خواطر .. في أيام عيد الأضحى المبارك

بقلم: علي عبد العليم

3/12/2009م

تعرض المسلمون في الأيام الفائتة إلي بركات عيد الفداء المعظم ، وعاشوا لحظات ندية بالفرح والسرور ، وريانة بالروحانيات والفيوضات الربانية ، ومشحونة بعبق التاريخ متصلة الوشائج والأواصر به ، حيث فدي الله تعالي الذبيح إسماعيل ، بعد أن نجح الخليل أبيه في الامتحان ، فجاءته الجائزة الإلهية متمثلة في الفداء الرباني ( وفديناه بذبح عظيم ) ، وهكذا شرعت الأضاحي تأسياً ، ومحصت القرابين خالصة لله تعالي ، ونقيت من كدر الجاهلية ، وشبة الشرك والخرافة ..

وارتبطت الأضحيات في الإسلام بفريضة الحج ، وموسم الهجرة إلي الرحاب الطاهرة ، والبقاع الشريفة ، مهبط الوحي ، والكعبة المشرفة ، ومثوى قبر الرسول صلي الله عليه وسلم ، ومسجده وروضته المقتطعة من الجنة ، وباقي المشاعر المقدسة ..

فإذا ما أفاض الحجيج من عرفات إلي مني عبر المزدلفة ، قدموا الأضاحي والقرابين بين يدي حجتهم خالصة لله تعالي ، ونحروا ما تيسر من بهيمة الأنعام ، والمسلمون في بقاع الأرض يعيشون مع الحجاج أداء المناسك والشعائر لحظة بلحظة ، فما طلع الملبون مرتفعا أو انحدروا نازلين منه ، إلا والقلوب المتيمة الولهي تحط وتنزل معهم ..

وما ضحي المضحون ضحاياهم وسال دماؤها ، إلا وسالت دماء تلك القلوب المتيمة الولهي ، التي حبسها الحابس فلم تكن شهودا مع الحجيج لتنعم بالنفحات الربانية ، والبركات الإلهية ، ضارعة في نفس الوقت إلي الله تعالي أن يتقبل حجتهم ، ويفك قيد من حبس عن الحج في العام القادم ، فنسأل الله تعالي أن يتقبل الضراعات والابتهالات ويشهدنا وجميع المسلمين حج بيته الكريم .

إن الفكرة المركزية للأضحية تتمثل في : نحر شيء من البهائم واهراق دمه في الأيام الثلاثة من عيد الأضحى المبارك ، تعبدا لله وتقربا  إليه ..

وأنا في غمرة غبطتي وقمة سروري بالعيد السعيد ، تذكرت الوطن الجريح ، والمحرومين من مواطنيه في سجنه الكبير ، حيث الجوع والمسغبة والحرمان ، سلبتهم الدكتاتورية الغاشمة الفرح والسرور ، وأطالت ليالي أحزانهم ، وواصلت مآسيهم إذلالا وقمعا ..

فكيف يتسرب الفرح إلي نفوس المواطنين الغلابي  ، ولا تخلو أسرة من فرد لها معتقل وحبيس ، أو قتيل أو شريد ، ومن بقي طليقا في السجن الكبير ( الوطن ) ، عاش عيشة ضنكا ، تعتصره الفاقة ، وتسرق عرقه ، وثمرة جهده ، العصابة المتنفذة ، والطغمة الحاكمة ، وعلي رأسها دكتاتورها الطاغية أسياس ..

لقد قدمت الأضاحي والقرابين ، علي مدي العصور التاريخية المختلفة ، ونحرت في المعابد علي أعتاب الآلهة المزيفة ، تقربا وزلفي إليها ، وتنوعت تلك القرابين وطقوس تقديمها ، وتعدد مقدموها بحسب أغراضهم وما ينتظرون من تلك الآلهة .

وفي الحالة الارترية ، هناك أضاحي وقرابين من نوع آخر ، ابتلى الله بها ارتريا ..  ومما جال بخاطري من تلك الأصناف ، هو ما وقع منها في فترة حكم الإمبراطور الهالك هيلي سلاسي ، وحكم الدكتاتور اسياس .

