الوعي الوطني في إرتريا في مرحلة تشكله.

وفي فترة حق تقرير المصرير وعرض القضية الإرترية في الأمم المتحدة وقف العرب في معظمهم مع حق الشعب الإرتري في الاستقلال الوطني ، ويبرز من بين تلك المواقف الداعمة موقف المغفور له الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية الذي نادى في الأمم المتحدة بضرورة إعطاء الشعب الإرتري حقه في الاستقلال .

وعند قيام الثورة الإرترية وإعلان الكفاح المسلح جاءت أول شحنة سلاح للثورة من الجمهورية العربية السورية ، وذكرت ملابساتها في جزء آخر من هذا الحوار، ثم توال الدعم والمساندة من الدول العربية وعلى فترات ومستويات مختلفة ، من العراق والسعودية والكويت ودولة الإمارات ومنظمة التحرير الفلسطينية وتونس وليبيا والجزائر واليمن … ألخ .

بالله عليكم من من غير العرب ساند وقدم العون للقضية الإرترية في تلك الفترة ؟ ألم تخرج جامعات سوريا والعراق وليبيا والجزائر والسودان الآلاف من أبناء إرتريا ؟ ألم يتلق قادة الثورة وضباطها التعليم في مدارسها وكلياتها العسكرية ؟ ألم يفتح العرب مستشفياتهم لجرحي حرب التحرير لتلقي العلاج ، بل ألم يتحملوا نفقات العلاج والرحلة للعديد منهم؟، ألم يبعث العرب بالمدربين العسكريين والأطباء الميدانيين إلى الأراضي الإرترية المحررة ” الميدان ” ؟ ألم يتفرغ بعض العرب مثلهم مثل الإرتريين وانضموا إلى صفوف الثورة ، وهل أسقطت الذاكرة الإرترية في هذا الصدد الأستاذ الصحفي ” أحمد أبوسعدة ”  أمد الله في عمره من سوريا ، والاستاذ الصحفي  ” سيد أحمد خليفة ” صاحب جريدة الوطن من السودان أطال الله عمره ، والأستاذ الراحل المقيم ” محمد أبو القاسم حاج حمد ” طيب الله ثراه من السودان أيضا وآخرين ربما لا أعرفهم أو لا تسعفني الذاكرة والذين نذروا وقتهم وعلمهم من أجل إرتريا واستقلالها ؟!!!

يؤسفني جدا نوع المعاملة والإستهداف الذي تلقاه كلا من الأستاذ أحمد أبوسعدة والأستاذ سيد أحمد خليفة عندما ذهبا إلى إرتريا لمشاركة الشعب الإرتري احتفالاته بالاستقلال ، والتي لا تليق بهما ولا بما قدماه لإرتريا ، ولكن عزائي لهما أن الآف من أبناء إرتريا تلقوا نفس المعاملة أو أسوأ ، وأنا على ثقة تامة بأنهم يدركون طبيعة النظام الدكتاتوري القائم في إرتريا الذي تنكر لكل من وقف وآزر قضية الشعب الإرتري .

 أما ماجاء في سياق سؤالك حول الزعم القائل بأن معظم الدعم العربي ذهب لجيوب بعض القادة وكان خصما على القضية الإرترية هو في الحقيقة من نسج خيال أسياس ومن يلفون لفه ، والتي أطلقها بعد الإستقلال عندما أراد الإساءة للعلاقة الإرترية العربية .

كيف للمرء السوي أن يتصور بأن بعض التجاوزات والتصرفات من بعض السياسين الإرتريين من ذوي النفوس الضعيفة الذين ربما جيروا بعض الدعم العربي للقضية الإرترية لمصالحهم الشخصية الضيقة يمكنها أن تقدح في الدعم العربي برمته ؟ وهل يمكن لعاقل أن يتصور بأن العرب كانوا يدفعون تلك الأموال لسواد عيون هؤلاء القادة ؟ وما هو العائد الأدبي الذي يتوخاه العرب من دفع تلك الأموال لجيوب الخاصة ؟ وهل أصلا يمكن حصر الدعم العربي في بعض الدولارات التي ذهبت لجيوب هؤلاء ؟

إن اتهام العرب بهذه الصورة واختزال دعمهم في بعض الأموال التي ضلت طريقها وذهبت إلى جيوب البعض هي إساءة بالغة في حد ذاتها في حق العرب وعلى الشعب الإرتري واجب الإعتذار للشعب العربي عن هذه الإساءة التي وجهها بعض من ينتسبون إليه ولا يمثلون خلقه ولا شيمه النبيلة التي تحض على العرفان بالجميل ومبادلة الوفاء بالوفاء إذا ما وجد إلى ذلك سبيلا.

وإن قناعتي الراسخة والتي أعتقد بأن المنصفين من أبناء وطني يشاطرنني فيها ، لولا العمق الإستراتيجي والخلفية الحيوية المتمثلة في الشعب السوداني قبل أرضه ، ولولا الدعم العربي المادي والأدبي في مختلف المجالات ، فإن إرادة الشعب الإرتري في الحرية والإستقلال كانت ستكون مجردة إرادة قاصرة ، تنقصها القدرة وتفتقد إلى عوامل الإنتصار .

