خطل الكتابة وخطورة فتاوي أسلوب العنعة محمد عبد السلام وبركان نموذجاً

( 1 )

بقلم موسى إدريس موسى

كتب عن المؤتمرالوطني للتغييرالديمقراطي قبل وبعد عقد المؤتمر الكثير من الاخوة محلليين وقادحين ومادحين ، أغلب الكتابات عبرت عن حس المسؤولية نقداً وتصويباً للتجربة الجديدة على خلفية واقع التشرذم الأرتري وتاريخه القديم والحديث ودروسه وعبره ، البعض ركز على الحدث وإعتبره خطوة كبيرة ومسؤولة لها ما بعدها ،  البعض حلل وطرح آراء جديرة بالإعتبار والتدبر وصلت عند البعض لحد طرح أفكار ورؤى وبرامج عملية للمجلس الوطني على مختلف الصعد … البعض حمل الجسم الجديد وهو بعد مشروع نضالي غض الكثير من الآمال والاحلام .

وفي زحمة المقالات نسي غالب من كتب أن المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي خطوة نضالية بمعنى خطوة لترتيب وتنظيم جبهة ومشروع الكفاح من أجل الحرية والديمقراطية والعدل والسلام في إرتريا ، وهدفها المركزي خلق أوسع حركة جماهيرية تناضل معاً من أجل الأهداف العادلة والمشروعة لشعب إرتريا الذي يستحق أكثر من ذلك وتوفر كل عوامل الانتصار في معركة الحرية والديمقراطية والكرامة .

ويمكني أن أدعي في هذا الاتجاه  أن مشروع المجلس الوطني للتغيير هو منتج إرتري محض لم يأتي تقليداً لأية تجربة إقليمية ،  قرره ملتقى الحوار الوطني الذي عقد في الفترة من 31 /7 ـــ 9 / 8 / 2010م ، كما أن المفوضية الوطنية للتغيير الديمقراطي بضاعة أرترية خالصة إقترحها التحالف الديمقراطي وقبلها حضور الملتقى وذات الملتقى قرر عناوين الأوراق التي ينبغي أن تقدم للمؤتمر ، والذين فاتهم معرفة ذلك أو المشككين والمتشككين مراجعة بيان الملتقى الوطني ، وهذا رد كافي على بعض المدعين أن التجربة ليست أكثر من نقل لتجارب الآخرين في ثورات الربيع العربي …. ومع حق الشعوب أخذ الايجابي في التجارب إلا أن هؤلاء يتعمدوا مثل هذه الأقوال للتقليل من قيمة التجربة أو المشروع الارتري المعارض والفرق أن التجربة الارترية ومشروعها النضالي لم تسلط عليه أضواء الاعلام وهو بدأ في الشهر الثامن من عام 2010م وثورات الربيع العربي إنطلقت في نهاية ذات العام بعد حادثة البو عزيزي الشهيرة في تونس والتي كانت الشرارة التي اشعلت الاحتجاجات الشعبية التي عصفت بنظام زين العابدين البوليسي إلا ان تجربتنا صدق عليها  قول الشاعر الارتري  :    الفعل نبدعه والقول يعينا .