ففي إبان حكم الإمبراطور هيلي سلاسي ، وبعد سلسلة من المؤامرات والدسائس ، أقدم الإمبراطور علي :

  1. 1. ذبح القداسة الدينية في معبد الطائفية البغيضة ، حيث استغل الكنيسة في دق إسفين بين أبناء الطائفتين المسلمة والمسيحية ، ونحر السلام الاجتماعي ، والتعايش الايجابي ، وأسس بذلك للطائفية السياسية ، ونقل أدواءها المتفشية في بلده إلي ارتريا البريئة ..
  2. 2. ذبح الإمبراطور الهالك الفيدرالية المفروضة بين ارتريا و بلده قربانا لأطماعه التوسعية ، ومخططاته الشوفينية ، فابتلع ارتريا بضمها إلي دولته الكهنوتية !!.
  3. 3. قدم الإمبراطور البائد كل الشعب الارتري ، وليس مناضليه فحسب ، أضاحي أو مشروع أضاحي ، إنفاذا لمخططه الرامي إلي إفراغ ارتريا من سكانها ، رافعا شعار ( ارتريا أرضا بلا سكان ) ، أو ماعرف بسياسة الأرض المحروقة ، فأراق دماء غزيرة ، ونحر أنفسا بريئة ، ذنبها أنها تعشق الحرية ، وأدار مذابح عديدة في ( عد ابرهيم ، ميسيام ، عونا ، عايليت ، أم حجر ، صنعفي ، امباسديرا، امبيرمي ، … ) ، وغيرها من مذابح تمثل قرابينه المخزية .
  4. 4. وتنوعت جرائم الإمبراطور من قتل وسحل ونحر وذبح وصلب ومثلة ، وغيرها من جرائم بشعة يندي لها جبين الإنسانية هولا وفزعا ، وتتقاذم أمامها جرائم السفاحين والجزارين عبر الحقب التاريخية المختلفة ، ولا يضاهيها إلا مذابح صبرا وشاتيلا بيد اليهود الصهاينة .؟!

أما أضحيات ( الإمبراطور) أسياس ، فنذكر بعضا منها فهي من الكثرة بحيث تستعصي علي الحصر والإحصاء :-