وخلاصة القول وفي كل الأحوال فإن موقف أسياس المتنكر والجاحد للدعم والموقف العربي نابع من تركيبته النفسية المعقدة والحاقدة تجاه كل ما يمت بصلة للعرب جنسا وثقافة.

وإنني كمواطن إرتري واكب مختلف مراحل الثورة واطلع بصورة غير مباشرة على الدعم العربي المادي والمعنوي للثورة ، أود أن أعرب للشعب العربي منتهزا هذه الفرصة عن أسمى آيات التقدير والعرفان لتلك المواقف النبيلة .

وفي ذات الوقت أتقدم باسمي ونيابة عن أبناء وطني الذين يشاطرنني هذه القناعة أيضا عن الاعتذار الشديد عما لحق العرب من إساءة بالغة وجحود سافر من قبل أسياس ونظامه تجاه مواقفهم المناصرة للقضية الإرترية.

كما أنتهز هذه السانحة لأتوجه للشعوب العربية رغم إدراكي للظروف الدقيقة والعصيبة التي تمر بها مناشدا إياها بمواصلة مؤازرتها التاريخية للشعب الإرتري في نضاله من أجل إرساء الحرية والتحول الديمقراطي والقضاء على النظام الدكتاتوري المتسلط.

9. في الأخير ماهي الرسائل التي تود توجيهها إلي الشعب الإرتري ، المعارضة الإرترية ، والنظام الإرتري؟

  • ·       إلي الشعب الإرتري :

أكيد أن الشعب الإرتري يعيش اليوم حياة بؤس ومهانة في ظل النظام الدكتاتوري القائم ، على الرغم من أنه كان يستحق التقدير والتكريم علي تضحياته ونضالاته الجسام منذ فترة تقرير المصير في الأبعينيات إلي أن حقق الانتصار علي العدو في مايو عام 1991 م ، وأعلن استقلاله .

ولكن الحرية والاستقلال الذي ضحي من أجلهما الشعب الإرتري فقد مضمونهما في ظل هذا النظام ، ونتيجة لذلك يعيش اليوم مأزقا تاريخيا يهدد بقاءه كشعب ووطن ، وبالتالي فإن مسئولياته تجاه نفسه ووطنه تقتضي منه أن يضاعف من نضالاته لإسقاط النظام الدكتاتوري واستراد المضمون الحقيقي للاستقلال والحرية المغتصبتان لأن بدونهما ليس للحرية معني ولا للإستقلال طعم .

  • ·       إلي المعارضة الإرترية:

أشيد أولا بالمعارضة الإرترية ممثلا في التحالف الديمقراطي الإرتري علي إنجاز الاتفاق حول الميثاق السياسي الذي يحمل في تقديري رؤية مشتركة تستجيب لتحديات ومتطلبات المرحلة الراهنة ويرسي قاعدة التعايش بين الأراء والأفكار المتباينة ويؤمن الإعتراف المتبادل في إطار الديمقراطية والتعددية السياسية . وفي ذات الوقت أدعو القيادة السياسية إلي التحلي بالجدية الكافية في تنفيذ المقررات ، وضرورة الإلتصاق بالكادر وبهموم الجماهير ، والعمل علي تفعيل دورها كما ينبغي ، وضرورة إنزال وثائق التحالف الأساسية للجماهيرحتى تدرك فحواها وتدافع عنها. 

  • ·       إلي النظام الإرتري :

 يجب علي النظام الإرتري أن يجنح نحو الحوار لحل الأوضاع المتأزمة في إرتريا وفي مقدمتها الأوضاع السياسية ، كما أن عليه استيعاب دوره ومراجعة أخطائه ومواقفه ، ويدرك بأن إقصاء الرأي الآخر وحظر إسهام الآخرين في العملية السياسية ليس هو الخيار الأمثل في الممارسة السياسية الحقيقية ، وبالتالي عليه أن يعيد حساباته من أجل الوفاء لدماء الشهداء ومن أجل بناء غد أفضل للأجيال القادمة .

كما لا يفوتني أن أدعو اللنظام إلي إطلاق سراح جميع المعتقلين وسجناء الضمير القابعين في سجونه دون محاكمات .        

10. أخيرا …. ماذا تقول عن هؤلاء ؟

  • ·       عبد القادر كبيري : ـ  زعيم وطني عظيم كرس جهده من أجل قضية بلاده ، وقضي نحبه في سبيلها على يد الغدر والخيانة .
  • ·       إبراهيم سلطان : ـ  كان وطنيا حكيما لايشق له غبار ، تمسك بالوحدة الوطنية حتي في أحلك الظروف .
  • ·       عثمان صالح سبي: ـ  قائد وطني قدم الكثير لشعبه ، قلنا الكثير حوله ولكن مآثر الرجل وعطاءه الوطني تحدث عن نفسها ، ويكفيه فخرا تأسيسه لمدارس جهاز التعليم الإرتري في السودان في المدن ومعسكرات اللاجئيين ، والتي خرجت المئات من أبناء إرتريا.
  • ·       ولدآب ولدمريام : ـ  زعيم وطني ناله الكثير من العنت من حزب الوحدة ” الأندنت ” إبان فترة تقرير المصير ، إلا أنه صمد ونافح عن استقلال بلاده. 

 

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=8180

نشرت بواسطة في أغسطس 22 2005 في صفحة حوارات, شخصيات تاريخية. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010