بعض الكتابات نالت بطريقة مباشرة من المؤتمر ومثالها مقال محمد عبد السلام المنشور في النهضة وعركوكباي …. والذي جاء تحت عنوان الخطأ الاستراتيجي ، وعندما تقرأ المقال تدرك أن الكاتب جانبه الصواب بل تحامل بشكل فج فالعنوان  مهول لدرجة لاتتناسب مع مضمونه في صلب الموضوع ، وهو عنوان كبير وخطيرومضمونه كلام في كلام وإهانة غير مبررة وإتهامات خطيرة  ، ويبدو أن غرض الكاتب شد الانتباه لقراءة مقالته الملغومة ، وهذا ما دفعني لقراءتها لأكثر من مرة ، وكنت أسائل نفسي أين الخطأ الاستراتيجي من إرتكب هذا الخطأ القاتل وكيف لم يلاحظه أحد إلا كاتب المقال أم هو الحريص الوحيد والآخرون رواد حولية ، وهكذا عقلية تستفزني بأشد ما يكون فهي شمولية الفكرة والتفكير وتدعي أنها وحدها من تدرك وأن غيرها مجرد بهم يسوقهم أو يخدعهم … أصحاب الأجندات الأذكياء ، والإشكال أنه العارف الوحيد والشاهد الوحيد ببصيرته وبصره ما لم يره ما يقارب الستمائة شخص رأته زرقاء اليمامة هذه ، وبإسقاط هذا العنوان يبدو أن الجميع قد إنحرفوا عن الأهداف المعلنة وصاروا أدوات تمرير أجندات أخرى لم يكشف عنها ولكنه لمح إلى أنه قد مررها الجنرال الذكي الذي تلاعب بعقول من يكبره سناً وتجربة ومرر أجندة بلاده التي لم يعرفنا بها وأبقاها لإجتهادات وخيال القارئ ، وبقيت أتساءل أين الخطأ الاستراتيجي هل في عقد المؤتمر نفسه الذي ما كان ينبغي له أن يعقد في نظر الكاتب وفي هذه الحالة ماهو بديله ، أم الخطأ في أهداف المؤتمر ومنتجه ( المجلس الوطني ) أم في الأفراد الذين تشكل منهم  ، ويتضح غرض التشكيك والنيل عندما ركز صاحبنا على فرية كؤوس الخمر التي زعم أنها كانت شراب الحضور وتناسى أن الخمر وبصورتها العارية المسكرة من الكأس الأول تقدم في أعتى الاحتفالات في الدول غير الاسلامية وترفع إحتفالا وبهذا ليست عادة ذميمة لدى البعض ، وإن كانت حرام قطعا لدى البعض الاخر ، ويبدو أن هذا البعض الآخر ليس مكان إعتبارلديه ونسي أنه شريك في هذا الوطن  ومن حقه أن يحتفي بالطريقة التي تروق له ، ولكن المؤتمر لم يقدم خمرا وهي وان قدمت في اليوم الأخيركما يزعم  لم يلتفت إليها أحد حتى من يتوقع منهم تناولها ، وإن كان الخطأ في تركيب المؤتمر فهو قد جمع أطياف مكونات الشعب الارتري في الشتات الذي أجبرهم على التواجد فيه الاستعمار وحكم الاستبداد الذي وضع قيود القهر والاستبداد حتى أمام عودة اللاجئين لديارهم كما سام العذاب لمن عادوا وأجبرهم على اللجوء مرة أخرى ونفر بإستعلائه وأتاواته وعنترياته من هم في المهجر أصلاً الذين عدهم بقرة حلوب ، بل ودفع بأعداد جديدة من الشعب الارتري للفرار من البلاد ، وكان لنظام الطغيان مشروعه لتفكيك وإعادة تركيب البلاد وشعبها بالصورة التي تمكنه من السيطرة وبسط قبضته على الشعب الارتري ، ولن أتحدث هنا عن التوطين والاستيطان ولاعن تغيير التركيب الديمغرافي والعبث بمكونات الشعب والتنكر لكل المناضلين الذين زادوا عن الوطن ودفعوا العمر شهداء وجرحى وأحياء.

كان في قاعة المؤتمرالمسلم والمسيحي ، كان اليساري والقومي والوطني والاسلامي والديمقراطي بإختصار كانت هناك صورة مصغرة لإرتريا بكل مكوناته من دنكاليا لسيتيت ومن مصوع لقرورة ، لم يتخلف عن المؤتمر إلا رهط معلوم كانت له إشتراطاته وأجنداته ومطالبه الاستعلائية ، وكانت تلك المواقف تصب في مصلحة نظام الطغيان الذي يسوؤه إصطفاف الشعب الارتري من أجل التغييرالديمقراطي أراد هؤلاء ذلك أم لم يريدوا فهم قد ساروا في ذات الركب ومبرراتهم أوهى من حبال العنكبوت .

والغريب أن يستدعي عبد السلام لحظات تاريخية عابرة من العيادة الميدانية لجبهة التحرير الارترية  ،  في دبر سلا جرت بعدها مياه كثيرة في ذات الجدول وحدثت متغييرات واسعة وحتى جبهة التحرير التي كانت وكان فيها في دبر سلا لم تعد في ذات الجغرافيا ،  وتذكرها هنا ليس له معنى إطلاقاً سوى إستدعاء ماض إما للتزلف وإما لتأكيد أنه كان في تلك المحطة وربما للحظات قصيرة ظلت عالقة في ذاكرته حتى التجمد .