  1. 1. ضرب الوحدة الوطنية في مقتل بمشروعه ( نحنان وعلامانان ) ، نحن وأهدافنا ، ثم نحرها قربانا لأهدافه الطائفية ، ثم أقصي جبهة التحرير الارترية بالاستعانة بالأجنبي ( وياني تقراي ) ، فكان قربانا مخزيا غير متقبل !.
  2. 2. الاغتيالات الحاقدة وسط رموز وقيادات الثورة الارترية ، والقائمة تطول وتطول ، ولن نورد هنا أسماء لأنها محفورة في الذاكرة الجمعية للشعب الارتري ، ويا ويل الطاغية من يوم القصاص !.
  3. 3. الانفراد بالسلطة والتنكر لنضالات الشعب الارتري ، ممثلة في تنظيماته وقواه السياسية .. حيث رفض المذكرة المرفوعة إليه من تنظيمات المعارضة الأربع ، بعد التحرير مباشرة ، فذبح بلك المصالحة الوطنية ، والمصلحة العليا للوطن في معبد الانفراد بالسلطة ، والتأسيس لدكتاتورية فردية غاشمة ..
  4. 4. الاعتقالات الليلية ، والاغتيالات التي طالت الشرفاء والأحرار ، ورمي جثثهم علي قارعة الطريق ، وادعاء انتحارها ، مع أنها نحرت ولم تنتحر !!. والمشتكي إلي الله !. ولم تقتصر الاعتقالات والاغتيالات علي السياسيين والعسكريين وشملت : المعلمين والمربين والدعاة والتجار والقساوسة … وغيرهم من شرائح المجتمع .
  5. 5. لم يسلم من غدر الدكتاتور حتى رفقاء الثورة والسلطة ( مجموعة الـ 15 ) ، فذبح الزمالة والرفقة قربانا لشهوته في السلطة ، وإرضاء لنزوته الفردية الاقصائية .
  6. 6. ذبح الحريات ، كل الحريات ، وجمد الدستور الذي وضعه بيده ! ، وأرسل البرلمان في إجازة مفتوحة ، وصادر الصحف المستقلة ، وكمم الأفواه ، ومنع الحريات الدينية للمسلمين وطوائف من المسيحيين ، ومد الفترة الانتقالية ، فصارت الحكومة المؤقتة ، حكومة دائمة بدوام حياته ، ومنع الانتقال إلي الديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة ، …
  7. 7. نحر القطاع الخاص قربانا للقطاع العام ، فاحتكرت شركات الحزب الحاكم الاقتصاد والتجارة والصناعة .. فلا الحكومة أطعمت المواطنين ولا تركتهم يأكلون من ( خشاش الأرض ) من تجاراتهم وأعمالهم ، فأفقرتهم بالتجنيد لمدد غير معلومة الأجل ، وسرقة جهدهم وعرقهم في أعمال السخرة ، ونهب ما في جيوبهم بفرض الضرائب الباهظة والإتاوات والغرامات الفادحة والرشاوى ، وغيرها من الأموال التي تؤخذ من المواطنين غلابا دون وجه حق شرعي ؟!. وأذاقتهم ذل الجوع والمسغبة ، بالاستيلاء علي منتجاتهم الزراعية ، ومصادرة أنعامهم ومواشيهم ، والتحكم في صرف المواد الغذائية لقهر وإرغام المواطنين علي الامتثال لسياساتها الرعناء ..
  8. 8. ذبح العملية التعليمية والتربوية والاستنارة ، وفرض التجهيل الممنهج ، والتبعية الحضارية ، بانتهاج التعليم بما يسمي باللغة الأم ، والانخراط في المشروع الطائفي وثقافته ولغته الأحادية ..
  9. 9. ذبح حقوق المواطنة ، وبخس المسلمين خاصة مواطنتهم ، ومصادرة أراضيهم ، ونهب خيراتها ، وزرع قنابل ديموغرافية موقوتة ، لهتك نسيج الوحدة الوطنية ، وتدمير السلام الاجتماعي ، ونسف التعايش السلمي ،..
  10. 10. نحر مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول .. فأجج الصراعات الداخلية ، والنزاعات الإقليمية بإيوائه المعارضين لحكوماتهم ، وتوفير التدريب والسلاح والمؤن لهم من حر مال الشعب الارتري ..

وأخيرا أخل بالتوازن الاستراتيجي في علاقات ارتريا بمحيطها الإقليمي ، ومكن أرضها ومقدراتها لأعداء شعبها .. في شكل قواعد عسكرية ، ومواقع للتجسس والتخابر العالمي ، ومواقع تدريب المتمردين ، واستثمارات لشركات مشبوهة ودول عدوة ، إلي غير ذلك من أفعاله الموبقات المهلكات ..

وبعد هذا أترى هذه الخواطر التي تواردت علي ، هي خواطر شيطانية ، واني تجنيت علي الحقيقة ، وأخطأتها ولم أصب كبدها ، أم انها عين الحقيقة المجردة ، وهي وقائع أثبتها التاريخ في صحائفه ، وحفظها في طياته ، ليعتبر من يعتبر ، ويرعوي من له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد ، وإلا فالتاريخ كفيل باستقباله في مزبلته ، حيث تلاحقه اللعنات ويطويه النسيان ،

واللهم تقبل اضحياتنا ، وأحسن خلاص شعبنا ، عاجلا غير آجل ..

والملتقي بإذن الله في اسمرا الحرة ، في ظل الديمقراطية والسلام الاجتماعي ..

وكل عام والجميع بألف خير،،،

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=352

نشرت بواسطة في ديسمبر 5 2009 في صفحة خواطر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010