وما تجاهله صاحبنا أن أوراق المؤتمر وأهدافه ومقاصده كانت منشورة في مواقع النت ومتاحة للجميع ليس للارتريين فحسب بل ولكل المهتمين بالشأن الارتري ، أي لم يكن للمفوضية ما تدسه عن الشعب الارتري صاحب الحق الأصيل ، وهي قد مارست أقصى درجات الشفافية والوضوح وإتاحة الفرصة أمام كل النخب السياسية والثقافية والاجتماعية للإدلاء بآرائهم ومقترحاتهم وتعديلاتهم سواء إنتظم هؤلاء في القوى السياسية أو منظمات المجتمع المدني أو كانوا مستقلين ، وكانت هذه منهجية غير مسبوقة تصب في وضوح رؤية المفوضية للأمر وفي خانة تقوية الديمقراطية وتداول الآراء وشفافية الممارسة السياسية في الشأن العام ، وهي سابقة ينبغي تجويدها ، كما كانت أبواب المفوضية وإيميلاتها مفتوحة أمام الجميع سواء عبر الحضور الشخصي أو اللقاءات العامة أو المراسلة والهدف إتاحة الفرصة لأوسع قطاع ممكن من أبناء الشعب الارتري ، لأن القضية التي كلفت بها المفوضية تعني كل إرتري قادر على المساهمة بشتى أشكالها  ولاأدري إن كان هذا خطأ إستراتيجي وخرق خطير حسب رأي عبد السلام .

وربما الخطأ الاستراتيجي في نظر عبد السلام كان في مكان إنعقاد المؤتمر مدينة أواسا في أثيوبيا ذات ال56 قومية والتي حرص حاكمها لتوضيح قوة التعايش بين تلك القوميات على أساس الحقوق والاحترام المتبادل والتعاون في التنمية وما نتج عنه من تعايش وإستقرار رغم هذا العدد الكبير من القوميات في إقليمهم  … وأمثال من يفكر على طريقة عبد السلام لايستقرئ التاريخ الانساني الذي كانت فيه الحروب الطاحنة وأنهار الدماء بين العديد من الدول وإذا عدنا لأسباب تلك الحروب نجد أنها كلها منطلقة من مشكات واحدة وهي عقلية الاستحواذ والاستعلاء وحب السيطرة على الآخر وأخذ موارده وهي أطماع حركها على الدوام أباطرة وملوك ومن المستحيل أن نرى في ظل دولة يسودها شيئ من العدل ، ونعرف أن الأمبراطوريات كلها تشكلت نتيجة للقهر والتمدد ففي أثيوبيا كانت تحت إمرت أمراء الاقطاع من التجراي والأمهرا  الذين ساندتهم بقوة الكنيسة ثم آلت لقبضة الأمهرا أو أمراء الإقطاع الذين إستعبدوا الأمهرا أنفسهم وإستخدموهم في حروبهم التوسعية وهؤلاء الآباطرة الذين قهروا الشعوب الأثيوبية إمتدوا بقهرهم وسيطرتهم لإرتريا وكانوا خلفاً للاستعمار الأوروبي فيها ومعروفما إرتكبوه من فظائع في إرتريا ، وأوروبا نفسها كانت قد تشكلت فيها الدولة القومية نتيجة للقهر والغلبة ثم إمتد التنافس الأوروبي لإستعمار دول العالم الثالث فكانت أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية والشمالية مسرحاً لذلك التنافس ، وبسببه دارت حروب طاحنة سفكت فيها الكثير من الدماء ليس دماء الأوربيون فحسب بل دماء من جند من الدول المستعمرة في تلك الحروب العبثية المجنونة ، ورغم كل تلك الحروب والعداوات هاهي أوروبا تخلق بين دولها  أعظم العلاقات وصلت لحد إنشاء الاتحاد الأوروبي والعملة الواحدة ،إذاً الحرب في تاريخ العلاقات بين الشعوب لحظات عابرة وإن كانت موجعة وأليمة وتبقى عالقة في الذاكرة  ، ونحن في إرتريا قدرنا أننا وجدنا وجوارنا السودان وإثيوبيا وجيبوتي وإذا عبرنا البحر الأحمراليمن والسعودية وبهذا فإن هذا القدر يستحيل تغييره وهو يفرض علينا الجوار الحسن والتعاون وتبادل المنافع مع هذه الدول ، وبالتالي إفتعال الحروب العبثية أو الإنغماس في حروب عبثية أو التكلس في تلك المرحلة الأليمة لايخدم شعبنا خاصة واننا خرجنا من حرب طويلة ضروس إمتدت لثلاثة عقود وحرب حدود لاتزال شاخصة حتى اليوم ، وقديماً قالت العرب الحرب أولها كلام ويبدو أن كلام صاحبنا دعوة لإستمرار الكراهية وإستمرار الحروب العبثية وآثارها النفسية .

ويبدو أنه توقف عند مرحلة تلك الحرب ولم يعد يفكر في تجاوز هواجسها لبناء علاقات إقليمية هادئة ، كما وأن أثيوبيا هي المكان الوحيد المفتوح أمام قوى الشعب الارتري وإجترار مرارات التاريخ لايخدم إلا النظام الاستبدادي وقديما قيل لا صداقة دائمة ولاعداوة دائمة بل مصالح دائمة .

يتبع في الحقلة الثانية

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=19993

نشرت بواسطة في يناير 1 2012 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010